الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَعُمْدَةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ: تَشْبِيهُ الشَّرِكَةِ بِالْقِرَاضِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا جَازَ فِي الْقِرَاضِ أَنْ يَكُونَ لِلْعَامِلِ مِنَ الرِّبْحِ مَا اصْطَلَحَا عَلَيْهِ، وَالْعَامِلُ لَيْسَ يَجْعَلُ مُقَابِلَهُ إِلَّا عَمَلًا فَقَطْ; كَانَ فِي الشَّرِكَةِ أَحْرَى أَنْ يجْعَلَ لِلْعَمَلِ جُزْءا مِنَ الْمَالِ إِذَا كَانَتِ الشَّرِكَةُ مَالًا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَعَمَلًا، فَيَكُونُ ذَلِكَ الْجُزْءُ مِنَ الرِّبْحِ مُقَابِلًا لِفَضْلِ عَمَلِهِ عَلَى عَمَلِ صَاحِبِهِ، فَإِنَّ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ فِي الْعَمَلِ كَمَا يَتَفَاوَتُونَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ.
[الرُّكْنُ الثَّالِثُ فِي مَعْرِفَةِ قَدْرِ الْعَمَلِ في شركة العنان]
; وَأَمَّا الرُّكْنُ الثَّالِثُ الَّذِي هُوَ الْعَمَلُ: فَإِنَّهُ تَابِعٌ كَمَا قُلْنَا عِنْدَ مَالِكٍ لِلْمَالِ، فَلَا يُعْتَبَرُ بِنَفْسِهِ. وَهُوَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُعْتَبَرُ مَعَ الْمَالِ. وَأَظُنُّ أَنَّ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ لَا يُجِيزُ الشَّرِكَةَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَالَاهُمَا مُتَسَاوِيَيْنِ الْتِفَاتًا إِلَى الْعَمَلِ، فَإِنَّهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ الْعَمَلَ فِي الْغَالِبِ مُسْتَوٍ، فَإِذَا لَمْ يَكُنِ الْمَالُ بَيْنَهُمَا عَلَى التَّسَاوِي كَانَ هُنَالِكَ غَبْنٌ عَلَى أَحَدِهِمَا فِي الْعَمَلِ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ الشَّرِكَةِ الَّتِي يُخْرِجُ فِيهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ مَالًا مِثْلَ مَالِ صَاحِبِهِ مِنْ نَوْعِهِ (أَعْنِي: دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ) ، ثُمَّ يَخْلِطَانِهِمَا حَتَّى يَصِيرَا مَالًا وَاحِدًا لَا يَتَمَيَّزُ، عَلَى أَنْ يَبِيعَا وَيَشْتَرِيَا مَا رَأَيَا مِنْ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ، وَعَلَى أَنَّ مَا كَانَ مِنْ فَضْلٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا بِنِصْفَيْنِ، وَمَا كَانَ مِنْ خَسَارَةٍ فَهُوَ كَذَلِكَ، وَذَلِكَ إِذَا بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ، وَاشْتِرَاطُهُ هَذَا الشَّرْطَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِيهِ خِلَافًا، وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الشُّرَكَاءِ أَنْ يَبِيعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ.
الْقَوْلُ فِي شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ
وَاخْتَلَفُوا فِي شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ: فَاتَّفَقَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ بِالْجُمْلَةِ عَلَى جَوَازِهَا، وَإِنْ كَانَ اخْتَلَفُوا فِي بَعْضِ شُرُوطِهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَجُوزُ.
وَمَعْنَى شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ: أَنْ يُفَوِّضَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ إِلَى صَاحِبِهِ التَّصَرُّفَ فِي مَالِهِ مَعَ غَيْبَتِهِ وَحُضُورِهِ، وَذَلِكَ وَاقِعٌ عِنْدَهُمْ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْمُمْتَلَكَاتِ.
وَعُمْدَةُ الشَّافِعِيِّ: أَنَّ اسْمَ الشَّرِكَةِ إِنَّمَا يَنْطَلِقُ عَلَى اخْتِلَاطِ الْأَمْوَالِ، فَإِنَّ الْأَرْبَاحَ فُرُوعٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْفُرُوعُ مُشْتَرَكَةً إِلَّا بِاشْتِرَاكِ أُصُولِهَا. وَأَمَّا إِذَا اشْتَرَطَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رِبْحًا لِصَاحِبِهِ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ فَذَلِكَ مِنَ الْغَرَرِ وَمِمَّا لَا يَجُوزُ، وَهَذِهِ صِفَةُ شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ.
وَأَمَّا مَالِكٌ: فَيَرَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ بَاعَ جُزْءًا مِنْ مَالِهِ بِجُزْءٍ مِنْ مَالِ شَرِيكِهِ، ثُمَّ وَكَّلَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ عَلَى النَّظَرِ فِي الْجُزْءِ الَّذِي بَقِيَ فِي يَدِهِ. وَالشَّافِعِيُّ يَرَى أَنَّ الشَّرِكَةَ لَيْسَتْ هِيَ بَيْعًا، وَوَكَالَةً.
وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ: فَهُوَ هَاهُنَا عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّهُ لَا يُرَاعِي فِي شَرِكَةِ الْعِنَانِ إِلَّا النَّقْدَ فَقَطْ.
وَأَمَّا مَا يَخْتَلِفُ فِيهِ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ مِنْ شُرُوطِ هَذِهِ الشَّرِكَةِ: فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَرَى أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْمُفَاوَضَةِ التَّسَاوِيَ فِي رُءُوسِ الْأَمْوَالِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا ذَلِكَ تَشْبِيهًا بِشَرِكَةِ
الْعِنَانِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يَدْخُلَ فِي الشَّرِكَةِ. وَعُمْدَتُهُمْ أَنَّ اسْمَ الْمُفَاوَضَةِ يَقْتَضِي هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ (أَعْنِي: تَسَاوِيَ الْمَالَيْنِ وَتَعْمِيمَ مِلْكِهِمَا) .
الْقَوْلُ فِي شَرِكَةِ الْأَبْدَانِ وَشَرِكَةُ الْأَبْدَانِ بِالْجُمْلَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْمَالِكِيَّةِ جَائِزَةٌ، وَمَنَعَ مِنْهَا الشَّافِعِيُّ. وَعُمْدَةُ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ الشَّرِكَةَ إِنَّمَا تَخْتَصُّ بِالْأَمْوَالِ لَا بِالْأَعْمَالِ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَنْضَبِطُ فَهُوَ غَرَرٌ عِنْدَهُمْ; إِذْ كَانَ عَمَلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَجْهُولًا عِنْدَ صَاحِبِهِ.
وَعُمْدَةُ الْمَالِكِيَّةِ: اشْتِرَاكُ الْغَانِمِينَ فِي الْغَنِيمَةِ، وَهُمْ إِنَّمَا اسْتَحَقُّوا ذَلِكَ بِالْعَمَلِ. «وَمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ شَارَكَ سَعْدًا يَوْمَ بَدْرٍ، فَأَصَابَ سَعْدٌ فَرَسَيْنِ وَلَمْ يُصِبِ ابْنَ مَسْعُودٍ شَيْئا، فَلَمْ يُنْكِرِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِمَا» . وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمُضَارَبَةَ إِنَّمَا تَنْعَقِدُ عَلَى الْعَمَلِ، فَجَازَ أَنْ تَنْعَقِدَ عَلَيْهِ الشَّرِكَةُ.
وَلِلشَّافِعِيِّ أَنَّ الْمُفَاوَضَةَ خَارِجَةٌ عَنِ الْأُصُولِ، فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْغَنِيمَةِ خَارِجًا عَنِ الشَّرِكَةِ; وَمِنْ شَرْطِهَا عِنْدَ مَالِكٍ اتِّفَاقُ الصَّنْعَتَيْنِ وَالْمَكَانِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَجُوزُ مَعَ اخْتِلَافِ الصَّنْعَتَيْنِ، فَيَشْتَرِكُ عِنْدَهُ الدِّبَاغُ وَالْقِصَارُ، وَلَا يَشْتَرِكَانِ عِنْدَ مَالِكٍ.
