الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَيْهِ وَسَلَّم في المسجد، فلما غَرَبت الشمس، قال: يا أبا ذَرّ هَلْ تَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ الشَّمْسُ؟ قلت الله ورسوله أعلم قال: فإنها تذهب فتسجد بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهَا، ثُمَّ تَسْتَأْذِنُ بالرُّجُوعِ فَيُؤْذَنُ لَهَا، وَكَأَنَّهَا قَدْ قِيلَ لَهَا ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ، فَتَطْلُعُ مِنْ مَكَانِهَا وَذَلِكَ مُسْتَقَرّها".
وقال بعضهم في ذلك بما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا) قال: وقت واحد لا تعدوه.
وقال آخرون: معنى ذلك: تجري لمجرى لها إلى مقادير مواضعها، بمعنى: أنها تجري إلى أبعد منازلها في الغروب، ثم ترجع ولا تجاوزه. قالوا: وذلك أنها لا تزال تتقدم كلّ ليلة حتى تنتهي إلى أبعد مغاربها ثم ترجع.
وقوله (ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) يقول: هذا الذي وصفنا من جري الشمس لمستقر لها، تقدير العزيز في انتقامه من أعدائه، العليم بمصالح خلقه، وغير ذلك من الأشياء كلها، لا يخفي عليه خافية.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ
(39)
لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40) }
اختلفت القراء في قراءة قوله (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ) فقرأه بعض المكيين وبعض المدنيين وبعض البصريين: (وَالقَمَرُ) رفعا عطفًا بها على الشمس، إذ كانت الشمس معطوفة على الليل، فأتبعوا القمر أيضًا الشمس في الإعراب، لأنه أيضًا من الآيات، كما الليل والنهار آيتان، فعلى هذه القراءة تأويل الكلام: وآية لهم القمرُ قدّرناه منازل. وقرأ ذلك بعض المكيين وبعض المدنيين وبعض البصريين، وعامة قرّاء الكوفة نصبا (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ) بمعنى: وقدّرنا القمر منازل، كما فعلنا ذلك بالشمس، فردّوه على الهاء من الشمس في المعنى، لأن الواو التي فيها للفعل المتأخر.
والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان مشهورتان صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، فتأويل الكلام: وآية لهم، تقديرنا القمر منازل للنقصان بعد تناهيه وتمامه واستوائه، حتى عاد كالعرجون القديم؛ والعرجون: من العذق من الموضع النابت في النخلة إلى موضع الشماريخ؛ وإنما شبهه جل ثناوه بالعرجون القديم، والقديم هو اليابس، لأن ذلك من العِذْق، لا يكاد يوجد إلا متقوّسًا منحنيًا إذا قدم ويبس، ولا يكاد أن يُصاب مستويًا معتدلا كأغصان سائر الأشجار وفروعها، فكذلك القمرُ إذا كان في آخر الشهر قبل استسراره، صار في انحنائه وتقوّسه نظير ذلك العرجون.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) يقول: أصل العِذق العتيق.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) يعني بالعُرجون: العذقَ اليابس.
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن عُلَية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) قال: كعِذْق النخلة إذا قدُم فانحنى.
حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقيّ، قال: ثنا أبو يزيد الخرّاز، يعني خالد بن حيان الرقيِّ، عن جعفر بن برقان، عن يزيد بن الأصمّ في قوله (حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) قال: عذق النخلة إذا قدُم انحنى.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عيسى بن عبيد، عن عكرمة، في قوله (كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) قال: النخلة القديمة.
حدثني محمد بن عمارة الأسدي، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي يحيى عن مجاهد (كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) قال: العِذْق اليابس.
حدثني محمد بن عمر بن عليّ المقدمي وابن سنان القزّاز، قالا ثنا أبو عاصم والمقدمي، قال: سمعت أبا عاصم يقول: سمعت سليمان التيمي في قوله (حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) قال: العذْق.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) قال: قدّره الله منازل، فجعل ينقص حتى كان مثل عذق النخلة، شبهه بعذق النخلة.
وقوله (لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ) يقول تعالى ذكره: لا الشمس يصلح لها إدراك القمر، فيذهب ضوؤها بضوئه، فتكون الأوقات كلها نهارًا لا ليل فيها (وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ) يقول تعالى ذكره: ولا الليل بفائت النهار حتى تذهب ظلمته بضيائه، فتكون الأوقات كلها ليلا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل على اختلاف منهم في ألفاظهم في تأويل ذلك، إلا أن معاني عامتهم الذي قلناه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بَزَّة، عن مجاهد في قوله (لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ) قال: لا يشبه ضوءها ضوء الآخر، لا ينبغي لها ذلك.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله (لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ) قال: لا يُشبه ضوء أحدهما ضوء الآخر، ولا ينبغي ذلك لهما
وفي قوله (وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ) قال: يتطالبان حَثيثين ينسلخ أحدهما من الآخر.
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا الأشجعيّ، عن سفيان، عن إسماعيل، عن أبي صالح (لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ) قال: لا يدرك هذا ضوءَ هذا ولا هذا ضوء هذا.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله (لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ) وهذا في ضوء القمر وضوء الشمس، إذا طلعت الشمس لم يكن للقمر ضوء، وإذا طلع القمر بضوئه لم يكن للشمس ضوء (وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ) قال: في قضاء الله وعلمه أن لا يفوت الليل النهار حتى يدركه، فيذهب ظلمته، وفي قضاء الله أن لا يفوت النهار الليل حتى يدركه، فيذهب بضوئه.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ) ولكلٍّ حدٌّ وعلم لا يعدوه، ولا يقصر دونه؛ إذا جاء سلطان هذا، ذهب سلطان هذا، وإذا جاء سلطان هذا ذهب سلطان هذا.
ورُوي عن ابن عباس في ذلك ما حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ) يقول: إذا اجتمعا في السماء كان أحدهما بين يدي الآخر، فإذا غابا غاب أحدهما بين يدي الآخر، وأنْ من قوله (أَنْ تُدْرِكَ) في موضع رفع بقوله: ينبغي.
وقوله (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) يقول: وكل ما ذكرنا من الشمس والقمر والليل والنهار في فلك يجرون.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله العجلي، قال: ثنا شعبة، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