المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فائدة شريفة: في تاريخ نيسابور للحاكم أن علي الرضى بن - التنوير شرح الجامع الصغير - جـ ٨

[الصنعاني]

الفصل: ‌ ‌فائدة شريفة: في تاريخ نيسابور للحاكم أن علي الرضى بن

‌فائدة شريفة:

في تاريخ نيسابور للحاكم أن علي الرضى بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمَّد الباقر بن زين العابدين بن الحسين لما دخل نيسابور كان في قبة مستورة على بغلة شهباء وقد شق بها السوق فعرض له الإمامان الحافظان أبو زرعة وابن أسلم الطوسي ومعهما من أهل العلم والحديث ما لا يحصى فقالا: أيها السيد الجليل ابن السادة الأئمة بحق آبائك المطهرين وأسلافك الأكرمين إلا ما أريتنا وجهك الميمون ورويت لنا حديثا عن آبائك عن جدك بذكرك [3/ 185] به فاستوقف غلمانه وأمر بكشف الظلة وأقر عيون الخلائق برؤية طلعته فكانت له ذؤابتان متدليتان على عاتقه والناس قيام على طبقاتهم ينظرون ما بين باك وصارخ ومتمرغ في التراب ومقبل لحافر بغلته وعلى الضجيج فصاحت الأئمة الأعلام: معاشر الناس اسكتوا وأنصتوا وأسمعوا ما ينفعكم ولا تؤذوننا بصراخكم، وكان المستملي أبو زرعة والطوسي، فقال الرضى: حدثنا أبو موسى الكاظم عن أبيه جعفر الصادق عن أبيه محمَّد الباقر عن أبيه علي زين العابدين عن أبيه شهيد كربلاء عن أبيه علي المرتضى قال: حدثني حبيبي وقرة عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "حدثني جبريل قال: حدثني رب العزة سبحانه يقول: كلمة لا إله إلا الله حصني فمن قالها دخل حصني ومن دخل حصني أمن عذابي" ثم أرخى الستر فسار فعد أهل المحابر والدوي الذين كانوا يكتبون فزادوا على عشرين ألفاً، قال الأستاذ أبو القاسم القشيري: ذكر هذا الحديث بهذا السند لبعض أمراء السامانية فكتب له بالذهب وأوصى أن يدخل معه في قبره، فرئي في النوم بعد موته فقيل: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي بتلفظي بلا إله إلا الله وتصديقي بأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم. (الشيرازي (1) عن علي) رمز

(1) أخرجه الديلمي في الفردوس (8101)، والرافعي القزويني في التدوين (2/ 214)، وأبو نعيم في =

ص: 17

المصنف لضعفه، قال الحافظ العراقي: إسناده ضعيف، وقول الديلمي: حديث ثابت، مردود إلا أنه شهد له حديث الحاكم في تاريخه وأبو نعيم عن علي: "لا إله إلا الله حصني

إلى آخره".

6030 -

"قال الله تعالى: يا ابن آدم، مهما عبدتني ورجوتني ولم تشرك بي شيئاً غفرت لك على ما كان منك، وإن استقبلتني بملء السماء والأرض خطايا وذنوبا استقبلتك بملئهن من المغفرة وأغفر لك ولا أبالي". (طب) عن أبي الدرداء (ح) ".

(قال الله تعالى: يا ابن آدم، مهما عبدتني) كما أمرتك (ورجوتني) لقبول عبادتك وفي رواية: "مهما دعوتني" عوض عبدتني، والمراد عليها ورجوت إجابتي. (ولم تشرك بي شيئاً) بل أخلصت العبادة لي ولوجهي. (غفرت لك على ما كان منك) من تقصير عما استحقه عليك. (ولو استقبلتني بملء السماء والأرض خطايا وذنوباً) أي بكل خطيئة غير الشرك. (استقبلتك بملئهن) لم يقل بملائهما لأنه أراد السماوات والأرضين. (مغفرة) فتذهب خطاياك ويسترها. (وأغفر لك ولا أبالي) وهذا في الذنوب التي بين العبد وربه لا في التي بينه وبين العباد، ومعنى لا أبالي لا أشغل بالي به، قالوا: لا يوجد في الأحاديث أرجى من هذا الحديث، قال المظهر: لا يجوز لأحد أن يغتر به ويقول أكثر من الخطيئة ليكثر الله مغفرتي وإنما قاله لئلا ييأس المؤمنون من رحمته ومغفرته وعقوبته لكن مغفرته أكثر، إلا أنه لا يعلم أحد أنه من المعاقبين أو من المغفور لهم فينبغي التردد بين الرَّجاء والخوف، وقال الطيبي: هذا عام خاص بحسب الأوقات والأحوال فإن جانب الخوف ينبغي رجحانه ابتداء والرجاء انتهاء ومطلق محمول على المقيد بالمشيئة في: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}

= الحلية (3/ 192)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4047).

ص: 18

[النساء: 116] أو مع العمل الصالح. (طب)(1) عن أبي الدرداء) رمز المصنف لحسنه، قال الهيثمي: رواه الطبراني في الثلاثة وفيه إبراهيم بن إسحاق الضبي وقيس بن الربيع وفيهما خلاف وبقية رجاله رجال الصحيح.

6031 -

"قال الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء". (طب ك) عن واثلة (صح) ".

(قال الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي) قال ابن أبي جمرة: المراد بالظن هنا العلم كقوله تعالى: {وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ} [التوبة: 118] وفي المفهم: معنى ظن عبدي بي ظن الإجابة عند الدعاء وظن القبول عند التوبة وظن المغفرة عند الاستغفار لا يعظم الذنب عندك عظمة تبعدك عن حسن الظن الله فإن من عرف ربه استصغر في جنب كرمه ذنبه. (فليظن بي عبدي ما شاء) أي أنا قادر على أن أعمل له ما ظن بي أو أنا عند علمه وإيمانه بما وعدته به من قبول حسناته والعفو عن زلاته وإجابة دعواته.

واعلم: أن حسن الظن لا يكون إلا لمن أحسن العمل وأما من أساء العمل فهو في وحشة ذنوبه لا يشتمل قلبه على الظن الحسن كما قيل:

أسأت إلي فاستوحشت مني

ولو أحسنت آنسك الجميل

وقدمنا في حسن الظن كلاماً كثيراً في الجزء الأول. (طب ك)(2) عن واثلة) رمز المصنف لصحته، قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي، قال الهيثمي: رجاله ثقات وهذا في الصحيحين بدون قوله: "ما شاء".

(1) أخرجه الطبراني في الكبير (12/ 19)(12346)، وفي الصغير (820) عن ابن عباس، وفي الأوسط (3560) عن أبي ذر، والبيهقي في الشعب (1040) عن أبي الدرداى وانظر قول الهيثمي في المجمع (10/ 216)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4341).

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير (22/ 87)(210)، والحاكم (4/ 268)، وانظر قول الهيثمي في المجمع (2/ 318)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4316).

ص: 19

6032 -

"قال الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي إن ظن خيراً فله، وإن ظن شراً فله". (حم) عن أبي هريرة (ح) ".

(قال الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي إن ظن خيرًا [3/ 186] فله وإن ظن شراً فله) ما ظنه فالجزاء يدور على ظنه وظنه يدور على أعماله. (حم)(1) عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه، وقال الهيثمي: فيه ابن لهيعة وفيه كلام معروف.

6033 -

"قال الله تعالى: يا ابن آدم، قم إلي أمش إليك، وامش إلي أهرول إليك"(حم) عن رجل "صحيح المتن) ".

(قال الله تعالى: يا ابن آدم، قم إلي) إلى خدمتي وعبادتي ومرضاتي (أمش إليك) أسرع بالقبول لطاعتك وتوفيقك لطاعات أخرى تنضاف إليها (وامش إلي) اجتهد فيما يرضيني (أهرول إليك) أسرع أتم إسراع في تقريبك من كرامتي والزلفى لدي (حم)(2) عن رجل) من الصحابة، قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير شريح بن الحارث وهو ثقة وفيما قوبل على خط المصنف: صحيح المتن.

6034 -

"قال الله تعالى لعيسى: يا عيسى، إني باعث من بعدك أمة إن أصابهم ما يحبون حمدوا وشكروا وإن أصابهم ما يكرهون صبروا واحتسبوا، ولا حلم ولا علم، قال: يا رب، كيف يكون هذا لهم ولا حلم ولا علم؟ قال: أعطيتهم من حلمي وعلمي". (حم طب ك هب) عن أبي الدرداء (صح) ".

(قال الله تعالى لعيسى) بن مريم عليهما السلام مخبرا له بما يأتي بعده. (يا عيسى، إني باعث) أي خالق. (من بعدك أمة إن أصابهم ما يحبون حمدوا لي وشكروا) على إنعامي. (وإن أصابهم ما يكرهون صبروا واحتسبوا) الأجر لدي.

(1) أخرجه أحمد (2/ 391)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4315).

(2)

أخرجه أحمد (3/ 478)، وانظر قول الهيثمي في المجمع (10/ 196)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4340)، والصحيحة (2287).

ص: 20

(ولا حلم ولا علم) قال الطيبي: هو تأكيد لمفهوم صبروا واحتسبوا؛ لأن معنى الاحتساب أن سعيه على العمل الإخلاص وابتغاء مرضات الرب لا الحلم ولا العلم، فحينئذ يتوجه عليه أنه كيف يصبر ويحتسب من لا علم له ولا حلم فيقال إذا أعطاه من حلمه ليحلم وينفعل بحلم الله وعلمه.

قلت: كأن المراد أنهم لا يتعلمون ولا يتعرفون الحلم، بل يجعل الله عقولهم راجحة مهتدية إلى الخير بغير واسطة فيكون عامة الأمة كعلماء من قبلهم في علمهم وحلمهم، وهو يناسبه أن علماء هذه الأمة كأنبياء بني إسرائيل بطريق المقابلة عامة هذه الأمة كعلماء بني إسرائيل كما دل له قوله:(قال: كيف يا رب، يكون هذا لهم ولا حلم ولا علم؟) فإن هذه الصفات لا تكون إلا للعلماء الحلماء. (قال: أعطيهم من حلمي وعلمي) أي أجعل فطرتهم على ذلك. (حم طب ك هب)(1) عن أبي الدرداء) رمز المصنف بالصحة على البيهقي، قال الحاكم: صحيح، وأقره الذهبي، وقال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح غير الحسن بن سوار وأبو حلبس يزيد بن ميسرة وهما ثقتان.

6035 -

"قال الله تعالى: يا ابن آدم، اثنتان لم تكن لك واحدة منهما: جعلت لك نصيبا من مالك حين أخذت بكظمك لأطهرك به وأزكيك، وصلاة عبادي عليك بعد انقضاء أجلك". (هـ) عن ابن عمر" (ض).

(قال الله تعالى: يا ابن آدم، اثنتان) من خصال الخير (لم تكن لك واحدة منهما) لولا فضلي عليك بينهما بقوله: (جعلت لك نصيبا من مالك) وهو ثلثه تصنع به ما تشاء من أنواع القرب (حين أخذت بكظمك) الكظم بالتحريك

(1) أخرجه أحمد (6/ 450)، والطبراني في الأوسط (3252)، والحاكم (1/ 348)، والبيهقي في الشعب (9953)، وانظر قول الهيثمي في المجمع (3/ 288)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (4052): موضوع، وضعفه في الضعيفة (4038، 4991).