وَعُمْدَةُ مَالِكٍ: زِيَادَةُ الْغَرَرِ الَّذِي يَكُونُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الصَّنْعَتَيْنِ، أَوِ اخْتِلَافِ الْمَكَانِ. وَعُمْدَةُ أَبِي حَنِيفَةَ: جَوَازُ الشَّرِكَةِ عَلَى الْعَمَلِ.
الْقَوْلُ فِي شَرِكَةِ الْوُجُوهِ وَشَرِكَةُ الْوُجُوهِ عِنْدَ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ بَاطِلَةٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: جَائِزَةٌ.
وَهَذِهِ الشَّرِكَةُ هِيَ الشَّرِكَةُ عَلَى الذِّمَمِ مِنْ غَيْرِ صَنْعَةٍ، وَلَا مَالٍ.
وَعُمْدَةُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ: أَنَّ الشَّرِكَةَ إِنَّمَا تَتَعَلَّقُ عَلَى الْمَالِ، أَوْ عَلَى الْعَمَلِ، وَكِلَاهُمَا مَعْدُومَانِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْغَرَرِ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَاوَضَ صَاحِبَهُ بِكَسْبٍ غَيْرِ مَحْدُودٍ بِصِنَاعَةٍ وَلَا عَمَلٍ مَخْصُوصٍ. وَأَبُو حَنِيفَةَ يَعْتَمِدُ أَنَّهُ عَمَلٌ مِنَ الْأَعْمَالِ، فَجَازَ أَنْ تَنْعَقِدَ عَلَيْهِ الشَّرِكَةُ.
الْقَوْلُ فِي أَحْكَامِ الشَّرِكَةِ الصَّحِيحَةِ وَهِيَ مِنَ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ لَا مِنَ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ (أَيْ: لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَنْفَصِلَ مِنَ الشَّرِكَةِ مَتَى شَاءَ) ، وَهِيَ عَقْدٌ غَيْرُ مَوْرُوثٍ، وَنَفَقَتُهُمَا وَكُسْوَتُهُمَا مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ إِذَا تَقَارَبَا فِي الْعِيَالِ، وَلَمْ يَخْرُجَا عَنْ نَفَقَةِ مِثْلِهِمَا، وَيَجُوزُ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يُبْضِعَ، وَأَنْ يُقَارِضَ، وَأَنْ يُودِعَ إِذَا دَعَتْ إِلَى ذَلِكَ ضَرُورَةٌ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَهَبَ شَيْئًا مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ، وَلَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ إِلَّا تَصَرُّفًا يَرَى أَنَّهُ نَظَرٌ لَهُمَا.
فَأَمَّا مَنْ قَصَّرَ فِي شَيْءٍ أَوْ تَعَدَّى فَهُوَ ضَامِنٌ، مِثْلَ أَنْ يَدْفَعَ مَالًا مِنَ التِّجَارَةِ فَلَا يَشْهَدُ، وَيُنْكِرُهُ الْقَابِضُ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ; لِأَنَّهُ قَصَّرَ إِذْ لَمْ يَشْهَدْ.
وَلَهُ أَنْ يَقْبَلَ الشَّيْءَ الْمَعِيبَ فِي الشِّرَاءِ. وَإِقْرَارُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ فِي مَالٍ لِمَنْ يُتَّهَمُ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ، وَتَجُوزُ إِقَالَتُهُ، وَتَوْلِيَتُهُ، وَلَا يَضْمَنُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ مَا ذَهَبَ مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ بِاتِّفَاقٍ، وَلَا يَجُوزُ لِلشَّرِيكِ الْمُفَاوِضِ أَنْ يُقَارِضَ غَيْرَهُ إِلَّا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ. وَيَتَنَزَّلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنْزِلَةَ صَاحِبِهِ فِيمَا لَهُ وَفِيمَا عَلَيْهِ فِي مَالِ التِّجَارَةِ. وَفُرُوعُ هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ.