المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وقوله: (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) [سورة التوبة: 5] ونحو ذلك - تفسير الطبري جامع البيان - ط دار التربية والتراث - جـ ٣

[ابن جرير الطبري]

الفصل: وقوله: (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) [سورة التوبة: 5] ونحو ذلك

وقوله: (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ)[سورة التوبة: 5] ونحو ذلك من الآيات.

* * *

وقد ذكرنا بعضَ قول من قال هي منسوخة، وسنذكر قول من حضرنا ذكرُه ممن لم يُذكر.

3110 -

حدثنا الحسن بن يحيى قال، حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة:"ولا تُقاتلوهم عندَ المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه" قال: نسخها قوله: (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) .

3111-

حدثني يونس، قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يُقاتلوكم فيه" قال: حتى يبدأوكم، كان هذا قد حُرِّم فأحل الله ذلك له، فلم يزل ثابتا حتى أمره الله بقتالهم بعدُ.

* * *

القول في تأويل قوله تعالى: {فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ‌

(192) }

قال أبوجعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: فإن انتهى الكافرون الذين يقاتلونكم عن قتالكم وكفرهم بالله، فتركوا ذلك وتابوا،"فإن الله غفور" لذنوب من آمن منهم وتاب من شركه، وأناب إلى الله من معاصيه التي سلفت منه وأيامه التي مَضت ="رحيم" به في آخرته بفضله عليه، وإعطائه ما يعطى أهل طاعته من الثواب بإنابته إلى محبته من معصيته. كما:

3112 -

حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"فإن انتهوا" = فإن تابوا ="فإن الله غفورٌ رَحيم".

* * *

ص: 569

القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ}

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وقاتلوا المشركين الذين يقاتلونكم حتى لا تكون فتنة = يعني: حتى لا يكون شركٌ بالله، وحتى لا يُعبد دونه أحدٌ، وتضمحلَّ عبادة الأوثان والآلهة والأنداد، وتكونَ العبادة والطاعة لله وحده دون غيره من الأصنام والأوثان، كما قال قتادة فيما:

3113-

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة" قال: حتى لا يكون شرك.

3114-

حدثنا الحسن بن يحيى، قال، أخبرنا عبد الرزاق، قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله:"وقاتلوهم حَتى لا تكون فتنة" قال: حتى لا يكون شرك.

3115 -

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة" قال: الشرك"ويكون الدِّين لله".

3116-

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.

3117 -

حدثني موسى بن هارون، قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة" قال: أما الفتنة فالشرك.

3118 -

حدثني محمد بن سعد، قال، حدثني أبي، قال، حدثني عمي، قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:"وقاتلوهم حتى لا تكونَ فتنة"، يقول: قاتلوا حتى لا يكون شِرك.

ص: 570

3119 -

حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع:"وقاتلوهم حَتى لا تكونَ فتنة" أي شركٌ.

3120-

حدثني يونس، قال، أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد في قوله:"وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة" قال: حتى لا يكون كفر، وقرأ (تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) [سورة الفتح: 16] .

3121-

حدثني علي بن داود قال، حدثنا عبد الله بن صالح، قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس:"وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة" يقول: شركٌ.

* * *

وأما"الدين"، الذي ذكره الله في هذا الموضع (1) فهو العبادة والطاعة لله في أمره ونهيه، من ذلك قول الأعشى:

هُوَ دَانَ الرِّبَابَ، إِذْ كَرِهُوا الدِّي

نَ، دِرَاكًا بِغَزْوَةٍ وَصِيَالِ (2)

يعني بقوله:"إذ كرهوا الدين"، إذ كرهوا الطاعة وأبوْها.

* * *

(1) انظر معنى"الدين" فيما سلف 1: 155، 221.

(2)

ديوانه: 12 وسيأتي في التفسير 3: 141 (بولاق) ، قالها في مدح الأسود بن المنذر اللخمي، أخي النعمان بن المنذر لأمه، وأم الأسود من تيم الرباب. هذا قول أبي عبيدة، والصواب ما قال غيره: أنه قالها في مدح المنذر بن الأسود، وكان غزا الحليفين أسدا وذبيان، ثم أغار على الطف، فأصاب نعما وأسرى وسبيا من رهط الأعشى بني سعد بن ضبيعة بن ثعلبة، والأعشى غائب. فلما قدم وجد الحي مباحا. فأتاه فأنشده، وسأله أن يهب له الأسرى ويحملهم، ففعل.