ص: 21

مخرج النفس من الحلق. (لأطهرك به وأزكيك) فبالصدقة عند الموت يطهر العبد من أدناس ذنوبه ويزكي بها أعماله. (وصلاة عبادي عليك عند انقضاء أجلك) وهاتان من إفضاله على عبده وإلا فإنه لولا فضل الله عليه ورحمته ما كان له شيء منهما، قال الفاكهاني: من خصائص هذه الأمة الصلاة على الميت والإيصاء بالثلث.

قلت: والظاهر أن الصلاة على الميت سنة قديمة من عصر آدم كما في الأحاديث أن الملائكة صلت عليه وقالت هذه سنة بني آدم أي طريقتهم. (هـ)(1) عن ابن عمر) رمز المصنف لضعفه.

3036 -

"قال الله تعالى: من علم أني ذو قدرة على مغفرة الذنوب غفرت له ولا أبالي، ما لم يشرك بي شيئاً". (طب ك) عن ابن عباس (صح) ".

(قال الله تعالى: من علم أني ذو قدرة على مغفرة الذنوب غفرت له) قال الطيبي: فيه تعريض بالوعيد به، ومن قال: إن الله لا يغفر الذنوب بغير توبة ويشهد للتعريض قوله: (ولا أبالي) أي لا أحتفل، قلت: بناء على جواز الخطاب لمن لم يوجد والتعريض به وهي مسئلة كلامية مستوفاة في محلها، إن قلت: المغفرة ترك العقوبة وستر الذنب والقدرة على الترك ليس لها شأن القدرة على الفعل فالعلم بها واضح.

قلت: المراد من علم أن الله تعالى غفور رحيم عفو كريم علم أنه يغفر الذنوب وأن عفوه عن قدرة إذ لا مدح إلا بعفو عن قدرة كما قيل:

كل عفو أتى بغير اقتدار

حجة لاجئ إليها اللئام

فالإيمان بالقدرة على ترك العقوبة إيمان بالقدرة عليها لكنه سلك في الحديث الطريق البرهاني، قال المظهر: فيه أن العلم بذلك سبب للغفران وهو نظير "أنا

(1) أخرجه ابن ماجة (2710)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4056)، والضعيفة (4042).

ص: 22

عند ظن عبدي بي" وقد عير الله قوما فقال: {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ} [فصلت: 23]{وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا} [الفتح: 12](ما لم يشرك بي شيئاً) الحديث مشتق من الآية {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] فإطلاق صدره مقيد بالآية أعني بالمشيئة. (طب ك)(1) عن ابن عباس) رمز المصنف لصحته، قال الحاكم: صحيح، ورده الذهبي بأن جعفر [3/ 187] بن عمر العدني أحد رجاله فالصحة من أين؟

6037 -

"قال الله تعالى: يا ابن آدم، اذكرني بعد الفجر وبعد العصر ساعة أكفك ما بينهما. (حل عن أبي هريرة (ض) " ابن المبارك في الزهد عن الحسن مرسلاً).

(قال الله تعالى: يا ابن آدم، اذكرني بعد الفجر) أي بعد صلاته إلى طلوع الشمس كما جاء مبينا في أحاديث أخر (وبعد العصر) كذلك إلى الغروب وقوله: (ساعة) يراد بذلك (ما بينهما) قال ابن رجب: يشير إلى أن الأعمال بالخواتيم فإذا كانت البداية والختام بخير شمل الخير ورجا المغفرة بحكم الجميع (حل)(2) عن أبي هريرة) رمز المصنف عليه بالضعف ورواه (ابن المبارك في الزهد عن الحسن مرسلاً).

3038 -

"قال الله تعالى: إن المؤمن مني بعرض كل خير، إني أنزع نفسه من بين جنبيه وهو يحمدني". الحكيم عن ابن عباس، وعن أبي هريرة".

(قال الله تعالى: إن المؤمن مني بعرض) بالموحدة والمهملة مفتوحات أي

(1) أخرجه الطبراني في الكبير (11/ 241)(11615)، والحاكم (4/ 291)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (4330).

(2)

أخرجه أبو نعيم في الحلية (8/ 213)، وابن أبي عاصم في الزهد (1/ 37)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4040)، والضعيفة (4031).

ص: 23

معرض (كل خير) فكل ما يناله فهو خير له كما بينه بقوله: (إني أنزع نفسه من بين جنبيه) أقتصها والمراد بالنفس هنا الروح كذا في القاموس (1) ومنه خرجت نفسه، ومن بين جنبيه كناية عن ذاته أو أن النزع يقع بين ذلك حقيقة بعد جمع الروح من أجزاء بدنه إليه. (وهو يحمدني) وذلك من أعظم الخير له أن يناله أعظم الأشياء وهي مصيبة الموت وهو حامد الله تعالى وكل ذلك بفضل الله عليه {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا} [النور: 21] (الحكيم (2) عن ابن عباس، وعن أبي هريرة).

6039 -

"قال الله تعالى: أنا أكرم وأعظم عفوا من أن أستر على عبد مسلم في الدنيا ثم أفضحه بعد إذ سترته، ولا أزال أكفر لعبدي ما استغفرني" الحكيم عن الحسن مرسلاً (عق) عنه عن أنس (ض) ".

(قال الله تعالى: أنا أكرم وأعظم عفواً) أي أن صفة الأكرمية والأعظمية في العفو تمنع. (من أن أستر على عبد مسلم في الدنيا) ما أتاه من المقبحات (ثم أفضحه) في الآخرة أو في الدارين (بعد إذ سترته) وفضحته في الآخرة بتعذيبه ومعرفة العباد ما أتاه من قبيح فعله (ولا أزال أغفر لعبدي ما استغفرني) مدة ما طلب المغفرة مني وإن عاد في يومه إلى الذنب وتاب عدت بالمغفرة عليه، والحديث من أجل أحاديث الرَّجاء وإظهار عفو الله. (الحكيم عن الحسن مرسلاً (عق) (3) عنه عن أنس) رمز المصنف لضعفه وذلك لأن فيه أيوب بن ذكوان قال في الميزان عن البخاري: منكر الحديث، وعن الأزدي: متروك الحديث، وعن

(1) القاموس المحيط (ص 745).

(2)

أخرجه الحكيم في نوادر الأصول (1/ 91)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4318).

(3)

أخرجه الحكيم (2/ 34) عن الحسن، وأخرجه العقيلي في الضعفاء (1/ 144)، وابن عدي في الكامل (1/ 357) عن أنس، وانظر الميزان (1/ 456)، واللسان (1/ 480)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4046)، والضعيفة (4036).

ص: 24

ابن عدي ما يرويه لا يتابع عليه، وفي اللسان ذكر العقيلي: هذا الحديث فيما أنكر عليه، ثم قال: وروي من غير هذا الوجه بمعنى هذا اللفظ بإسناد أصلح منه.

6040 -

"قال الله تعالى: حقت محبتي على المتحابين، أظلهم في ظل العرش يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظلي". ابن أبي الدنيا في كتاب الإخوان عن عبادة بن الصامت".

(قال الله تعالى: حقت محبتي) وجبت مني (على المتحابين) أي في الله كما قيد غيره. (أظلهم في ظل العرش) تقدم غير مرة الكلام فيه. (يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظلي) أي ظل عرشي. (ابن أبي الدنيا (1) في كتاب الإخوان عن عبادة بن الصامت) أخرجه أحمد والطبراني بلفظه هذا، قال الهيثمي: رجاله موثقون فكان الأحسن من المصنف نسبته إلى من ذكر.

6041 -

"قال الله تعالى: لا يذكرني عبدي في نفسه إلا ذكرته في ملأ من ملائكتي، ولا يذكرني في ملأ إلا ذكرته في الرفيق الأعلى". (طب) عن معاذ بن أنس صحيح متنه) ".

(قال الله تعالى: لا يذكرني عبدي في نفسه) دون تلفظه بالذكر بلسانه أو معه من دون إطلاع أحد عليه والأول أقرب (إلا ذكرته في ملأ) بفتح الميم واللام مهموز أي جماعة (من ملائكتي) قال ابن حجر: يستفاد منه أن الذكر الخفي أفضل من الجهر.

قلت: بناء على أن المراد بقي نفسه المعنى الآخر، وعليه ففي الدلالة خفاء، بل قوله في الآخر في الرفيق الأعلى يدل على أن الجهر أفضل، وذكر الله له عبارة على إعلانه بإثابته وإجزال أجره.

(1) أخرجه ابن أبي الدنيا في الإخوان (رقم 9) وأحمد (5/ 239)، والطبراني في الكبير (20/ 81)(154)، وابن حبان (577)، والشاشي في مسنده (1175)، والضياء في المختارة (375)، وانظر قول الهيثمي في المجمع (10/ 278)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4320).

ص: 25

(ولا يذكرني في ملأ) جماعة من العباد. (إلا ذكرته في الرفيق الأعلى) أعلى الملائكة قدرا وفيه دلالة على أن الذكر جهرًا أفضل وذلك لما فيه من تنبيه الغافلين وإيقاظ القلوب لذكر رب العالمين. (طب)(1) عن معاذ بن أنس) في نسخة قوبلت على خط المصنف صحيح متنه، وقال الهيثمي: إسناده حسن.

6042 -

"قال الله تعالى: عبدي، إذا ذكرتني خاليا ذكرتك خاليا، وإن ذكرتني في ملأ ذكرتك في ملأ خير منهم وأكبر". (هب) عن ابن عباس (صح متنه) ".

(قال الله تعالى: عبدي) أي يا عبدي (إذا ذكرتني) بلسانك فإنه المتبادر عند إطلاق الذكر (خالياً) عن الناس مبعوداً عنهم (ذكرتك) بإثابتي إياك. (خالياً) غير مطلع أحدًا على ما أخفيت لك من الأجر، فإن قلت: كيف التلفيق بين هذا وبين قوله في الأول أنه إذا ذكره في نفسه ذكره في ملأ من الملائكة.

قلت: الأول في الذكر النفسي وهذا في الذكر اللساني الخفي وأنه تعالى يخفيه وأما الذكر النفسي فإنه تعالى ينوه به لملائكته وفيه دلالة على أن النفسي أفضل من اللساني المنفرد ذاكره ويحتمل أن ما أخفى الله أجره [3/ 188] أفضل فالذكر على هذا ثلاثة أنواع: نفسي، ولساني خفي، وظاهر. (وإن ذكرتني في ملأ ذكرتك في ملأ خير منهم وأكبر) قدرا وعددا وضبط بالموحدة وفيه دلالة على أفضلية الملائكة على البشر، قال ابن بطال: هذا نص في أن الملائكة أفضل من الآدميين وهو مذهب جمهور أهل العلم وله شواهد: {إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} [الأعراف: 20].

قلت: المسألة كثيرة الجدال طويلة الخلاف والاستدلال. (هب (2) عن ابن

(1) أخرجه الطبراني في الكبير (10/ 182)(391)، وانظر قول الهيثمي في المجمع (10/ 78)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (4335).

(2)

أخرجه البيهقي في الشعب (551)، وانظر قول الهيثمي في المجمع (10/ 78)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4324)، والصحيحة (2011).

