الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والصواب من القراءة عندنا في ذلك:"وإله آبائك"، لإجماع القراء على تصويب ذلك، وشذوذ من خالفه من القراء ممن قرأ خلاف ذلك.
* * *
ونصب قوله:"إلها"، على الحال من قوله:"إلهك".
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ
(134) }
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره. بقوله:"تلك أمة قد خلت"، إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وولدهم.
يقول لليهود والنصارى: يا معشر اليهود والنصارى، دَعوا ذكر إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والمسلمين من أولادهم بغير ما هم أهله، ولا تنحلوهم كفر اليهودية والنصرانية، فتضيفونها إليهم، فإنهم أمة - ويعني: ب"الأمة" في هذا الموضع: الجماعةَ والقرنَ من الناس (1) - قد خلت: مضت لسبيلها.
* * *
وإنما قيل للذي قد مات فذهب:"قد خلا"، لتخليه من الدنيا وانفراده، عما كان من الأنس بأهله وقرنائه في دنياه. (2)
وأصله من قولهم:"خلا الرجل"، إذا صار بالمكان الذي لا أنيس له فيه، وانفرد من الناس. فاستعمل ذلك في الذي يموت، على ذلك الوجه.
* * *
ثم قال تعالى ذكره لليهود والنصارى: إن لمن نحلتموه - ضلالكم وكفركم الذي أنتم عليه (3) - من أنبيائي ورسلي، ما كسب (4) .
(1) انظر ما سلف في معنى"أمة" 1: 221، وهذا الجزء 3:74.
(2)
في المطبوعة: "بما كان من الأنس"، والصواب ما أثبت: أي: تخليه عما كان من الأنس بأهله. .
(3)
في المطبوعة: "بضلالكم وكفركم" بزيادة الباء، وسياق الطبري يقتضي حذف هذه الباء.
(4)
في المطبوعة: "كسبت"، وهو خطأ، والصواب ما أثبت.
"والهاء والألف" في قوله:"لها"، عائدة إن شئت على"تلك"، وإن شئت على"الأمة".
* * *
ويعني بقوله:"لها ما كسبت"، أي ما عملت من خير، (1) . ولكم يا معشر اليهود والنصارى مثل ذلك ما عملتم، ولا تؤاخذون أنتم - أيها الناحلون ما نحلتموهم من الملل - فتسألوا عما كان إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وولدهم يعملون. فيكسبون من خير وشر، لأن لكل نفس ما كسبت وعليها ما اكتسبت. فدعوا انتحالهم وانتحال مللهم، فإن الدعاوَى غيرُ مغنيتكم عند الله، وإنما يغني عنكم عنده ما سلف لكم من صالح أعمالكم، إن كنتم عملتموها وقدمتموها.
* * *
(1) انظر معنى"الكسب" فيما سلف 2: 273-274.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا}
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا"، وقالت اليهود لمحمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المؤمنين: كونوا هودا تهتدوا؛ وقالت النصارى لهم: كونوا نصارى تهتدوا.
* * *
تعني بقولها:"تهتدوا"، أي تصيبوا طريق الحق، (1) . كما:-
2090-
حدثنا أبو كريب قال: حدثنا يونس بن بكير - وحدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة - جميعا، عن ابن إسحاق، قال: حدثني محمد بن أبي محمد مولى
(1) انظر معاني"الهدى" فيما سلف 1: 166-170، 230، 249، 549-551/2:393.
زيد بن ثابت قال: حدثني سعيد بن جبير، أو عكرمة، عن ابن عباس قال: قال عبد الله بن صوريا الأعور لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الهدى إلا ما نحن عليه! فاتبعنا يا محمد تهتد! وقالت النصارى مثل ذلك. فأنزل الله عز وجل فيهم:"وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين". (1)
* * *
قال أبو جعفر: احتج الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أبلغ حجة وأوجزها وأكملها، وعلمها محمدا نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، قل - للقائلين لك من اليهود والنصارى ولأصحابك:"كونوا هودا أو نصارى تهتدوا" -: بل تعالوا نتبع ملة إبراهيم التي يجمع جميعنا على الشهادة لها بأنها دين الله الذي ارتضاه واجتباه (2) وأمر به -فإن دينه كان الحنيفية المسلمة- وندع سائر الملل التي نختلف فيها، فينكرها بعضنا، ويقر بها بعضنا. فإن ذلك -على اختلافه- لا سبيل لنا على الاجتماع عليه، كما لنا السبيل إلى الاجتماع على ملة إبراهيم.