والرباب (بكسر الراء) هم بنو عبد مناة بن أد: تيم وعدي وعوف وثور، اجتمعوا فتحالفوا مع بني عمهم ضبة بن أد، على بني عمهم تميم بن أد. فجاؤوا برب (تمر مطبوخ) فغمسوا فيه أيديهم، فسموا"الرباب"، ثم خرجت ضبة عنهم، واكتفت بعددها.

وقوله: "دان الرباب" أي أذلهم واستعبدهم وحملهم على الطاعة. وقوله: "دراكا"، متتابعا يدرك بعضه بعضا. والصيال: السطرة. صال على عدوه: وثب عليه وسطا. يقول تابع غزوهم والسطو حتى دانو بالطاعة.

ص: 571

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

3122-

حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع:"ويكونَ الدِّينُ لله" يقول: حتى لا يُعبد إلا الله، وذلك"لا إله إلا الله"، عليه قاتل النبيُّ صلى الله عليه وسلم وإليه دعا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إنّي أمرتُ أن أقاتِل الناسَ حتى يَقولوا لا إله إلا الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك فقد عَصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقِّها وحسابهم على الله".

3123-

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"ويكون الدِّينُ لله" أن يقال:"لا إله إلا الله". ذُكِر لنا أن نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول:"إنّ الله أمرَني أن أقاتِل الناسَ حتى يقولوا لا إله إلا الله". ثم ذكر مثل حديث الربيع.

* * *

القول في تأويل قوله تعالى: {فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلا عَلَى الظَّالِمِينَ (193) }

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله:"فإن انتهوا" فإن انتهى الذين يقاتلونكم من الكفار عن قتالكم، ودَخلوا في ملّتكم، وأقرُّوا بما ألزمكم الله من فرائضه، وتركوا ما هم عليه من عبادة الأوثان، فدعوا الاعتداءَ عليهم وقتالَهم وجهادَهم، فإنه لا ينبغي أن يُعتدى إلا على الظالمين -وهم المشركون بالله، والذين تركوا عبادته وعبدوا غيرَ خالقهم.

* * *

ص: 572

فإن قال قائل: وهل يجوز الاعتداء على الظالم فيقال:"فَلا عُدوان إلا على الظالمين"؟ (1) .

قيل: إن المعنى في ذلك على غير الوجه الذي إليه ذهبتَ، وإنما ذلك على وَجه المجازاة، لما كان من المشركين من الاعتداء، يقول: افعلوا بهم مثل الذي فعلوا بكم، كما يقال:"إن تَعاطيتَ منّي ظلما تعاطيته منك"، والثاني ليس بظلم، كما قال عمرو بن شأس الأسديّ:

جَزَيْنَا ذَوِى العُدْوَانِ بِالأمْسِ قَرْضَهُمْ

قِصَاصًا، سَواءً حَذْوَكَ النَّعْلَ بِالنَّعْلِ (2)

وإنما كان ذلك نظير قوله: (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ)[سورة البقرة: 15] و (فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ)[سورة التوبة: 79] وقد بينا وجه ذلك ونظائره فيما مَضى قبلُ (3) .

* * *

وبالذي قلنا في ذلك من التأويل قال جماعة من أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

3124 -

حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"فلا عُدوان إلا على الظالمين" والظالم الذي أبى أن يقول:"لا إله إلا الله".

3125 -

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع."فلا عُدوان إلا على الظالمين" قال: هم المشركون.

3126 -

حدثني المثنى، قال، ثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا عثمان بن غياث، قال، سمعت عكرمة في هذه الآية:"فلا عدوان إلا على الظالمين"،

(1) انظر معنى"العدوان" فيما سلف 2: 307، وهذا الجزء 3: 376، 564.

(2)

لم أجد البيت، وشعر عمرو بن شأس على كثرته وجودته، قد ضاع أكثره.

(3)

انظر ما سلف 1: 301-306.

ص: 573

قال: هُم من أبى أن يقول:"لا إله إلا الله".

* * *

وقال آخرون: معنى قوله:"فلا عدوان إلا على الظالمين" فلا تقاتل إلا من قاتل.

* ذكر من قال ذلك:

3127 -

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"فإن انتهوا فلا عُدوان إلا على الظالمين" يقول: لا تقاتلوا إلا من قاتلكم.

3128-

حدثني المثنى، قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.