ص: 26

عباس) قال المصنف: صح متنه، وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير بشر بن معاذ العبدي وهو ثقة.

6043 -

"قال الله تعالى: إذا ابتليت عبدي المؤمن فلم يشكني إلى عواده أطلقته من إساري، ثم أبدلته لحماً خيراً من لحمه، ودما خيراً من دمه، ثم يستأنف العمل"(ك هق) عن أبي هريرة (صح) ".

(قال الله تعالى: إذا ابتليت عبدي المؤمن) اختبرته وامتحنته. (فلم يشكني إلى عواده) زواره في مرضه أي لم يشك ألمه وشدة ما نزل به إلا لربه فإنه لا يشكوه تعالى مؤمن. (أطلقته من إساري) إن لم يحضر أجله مصدر أسره، وفيه أن المريض أسير الله تعالى. (ثم أبدلته لحماً خيراً من لحمه) الذي أذهبه الألم والأخيرية من حيث أنه لحم لم يلابس به معصية أو لأنه لحم صحيح، ومثله قوله:(ودماً خيراً من دمه) أي وغفرت له ما سلف من ذنوبه كما يرشد إليه قوله: (ثم يستأنف العمل)(ك هق)(1) عن أبي هريرة) رمز المصنف عليه بالصحة؛ لأنه قال الحاكم: على شرطهما وأقره الحافظ الذهبي في التلخيص إلا أنه قال في المهذب (2): لم يخرجه الستة لعلته انتهى، وقال العراقي (3): سنده جيد.

6044 -

"قال الله تعالى: عبدي المؤمن أحب إلى من بعض ملائكتي". (طس) عن أبي هريرة (ض) ".

(قال الله تعالى: عبدي المؤمن) ظاهره للجنس، ويحتمل أن الإضافة عهدية والمراد به الرسل أو رسول معين أو غير ذلك (أحب إلي من بعض ملائكتي)

(1) أخرجه الحاكم (1/ 500)، والبيهقي في السنن (3/ 375)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4301)، والصحيحة (272).

(2)

انظر: المهذب في اختصار السنن الكبير (رقم 5818).

(3)

انظر: تخريج أحاديث الإحياء (2/ 181).

ص: 27

هو بعض مبهم غير معين، الله أعلم بالمراد به وللشارح هنا كلام خارج عن مراد الحديث (طس)(1) عن أبي هريرة) رمز المصنف لضعفه، قال الهيثمي: فيه ابن المهزم متروك.

6045 -

"قال الله تعالى: وعزتي وجلالي لا أجمع لعبدي أمنين ولا خوفين: إن هو أمنني في الدنيا أخفته يوم أجمع عبادي، وإن هو خافني في الدنيا أمنته يوم أجمع عبادي". (حل) عن شداد بن أوس (ض) ".

(قال الله تعالى: وعزتي وجلالي لا أجمع لعبدي أمنين) بأن يأمن عقوبتي على ذنبه في الدنيا والآخرة (ولا خوفين) بأن يخافني في الدنيا ويخافني في الآخرة (إن هو أمنني في الدنيا أن أخيفه يوم أجمع عبادي) في الآخرة بحسابه وعقابه. (وإن هو خافني في الدنيا أمنته) في الآخرة بالبشرى والعفو (يوم أجمع عبادي) وفي هذه العبارة إرشاد إلى أنه يعلن بمخافته أو بأمنه، حيث لم يقل يوم القيامة، قال تعالى:{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 40، 41]، وقد ثبت حديث "أن رجلاً لم يعمل من الخير شيئاً قط إلا التوحيد فلما حضرته الوفاة قال لأهله إذا أنا من فخذوني واحرقوني حتى تدعوني حممة، ثم اطحنوني، ثم ذروني في البحر في يوم رياح، قال ففعلوا به ذلك، فإذا به في قبضة الله عز وجل فقال ما حملك على ما صنعت؟ قال: مخافتك، قال: فغفر الله عز وجل له"(2). (حل)(3) عن شداد بن أوس) رمز المصنف لضعفه،

(1) أخرجه الطبراني في الأوسط (6634)، وانظر قول الهيثمي في المجمع (1/ 82)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (4051): ضعيف جداً.

(2)

أخرجه أحمد (1/ 398)، والبخاري (3294).

(3)

أخرجه أبو نعيم في الحلية (6/ 98)، وابن المبارك في الزهد (175)، والطبراني في الشاميين (462) عن شداد، وأخرجه البيهقي في الشعب (777) عن أبي هريرة وانظر قول الهيثمي في المجمع (10/ 380)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (4332)، وصححه في الصحيحة (742).

ص: 28

قال الشارح: وقد رواه البزار والبيهقي عن أبي هريرة، قلت: إلا أنه قال الهيثمي: رواه البزار عن شيخه محمَّد بن يحيى بن ميمون ولم أعرفه ولم ينسبه الهيثمي إلى البيهقي.

6046 -

"قال الله تعالى: يا ابن آدم، إن ذكرتني في نفسك ذكرتك في نفسي، وإن ذكرتني في ملإ ذكرتك في ملإ خير منهم، وإن دنوت مني شبراً دنوت منك ذراعا، وإن دنوت مني ذراعاً دنوت منك باعا، وإن أتيتني تمشي أتيتك أهرول". (حم) عن أنس".

(قال الله تعالى: يا ابن آدم، إن ذكرتني في نفسك) من دون تلفظ. (ذكرتك في نفسي) أجعل ثوابك سراً لا يطلع عليه أحد وأتولاه بنفسي لا آكله إلى غيري، والحديث من المشاكلة. (وإن ذكرتني في ملأ) كما سلف (ذكرتك في ملأ خير منهم) أعددت لك الأجر بحضرتهم واطلاعهم، ونوهت بذكرك كما نوهت بذكري. (وإن دنوت مني شبراً) تقربت إلى بطاعتك. (دنوت منك ذراعاً) قربت إليك رحمتي وألطافي وزدتك هذا (وإن دنوت مني ذراعا دنوت منك باعاً) فكلما ازداد العبد تقربا إلى مولاه بطاعاته ازداد الرب تعالى إليه قربا برحمته وألطافه وتوفيقه لأعمال الخير. (وإن أتيتني تمشي أتيتك أهرول) قال قتادة: الله تعالى أسرع بالمغفرة وهو أحد رواته عن أنس ففهم تأويله بالمغفرة، وفيه أن من بعد عن التقرب إلى الله بطاعته بعدت رحمة الله عليه وألطافه وكلما ازداد بعداً عن الله ازداد قرباً من الخذلان والعياذ الله (حم) (1) عن أنس قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح.

6047 -

"قال الله تعالى: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على

(1) أخرجه أحمد (3/ 138)، وعبد بن حميد (1169)، وانظر قول الهيثمي في المجمع (10/ 78)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4337).

ص: 29

ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو أنك أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة". (ت) والضياء عن أنس (صح) ".

(قال الله تعالى: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك) من الذنوب غير الشرك كما عرف من الآية والأحاديث [3/ 189]. (ولا أبالي) لا يشتغل بذلك بالي، قال الطيبي: وفي عدم مبالاته معنى قوله: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} [الأنبياء: 23](يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك) على تقدير كونها أجساماً. (عنان) بفتح المهملة: سحاب (السماء) أو عنانها ما عنَّ لك وظهر منها ولو شركا. (ثم استغفرتني) أي تبت توبة صحيحة. (غفرت لك ولا أبالي) فضلاً منه تعالى لا حتماً عليه كما يقوله من أوجب قبول التوبة، قال القاضي: العنان السحاب، الواحدة عنانة من عنَّ إذا اعترض وأضيف إلى السماء لأنه معترض دونها وقد يقال: أعنان السماء وهي صفائحها، وما اعترض من أقطارها، ولعله المراد من الحديث إذ روي أعنان السماء، والمراد من الحديث: لو كثرت ذنوبك كثرة تملأ ما بين السماء والأرض بحيث يبلغ أقطارها وتعم نواحيها ثم استغفرتني غفرت لك جميعها غير مبالي بكثرتها، وان استدعاء الاستغفار المغفرة يستوي فيه القليل والكثير (يا ابن آدم، لو أنك أتيتني بقراب الأرض) بضم القاف ويقال بكسرها والضم أفصح وأشهر أي عليها قال القاضي: وهو مأخوذ من القرب أي ما يقاربها في المقدار (خطايا) قال الطيبي: تمييز من الإضافة مثل قولك: ملأ الإناء عسلاً (ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً) قال الطيبي: ثم للتراخي (لأتيتك بقرابها مغفرة) قال الشارح: ما دمت تائبا عنها مستغفراً منها مستقبلاً إياها.

قلت: والأظهر عدم التقييد بذلك، بل تقيد بالمشيئة وهو نظير الآية {إِنَّ اللهَ

ص: 30

لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] وهذا التقييد يناسب مذهب الاعتزال (ت) والضياء (1) عن أنس) رمز المصنف لصحته قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الثلاثة وفيه إبراهيم بن إسحاق الضبي، وقيس بن الربيع مختلف فيهما.

6048 -

"قال الله تعالى: عبدي، أنا عند ظنك بي، وأنا معك إذا ذكرتني". (ك) عن أنس (صح) ".

(قال الله تعالى: عبدي، أنا عند ظنك بي) أي جزائي عند ظنك (وأنا معك) بحفظي ورعايتي وألطافي (وإذا ذكرتني)(ك)(2) عن أنس) رمز المصنف لصحته.

6049 -

"قال الله تعالى للنفس: اخرجي، قالت: لا أخرج إلا كارهة". (خد) عن أبي هريرة (صح) ".

(قال الله تعالى للنفس) أي لروح العبد (اخرجي) من الجسد عند الموت. (قالت: لا أخرج إلا كارهة) وذلك لأنها ألفت الجسد واشتدت مصاحبتها له فلا تخرج منه إلا كارهة لفراقه ولا ينافي حديث: "من كره لقاء الله كره الله لقاءه" لأنه قد يكره الموت لشدة سكراته مع محبته للقاء الله ونسبة الكراهة والخطاب إلى الروح مجازا والمراد صاحبه ويحتمل الحقيقة وأن الرب تعالى يخاطبها ويحببه (خد)(3) عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته ورواه البزار وزاد "قال

(1) أخرجه الترمذي (3540)، والضياء في المختارة (1571) عن أنس، وأخرجه الطبراني في الكبير (12/ 19)(12346)، وفي الأوسط (5483)، وفي الصغير (820) عن ابن عباس، وانظر قول الهيثمي في المجمع (10/ 216)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (4338).

(2)

أخرجه الحاكم (1/ 674)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4325)، والصحيحة (2012).

(3)

أخرجه البخاري في الأدب المفرد (219)، وفي التاريخ (937)، وانظر قول الهيثمي في المجمع (2/ 325)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4329).

ص: 31

اخرجي وإن كرهتِ".

6050 -

"قال الله تعالى: يا ابن آدم، ثلاثة واحدة لي وواحدة لك وواحدة بيني وبينك: فأما التي لي فتعبدني لا تشرك بي شيئاً، وأما التي لك فما عملت من عمل جزيتك به، فإن أغفر فأنا الغفور الرحيم، وأما التي بيني بينك فعليك الدعاء والمسألة وعلى الاستجابة والعطاء". (طب) عن سلمان (ح) ".