* * *
وفي نصب قوله:"بل ملة إبراهيم" أوجه ثلاثة. أحدها: أن يوجه معنى قوله:"وقالوا كونوا هودا أو نصارى"، إلى معنى: وقالوا اتبعوا اليهودية والنصرانية. لأنهم إذ قالوا:"كونوا هودا أو نصارى"، إلى اليهودية والنصرانية دعوهم، ثم يعطف على ذلك المعنى بالملة. فيكون معنى الكلام حينئذ: قل يا محمد، لا نتبع اليهودية والنصرانية، ولا نتخذها ملة، بل نتبع ملة إبراهيم حنيفا، ثم يحذف"نتبع" الثانية، ويعطف ب"الملة" على إعراب اليهودية والنصرانية.
والآخر: أن يكون نصبه بفعل مضمر بمعنى"نتبع"
والثالث: أن يكون أريد: بل نكون أصحاب ملة إبراهيم، أو أهل ملة
(1) الأثر: 2090- سيرة ابن هشام 2: 198.
(2)
في المطبوعة: "تجمع جميعنا"، وهي خطأ، والصواب"يجمع"، من الإجماع.
إبراهيم. ثم حذف"الأهل" و"الأصحاب"، وأقيمت"الملة" مقامهم، إذ كانت مؤدية عن معنى الكلام، (1) كما قال الشاعر:(2)
حسبت بغام راحلتي عناقا!
…
وما هي، ويب غيرك، بالعناق (3)
يعني: صوت عناق، فتكون"الملة" حينئذ منصوبة، عطفا في الإعراب على"اليهود والنصارى".
* * *
وقد يجوز أن يكون منصوبا على وجه الإغراء، باتباع ملة إبراهيم. (4)
وقرأ بعض القراء ذلك رفعا، فتأويله - على قراءة من قرأ رفعا: بل الهدى ملة إبراهيم.
* * *
(1) انظر معاني القرآن للفراء 1: 82، ويريد في هذا القول الأخير، أن النصب بقوله"نكون"، التي هي من معنى قوله:"كونوا هودا. . "، ثم حذفت"نكون".
(2)
هو ذو الخرق الطهوي، وانظر الاختلاف في اسمه، ومن سمي باسمه في المؤتلف والمختلف: 119، والخزانة 1: 20، 21.
(3)
سيأتي في التفسير 2: 56 منسوبا / ثم 4: 60/15: 14 (بولاق)، ونوادر أبي زيد: 116، ومعاني القرآن للفراء 1: 61 - 62، واللسان (ويب)(عنق)(عقا)(بغم) وغيرها. وهو من أبيات يقولها لذئب تبعه في طريقه، وهي أبيات ساخرة جياد. ألم تعجب لذئب بات يسري
…
ليؤذن صاحبا له باللحاق
حسبت بغام راحلتي عناقا!
…
وما هي، ويب غيرك، بالعناق
ولو أني دعوتك من قريب
…
لعاقك عن دعاء الذئب عاق
ولكني رميتك من بعيد
…
فلم أفعل، وقد أوهت بساقي
عليك الشاء، شاء بني تميم،
…
فعافقه، فإنك ذو عفاق
وقوله"عناق" في البيت: هي أنثى المعز، وقوله:"ويب" أي ويل. والبغام: صوت الظبية أو الناقة، واستعاره هنا للمعز. وقوله في البيت الثالث"عاق"، أي عائق، فقلب، والعقاق: السرعة في الذهاب بالشيء. عافقه: عالجه وخادعه ثم ذهب به خطفة واحدة.
(4)
انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 57، وقوله:"عليكم ملة إبراهيم".
القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135) }
قال أبو جعفر: و"الملة"، الدين
* * *
وأما"الحنيف"، فإنه المستقيم من كل شيء. وقد قيل: إن الرجل الذي تقبل إحدى قدميه على الأخرى، إنما قيل له"أحنف"، نظرا له إلى السلامة، كما قيل للمهلكة من البلاد"المفازة"، بمعنى الفوز بالنجاة منها والسلامة، وكما قيل للديغ:"السليم"، تفاؤلا له بالسلامة من الهلاك، وما أشبه ذلك.
* * *
فمعنى الكلام إذا: قل يا محمد، بل نتبع ملة إبراهيم مستقيما.
فيكون"الحنيف" حينئذ حالا من"إبراهيم"
* * *
وأما أهل التأويل فإنهم اختلفوا في تأويل ذلك. فقال بعضهم:"الحنيف" الحاج. وقيل: إنما سمي دين إبراهيم الإسلام"الحنيفية"، لأنه أول إمام لزم العباد -الذين كانوا في عصره، والذين جاءوا بعده إلى يوم القيامة- اتباعه في مناسك الحج، والائتمام به فيه. قالوا: فكل من حج البيت فنسك مناسك إبراهيم على ملته، فهو"حنيف"، مسلم على دين إبراهيم.
