الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واختلف أهل العلم بكلام العرب في ذلك، فقال بعض البصريين: منهم الفكه الذي يتفكَّه. وقال: تقول العرب للرجل الذي يتفكَّه بالطعام أو بالفاكهة، أو بأعراض الناس: إن فلانا لفكِه بأعراض الناس، قال: ومن قرأها (فَاكِهُونَ) جعله كثير الفواكه صاحب فاكهة، واستشهد لقوله ذلك ببيت الحُطَيئة:
وَدَعَوْتَنِي وَزَعَمْتَ أنَّكَ
…
لابنٌ بالصَّيْفِ تامِرْ (1)
أي عنده لبن كثير، وتمر كثير، وكذلك عاسل، ولاحم، وشاحم. وقال بعض الكوفيين: ذلك بمنزلة حاذرون وحذرون، وهذا القول الثاني أشبه بالكلمة.
القول في تأويل قوله تعالى: {هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الأرَائِكِ مُتَّكِئُونَ
(56)
لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57) سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58) }
يعني تعالى بقوله (هُمْ) أصحاب الجنة (وَأَزْوَاجُهُمْ) من أهل الجنة في الجنة.
(1) البيت للحطيئة، وهو من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن (مصورة الجامعة ص 207 - 1) قال في تفسير قوله تعالى:(في شغل فاكهون) : الفكه الذي يتفكه، تقول العرب للرجل إذا كان يتفكه بالطعام أو الفاكهة أو بأعراض الناس: إن فلانا لفكه بأعراض الناس. ومن قرأها "فاكهون": جعلها كثير الفواكه، صاحب فاكهة؛ قال الحطيئة: "ودعوتني
…
" البيت، أي عنده لبن كثير، وتمر كثير. فكذلك عاسل، ولاحم، وشاحم. ا. هـ. وفي (اللسان: فكه) : رجل فكه: يأكل الفاكهة، وفاكه: عنده فاكهة. وكلاهما على النسب. أبو معاذ النحوي: الفاكه: الذي كثرت فاكهته. والفكه: الذي ينال من أعراض الناس. اهـ. وفي معاني القرآن للفراء (مصورة الجامعة ص 270) : وقوله "فاكهون" بالألف، وتقرأ "فكهون". وهي بمنزلة "حذرون" "وحاذرون". وهي في قراءة عبد الله: "فاكهين" بالألف. وقد نقله عنه المؤلف، ورجحه.
كما حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ووقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ) قال: حلائلهم في ظلل.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأه بعضهم:(فِي ظُلَلٍ) بمعنى: جمع ظلة، كما تُجمع الْحُلة حُلَلا. وقرأه آخرون (في ظِلالٍ) ؛ وإذا قرىء ذلك كذلك كان له وجهان: أحدهما أن يكون مُرادًا به جمع الظُّلَل الذي هو بمعنى الكِنّ، فيكون معنى الكلمة حينئذ: هم وأزواجهم في كِنّ لا يضْحَوْن لشمس كما يَضْحَى لها أهلُ الدنيا، لأنه لا شمس فيها. والآخر: أن يكون مرادا به جمع ظلة، فيكون وجه جمعها كذلك نظير جمعهم الخلة في الكثرة: الخلال، والقُلَّة: قِلال.
وقوله (عَلَى الأرَائِكِ مُتَّكِئُونَ) والأرائك: هي الحِجال فيها السُرر والفُرُش: واحدتها أريكة، وكان بعضهم يزعم أن كل فِراش فأريكة، ويستشهد لقوله ذلك بقول ذي الرمة:
.......................... كأنَّما يُبَاشِرْنَ بالمَعزاءِ مَسَّ الأرَائِكِ (1)
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حُصَيْن، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قوله (عَلَى الأرَائِكِ مُتَّكِئُونَ) قال: هي السُّرُر في الحِجال.
(1) هذا جزء من بيت لذي الرمة (ديوانه 422) وصدره:
"خدودا جفت في السير حتى كأنما". وخدودا منصوب مفعول به لكسا في البيت الذي قبله. وقال شارح ديوانه: أرادوا كسوا حيث موتت الرياح خدودا.. إلخ. أي صيروا المكان الذي ناموا فيه كسوة الخدود. اهـ. والمعزاء: الأرض فيها الحجارة والحصى. والأرائك؛ واحدها أريكة وهي السرير في الحجلة. يقول: من شدة النوم يرون الأرض ذات الحجارة مثل الفرش على الأرائك. واستشهد أبو عبيدة بالبيت في مجاز القرآن (الورقة 207) عند قوله تعالى: (على الأرائك) وقال: واحدتها: أريكة، وهو الفرش في الحجال. قال ذو الرمة: "خدودا
…
" البيت، جعلها فراشا.
حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الأحوص، عن حصين، عن مجاهد، في قول الله (عَلَى الأرَائِكِ مُتَّكِئُونَ) قال: الأرائك: السُّرر عليها الحِجال.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، قال: ثنا حصين، عن مجاهد، في قوله (مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأرَائِكِ) قال: الأرائك: السُّرُر في الحِجال.
حدثنا أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: أخبرنا حُصَيْن، عن مجاهد، في قوله (عَلَى الأرَائِكِ) قال: سُرُر عليها الحِجال.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، قال: زعم محمد أن عكرمة قال: الأرائك: السُّرُر في الحِجال.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، عن أبي رجاء، قال: سمعت الحسن، وسأله رجل عن الأرائك قال: هي الحجال. أهل اليمن يقولون: أريكة فلان. وسمعت عكرمة وسئل عنها فقال: هي الحجال على السُّرر.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (عَلَى الأرَائِكِ مُتَّكِئُونَ) قال: هي الحِجال فيها السرر.
وقوله (لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ) يقول لهؤلاء الذين ذكرهم تبارك وتعالى من أهل الجنة في الجنة فاكهة (وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ) يقول: ولهم فيها ما يتَمنُّون. وذُكر عن العرب أنها تقول: دع عليّ ما شئت أي: تمنّ عليّ ما شئت.
وقوله (سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) في رفع سلامٌ وجهان في قول بعض نحويّي الكوفة؛ أحدهما: أن يكون خبرا لما يدّعون، فيكون معنى الكلام: ولهم ما يدّعون مسلَّم لهم خالص. وإذا وُجِّه معنى الكلام إلى ذلك كان القول حينئذ منصوبا توكيدا خارجا من السلام، كأنه قيل: ولهم فيها ما يدّعون مسلَّم خالص حقا، كأنه قيل: قاله قولا. والوجه الثاني: أن يكون قوله (سَلامٌ) مرفوعا على المدح، بمعنى: هو سلام لهم قولا من الله. وقد ذُكر أنها في قراءة عبد الله:
(سَلامًا قَوْلا) على أن الخبر متناه عند قوله (وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ) ثم نصب سلاما على التوكيد، بمعنى: مسلما قولا. وكان بعضُ نحويّي البصرة يقول: انتصب قولا على البدل من اللفظ بالفعل، كأنه قال: أقول ذلك قولا. قال: ومن نصبها نصبها على خبر المعرفة على قوله (وَلَهُمْ) فيها (مَا يَدَّعُونَ) .
والذي هو أولى بالصواب على ما جاء به الخبر عن محمد بن كعب القُرَظِيّ، أن يكون (سَلامٌ) خبرا لقوله (وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ) فيكون معنى ذلك: ولهم فيها ما يدعون، وذلك هو سلام من الله عليهم، بمعنى: تسليم من الله، ويكون قَولا ترجمة ما يدعون، ويكون القول خارجا من قوله: سلام.
وإنما قلت ذلك أولى بالصواب لما حَدَّثنا به إبراهيم بن سعيد الجوهري، قال: ثنا أبو عبد الرحمن المقري عن حرملة، عن سليمان بن حميد، قال: سمعت محمد بن كعب، يحدث عمر بن عبد العزيز، قال: إذا فرغ الله من أهل الجنة وأهل النار، أقبل يمشي في ظُلَل من الغمام والملائكة، فيقف على أول أهل درجة، فيسلم عليهم، فيردون عليه السلام، وهو في القرآن (سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) فيقول: سَلُوا، فيقولون: ما نسألك وعزتك وجلالك، لو أنك قسمت بيننا أرزاق الثَّقَلين لأطعمناهم وسقيناهم وكسوناهم، فيقول: سَلُوا، فيقولون: نسألك رضاك، فيقول: رضائي أحلَّكم دار كرامتي، فيفعل ذلك بأهل كلّ درجة حتى ينتهي، قال: ولو أن امرأة من الحُور العِين طلعت لأطفأ ضوء سِوَارَيْها الشمس والقمر، فكيف بالمُسَوَّرة".
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثنا حرملة، عن سليمان بن حميد، قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يحدث عمر بن عبد العزيز، قال: إذ فرغ الله من أهل الجنة وأهل النار، أقبل في ظُلَل من الغمام والملائكة، قال: فيسلم على أهل الجنة، فيردون عليه السلام، قال القُرظي: وهذا في كتاب الله (سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) ؟ فيقول: سَلُوني، فيقولون: ماذا نسألك، أي رَبّ؟ قال: بل سلوني قالوا: نسألك أي ربّ رضاك، قال: رضائي أحلكم