3129 -

حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي، قال:"فإن انتهوا فلا عُدوان إلا على الظالمين" فإنّ الله لا يحب العُدوان على الظالمين ولا على غيرهم، ولكن يقول: اعتدُوا عليهم بمثل ما اعتدوْا عليكم.

* * *

قال أبو جعفر: فكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول في قوله:"فإن انتهوْا فلا عُدوان إلا على الظالمين" لا يجوز أن يقول:"فإن انتهوا" إلا وقد علم أنهم لا يَنتهون إلا بعضهم، فكأنه قال: فإن انتهى بعضُهم، فلا عُدوان إلا على الظالمين منهم، فأضمر كما قال:(فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ)[سورة البقرة: 196] يريد: فعليه ما استيسر من الهدي، وكما يقول:"إلى مَن تقصد أقصد" يعني: إليه.

وكان بعضهم ينكر الإضمار في ذلك ويتأوله: فإن انتهوا فإن الله غفورٌ رحيم لمن انتهى، ولا عُدوان إلا على الظالمين الذين لا ينتهون.

* * *

ص: 574

القول في تأويل قوله تعالى: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ}

قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه:"الشهر الحرام بالشهر الحرام" ذا القعدة، وهو الشهر الذي كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم اعتمر فيه عُمرة الحديبية، فصدّه مشركو أهل مكة عن البيت ودخول مكة، سنة ست من هجرته، وصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين في تلك السنة، على أن يعود من العام المقبل، فيدخل مكة ويقيم ثلاثا، فلما كان العامُ المقبل، وذلك سنة سبع من هجرته، خرج معتمرا وأصحابه في ذي القَعدة - وهو الشهر الذي كان المشركون صدُّوه عن البيت فيه في سنة ست- وأخلى له أهل مكة البلد حتى دخلها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فقضى حاجته منها، وأتم عمرته، وأقام بها ثلاثا، ثم خرج منها منصرفا إلى المدينة، فقال الله جل ثناؤه لنبيه صلى الله عليه وسلم وللمسلمين مَعه"الشهرُ الحرام" = يعني ذا القَعدة، الذي أوصَلكم الله فيه إلى حَرمَه وبيته، على كراهة مشركي قُريش ذلك، حتى قضيتم منه وَطَركم ="بالشهر الحرام"، الذي صدكم مشركو قريش العامَ الماضيَ قَبله فيه حتى انصرفتم عن كره منكم عن الحرم، فلم تدخلوه، ولم تصلوا إلى بيت الله، فأقصَّكم الله أيها المؤمنون من المشركين بإدخالكم الحرم في الشهر الحرام على كره منهم لذلك، بما كان منهم إليكم في الشهر الحرام من الصدّ والمنْع من الوصول إلى البيت. كما:

3130 -

حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع قال، حدثنا يوسف - يعني: ابن خالد السَّمْتيّ - قال، حدثنا نافع بن مالك، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله:"والحرمات قصاص" قال: هم المشركون، حبسوا محمدا صلى الله عليه وسلم

ص: 575

في ذي القَعدة، فَرَجَعه الله في ذي القَعدة فأدخله البيتَ الحرام، فاقتص له منهم (1) .

3131 -

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله جل ثناؤه:"الشهرُ الحرامُ بالشهر الحرام والحُرماتُ قِصَاص" قال: فخرت قريش بردِّها رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يوم الحُديبية محرِما في ذي القَعدة عن البلد الحرام، فأدخله الله مكة في العام المقبل من ذي القَعدة، فقضى عُمرته، وأقصَّه بما حيل بينه وبينها يوم الحديبية.

3132-

حدثني المثنى قال، حدثني أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.

3133 -

حدثنا بشر بن معاذ، قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"الشهرُ الحرامُ بالشهر الحرام والحُرمات قِصَاص" أقبل نبيّ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فاعتمروا في ذي القَعدة ومعهم الهدي، حتى إذا كانوا بالحديبية صدّهم المشركون، فصالحهم نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم على أن يرجع من عامه ذلك، حتى يرجع من العام المقبل فيكون بمكة ثلاثة أيام ولا يدخلها إلا بسلاح راكب ويخرج، ولا يخرج بأحد من أهل مكة، فنحروا الهدْي بالحديبية، وحلَّقوا وَقصَّروا. حتى إذا كان من العام المقبل، أقبل نبيُّ الله وأصحابه حتى دخلوا مكة، فاعتمروا في ذي القَعدة، فأقاموا بها ثلاث ليال، فكان المشركون قد فخروا عليه حين ردُّوه يوم الحديبية، فأقصَّه الله منهم، فأدخله مكة في ذلك الشهر الذي كانوا ردُّوه فيه في ذي القَعدة، فقال الله:"الشهرُ الحرامُ بالشهر الحرام والحُرمات قصَاص".