(قال الله تعالى: يا ابن آدم) الخطاب في هذه الأحاديث للجنس، وقوله (ثلاثة) خبر مبتدأ أي هذه التي يذكرها. (واحدة لي) عليك. (وواحدة لك وواحدة بيني وبينك) منك سببها ومنى مسببها. (فأما التي لي) عليك واجبة. (فتعبدني لا تشرك بي شيئاً) بل تخصني بالعبادة وتخلصها لي. (وأما التي لك) علي فضلاً مني وعدة صادقة لا أخلفها. (فما عملت من عمل) أي عمل خير وبر كما يرشد إليه السياق. (جزيتك به) ويحتمل العموم كما يرشد إليه قوله. (فإن أغفر فأنا الغفور الرحيم) صفتي تقتضي ذلك وفي الاقتصار على هذا الطرف وإهمالِ ما يقابله دليل على سعة عفوه ورحمته. (وأما التي بيني وبينك فعليك الدعاء والمسألة) الظاهر أنه عطف تفسيري. (وعلى الاستجابة والعطاء) كذلك ويحتمل أن الدعاء أريد به استدفاع المكروه، والمسألة استنزال المحبوب والاستجابة في مقابلة الأول والعطاء في مقابلة الثاني.

إن قلت: العمل والجزاء بين العبد وربه أيضاً كالدعاء والإجابة وهل الدعاء إلا من جملة الأعمال والإجابة من الجزاء.

قلت: هذا دليل على أنه أريد بالعمل أعم من الخير والشر كما أشرنا إليه فعطف الدعاء عطف الخاص على العام. (طب)(1) عن سلمان) رمز المصنف

(1) أخرجه الطبراني في الكبير (6/ 253)(6137)، والبزار (2523)، وانظر قول الهيثمي في المجمع (1/ 51)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4058).

ص: 32

لحسنه، وقال الهيثمي: فيه حميد بن الربيع مدلس وفيه ضعف.

6051 -

"قال الله تعالى: من لا يدعوني أغضب عليه". العسكري في المواعظ عن أبي هريرة (ح) ".

(قال الله تعالى: من لا يدعوني أغضب عليه) أي ومن يدعوني أرضى عنه وهذا غاية الكرم والجود الإلهي وفيه رد على من زعم أن التفويض خير من الدعاء بل فيه إيجاب للدعاء فإنه تعالى لا يغضب إلا [3/ 190] على من ترك واجبا أو فعل محرماً. (العسكري (1) في المواعظ عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه.

6052 -

"قال ربكم: أنا أهل أن أتقى فلا يجعل معي إله، فمن اتقى أن يجعل معي إلها فأنا أهل أن أغفر له". (حم ت ن هـ ك) عن أنس (صح) ".

(قال ربكم: أنا أهل أن أتقى) يتقي عذابي وعقوبتي، وبناه للمفعول لأن المراد أن يوقع اتقائي من كل من هو أهل لذلك، قال الطيبي: "أهل الرجل من يجمعهم وإياه نسب أو دين ثم تجوز واستعمل في معني الخليق والجدير فقيل: فلان أهل لكذا أي خليق به، وهو المعني بقوله:(أنا أهل التقوى وأهل المغفرة) فأخبر بأنه حقيق بأن يتقي منه وحقيق بأن يغفر لمن اتقاه وفوض الترتيب إلى ذهن السامع. (فلا يجعل معي إله) لأنه لا إله غيره تعالى (فمن اتقى أن يجعل معي إلها فأنا أهل أن أغفر له){إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [النساء: 116](حم ت ن هـ ك)(2) عن أنس) رمز المصنف لصحته، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب وسهيل ليس بالقوى في الحديث وقد تفرد سهيل بهذا الحديث عن ثابت انتهى ومراده سهيل القطيعي.

(1) أخرجه الحاكم (1/ 491) بلفظ: "من لا يدعو الله يغضب عليه .. "، انظر فيض القدير (4/ 497)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4055).

(2)

أخرجه أحمد (3/ 243)، والترمذي (3328)، والنسائي (6/ 501)، وابن ماجة (4299)، والحاكم (2/ 552)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4061).

ص: 33

6053 -

"قال ربكم: لو أن عبادي أطاعوني لأسقيتهم المطر بالليل، ولأطلعت عليهم الشمس بالنهار، ولما أسمعتهم صوت الرعد"(حم ك) عن أبي هريرة (صح) ".

(قال ربكم: لو أن عبادي أطاعوني) فيما أمرتهم بفعله ونهيتم عنه. (لأسقيتهم المطر بالليل) لأنه أهنأ والمطر فيه أنفع وأبرك. (ولأطلعت عليهم الشمس بالنهار) فيتم بذلك صلاح ثمارهم وراحة قلوبهم، فإن الشمس بعد الإمطار من أسر شيء للقلوب. (ولما أسمعتهم صوت الرعد) قال الطيبي: من باب التيمم فإن السحاب مع وجود الرعد لا يخلو عن شائبة خوف من البرق لقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا} [الرعد: 12]، ففي الحديث دلالة على أن مطر الليل من أمارات رضائه سبحانه واشتهر على الألسنة إذا رضي الله على قوم أمطرهم ليلًا وينسبونه حديثا ولم نره (حم ك) (1) عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته؛ لأنه قال الحاكم: صحيح ورده الذهبي بأن فيه صدقة بن موسى عن محمَّد بن واسع صدقة واه فالصحة من أين؟ واعلم أن هذه الأحاديث إلى هنا أحاديث قدسية تفارق القرآن بأنه اللفظ المنزل للإعجاز بشيء منه، والحديث القدسي إخبار الله تعالى نبيه بإلهام أو منام فأخبر صلى الله عليه وسلم عنه بعبارة نفسه وقد تقدم هذا وفيه دليل على أنه يصح نسبة القول إلى من كان المعنى له دون العبارة كالأحاديث المروية بالمعنى وإن كان قد فرق بأن المروي بالمعنى قد ثبت له لفظ بخلاف الأحاديث القدسية فلا لفظ لها إلا ما جاء به صلى الله عليه وسلم.

6054 -

"قال لي جبريل: لو رأيتني وأنا آخذ من حال البحر فأدشه في فيّ فرعون مخافة أن تدركه الرحمة". (حم ك) عن ابن عباس".

(1) أخرجه أحمد (2/ 359)، والحاكم (2/ 380)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4062)، والضعيفة (883).

ص: 34

(قال لي جبريل) مخبراً عن نفسه بشدة غضبه لربه على من عصاه وفائدة الإخبار إفادة أصل الخبر وليقتدي السامع بالملائكة عليهم السلام في الغضب على العصاة وذلك لأن الملائكة معصومون، فكل ما يأتونه طاعة والاقتداء بأهل الطاعات شأن أهل الإيمان. (لو رأيتني) يا محمَّد حين قال فرعون عند إدراك الغرق:{آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس: 90]. (وأنا آخذ من حال البحر) بالحاء المهملة أي طينه الأسود المنتن. (فأدشه في فيّ فرعون) في فمه لئلا يتلفظ بما ينجيه. (مخافة) نصب على المفعول لأجله أي خوفا مني. (أن تدركه الرحمة) لشدة غضبي عليه بما أتاه من أقبح الأفعال، قال الشارح: إنما فعل ذلك غضبا لله لا أنه كره إيمانه فإن كراهة إيمان الكافر كفركما قالوه، وفي الكشاف (1): أنه دسه في فيه للغضب على الكافر في وقت قد علم أن إيمانه لا ينفعه، قال وأما ما يضم إليه من زيادة مخافة أن تدركه الرحمة فمن زيادات الباهتين لله ولملائكته لأن الإيمان يصح بالقلب فحال البحر لا يمنعه، قال الشارح: قد يجاب بأن جبريل أراد شغل قلبه لا لسانه، وفي الإتحاف أن كلام الكشاف مختل رواية ودراية، أما الرواية فلأنه أنكر لفظه مخافة أن تدركه الرحمة ولم ينكر سائر الحديث ولم يفصل الروايات المعتبرة بين أول الحديث وآخره، وأما الدراية فلأنه اعتمد على أن الإيمان يصح بالقلب دون اللسان وهو كلام خارج عما تضمنه الحديث إذ لا نزاع أن فرعون تكلم بكلمة الإيمان ولكن لم يقبل منه كما لم يقبل من سائر الكفار كما في الآية التي أسلفنا.

قلت: يريد أنه لا يقبل الإيمان من الكافر عند معاينة الهلاك كما قال تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} إلى قوله: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ [3/ 191] إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} [غافر: 85] فكذلك إيمان فرعون كان عند

(1) الكشاف (1/ 531).

ص: 35

رؤيته بأس الله فلم يقبل منه ثم قال أعني صاحب الإتحاف: وكذلك لم يتضمن الحديث إرادة بقاء فرعون على الكفر لأنه قد آمن فلم يبق في وسعه غير ما فعل، فإن أراد الزمخشري على خلاف الإيمان فليس بلازم لأنه قد آمن، وإن أراد بقاء حكم الكفر لعدم قبول الإيمان فإن الله تعالى قد أراد استمرار حكم الكفر على الكافرين أبد الآبدين منذ منعهم التوبة حين رؤية العباس أو طلوع الشمس وإنما خشي جبريل عليه السلام أن يرحم الله تضرعه لأن الرحمة والحكمة يسعان ذلك انتهى. (حم ك) (1) عن ابن عباس) قال الحاكم: صحيح على شرطهما وأقره الذهبي في التلخيص لكنه في الميزان نقل عن أحمد أن يوسف بن مهران أحد رجاله لا يعرف ثم ساقه بلفظه.

قلت: قد أخرجه الترمذي وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب وصححه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ كلهم من حديث ابن عباس (2) وروي من حديث أبي هريرة (3) وابن عمر (4) وأبي أمامة.

6055 -

"قال لي جبريل: بشر خديجة ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب". (طب) عن ابن أبي أوفى" (صح).

(قال لي جبريل: بشر خديجة) بنت خويلد أم المؤمنين (ببيت في الجنة) قال الخطابي: المراد بالبيت هنا القصر (من قصب) أي لؤلؤ مجوف كما جاء

(1) أخرجه أحمد (1/ 245)، والحاكم (4/ 278)، والترمذي (3107)، والبيهقي في الشعب (9393)، والطيالسي (2693)، وعبد بن حميد (664)، وانظر الميزان (7/ 308)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4353)، والصحيحة (2015).

(2)

أخرجه الترمذي (3107)، وقال: حسن كما في المطبوع، والطيالسي (2729)، والبيهقي في الشعب (9393).

(3)

رواية أبي هريرة أخرجها ابن جرير في التفسير (11/ 163)، والبيهقي في الشعب (9390).

(4)

رواية ابن عمر أخرجها ابن عساكر في تاريخ دمشق (53/ 124).

ص: 36

مفسرًا في هذا الحديث بعينه (لا صخب) بفتح المهملة والمعجمة لا صياح فيه (ولا نصب) لا تعب، قال السهيلي (1): مناسبة نفي هاتين الصفتين أن المصطفى صلى الله عليه وسلم لما دعا إلى الإِسلام أجابت خديجة رضي الله عنها طوعًا فلم تحوجه إلى رفع صوت ولا نزاع ولا تعب بل أزالت عنه كل وحشة وهونت عليه كل عسير فناسب كون بيتها الذي بشرها به ربها بالصفة المقابلة، وللسهيلي هنا كلام في نكتة التعبير بالبيت عن القصر ولنا عليه كلام أودعناه في الفوائد المجموعة (طب)(2) عن ابن أبي أوفى) رمز المصنف لصحته، قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير محمَّد بن أبي سمية وقد وثقه غير واحد.