ذكر من قال ذلك:
2091-
حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا القاسم بن الفضل، عن كثير أبي سهل، قال: سألت الحسن عن"الحنيفية"، قال: حج البيت.
2092-
حدثني محمد بن عبادة الأسدي قال: حدثنا عبد الله بن موسى
قال: أخبرنا فضيل، عن عطية في قوله:"حنيفا" قال الحنيف: الحاج. (1)
2093-
حدثني الحسين بن علي الصدائي قال: حدثنا أبي، عن الفضيل، عن عطية مثله. (2)
(1) الخبر: 2092- محمد بن عبادة الأسدي، شيخ الطبري: هذا الشيخ مضى مرارا في المطبوعة على أوجه. منها: 645، 1511 باسم"محمد بن عمارة الأسدي"، وذكرنا في ثانيهما أننا لم نجد له ترجمة ولا ذكرا، إلا في رواية الطبري عنه مرارا في التاريخ. ولم نجده في فهارس التاريخ إلا كذلك. ومنها: 1971، باسم"محمد بن عمار"، وصححناه فيه على ما رأينا من قبل"محمد بن عمارة". ولكنه جاء هنا -كما ترى- باسم"محمد بن عبادة". والراجح عندي الآن أنه هو الصواب. فإن يكن ذلك تكن نسخ الطبري في التفسير وفي التاريخ محرفة في كل موضع ذكر فيه على غير هذا النحو.
وهذا الشيخ"محمد بن عبادة بن البختري الأسدي الواسطي": ثقة صدوق، كان صاحب نحو وأدب. وهو من شيوخ البخاري، وأبي حاتم، وأبي داود، وغيرهم. وهو مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 4/1/17. روى عنه البخاري في الصحيح حديثين، (8: 26، و 9: 93 من الطبعة السلطانية) - (10: 429، و 13: 214 من الفتح) - (9: 53، و 10: 246 من القسطلاني طبعة بولاق الأول) . ونص بهامش السلطانية على أن"عبادة" - في الموضعين: بفتح العين. وكذلك ضبطه الشارحان. قال الحافظ (13: 214) : "بفتح المهملة وتخفيف الموحدة، واسم جده: البختري، بفتح الموحدة وسكون المعجمة وفتح المثناة من فوق، ثقة واسطي، يكنى: أبا جعفر. ما له في البخاري إلا هذا الحديث، وآخر تقدم في كتاب الأدب"، يعني الذي مضى في الفتح (8: 26) .
وكذلك ضبط اسم أبيه، في المشتبه للذهبي: 333، والحافظ في تحرير المشتبه (مخطوط) .
وإنما رجحت -هنا- أنه"محمد بن عبادة": لأن"محمد بن عمارة الأسدي" مفقود ذكره في كتب التراجم والرواية. فيما وصل إليه علمي، ولأن كثيرا من رواياته في التاريخ والتفسير - عن"عبيد الله بن موسى"، كما في التفسير: 1511، والتاريخ 1: 57، و 2: 266، و 3: 76، 78. نعم: يمكن أن يكون هناك شيخ آخر -لم يصل إلينا علمه- باسم"محمد بن عمارة" يتفق مع هذا في شيوخه وفي الرواة عنه. ولكني أرى أن ما ذكرت هو الأرجح.
و"عبيد الله بن موسى": هو العبسي الحافظ الثقة. وهو مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 2/2/334-335، وتذكرة الحفاظ 1: 322-323، ووقع اسمه في المطبوعة هنا"عبد الله" وهو تحريف واضح.
فضيل: هو ابن مرزوق الرقاشي: وهو ثقة، رجحنا توثيقه في شرح المسند: 1251، لأن من تكلم فيه، إنما تكلم من أجل أحاديث يرويها عن عطية العوفي - الذي يروى عنه هنا، وعطية ضعيف، كما مضى في:305.
(2)
الخبر: 2093- الحسين بن علي الصدائي -بضم الصاد وتخفيف الدال المهملتين- الأكفاني: ثقة عدل من الصالحين، روى عنه الترمذي والنسائي وغيرهما. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 1/2/56، وتاريخ بغداد 8: 67-68.
أبوه"علي بن يزيد بن سليم الصدائي": ثقة أيضًا، تكلم فيه بعضهم. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 3/1/209.
2094-
حدثنا ابن حميد قال: حدثنا حكام بن سلم، (1) عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد قال: الحنيف الحاج.
