الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ
(32) }
يقول تعالى ذكره: (قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) في الدنيا، فرأسوا في الضلالة والكفر بالله (لِلَّذِينّ اسْتُضْعِفُوا) فيها فكانوا أتباعًا لأهل الضلالة منهم إذ قالوا لهم (لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) :(أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى) ومنعناكم من اتباع الحق (بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ) من عند الله يبين لكم (بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ) فمنعكم إيثاركم الكفر بالله على الإيمان من اتباع الهدى، والإيمان بالله ورسوله.
يقول تعالى ذكره: (وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا) من الكفرة بالله في الدنيا، فكانوا أتباعًا لرؤسائهم في الضلالة (لِلَّذِينّ اسْتَكْبَرُوا) فيها، فكانوا لهم رؤساء (بَلْ مَكْرُ) كم لنا بـ (اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) صدنا عن الهدى (إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ) أمثالا وأشباهًا في العبادة والألوهة، فأضيف إلى الليل والنهار. والمعنى ما ذكرنا من مكر المستكبرين بالمستضعفين في الليل والنهار، على اتساع العرب في الذي قد عُرِفَ معناها فيه من منطقها، من نقل صفة الشيء إلى غيره، فتقول للرجل: يا فلان نهارك صائم وليلك قائم، وكما
قال الشاعر:
وَنِمْتِ ومَا لَيْلُ المَطِيِّ بنَائمِ (1)
وما أشبه ذلك مما قد مضى بيانا له في غير هذا الموضع من كتابنا هذا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا) يقول: بل مكركم بنا في الليل والنهار أيها العظماء الرؤساء حتى أزلتمونا عن عبادة الله.
وقد ذُكر في تأويله عن سعيد بن جبير ما حدثنا أَبو كريب قال: ثنا ابن يمان عن أشعث عن جعفر عن سعيد بن جبير (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) قال: مرُّ الليل والنهار.
وقوله (إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ) يقول: حين تأمروننا أن نكفر بالله.
وقوله (وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا) يقول: شركاء.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله
(1) هذا عجز بيت لجرير بن عطية الخطفي الشاعر الإسلامي، وصدره: لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى
(ديوانه طبعة الصاوي 554) واستشهد به المؤلف على أنك تقول يا فلان نهارك صائم وليلك قائم، فتسلم الصيام والقيام إلى الليل والنهار إسنادا مجازيا عقليا، والأصل فيه أن يسند الصيام والقيام للرجل لا للزمان، وذلك من باب التوسع المجازي، العلاقة هنا الزمانية، والقرينة هنا عقلية. وذلك نظير قوله تعالى:(بل مكر الليل والنهار) . أصله: بل مكركم بنا في الليل والنهار، ثم أسند الفعل إليهما. قال الفراء في (معاني القرآن، الورقة 274) : وقوله: (بل مكر الليل والنهار) : المكر ليس لليل ولا النهار، وإنما المعنى: بل مكركم بالليل والنهار. وقد يجوز أن تضيف الفعل إلى الليل والنهار، ويكونا كالفاعلين؛ لأن العرب تقول: نهارك صائم، وليلك قائم، ثم تضيف الفعل إلى الليل والنهار، وهو المعنى للآدميين، كما تقول: نام ليلك. ا. هـ.