6056 -

"قال لي جبريل: قلّبت مشارق الأرض ومغاربها فلم أجد رجلاً أفضل من محمَّد، وقلّبت مشارق الأرض ومغاربها فلم أجد بني أب أفضل من بني هاشم". الحاكم في الكنى وابن عساكر عن عائشة.

(قال لي جبريل: قلّبت مشارق الأرض ومغاربها) أي بأمر الله تعالى، والمراد من في مشارقها ومغاربها وهما كناية عن جميع الأرض. (فلم أجد) في بني آدم. (رجلاً أفضل من محمَّد) يحتمل أنه لم يجد في بني آدم الأحياء في زمانه، ويحتمل في بني آدم أجمعين الأحياء والأموات وهذا بعد تعريف الله لجبريل بصفات الفضل ما هي. (وقلّبت مشارق الأرض ومغاربها فلم أجد بني أب) أولاد رجل من بني آدم. (أفضل من بني هاشم) وأفضليتهم من حيث أنه خرج فيهم محمَّد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم والحديث دليل على أنه صلى الله عليه وسلم أفضل البشر وأن بني هاشم أفضل القبائل والأفخاذ. (الحاكم في الكنى وابن عساكر (3) عن عائشة) قال ابن حجر

(1) الروض الأنف (1/ 123).

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير (23/ 10)(11)، وانظر قول الهيثمي في المجمع (9/ 224)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4350)، والصحيحة (3608).

(3)

أخرجه الطبراني في الأوسط (6285)، واللالكائي في اعتقاد السنة (4/ 752)، وابن أبي عاصم في =

ص: 37

في أماليه: لوائح الصحة ظاهرة على صفحات هذا المتن، وقد أخرجه أحمد والطبراني والبيهقي والديلمي وغيرهم.

6057 -

"قال لي جبريل: من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق". (خ) عن أبي ذر (صح) ".

(قال لي جبريل) مخبراً عن الله تعالى. (من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئاً) يحتمل أن هذا الحكم خاص بهذه الأمة ويحتمل أنه عام، وظاهر الآيات العموم. (دخل الجنة) إما مع الأولين بمغفرة الله وعفوه أو بعد تعذيبه ثم إخراجه. (قلت: وإن زنى وإن سرق؟) تقدم وجه ذكر هذين النوعين وخصوصيتهما (قال: وإن) أي وإن: زنى وإن سرق وهذا من الاكتفاء نوع من أنواع البديع ومنه:

قالت بنات العم يا سلمى وإن

كان فقيراً معدماً قالت وإن (1)

(خ)(2) عن أبي ذر الغفاري).

6058 -

"قال لي جبريل: ليبك الإِسلام على موت عمر"(طب) عن أبي ذر (ض) ".

(قال لي جبريل: ليبك الإِسلام) أي أهله (على موت عمر) وهو أمر في معنى الإخبار، ويحتمل الأمر حقيقة فإنه كان عضد الإِسلام، وحبل الإيمان ولأن موته فتح قفل الفتنة بين المسلمين (طب)(3) عن أبي) رمز المصنف لضعفه قال

= السنة (2/ 632)، والدولابي في الذرية الطاهرة (230)، والديلمي في الفردوس (4516)، والبيهقي في دلائل النبوة (1/ 76)، وانظر: الأمالي المطلقة لابن حجر (ص: 72)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (4064): ضعيف جداً.

(1)

الأبيات منسوبة إلى رؤبة بن الحجاج (ت 145 هـ).

(2)

أخرجه البخاري (3050)، ومسلم (94).

(3)

أخرجه الطبراني في الكبير (1/ 67)(61)، وانظر قول الهيثمي في المجمع (9/ 74)، والموضوعات (1/ 342)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (4065)، والضعيفة (4047): موضوع.

ص: 38

الهيثمي: فيه حبيب كاتب مالك وهو ضعيف متروك كذاب وأورده ابن الجوزي في الموضوعات.

6059 -

"قال لي جبريل: يا محمَّد، عش ما شئت؛ فإنك ميت، وأحبب من شئت؛ فإنك مفارقه، واعمل ما شئت؛ فإنك ملاقيه" الطيالسي (هب) عن جابر".

(قال لي جبريل: يا محمَّد، عش) الأمر هنا مجاز يراد به قدر في نفسك أو تمن أي عمر (ما شئت؛ فإنك ميت) مثل هذا وعظ وزجر وتهديد، والمعنى ليتأهب من غايته الموت بالاستعداد لما بعده. (وأحبب من شئت؛ فإنك مفارقه) فوطن نفسك على فراق كل من أحببته ليهون عليك فراقه واجعل همك ما يقربك ممن لا يفارقك في دار الدنيا ولا البرزخ ولا الآخرة وهو الله وحده لا شريك له. (واعمل ما شئت) من باب [3/ 192] {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: 40] للتهديد.

(فإنك ملاقيه) أي ملاقي جزاءه إن خيراً فخير وإن شرا فشر والحديث من أبلغ المواعظ، وبوب الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد فقال: باب الإيجاز في الموعظة، وذكره بزيادته التي يأتي لنا ذكره وقد تقدم الحديث في: أتاني جبريل وفيه زياده، واعلم: أن شرف المؤمن قيامه بالليل وعزه استغناؤه عن الناس. (الطيالسي (هب)(1) عن جابر) سكت عليه المصنف وفيه الحسن بن أبي جعفر الجعفي (2) قال الذهبي: ضعفوه عن أبي الزبير وقد ضعفوه أيضًا وأورده ابن الجوزي من عدة طرق ثم حكم عليه بالوضع.

6060 -

"قال لي جبريل: قد حُببت إليك الصلاة فخذ منها ما شئت". (حم)

(1) أخرجه الطيالسي (1755)، والبيهقي في الشعب (10540)، وانظر العلل المتناهية (2/ 886)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (4355)، والصحيحة (831).

(2)

انظر المغني (1/ 157).

ص: 39

عن ابن عباس (ح) ".

(قال لي جبريل: قد حُببت) مبني للمجهول أي حببها الله. (إليك الصلاة) أي فعلها. (فخذ منها ما شئت) فإن الله قد أطلق لك فعلها إذ فيها قرة عينك وجلاء كربك (حم)(1) عن ابن عباس) رمز المصنف لحسنه، قال الهيثمي: فيه علي بن زيد وفيه كلام وبقية رجاله رجال الصحيح.

6061 -

"قال لي جبريل: راجع حفصة؛ فإنها صوامة قوامة، وإنها زوجتك في الجنة". (ك) عن أنس عن قيس بن زيد (صح) ".

(قال لي جبريل) لما فارقت حفصة بنت عمر في المدينة. (راجع حفصة) وكان طلقها طلقة رجعية وهذا الأمر من باب الإشارة والإرشاد ويحتمل أنه عن الله وأنه من باب الإيجاب. (فإنها صوامة قوامة) كثيرة الصوم والقيام ومن كان بهذه الصفة فإنه يرغب فيه لا يرغب عنه (وإنها) عند الله وفي علمه. (زوجتك في الجنة) فلا تفارقها وسبب فراقه إياها كما رواه الطبراني (2) "أنها دخلت عليه في بيتها وهو يطأ مارية فقال: لا تخبري عائشة حتى أبشرك ببشارة وهي أن أباك يلي الأمر بعد أبي بكر، فأخبرت فطلقها ويروى غير ذلك، وفي الحديث فضيلة لحفصة. (ك) (3) عن أنس وعن قيس بن زيد) رمز المصنف لصحته ولابن سعد مثله عن ابن عباس عن عمر قال ابن حجر في الفتح: إسناده حسن.

6062 -

"قال موسى بن عمران: يا رب من أعز عبادك عندك؟ قال: من إذا

(1) أخرجه أحمد (1/ 245)، وانظر قول الهيثمي في المجمع (2/ 270)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4063)، والضعيفة (4045).

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير (12/ 117) رقم (12640).

(3)

أخرجه الحاكم (4/ 17)، وابن سعد في الطبقات (8/ 84)، وانظر فتح الباري (9/ 286)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (4351)، وصححه في الصحيحة (2007).

ص: 40

قدر غفر". (هب) عن أبي هريرة ".

(قال موسى بن عمران) يحتمل أنه بإخبار جبريل له صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أنه تلقاه من أهل الكتاب (يا رب من أعز عبادك عندك؟) أكرمهم عليك (قال: من إذا قدر) على من أساء إليه (غفر) له ولم يكافئه على سيئاته (هب)(1) عن أبي هريرة) ورواه الديلمي وبيّض ولده لسنده.

6063 -

"قال موسى بن عمران: يا رب، كيف شكرك آدم؟ قال: علم أن ذلك مني فكان ذلك شكره". الحكيم عن الحسن مرسلاً".

(قال موسى بن عمران: يا رب، كيف شكرك آدم؟) كأنه بعد إخبار الله تعالى لموسى عليه السلام فإن آدم شكر ربه فسأله عن الكيفية إذ لا يسأل عن الكيفية لشيء إلا بعد معرفته. (قال: علم أن ذلك) الإنعام الذي شكرني عليه. (مني فكان علمه شكره) لأنه إذا علم أنه من الله تعالى اعتقاد أنه المنعم لا غيره والاعتقاد شكر. (الحكيم (2) عن الحسن مرسلاً).

6064 -

"قال موسى لربه عز وجل: ما جزاء من عزَّى الثُّكْلى؟ قال: أظله في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي" ابن السني في عمل اليوم والليلة عن أبي بكر وعمران بن حصين".

(قال موسى لربه عز وجل: ما جزاء من عزَّى الثُّكْلى؟) التي فقدت ولدها أو حبيبها مثلاً أي صبرها واساها (قال: أظله في ظلي) كما سلف أن المراد ظل عرشي، أو الظل عبارة عن الإحسان (يوم لا ظل إلا ظلي) وإذا كان هذا جزاء المعزي فما ظنك بجزاء المصاب إن صبر، وفيه حث على التعزية ويأتي حديث

(1) أخرجه البيهقي في الشعب (8327)، والديلمي في الفردوس (3419)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4066).

(2)

أخرجه الحكيم في نوادر الأصول (1/ 150)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4068).

ص: 41

"من عزى مصاباً كان له مثل أجره"(ابن السني (1) في عمل يوم وليلة عن أبي بكر وعمران بن الحصين) رواه عنه الديلمي وغيره أيضًا.

6065 -

"قال دواد: يا زرع السيئات أنت تحصد شوكها وحسكها" ابن عساكر عن أبي الدرداء".

(قال دواد) في وعظه لقومه. (يا زارع السيئات) أي مثبتها في أرض صحيفته. (أنت تحصد شوكهاا) وهو جزاؤها. (وحسكها) بالتحريك للمهملتين فتحا: هو الشوك أيضاً، أي إن عملك لك جزاؤه (ابن عساكر (2) عن أبي الدرداء).