2095-
حدثني الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن التيمي، عن كثير بن زياد قال: سألت الحسن عن"الحنيفية"، قال: هو حج هذا البيت.
قال ابن التيمي: وأخبرني جويبر، عن الضحاك بن مزاحم، مثله. (2)
2096-
حدثنا ابن بشار قال: حدثنا ابن مهدي قال: حدثنا سفيان، عن السدي، عن مجاهد:"حنفاء" قال: حجاجا. (3)
2097-
حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:"حنيفا" قال: حاجا.
2098-
حدثت عن وكيع، عن فضيل بن غزوان، عن عبد الله بن القاسم قال: كان الناس من مضر يحجون البيت في الجاهلية يسمون"حنفاء"، فأنزل الله تعالى ذكره (حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ) . [سورة الحج: 31]
* * *
وقال آخرون:"الحنيف"، المتبع، كما وصفنا قبل، من قول الذين قالوا: إن معناه: الاستقامة.
ذكر من قال ذلك:
2099-
حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا سفيان،
(1) في المطبوعة"حكام بن سالم"، خطأ. وقد مضى كثيرا في إسناد الطبري.
(2)
الخبر: 2095- ابن التيمي: لم أجد نصا يعين من هو؟ ونسبة"التيمي" فيها سعة. وأنا أرجح أن يكون"معتمر بن سليمان بن طرخان التيمي". فإنه من هذه الطبقة، ويروي عنه عبد الرزاق. ولعل عبد الرزاق ذكره بهذه النسبة، لئلا يشتبه باسم معمر. وهو ابن راشد، إذ يكثر عبد الرزاق الرواية عن معمر. فخشي التصحيف لو قال هنا"معتمر". فخرج منه بقوله"ابن التيمي".
(3)
انظر ما سيأتي في رقم: 2098، فهذا من تفسير آية سورة الحج المذكورة ثم.
عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"حنفاء" قال: متبعين.
* * *
وقال آخرون: إنما سمي دين إبراهيم"الحنيفية"، لأنه أول إمام سن للعباد الختان، فاتبعه من بعده عليه. قالوا: فكل من اختثن على سبيل اختتان إبراهيم، فهو على ما كان عليه إبراهيم من الإسلام، فهو"حنيف" على ملة إبراهيم. (1)
وقال آخرون:"بل ملة إبراهيم حنيفا"، بل ملة إبراهيم مخلصا."فالحنيف" على قولهم: المخلص دينه لله وحده.
ذكر من قال ذلك:
2100-
حدثنا محمد بن الحسين قال: حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط، عن السدي:"واتبع ملة إبراهيم حنيفا"، يقول: مخلصا.
* * *
وقال آخرون: بل"الحنيفية" الإسلام. فكل من ائتم بإبراهيم في ملته فاستقام عليها، فهو"حنيف".
* * *
قال أبو جعفر:"الحنف" عندي، هو الاستقامة على دين إبراهيم، واتباعه على ملته. (2) . وذلك أن الحنيفية لو كانت حج البيت، لوجب أن يكون الذين كانوا يحجونه في الجاهلية من أهل الشرك كانوا حنفاء. وقد نفى الله أن يكون ذلك تحنفا بقوله:(ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين)[سورة آل عمران: 67]
فكذلك القول في الختان. لأن"الحنيفية" لو كانت هي الختان، لوجب أن يكون اليهود حُنفاء. وقد أخرجهم الله من ذلك بقوله:(مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا)[سورة آل عمران: 67] .
(1) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 58.
(2)
في المطبوعة: "الحنيف عندي هو الاستقامة"، وهو كلام مختلف، صوابه ما أثبت.
فقد صحّ إذًا أن"الحنيفية" ليست الختانَ وحدَه، ولا حجَّ البيت وحده، ولكنه هو ما وصفنا: من الاستقامة على ملة إبراهيم، واتباعه عليها، والائتمام به فيها.
* * *
فإن قال قائل: أوَ ما كان مَنْ كان من قبل إبراهيم صلى الله عليه وسلم، من الأنبياء وأتباعهم، مستقيمين على ما أمروا به من طاعة الله استقامةَ إبراهيم وأتباعه؟
قيل: بَلى.
فإن قال: فكيف أضيف"الحنيفية" إلى إبراهيم وأتباعه على ملته خاصة، دون سائر الأنبياء قبله وأتباعهم؟
قيل: إنّ كل من كان قبل إبراهيم من الأنبياء كان حنيفًا متّبعًا طاعة الله، ولكن الله تعالى ذكره لم يجعل أحدًا منهم إمامًا لمن بعده من عباده إلى قيام الساعة، كالذي فعل من ذلك بإبراهيم، فجعله إمامًا فيما بيّنه من مناسك الحج والختان، وغير ذلك من شرائع الإسلام، تعبُّدًا به أبدًا إلى قيام الساعة. وجعل ما سنّ من ذلك عَلَمًا مميّزًا بين مؤمني عباده وكفارهم، والمطيعِ منهم له والعاصي. فسمِّي الحنيفُ من الناس"حنيفًا" باتباعه ملته، واستقامته على هديه ومنهاجه، وسُمِّي الضالُّ من ملته بسائر أسماء الملل، فقيل:"يهودي، ونصرانيّ، ومجوسيّ"، وغير ذلك من صنوف الملل
* * *
وأما قوله: و"ما كانَ مِن المشركين"، يقول: إنه لم يكن ممن يدين بعبادة الأوثان والأصنام، ولا كان من اليهود ولا من النصارى، بل كان حنيفًا مسلمًا.
* * *
فيه نحر الهدي يوم النحر والأيام التي بعده من أيام النحر، فأما قبل ذلك فلم يمكن نحره. قالوا: فإذا كان النحر لم يكن له لازما قبل ذلك، وإنما لزمه يوم النحر، فإنما لزمه الصوم يوم النحر، وذلك حين عدم الهدي فلم يجده، فوجب عليه الصوم. قالوا: وإذا كان ذلك كذلك، فالصوم إنما يلزمه أوله في اليوم الذي يلي يوم النحر. وذلك أن النحر إنما كان لزمه من بعد طلوع الفجر. ومن ذلك الوقت إذا لم يجده، يكون له الصوم. قالوا: وإذا طلع فجر يوم لم يلزمه صومه قبل ذلك، إذا كان الصوم لا يكون في بعض نهار يوم في واجب، علم أن الواجب عليه الصوم من اليوم الذي يليه إلى انقضاء الأيام الثلاثة بعد يوم النحر من أيام التشريق.
قالوا: ولا معنى لقول القائل: إن أيام منى ليست من أيام الحج; لأنهن ينسك فيهن بالرمي والعكوف على عمل الحج، كما ينسك غير ذلك من أعمال الحج في الأيام قبلها. قالوا: هذا مع شهادة الخبر الذي:-
3470 -
حدثني به محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: حدثنا يحيى بن سلام أن شعبة حدثه عن ابن أبي ليلى، عن الزهري، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، قال: رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتمتع إذا لم يجد الهدي ولم يصم حتى فاتته أيام العشر، أن يصوم أيام التشريق مكانها. (1)
(1) الحديث: 3470 - يحيى بن سلام البصري نزيل مصر: ثقة، قال ابن أبي حاتم 4/2/155:"سألت أبي عنه؟ فقال: كان شيخا بصريا وقع إلى مصر، وهو صدوق". وله ترجمة جيدة في طبقات علماء إفريقية لأبي العرب، ص: 37- 39 وقال أبو العرب: "كان ثقة ثبتا، لقى غير واحد من التابعين وأكثر من لقى الرجال والحمل عنهم. وله مصنفات كثيرة في فنون العلم، وكان من الحفاظ". وذكر أنه مات بمصر سنة 200. وفي لسان الميزان أنه ضعفه الدارقطني. ولكن أهل المغرب أعلم بحال رواتهم وكانت مصر تعتبر من بلاد المغرب.
ابن أبي ليلى: هو عبد الله بن أبي ليلى، وهو ثقة ثبت أخرج له أصحاب الكتب الستة.
والحديث رواه الطحاوي في معاني الآثار 1: 427، بهذا الإسناد نفسه: عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم مع شيء من الاختصار في اللفظ.
وأصل معناه ثابت في البخاري 4: 211، موقوفا. فرواه عن محمد بن بشار عن غندر عن شعبة:"سمعت عبد الله بن عيسى عن الزهري عن عروة عن عائشة - وعن سالم عن ابن عمر قالا: لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي". وروى مالك في الموطأ ص: 426 نحو معناه عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة - وعن ابن شهاب عن سالم عن أبيه.
وقول عائشة وابن عمر"لم يرخص": هو بضم الياء، كما رواه الحافظ من أصحاب شعبة - فيما ذكر الخافظ في الفتح: وهو عندنا مرفوع حكما، إن لم يكن مرفوعا لفظا. لأن الصحابي إذا قال ذلك فإنما يريد به من له حق الترخيص والمنع، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد بحث الحافظ في هذا الموضع بحثا جيدا في ذلك.
وذكر الحافظ رواية يحيى بن سلام هذه، نقلا عن الدارقطني والطحاوي.
= لصحة ما قلنا في ذلك من القول وخطأ قول من خالف قولنا فيه.