(1) الخبر: 3130- محمد بن عبد الله بن بزيع -بفتح الباء الموحدة وكسر الزاي- شيخ الطبري: ثقة، وثقه أبو حاتم وغيره، وروى عنه مسلم في صحيحه. وقد مضى مثل هذا الإسناد، ولكن حرف فيه اسم جده إلى"زريع"، وذكرنا أنه غير معروف، واحتمال أن يكون صوابه"بن بزيغ" في: 2451- فقد تبين الصواب هنا.

يوسف بن خالد السمتي: ضعيف جدا كذاب، كما ذكرنا في ذاك الإسناد، ووقع في المطبوعة هنا"السهمي"، بدل"السمتي". وهو خطأ.

ص: 576

3134 -

حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، وعن عثمان، عن مقسم في قوله:"الشهرُ الحرام بالشهر الحرام والحُرمات قصَاص" قالا كان هذا في سَفر الحديبية، صدَّ المشركون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن البيت في الشهر الحرام، فقاضوا المشركين يومئذ قضيّة:(1) أنّ لكم أن تعتمروا في العام المقبل - في هذا الشهر الذي صدُّوهم فيه، فجعل الله تعالى ذكره لهم شهرًا حرامًا يعتمرون فيه، مكانَ شهرهم الذي صُدُّوا، فلذلك قال:"والحُرمات قصَاص".

3135 -

حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"الشهرُ الحرام بالشهر الحرام والحرمات قِصَاص" قال: لما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عُمرة الحديبية في ذي القعدة سنة ستٍّ من مُهاجَره، صدَّه المشركون وأبوا أن يتركوه، ثم إنهم صالحوه في صُلحهم على أن يُخْلوا له مكة من عام قابل ثلاثةَ أيام، يخرجون ويتركونه فيها، فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فتح خَيْبر من السنة السابعة، فخَلَّوْا له مكة ثلاثة أيام، فنكح في عُمرته تلك مَيمونة بنت الحارث الهلالية.

3136 -

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير عن جويبر، عن الضحاك في قوله:"الشهرُ الحرَام بالشهر الحرام والحرماتُ قِصاص"، أحصَرُوا النبي صلى الله عليه وسلم في ذي القَعدة عن البيت الحرام (2) فأدخله الله البيت الحرامَ العامَ المقبلَ، واقتصَّ له منهم، فقال:"الشهرُ الحرامُ بالشهر الحرام والحُرمات قصاص".

3137 -

حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر،

(1) قاضي الرجل يقاضيه قضاء وقضية. حاكمه في مخاصمة، وانتهى معه إلى قضاء فصل وحكم يتراضيانه. وفي صدر صلح الحديبية:"هذا ما قاضى عليه محمد" أي صالح. وبذلك سميت عمرة الحديبية هذه"عمرة القضية"، و"عمرة الصلح.

(2)

أحصره المرض وغيره: منعه وحبسه.

ص: 577

عن أبيه، عن الربيع، قال: أقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فأحرَموا بالعمرة في ذي القَعدة ومعهم الهدْي، حتى إذا كانوا بالحديبية صدهم المشركون، فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجع ذلك العامَ حتى يرجع العامَ المقبل، فيقيم بمكة ثلاثة أيام ولا يخرج معه بأحد من أهل مكة. فنحروا الهديَ بالحديبية وحلَّقوا وقصَّروا. حتى إذا كانوا من العام المقبل، أقبل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى دخلوا مكة، فاعتمروا في ذي القَعدة، وأقاموا بها ثلاثة أيام، وكان المشركون قد فخروا عليه حين ردُّوه يوم الحديبية، فقاصَّ الله له منهم، وأدخله مكة في ذلك الشهر الذي كانوا ردُّوه فيه في ذي القعدة. قال الله جل ثناؤه:"الشهرُ الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص".

3138-

حدثني محمد بن سعد، قال، حدثني أبي، قال، حدثني عمي، قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:"والحُرمات قصاص" فهم المشركون، كانوا حبسوا محمدا صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة عن البيت، ففخروا عليه بذلك، فرجعه الله في ذي القعدة، فأدخله الله البيت الحرام واقتصَّ له منهم.

3139 -

حدثني يونس، قال، أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد في قوله:"الشهرُ الحرامُ بالشهر الحرام" حتى فرغ من الآية، قال: هذا كله قد نُسخ، أمرَه أن يجاهد المشركين. وقرأ:(وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً)[سورة التوبة: 36] وقرأ: (قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ)[سورة التوبة: 123] العرب، فلما فرغ منهم، قال الله جل ثناؤه:(قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ) حتى بلغ قوله: (وَهُمْ صَاغِرُونَ)[سورة التوبة: 29] قال: وهم الروم. قال: فوَجَّه إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

3140 -

حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الوهاب الثقفي قال، حدثنا أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس في هذه الآية:"الشهرُ الحرامُ بالشهر الحرام

ص: 578

والحرماتُ قصاص" قال: أمركم الله بالقصاص، [ويأخذ] منكم العدوان (1) .

3141 -

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج، قال، قلت لعطاء، وسألته عن قوله:"الشهر الحرام بالشهر الحرام والحُرمات قصاص" قال: نزلت في الحديبية، مُنعوا في الشهر الحرام، فنزلت:"الشهر الحرام بالشهر الحرام": عمرة في شهر حرام، بعمرة في شهر حرام.

* * *

قال أبو جعفر: وإنما سمى الله جل ثناؤه ذا القَعدة"الشهرَ الحرام"، لأن العرب في الجاهلية كانت تحرِّم فيه القتال والقتل، وتضع فيه السلاح، ولا يقتل فيه أحدٌ أحدًا، ولو لقي الرجل قاتل أبيه أو ابنه. وإنما كانوا سموه"ذا القَعدة" لقعودهم فيه عن المغازي والحروب، فسماه الله بالاسم الذي كانت العرب تُسمِّيه به.

* * *

وأما"الحرمات" فإنها جمع"حُرْمة"،"كالظلمات" جمع"ظلمة"،"والحجرات" جمع"حُجرة". وإنما قال جل ثناؤه:"والحرمات قصاص" فجمع، لأنه أراد: الشهرَ الحرام، والبلد الحرام وحُرمة الإحرام.

* * *

فقال جل ثناؤه لنبيه محمد والمؤمنين معه: دخولكم الحرَم، بإحرامكم هذا، في شهركم هذا الحرام، قصاصُ مما مُنعتم من مثله عامَكم الماضي، وذلك هو"الحرمات" التي جعلها الله قصَاصًا.

* * *

وقد بينا أن"القصاص" هو المجازاة من جهة الفعل أو القول أو البَدن، وهو في هذا الموضع من جهة الفعل (2) .

* * *

(1) ما بين القوسين هكذا في الأصل. ولم أجد الخبر في مكان. وهو خطأ لا شك فيه، أو بين الكلامين خرم لم أتبينه. والمعنى على كل حال: أمركم الله بالقصاص، وكره منكم العدوان، أي أمرهم أن يقتصوا ولا يعتدوا. هذا ما أرجحه إن شاء الله.

(2)

انظر ما سلف في هذا الجزء 3: 357-366.

ص: 579

القول في تأويل قوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}

قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل فيما نزل فيه قوله:"فمن اعتدَى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم".

فقال بعضهم بما:

3142-

حدثني به المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح، قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:"فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم" فهذا ونحوه نزل بمكة والمسلمون يومئذ قليل، وليس لهم سلطانٌ يقهرُ المشركين، وكان المشركون يتعاطونهم بالشتم والأذى، فأمر الله المسلمين، مَنْ يجازي منهم أن يجازِيَ بمثل ما أُتي إليه أو يصبر أو يعفوَ فَهو. أمثل فلما هاجر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وأعزّ الله سلطانه أمرَ المسلمين أن ينتهوا في مظالمهم إلى سُلطانهم، وأن لا يعدوَ بعضهم على بعض كأهل الجاهلية.

* * *

وقال آخرون: بل معنى ذلك: فمن قاتلكم أيها المؤمنون من المشركين، فقاتلوهم كما قاتلوكم. وقالوا: أنزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وبعد عُمرة القضيَّة.

* ذكر من قال ذلك:

3143 -

حدثني القاسم قال، حدثنا الحسين، قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال مجاهد:"فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم" فقاتلوهم فيه كما قاتلوكم.

* * *

قال أبو جعفر: وأشبه التأويلين بما دلّ عليه ظاهر الآية، الذي حُكي عن

ص: 580

مجاهد، لأن الآيات قبلها إنما هي أمرٌ من الله للمؤمنين بجهاد عدوهم على صفة، وذلك قوله:"وقاتلوا في سبيل الله الذين يُقاتلونكم" والآيات بعدها، وقوله:"فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه" إنما هو في سياق الآيات التي فيها الأمرُ بالقتال والجهاد، واللهُ جل ثناؤه إنما فرض القتال على المؤمنين بعد الهجرة.

فمعلوم بذلك أن قوله:"فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم" مدنيّ لا مكيّ، إذ كان فرضُ قتال المشركين لم يكن وَجَب على المؤمنين بمكة، وأنّ قوله:"فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم" نظيرُ قوله:"وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم" وأن معناه: فمن اعتدى عليكم في الحَرم فقاتَلكم فاعتدوا عليه بالقتال نحو اعتدائه عليكم بقتاله إياكم، لأني قد جعلتُ الحُرمات قصاصًا، فمن استحلّ منكم أيها المؤمنون من المشركين حُرْمةً في حَرَمي، فاستحلوا منه مثله فيه.

وهذه الآية منسوخة بإذن الله لنبيه بقتال أهل الحرَم ابتداءً في الحرم وقوله: (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً)[سورة التوبة: 36]

* * *

(1) على نحو ما ذكرنا، من أنه بمعنى: المجازاة وإتباع لفظٍ لفظًا، وإن

(1) وضعت هذه النقط، وفصلت بين قوله:"وقاتلوا المشركين كافة" وقوله: "على نحو ما ذكرنا" لوجود خرم لا شك فيه. فإنه سيقول بعد أسطر: "والآخر: أن يكون بمعنى العدو". فهو بصدد تفسير قوله: "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم"، من جهة اللغة. ولا صلة بين كلامه في الآية أهي منسوخة أم غير منسوخة. وقوله:"والآخر" دليل على أنه يذكر وجهين من تفسير"اعتدى" أهي من"العدوان"، أم من"العدو". وكأن كلام الطبري في موضع هذا الخرم كان:

[وأما قوله: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) . ففي"الاعتداء" وجهان من التأويل:

أحدهما: أن يكون"الاعتداء" من"العُدْوَان"، وَهوَ مجاوزة الحدّ ظُلْمًا وَبغيًا. ويكون معنى الآية: فمن جاوز حدّه ظُلْمًا وَبغيًا، فقاتلكم في الشهر الحرام فكافِئُوه بمثل ما فعل بكم، على نحو ما ذكرنا من أنه. .]

هذا ما استظهرته من تفسير الطبري فيما سلف 2: 307، وهذا الجزء 3: 375، 376، 564، 573 ثم يبقى خرم قبل ذلك في كلامه عن الآية، منسوخة هي أم غير منسوخة.

ص: 581

اختلف معنياهما، كما قال:(وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ)[سورة آل عمران: 54] وقد قال: (فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ)[سورة التوبة: 79] وما أشبه ذلك مما أتبع لفظٌ لفظًا واختلف المعنيان (1) .

* * *

والآخر: أن يكون بمعنى"العدو" الذي هو شدٌّ ووثوب. من قول القائل:"عدا الأسد على فَريسته". فيكون معنى الكلام: فمن عَدا عليكم - أي فمن شد عليكم وَوثب - بظلم، فاعدوا عليه - أي فشُدُّوا عليه وثبُوا نحوَه - قصاصًا لما فعل عليكم لا ظلمًا. ثم تُدخل"التاء""في عدا"، فتقال:"افتعل" مكان"فعل"، كما يقال:"اقترب هذا الأمر" بمعنى"قرب"، و"اجتلب كذلك" بمعنى"جَلب" وما أشبه ذلك.

* * *

القول في تأويل قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) }

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بذلك: واتقوا الله أيها المؤمنون في حُرُماته وحدوده أن تعتَدُوا فيها، فتتجاوزوا فيها ما بيَّنه وحدَّه لكم، واعلموا أن الله يُحب المتقين، الذين يتقونه بأداء فَرائضه وتجنب محارمه.

* * *

(1) انظر ما سلف 2: 307، وهذا الجزء 3: 3: 375، 376، 564، 573.

ص: 582