6066 -

"قال داود: إدخالك يدك في فم التنين إلى أن تبلغ المرفق فيقضمها خيرٌ لك من أن تسأل من لم يكن له شيء ثم كان" ابن عساكر عن أبي هريرة".

(قال داود) في مناصحته لأمته. (إدخالك) خطاب لغير معين. (يدك في فم التنين) الثعبان العظيم، وقيل الحية العظيمة. (إلى أن تبلغ المرفق فيقضمها خيرٌ لك) في العقبى أو في الدنيا فإن تألمك من ذلك دون تألمك. (من أن تسأل) العطية. (ممن لم يكن له) من الدنيا. (شيء ثم كان) بعد فقره غنى فإنه مستحدث النعمة لا يرجى منه خير ولا ينال منه مطلوب كما قيل:

مستحدث النعمة لا يرتجى

أحشاؤه مملوءة فقر

خر له الدهر فنال الغنى

يا عجبا لو عقل الدهر

والحديث من الحكم النبوية الصحيحة. (ابن عساكر (3) عن أبي هريرة).

(1) أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة (425)، والديلمي في الفردوس (4536)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4067).

(2)

أخرجه ابن عساكر كما في مختصر تاريخه (3/ 81)، وأخرجه ابن حبان في الثقات (5/ 292)، وقال ابن كثير في البداية والنهاية (2/ 19): وروى بسند غريب -مرفوعاً- ثم ذكره وانظر فيض القدير (4/ 502)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4060)، والضعيفة (4044).

(3)

أخرجه ابن عساكر في مختصر تاريخ دمشق (1/ 1082)، وأخرجه الديلمي في الفردوس (4531)، وأبو نعيم في الحلية (4/ 81)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4059)، والضعيفة (4043).

ص: 42

6067 -

"قال سليمان بن داود: لأطوفن الليلة على مائة امرأة كلهن تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله، فقال صاحبه: قل: "إن شاء الله" فلم يقل "إن شاء الله" فطاف عليهن فلم يحمل منهن إلا امرأةٌ واحدةٌ جاءت بشق إنسان، والذي نفس محمَّد بيده لو قال: "إن شاء الله" لم يحنث، وكان دَرَكا لحاجته"(حم ق ن) عن أبي هريرة (صح) ".

(قال سليمان: لأطوفن) وفي لفظ "لأطيفن" قال عياض: وهما [3/ 193] لغتان فصيحتان واللام موطئة للقسم أي الله لأدورنّ. (الليلة على مائة امرأة) من نسائه كنى بالطواف عن الجماع وفي رواية "سبعين" وفي أخرى "تسعين" ولا منافاة إذ مفهوم القليل لا ينفي الكثير لأنه غير معمول به، قيل: يحتمل أن الليل كان في ذلك الزمان طويلاً جداً بحيث يتأتي فيه جماع مائة امرأة مع نومه وتهجده، ويحتمل أنه تعالى خرق له العادة، وفيه ما رزقه الله من القوة على الجماع وهي تدل على صحة الذكورية وكمال الإنسانية وتقدم الكلام على ما أعطي المصطفى صلى الله عليه وسلم من القوة في الجماع في حرف الهمزة (كلهن تأتي بفارس) أي تلد ولداً ذكراً يصير فارسا وهذا إخبار منه مبني على حسن ظنه بالله عز وجل، وإخبار عن نيته أنها ليست لقضاء شهوته بل ليعمر بلاد الله لعباده. (يجاهد في سبيل الله، فقال له صاحبه) أي قرينه من الملائكة أو وزيره من الإنس أو خاطره (قل: "إن شاء الله" فلم يقل "إن شاء الله") لنسيان عرض له لا للإباء عن التفويض إلى ربه (فطاف عليهن) جامعهن جميعاً (فلم تحمل منهن إلا امرأةٌ واحدةٌ) صفة للتأكيد (جاءت بشق إنسان) قيل: هو الجسد الذي ألقي على كرسيه (والذي نفس محمَّد بيده) بقدرته (لو قال: "إن شاء الله" لم يحنث) في يمينه، حيث حلف لأطوفن إلى آخره، أي لأبر الله قسمه بأن يرزقه الأولاد على حسب يمينه، وإلا فإنه أقسم على فعل غيره، فإن هبة الأولاد منه تعالى. (وكان دَرَكا) بفتح الراء اسم من الإدراك أي لحاقًا (لحاجته) فالحديث إخبار بأن تقييد الفعل بالمشيئة سبب لتمام المراد وعدمه لعدمه، فلا ينبغي للعبد أن

ص: 43

يعرض عن المشيئة. (حم ق ن)(1) عن أبي هريرة).

6068 -

"قال يحيى بن زكريا لعيسى بن مريم: أنت روح الله وكلمته، وأنت خير مني، فقال عيسى: بل أنت خير مني، سلَّم الله عليك وسلمت على نفسي" ابن عساكر عن الحسن مرسلاً".

(قال يحيى بن زكريا لعيسى بن مريم: أنت روح الله) سمي به لأن خلق روحه ابتداء بلا واسطة أصل وسبق مادة، أو لأنه تعالى أحيا به الأموات كما أحيا بالأرواح الأبدان (وكلمته) لأنه أوجده بقوله (كن) [البقرة: 59 - 117]، أو أنه لما تكلم في غير أوانه بقوله:{إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ} [مريم: 30] الآية، سمي كلمة وأضيف إلى الله تعظيماً (وأنت خير مني) أفضل عند الله وفيه تواضع يحيى واعترافه بفضل غيره عليه (فقال عيسى: بل أنت خير مني، سلَّم الله عليك) بقوله:{وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ} الآية (وسلمت على نفسي) بقولي: {وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ} [مريم: 33] الآية، وهذا قاله عيسى تواضعًا، وقيل: علمه بأنه أفضل من يحيى، فإنه أفضل منه بلا نزاع، ولا يقدح فيه ما ذكر من السلام، إذ قد يكون في المفضول مزية بل أو مزايا لا توجد في الفاضل، وفيه بيان جواز ذكر الإنسان للآخر بما فضله الله به (ابن عساكر (2) عن الحسن مرسلاً).

6069 -

"قال رجلٌ: لا يغفر الله لفلان، فأوحى الله تعالى إلى نبي من الأنبياء إنها خطيئة فليستقبل العمل"(طب) عن جندب (ض) ".

(قال رجلٌ: لا يغفر الله لفلان) كأنه معين لا أنه لجنس عامل المعاصي كما قيل. (فأوحى الله تعالى إلى نبي من الأنبياء إنها) أي الكلمة التي قالها (خطيئة)

(1) أخرجه أحمد (2/ 229، 506)، والبخاري (2819، 3424، 5242، 6639، 6720، 7469)، ومسلم (1654)، والترمذي (1532)، والنسائي (7/ 25، 31).

(2)

أخرجه ابن عساكر في تاريخه (64/ 174)، وانظر فيض القدير (4/ 504)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4069).

ص: 44

لأنها حكم على الله تعالى بأنه لا يغفر وعلى العبد العاصي بأنه لا يتوب والكل سر محجوب. (فليستقبل العمل) أي يستأنف الطاعات فإنها قد حبطت بما تفوه به وفيه النهي عن الحكم على معين بأن الله لا يغفر له، إلا إن مات مشركاً. (طب)(1) عن جندب) رمز المصنف لضعفه.

6070 -

"قالت أم سليمان بن داود لسليمان: يا بني، لا تكثر النوم بالليل؛ فإن كثرة النوم بالليل تترك الإنسان فقيرا يوم القيامة"(هـ هب) عن جابر".

(قالت أم سليمان بن داود) واعظة لولدها وكانت من العابدات الصالحات (يا بني، لا تكثر النوم بالليل) فإنه محل المباحات ووقت المصافاة (فإن كثرة النوم بالليل) تفوت عليه قيامه (فتترك الإنسان فقيراً) من الأعمال الصالحة (يوم القيامة) ففيه الحث على قيام الليل فإنها لم تنهه عن كثرة النوم ليسهر في بطالة بل نهت عن كثرة نومه لإرادة قيامه بدليل التعليل وفيه أن قيامه سنة قديمة (هـ هب)(2) عن جابر) سكت المصنف عليه وقد تعقبه مخرجه البيهقي بأن فيه يوسف بن محمَّد بن المنكدر (3) متروك.

6071 -

"قبضات التمر للمساكين مهور الحور العين"(قط) في الأفراد عن أبي أمامة".

(قبضات التمر)[3/ 194] صدقة. (للمساكين مهور الحور العين) جمع حوراء من الحور والعين جمع عيناء: واسعة العين والمراد التمثيل بالتمر وإلا فكل الحبوب والفواكه مثله ويحتمل أن المهور خاصة هذه القبضات وأما

(1) أخرجه الطبراني في الكبير (2/ 165)(1680)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4347).

(2)

أخرجه ابن ماجة (1332)، والبيهقي في الشعب (4746)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4070).

(3)

انظر المغني في الضعفاء (2/ 764).

ص: 45

غيرها من القبضات فله أجور أخر (قط)(1) في الأفراد عن أبي أمامة) سكت المصنف عليه وفيه طلحة بن زيد عن الوضين بن عطاء قال ابن الجوزي: موضوع تفرد به طلحة وهو متروك عن الوضين وهو واهي الحديث وأقره عليه المؤلف في مختصر الموضوعات فالعجب إتيانه به هنا.

6072 -

"قبلة المسلم أخاه المصافحة" المحاملي في آماليه (فر) عن أنس (صح) ".

(قبلة) بضم القاف وسكون الموحدة: هي اللثمة كما في القاموس (2)(المسلم أخاه) في الدين (المصافحة) وهي الأخذ باليد أي المشروع هو المصافحة فهي تعدل القبلة بين المؤمنين لا القبلة حقيقة وفيه عدم مشروعية القبلة (المحاملي في آماليه (فر)(3) عن أنس) رمز المصنف لصحته وفيه عمرو بن عبد الجبار قال في الميزان عن ابن عدي: روى عن عمه مناكير وأحاديث غير محفوظة ثم ساق له عدة أحاديث منها هذا.

6073 -

"قتال المسلم أخاه كفر، وسبابه فسوق". (ت) عن ابن مسعود (ن) عن سعد (صح) ".

(قتال المسلم أخاه) في الدين (كفر) قيل: إنه تشبيه للكفر من حيث إنه من شأن الكفرة فأطلق عليه الكفر تشبيها به، أو أراد الكفر اللغوي وهو التغطية لأن

(1) أخرجه الدارقطني في الأفراد كما في الكنز (16066)، والديلمي في الفردوس (4645)، وانظر الميزان (5/ 249)، والموضوعات (2/ 235)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (4071): موضوع.

(2)

القاموس (ص: 1250).

(3)

أخرجه المحاملي كما في الكنز (25345) وأخرجه ابن شاهين في الترغيب في فضائل الأعمال (431)، والخرائطي في مكارم الأخلاق (805)، والديلمي في الفردوس (4649)، وابن عدي في الكامل (5/ 141)، وانظر الميزان (5/ 327)، والمغني (2/ 486)، واللسان (4/ 368)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (4072)، والضعيفة (4050): ضعيف جداً.

ص: 46

حق المسلم على المسلم أن يعينه وينصره ويكف عنه أذاه فلما قاتله وصار كأنه غطى حقه.

قلت: والأحسن هنا ما قد أشرنا إليه فيما سلف أن الكفر يطلق على بعض المعاصي، وليس المراد به الكفر المعروف (وسبابه) بكسر السين وتخفيف الموحدة أي سبه إياه، قيل السباب أشد من السب وهو أن يقول بما فيه وما ليس فيه (فسوق) خروج عن طاعة الله ورسوله، والفسوق أشد من العصيان قال تعالى:{وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} [الحجرات: 7] وفيه تعظيم مال المسلم وسبابه (ت (1) عن ابن مسعود) رمز المصنف لصحته؛ لأنه قال الترمذي: إنه حسن صحيح، قال: وقد روي عن ابن مسعود من غير وجه.

6074 -

"قتال المسلم كفر، وسبابه فسوق، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام". (حم ع طب) والضياء عن سعد (صح) ".

(قتال المسلم كفر) قيل: إن استحل قتاله (وسبابه فسوق) لا يبقى معه عدالة (ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام) يقطع مواصلته عازماً على قطعه (حم ع طب والضياء (2) عن سعد" رمز المصنف لصحته.

6075 -

"قتل الرجل صبراً كفارة لما قبله من الذنوب" البزار عن أبي هريرة (صح) ".

(قتل الرجل صبراً) بسكون الباء، أي قتل الرجل الرجل صبراً فأضيف المصدر إلى المفعول، والصبر: بأن يمسك ويقتل في غير معركة بغير حق (كفارة) للمقتول (لما قبله من الذنوب) جميعاً حتى الكبائر كما اقتضاه الإطلاق

(1) أخرجه الترمذي (2634) عن ابن مسعود، والنسائي (2/ 313) عن سعد بن أبي وقاص، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4358).

(2)

أخرجه أحمد (1/ 178)، وأبو يعلى (720)، والطبراني في الكبير (1/ 145)(324)، والضياء في المختارة (1023)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4359).

ص: 47

ودل له ما في حديث آخر "ما ترك القاتل للمقتول من ذنب" ويأتي معناه (البزار (1) عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته، ولكن أعله الهيثمي بأن فيه صالح بن موسى بن طلحة وهو متروك.

6076 -

"قتل الصبر لا يمر بذنب إلا محاه". البزار عن عائشة (صح) ".

(قتل الصبر لا يمر بذنب إلا محاه) أي ذنب كان من صغير وكبير. (البزار (2) عن عائشة)، وقال: لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه، قال الهيثمي: رجاله ثقات ورمز المصنف لصحته.

6077 -

"قتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا". (ن) والضياء عن بريدة (صح) ".

(قتل المؤمن) بغير حق. (أعظم عند الله) في الإثم. (من زوال الدنيا) أي من السعي في زوالها وزوال ما فيها فإن من جملة الدنيا سكانها من المؤمنين إن أريد بالزوال نفس إذهابها، وحينئذ يكون بزوالها زوال العالم من المؤمنين، ويحتمل أن المراد من زوال الدنيا ما عدا قتل المؤمن، أو أن المراد أنه في الإثم أعظم عنده تعالى من ذنوب غير القتل للمؤمن توجب زوال الدنيا أي إزالة الله لها، وفيه إبانة لعظم ذنب القتل للمؤمن، ولذا ذهب من ذهب إلى أنه لا توبة لقاتله لهذا الحديث وأمثاله قال ابن العربي: ثبت النهي عن قتل البهيمة بغير حق فكيف بقتل الآدمي المسلم، فكيف بالصالح. (ن والضياء (3) عن بريدة) رمز

(1) أخرجه البزار (5426)، وانظر قول الهيثمي في المجمع (6/ 266)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (4073): ضعيف جداً.

(2)

أخرجه الديلمي في الفردوس (4634)، وابن حبان في المجروحين (2/ 178)، وانظر قول الهيثمي في المجمع (6/ 266)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (4360)، والصحيحة (2016).

(3)

أخرجه النسائي (7/ 83)، والبيهقي في الشعب (5342)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (4361).

ص: 48

المصنف لصحته.

6078 -

"قد تركتكم على البيضاء: ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك، ومن يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وعليكم بالطاعة وإن كان عبداً حبشياً، فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد". (حم هـ ك) عن عرباض (صح) ".

(قد تركتكم) أيها المخاطبون من أمة الإجابة. (على البيضاء) في لفظ "على المحجة البيضاء، وهي جادة الطريق. (ليلها) في إشراقه. (كنهارها) المراد أنه لا لبس فيها ولا ريب بل قد [3/ 195] اتضحت إيضاح النهار، ومنه يعلم أنه لا لبس في دين الله ولا يحتاج إلى تكلفات المتكلمين وشطحات المتهوكين. (لا يزيغ عنها بعدي) لا يميل عنها إلى غيرها. (إلا هالك) محكوم عليه بالهلاك، أتى من قبل نفسه. (ومن يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً) هذا من أعلام النبوة فقد وقع ذلك بما ملأ البلاد وفرَّق العباد. (فعليكم بما عرفتم من سنتي) طريقتي وسيرتي. (وسنة الخلفاء الراشدين المهديين) قيل: المراد بهم الأربعة والحسن لحديث "تكون الخلافة ثلاثين سنة" والعجب من قول الشارح هنا: وهذا بالنظر إلى تلك الأزمنة وما قاربها، أما اليوم فلا يجوز تقليد غير الأئمة الأربعة في قضاء ولا إفتاء لا لنقص في مقام أحد من الصحابة ولا لتفضيل أحد الأربعة على أولئك، بل لعدم تدوين مذاهب الأولين وضبطها انتهى؛ فأعجب بحصره القضاء والإفتاء في الأربعة، وأما التدوين فهو واقع لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم من أفعاله وأقواله ولكتاب الله تعالى، فهلا عول عليها، وكذلك قد دونت مذاهب أخر كمذهب داود وغيره من أئمة علماء من آل محمَّد صلى الله عليه وسلم، فأي دليل حصر التقليد على الأئمة الأربعة وحرم تقليد غيرهم حتى قال لا يجوز، لقد أعظم المقالة وحرم من تلقاء نفسه ما لم يحرمه الله ورسوله، وأهمل ما أمر الله باتباعه، وكلامه

ص: 49

هذا من جملة الاختلاف الذي أخبر الصادق أنا سنراه وسننه صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين المهديين قاضية برد كلامه وذم مرامه فلا حول ولا قوة إلا بالله. (عضوا عليها) أي السنة المذكورة. (بالنواجذ) بالنون والجيم والذال المعجمة: أقصى الأضراس وهي أربعة، أو هي الأنياب، أو التي تلي الأنياب، أو الأضراس كلها، جمع ناجذ والنجذ شدة العض كما في القاموس (1) والمراد بجميع الفم كناية عن شدة التمسك بها ولزوم الإتباع لها. (وعليكم بالطاعة) للأمراء عليكم. (وإن عبداً حبشياً) أي وإن كان الأمير كذلك فاسمعوا له وأطيعوا لأوامره في طاعة الله؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. (فإنما المؤمن كالجمل الآنف) بزنة فاعل المزموم في أنفه فهو بمعنى المأنوف وهو الذي عقر أنفه فلم يمتنع على فائدة والقياس المأنوف؛ لأنه مفعول. (حيثما قيد انقاد) بيان لوجه الشبه وإن من شأن المؤمن سهولة الخلق ولين الجانب وأن يجعل الشريعة زماما ينقاد به إلى كل خير وهذا الحديث من أجل الأحاديث قدرًا وأعمها إخبارًا وأنفعها إلى الخير إرشاداً. (حم هـ ك)(2) عن عرباض) بن سارية، قال وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقلنا: إن هذه موعظة مودع فما تعهد إلينا فذكره وقد روى الحديث أبو داود فلم ينفرد ابن ماجه من الستة ورمز المصنف لصحته.

6079 -

"قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم أناس مُحَدَّثُونَ؛ فإن يك في أمتي أحد منهم فهو عمر بن الخطاب". (حم خ) عن أبي هريرة (حم م ت ن) عن عائشة (صح) ".

(1) القاموس (ص: 432).

(2)

أخرجه أحمد (4/ 126)، وابن ماجة (43)، والحاكم (1/ 175)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (4369)، والصحيحة (937).

ص: 50

(قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم) في رواية من بني إسرائيل. (أناس مُحَدَّثُونَ) قال القرطبي بفتح المهملة اسم مفعول جمع محدث وهو من ألقي في نفسه شيء علي جهة الإلهام والمكاشفة من الملأ الأعلى أو من ألقى الصواب على لسانه أو من تكلمه الملائكة بلا نبوة أو من إذا رأى رؤياً أو ظن ظنا أصاب كأنه حدث به وألقي في روعه من عالم الملكوت فيظهر على نحو ما وقع له وهذه كرامة يكرم الله بها من يشاء من عباده. (فإن يك في أمتي منهم) أي من نوع المحدثين الماضين لا من أعيانهم أحد. (فإنه عمر بن الخطاب) قال القاضي: صورته صورة ترديد والمراد التأكيد كما يقول الرجل إن يكن لنا صديق فهو فلان وقال القرطبي في قوله: فإن يكن دليل على قلة وقوعه وندرته وعلى أنه ليس المراد بالمحدثين المصيبون فيما يظنون؛ لأنه كثير في العلماء بل وفي العوام من يقوى حدسه فتصح إصابته فترتفع خصوصية الخبر ومعنى الخبر قد تحقق ووقع في عمر قطعا وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يجزم بالوقوع وقد دل على وقوعه أشياء كثيرة كقصة الجبل "يا سارية الجبل"(1) وغيرها وأصح ما يدل على [3/ 196] ذلك شهادة النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه وكان عمر يزن الوارد بميزان الشرع فإن وافقه وإلا لم يلتفت إليه هذا وتقرير القاضي أقرب، قال الحافظ ابن حجر (2): وقد كثر المحدثون بعد العصر الأول وحكمته زيادة شرف هذه الأمة بوجود أمثالهم فيها ومضاهاة بني إسرائيل في كثرة الأنبياء عوضوا كثرة الملهمين، والحديث فضيلة لعمر وإعلام بما يخبر به عن حدسه صحيح لا

(1) أخرجه البيهقي في الدلائل (6/ 370)، وأبو نعيم في الدلائل (رقم 525 - 528)، واللالكائي في شرح اعتقاد أهل السنة (رقم 2537)، وكرامات الأولياء (رقم (67) وقال ابن كثير في البداية والنهاية (7/ 131): وهذا إسناد جيد حسن، وقال بعد أن أورده من طرق: فهذه طرق يشد بعضها بعضًا، وصححه الألباني في الصحيحة (3/ 101) رقم (1110).

(2)

فتح الباري (7/ 51).

ص: 51

يظن أنه من الوساوس. (حم خ) عن أبي هريرة (حم م ت ن (1) عن عائشة).

6080 -

"قد أفلح من أخلص قلبه للإيمان، وجعل قلبه سليماً، ولسانه صادقاً، ونفسه مطمئنة، وخلقته مستقيمة، وأذنه مستمعة، وعينه ناظرة". (حم) عن أبي ذر (ح) ".