3471 -
حدثني يعقوب، قال: حدثني هشيم، عن سفيان بن حسين، عن الزهري، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حذافة بن قيس، فنادى في أيام التشريق، فقال: إن هذه أيام أكل وشرب وذكرٍ لله، إلا من كان عليه صوم من هدي. (1)
* * *
واختلف أهل العلم في أول الوقت الذي يجب على المتمتع الابتداء في صوم الأيام الثلاثة التي قال الله عز وجل:" فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج"، والوقت الذي يجوز له فيه صومهن، وإن لم يكن واجبا عليه فيه صومهن.
فقال بعضهم: له أن يصومهن من أول أشهر الحج.
* ذكر من قال ذلك:
3472 -
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام وهرون، عن عنبسة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وطاوس: أنهما كانا يقولان: إذا صامهن في أشهر الحج أجزأه. قال: وقال مجاهد: إذا لم يجد المتمتع ما يهدي، فإنه يصوم في العشر إلى يوم عرفة، متى ما صام أجزأه. فإن صام الرجل في شوال أو ذي القعدة أجزأه.
(1) الحديث: 3471 - سفيان بن حسين الواسطي: ثقة، تكلموا في روايته عن الزهري خاصة"فإن فيها تخاليط يجب أن يجانب، وهو ثقة في غير الزهري"- كما قال ابن حبان.
وهذا الحديث مرسل، لم يذكر الزهري من رواه عنه.
3473 -
حدثني أحمد بن المغيرة، قال: حدثنا يحيى بن سعيد القطان، قال: حدثنا محمد بن مسلم الطائفي، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: من صام يوما في شوال ويوما في ذي القعدة ويوما في ذي الحجة، أجزأه عنه من صوم التمتع. (1)
3474حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا شريك، عن ليث، عن مجاهد، قال: إن شاء صام أول يوم من شوال.
3475 -
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد في قول الله جل وعز:" فصيام ثلاثة أيام في الحج"، قال: إن شاء صامها في العشر، وإن شاء في ذي القعدة، وإن شاء في شوال.
* * *
وقال آخرون: يصومهن في عشر ذي الحجة دون غيرها.
* ذكر من قال ذلك:
3476 -
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام وهرون، عن عنبسة، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء: يصوم الثلاثة الأيام للمتعة في العشر إلى يوم عرفة.
3477 -
حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: حدثنا بشر بن بكر، عن الأوزاعي، قال: حدثني يعقوب أن عطاء بن أبي رباح كان يقول: من استطاع أن يصومهن فيما بين أول يوم من ذي الحجة إلى يوم عرفة، فليصم.
3478 -
حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء قال: ولا بأس أن يصوم المتمتع في العشر وهو حلال.
3479 -
حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا أبو شهاب، عن الحجاج، عن أبي جعفر، قال: لا يصام إلا في العشر.
(1) الخبر: 3473 - أحمد بن المغيرة، شيخ الطبري: لم أعرف من هو، ولم أجد له ترجمة ولا ذكرا.
3480 -
حدثني أحمد بن حازم، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا الربيع، عن عطاء أنه كان يقول في صيام ثلاثة أيام في الحج، قال: في تسع من ذي الحجة أيها شئت، فمن صام قبل ذلك في شوال وفي ذي القعدة، فهو بمنزلة من لم يصم.
* * *
وقال آخرون: له أن يصومهن قبل الإحرام بالحج.
* ذكر من قال ذلك:
3481 -
حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، قال: أخبرنا أيوب، عن عكرمة، قال: إذا خشي أن لا يدرك الصوم بمكة صام بالطريق يوما أو يومين.
3482 -
حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء، قال: لا بأس أن تصوم الثلاثة الأيام في المتعة وأنت حلال.
* * *
وقال آخرون: لا يجوز أن يصومهن إلا بعد ما يحرم بالحج.
* ذكر من قال ذلك:
3483 -
حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن مهدي، قال: حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن نافع، عن ابن عمر، قال: لا يصومهن إلا وهو حرام.
3484 -
حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن نصر، عن ابن أبي حبيبة، عن داود بن حصين، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه قال: الصيام للمتمتع ما بين إحرامه إلى يوم عرفة. (1)
3485 -
حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن نافع، عن ابن عمر، قال: لا يجزيه صوم ثلاثة أيام وهو
(1) الأثر: 3484: انظر التعليق على الأثر السالف رقم: 3439.
متمتع إلا أن يحرم. وقال مجاهد: يجزيه إذا صام في ذي القعدة.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن للمتمتع أن يصوم الأيام الثلاثة التي أوجب الله عليه صومهن لمتعته إذا لم يجد ما استيسر من الهدي، من أول إحرامه بالحج بعد قضاء عمرته واستمتاعه بالإحلال إلى حجه، إلى انقضاء آخر عمل حجه وذلك بعد انقضاء أيام منى سوى يوم النحر، فإنه غير جائز له صومه ابتدأ صومهن قبله، أو ترك صومهن فأخره حتى انقضاء يوم عرفة.
وإنما قلنا: له صوم أيام التشريق، لما ذكرنا من العلة لقائل ذلك قبل، (1) فإن صامهن قبل إحرامه بالحج فإنه غير مجزئ صومه ذلك من الواجب عليه من الصوم الذي فرضه الله عليه لمتعته. وذلك أن الله جل وعز إنما أوجب الصوم على من لم يجد هديا ممن استمتع بعمرته إلى حجه، فالمعتمر قبل إحلاله من عمرته وقبل دخوله في حجه غير مستحق اسم" متمتع" بعمرته إلى حجه. وإنما يقال له قبل إحرامه" معتمر"، حتى يدخل بعد إحلاله في الحج قبل شخوصه عن مكة. فإذا دخل في الحج محرما به - بعد قضاء عمرته في أشهر الحج، ومقامه بمكة بعد قضاء عمرته حلالا حتى حج من عامه - سمي"متمتعا". فإذا استحق اسم"متمتع" لزمه الهدي، وحينئذ يكون له الصوم بعدمه الهدي إن عدمه فلم يجده.
فأما إن صامه قبل دخوله في الحج - وإن كان من نيته الحج- فإنما هو رجل صام صوما ينوي به قضاء عما عسى أن يلزمه أو لا يلزمه، فسبيله سبيل رجل معسر صام ثلاثة أيام ينوي بصومهن كفارة يمين، ليمين يريد أن يحلف بها ويحنث فيها، وذلك ما لا خلاف بين الجميع أنه غير مجزئ من كفارة إن حلف بها بعد الصوم فحنث.
(1) في المطبوعة: "قيل" مكان"قبل" وهو خطأ وتصحيف بلا معنى.
فإن ظن ظان أن صوم المعتمر- بعد إحلاله من عمرته، أو قبله، وقبل دخوله في الحج - مجزئ عنه من الصوم الذي أوجبه الله عليه إن تمتع بعمرته إلى الحج، نظير ما أجزأ الحالف بيمين إذا كفر عنها قبل حنثه فيها بعد حلفه بها فقد ظن خطأ. لأن الله جل ثناؤه جعل لليمين تحليلا هو غير تكفير، فالفاعل فيها قبل الحنث فيها ما يفعله المكفر بعد حنثه فيها، محلل غير مكفر. والمتمتع إذا صام قبل تمتعه صائم، تكفيرا لما يظن أنه يلزمه ولما يلزمه، وهو كالمكفر عن قتل صيد يريد قتله وهو محرم قبل قتله، وعن تطيب قبل تطيبه.
ومن أبى ما قلنا في ذلك ممن زعم أن للمعتمر الصوم قبل إحرامه بالحج، قيل له: ما قلت فيمن كفر من المحرمين عن الواجب على من ترك رمي الجمرات أيام منى يوم عرفة، وهو ينوي ترك الجمرات، ثم أقام بمنى أيام منى حتى انقضت تاركا رمي الجمرات، هل يجزيه تكفيره ذلك عن الواجب عليه في ترك ما ترك من ذلك؟
فإن زعم أن ذلك يجزيه، سئل عن مثل ذلك في جميع مناسك الحج التي أوجب الله في تضييعه على المحرم، أو في فعله، كفارة، فإن سوى بين جميع ذلك قاد قوله، (1)
وسئل عن نظير ذلك في العازم على أن يجامع في شهر رمضان، وهو مقيم صحيح، إذا كفر قبل دخول الشهر، ودخل الشهر ففعل ما كان عازما عليه هل تجزيه كفارته التي كفر عن الواجب من وطئه ذلك، وكذلك يسأل: عمن أراد أن يظاهر من امرأته، فإن قاد قوله في ذلك، (2) خرج من قول جميع الأمة.
(1) في المطبوعة في الموضعين: "قاد قوله" بالفاء وهو تصحيف غث جدا، وجاء بعض من علق على تفسير الطبري فقال:"لعله يريد اضطراب قولهن قال في اللسان: فاد يفيد فيدا: تبختر، وقيل: هو أن يحذر شيئا فيعدل عنه جانبا"!! فصار معنى الكلام أعرق في الغثاثة من تصحيف لفظه!
(2)
والصواب ما أثبت، يقال:"قاد قوله" أي استقام به على نهجه الذي نهجه، ولم يخالف منطقته فيه ولا سياقه. وذلك من قولهم: قاد الفرس قودا. وهذا المجاز قد استعمله قدماء الفقهاء والمتكلمين والمناطقة يقولون: "هذا لا يستقيم على قود كلامك" أي: على سياقه ونهجه.
وإن أبى شيئا من ذلك، سئل الفرق بينه وبين الصائم لمتعته قبل تمتعه وقبل إحرامه بالحج، ثم عكس عليه القول في ذلك، فلن يقول في أحدهما شيئا إلا ألزم في الآخر مثله.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ}
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بذلك: فمن لم يجد ما استيسر من الهدي، فعليه صيام ثلاثة أيام في حجه وصيام سبعة أيام إذا رجع إلى أهله ومصره.
فإن قال لنا قائل: أو ما يجب عليه صوم السبعة الأيام بعد الأيام الثلاثة التي يصومهن في الحج إلا بعد رجوعه إلى مصره وأهله؟
قيل: بل قد أوجب الله عليه صوم الأيام العشرة بعدم ما استيسر من الهدي لمتعته، ولكن الله تعالى ذكره رأفة منه بعباده رخص لمن أوجب ذلك عليه، كما رخص للمسافر والمريض في شهر رمضان الإفطار وقضاء عدة ما أفطر من الأيام من أيام أخر. ولو تحمل المتمتع فصام الأيام السبعة في سفره قبل رجوعه إلى وطنه، أو صامهن بمكة، كان مؤديا ما عليه من فرض الصوم في ذلك، وكان بمنزلة الصائم شهر رمضان في سفره أو مرضه، مختارا للعسر على اليسر.
وبالذي قلنا في ذلك قالت علماء الأمة.
* ذكر من قال ذلك:
3486 -
حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن مهدي، قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد:" وسبعة إذا رجعتم"، قال: هي رخصة إن شاء صامها في الطريق.
3487 -
حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان،
عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:" وسبعة إذا رجعتم"، قال: هي رخصة إن شاء صامها في الطريق، وإن شاء صامها بعد ما يرجع إلى أهله.
3488 -
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عمرو، عن منصور، عن مجاهد، نحوه.
3489 -
حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفيان، عن منصور:" وسبعة إذا رجعتم"، قال: إن شاء صامها في الطريق، وإنما هي رخصة.
3490 -
حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا شريك، عن منصور، عن مجاهد، قال: إن شئت صم السبعة في الطريق، وإن شئت إذا رجعت إلى أهلك.
3491 -
حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن فطر، عن عطاء، قال: يصوم السبعة إذا رجع إلى أهله أحب إلي.
3492 -
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم:" وسبعة إذا رجعتم"، قال: إن شئت في الطريق، وإن شئت بعد ما تقدم إلى أهلك.
* * *
فإن قال: وما برهانك على أن معنى قوله:" وسبعة إذا رجعتم" إذا رجعتم إلى أهليكم وأمصاركم = دون أن يكون معناه: إذا رجعتم من منى إلى مكة؟
قيل: إجماع جميع أهل العلم على أن معناه ما قلنا دون غيره.
* ذكر بعض من قال ذلك:
3493 -
حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن مهدي، قال: حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء في قوله:" وسبعة إذا رجعتم"، قال: إذا رجعت إلى أهلك.
3495 -
حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة:" وسبعة إذا رجعتم" إذا رجعتم إلى أمصاركم.
3496 -
حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، مثله.
3497 -
حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيل، عن سالم، عن سعيد بن جبير:" وسبعة إذا رجعتم" قال: إلى أهلك.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ}
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل قوله:" كاملة".
فقال بعضهم: معنى ذلك: فصيام الثلاثة الأيام في الحج والسبعة الأيام بعد ما يرجع إلى أهله عشرة كاملة من الهدي.
* ذكر من قال ذلك:
3498 -
حدثني يعقوب، قال: حدثنا هشيم، عن عباد، عن الحسن في قوله:" تلك عشرة كاملة"، قال: كاملة من الهدي.
3499 -
حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا هشيم، عن عباد، عن الحسن، مثله.
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: كملت لكم أجر من أقام على إحرامه، ولم يحل ولم يتمتع تمتعكم بالعمرة إلى الحج.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: الأمر، وإن كان مخرجه مخرج الخبر، وإنما عنى بقوله:" تلك عشرة كاملة" تلك عشرة أيام فأكملوا صومها لا تقصروا عنها، لأنه فرض عليكم صومها.
* * *