(قد أفلح) قال القاضي: الفلاح الفوز بالبغية في الدارين (من أخلص قلبه للإيمان) فلا يزاحمه فيه شك ولا ريب ولا رياء ولا سمعة (وجعل قلبه سليماً) لغسله عن الشهوات والشبهات وعن الغل والأحقاد. (ولسانه صادقاً) بأن يتحرى الصدق فلا ينطق إلا به (ونفسه مطمئنة) راضية بما قدره الله لها غير منزعجة ولا قلقة (وخليقته مستقيمة) قائمة على سنن الهدى والشريعة (وأذنه مستمعة) لما يرد عليها من الحق وكلمات الخير استماع نفع. (وعينه ناظرة) لما في مخلوقات الله من عجائب حكمته وبدائع علمه وقدرته وخص السمع والبصر لأن الآيات الدالة على وحدانية الله إما سمعيه فالأذن هي التي تجعل القلب وعاء لها وإما نظرية والعين هي التي تعرف القلب بها وتجعله إناء لها وتمام الحديث "وإنما الأذن قمع والعين مقرة لما يوعي القلب وقد أفلح من جعل قلبه واعياً" هذا تمامه عند مخرجه. (حم (2) عن أبي ذر) رمز المصنف لحسنه قال الهيثمي: إسناده حسن وأخرجه ابن لال والبيهقي.

6081 -

"قد أفلح من أسلم ورزق كفافاً، وقنعه الله بما آتاه"(حم م ت هـ) عن ابن عمرو (صح) ".

(1) أخرجه أحمد (2/ 339)، والبخاري (3689) عن أبي هريرة، أخرجه أحمد (6/ 55)، ومسلم (2398)، والترمذي (3693)، والنسائي (5/ 39).

(2)

أخرجه أحمد (5/ 147)، والطبراني في الشاميين (1141)، والبيهقي في الشعب (108)، وانظر قول الهيثمي في المجمع (10/ 232)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4075)، والضعيفة (4985).

ص: 52

(قد أفلح من أسلم) فإنه خلص عن الذنب الذي لا يغفره الله. (ورزق كفافاً) ما يكف عن الحاجات ويدفع الضرورات والفاقات والمراد بالرزق الحلال؛ لأنه لا فلاح مع رزق حرام (وقنعه الله بما آتاه) من الكفاف فلم يطلب الزيادة وصاحب هذه الحالة يعد من الفقراء لأنه لا يترفه في طيبات الدنيا بل يجاهد نفسه على الصبر عن طلب الزيادة على الكفاف (حم م ت هـ (1) عن ابن عمرو) تبع المصنف في عزوه إلى مسلم عبد الحق، وقال في المنار: لم يذكره مسلم وإنما هو عند الترمذي ولم يقل "بما أتاه" وقال فيه: حسن صحيح.

6082 -

"قد أفلح من رزق لُبًّا"(هب) عن قرة بن هبيرة".

(قد أفلح) في الكشاف (2) الفلاح الظفر بالمراد وقيل البقاء في الخير وأفلح دخل في الفلاح (من رزق لُبًّا) عقلاً خالصاً من الشوائب سمي به؛ لأنه خالص ما في الإنسان من قواه وقيل: هو ما زكي من العقل وكل لب عقل ولا عكس وإنما أفلح من رزقه لأن العقل تدرك به المعاني ويمنع عن القبائح ويعرف به الرب تعالى ويصدق به رسله ويقود إلى كل هدى وهو نور الله في القلب وأي فلاح أعظم من امتلاء القلب بنور اليقين (هب)(3) عن قرة بن هبيرة) بن عامر القشيري من وجوه الوفود على رسول الله صلى الله عليه وسلم، سكت المصنف عليه وفيه سعيد بن نشيط مجهول ذكره الذهبي في الضعفاء (4)، [وعزاه في جمع الفوائد للكبير وقال: براو لم يسم وسببه أن فروة أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنه كان لنا أرباب وربات

(1) أخرجه أحمد (2/ 172)، ومسلم (1054)، والترمذي (2348)، وابن ماجة (4138).

(2)

الكشاف: (1/ 811).

(3)

أخرجه البيهقي في الشعب (4655، 4656)، والبخاري في التاريخ الكبير (7/ 181)، وابن قانع (2/ 357)، والطبراني (19/ 33 رقم 70)، وقال الهيثمي في المجمع (9/ 401): فيه راوٍ لم يسم وبقية رجاله ثقات، وانظر: جمع الجوامع (211) و (1227) و (810)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4076)، والضعيفة (2860).

(4)

انظر: المغني (1/ 266).

ص: 53

نعبدهن من دون الله تعالى فدعوناهن فلم يجبن وسألنهن فلم يعطين فجئناك فهدينا فنحن نعبد الله فقال صلى الله عليه وسلم "قد أفلح من رزق لبا" فقال يا رسول الله ألبسني ثوبين من ثيابك قد لبستهما فكساه فلما كان بالموقف من عرفات قال صلى الله عليه وسلم: "أعد علي مقالتي" فأعاد عليه فقال صلى الله عليه وسلم: "قد أفلح من رزق لباً" انتهي وقد تقدم في الجامع بلفظ: "أفلح من رزق لبا" وحذف قد وعزاه المصنف للبخاري في التاريخ والطبراني في الكبير عن قرة بن هبيرة] (1).

6083 -

"قد كنت أكره لكم أن تقولوا: "ما شاء الله وشاء محمَّد" ولكن قولوا: "ما شاء الله ثم شاء محمد" الحكيم (ن) والضياء عن حذيفة"(صح).

(قد كنت أكره لكم أن تقولوا: "ما شاء الله وشاء محمَّد") كأنه صلى الله عليه وسلم قد سمعهم يقولون ذلك فكرهه ولما ينه عنه لجواز أنه جائز عند الله تعالى ولا ينهى إلا عن قبيح (ولكن قولوا: "ما شاء الله ثم شاء محمَّد") ظاهره أنه قد نهى عن العبارة الأولى تحريما وقيل: إنما هو [نهي] تنزيه رعاية للأدب وإنما فرق بين العبارتين؛ لأن الواو للجمع بين المتعاطفات وثم للدلالة على أن رتبة المعطوف دون المعطوف عليه قال الخطابي: أرشدهم إلى رعاية الأدب في التقديم وإخبار لهم من بين طرق التقديم ثم المفيدة للترتيب والمهملة والفاصلة الزمانية لتفيد أن مشيئة غير الله مؤخرة بمراتب وأزمنة، قال ابن القيم (2): وفي معناه الشرك المنهي عنه كقول من لا يتوقى الشرك: أنا بالله وبك، وفي حسب الله وحسبك، وما لي إلا الله وأنت، وأنا متكل على الله وعليك، الله وحياتك، ونحوه من الألفاظ الشنيعة.

قلت: ثم هذا الإذن مختص بحياته صلى الله عليه وسلم وأما بعد وفاته فالظاهر [3/ 197] أنه

(1) ما بين المعكوفتين مضاف من الحاشية.

(2)

مدارج السالكين (1/ 344)، وزاد المعاد (2/ 320).

ص: 54

لا يقال ذلك؛ لأنه لا يصح نسبة المشيئة إليه بعد الوفاة. (الحكيم (ن) والضياء (1) عن حذيفة) رمز المصنف لصحته.

6084 -

"قد رحمها الله تعالى برحمتها ابنتيها"(طس) عن الحسن بن علي مرسلاً (ح) ".

(قد رحمها الله تعالى) الضمير عائد إلى امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعها ابنتان لها فأعطاها ثلاث تمرات فأعطت ابنتيها لكل واحدة منهما تمرة فأكلتا تمرتيهما ثم جعلا ينظران إلى أمهما فشقت تمرتها بينهما نصفين قال فذكره. (برحمتها ابنتيها) وإيثارها لهما بما كان لها، ففيه أن رحمة الأولاد سبب لرحمة الله تعالى. (طب (2) عن الحسن بن علي) رمز المصنف لحسنه هكذا نسخ الجامع الصغير كلها فيما رأيناه ومن عجائب الشارح أنه شرح على نسخة فيها عن الحسن مرسلاً فقال هذا وهم من المصنف أوقعه فيه أنه ظن أنه الحسن البصري وليس كذلك بل هو الحسن بن علي، فليس بمرسل كما هو مبين في المعجم الكبير والصغير انتهى. فأعجب له هذا (3)، قال الهيثمي: فيه خديج بن معاوية الجعفي وهو ضعيف.

6085 -

"قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزاه من الجمعة، وإنا مجمعون إن شاء الله تعالى"(د هـ ك) عن أبي هريرة (هـ) عن ابن عباس وعن ابن عمر (صح) ".

(قد اجتمع في يومكم هذا) المشار إليه عند التكلم (عيدان) العيد الحقيقي

(1) أخرجه الحكيم في نوادر الأصول (4/ 143)، والنسائي (6/ 244)، والضياء في المختارة (156)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4378).

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير 3/ 78 (2715)، وفي الصغير (850)، وانظر قول الهيثمي في المجمع (8/ 158)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4373).

(3)

انظر: المداوي (4/ 436) رقم (2457).

ص: 55

والجمعة (فمن شاء أجزاه) أي حضور صلاة العيد. (من الجمعة) أي من حضورها (وإنا مجمعون إن شاء الله تعالى) ظاهر عموم من أنها تعمه صلى الله عليه وسلم وتعم كل حاضر وقوله: وإنا مجمعون إنه اختيار منه صلى الله عليه وسلم لأحد الأمرين الجائزين فالقول أنها تسقط عن غير الإِمام وثلاثة معه ليس مما يدل عليه الحديث. (د هـ ك عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته، وقال الحاكم: صحيح غريب، قال ابن حجر: فيه بقية، (هـ (1) عن ابن عباس وعن ابن عمر) قال ابن حجر: ورواية ابن ماجة عن ابن عباس بدل أبي هريرة وهم نبه هو عليه وتخريجه من حديث ابن عمر سنده ضعيف.

6086 -

"قد عفوت عن الخيل والرقيق فهاتوا صدقة الرقة من كل أربعين درهما درهم وليس في تسعين ومائة شيء فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم، فما زاد فعلى حساب ذلك، وفي الغنم من كل أربعين شاة شاة، فإن لم يكن إلا تسع وثلاثون فليس عليك فيها شيء، وفي البقر في كل ثلاثين تبيع، وفي الأربعين مسنقع وليس علي العوامل شيء، وفي خمس وعشرين من الإبل خمسة من الغنم، فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض، فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر إلى خمس وثلاثين فإذا زادت واحدة ففيها بنت لبون، إلى خمس وأربعين، فإذا زادت واحدة ففيها حقة طروقة الجمل إلى ستين فإذا كانت واحدة وتسعين ففيها حقتان طروقتا الجمل، إلى عشرين ومائة فإن كانت الإبل أكثر من ذلك ففي كل خمسين حقة، ولا يفرق بين مجتمع، ولا يجمع بين متفرق خشية الصدق؛ ولا يؤخذ في الصدقة هرمة، ولا ذات عوار، ولا تيس، إلا أن يشاء المصدق، وفي النبات ما سقته الأنهار أو سقت السماء العشر، وما سقي بالغرب ففيه نصف

(1) أخرجه أبو داود (1073)، وابن ماجة (1131)، والحاكم (1/ 425) عن أبي هريرة، وانظر التلخيص الحبير (2/ 88)، وأخرجه ابن ماجة (1311)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4365).

ص: 56

العشر (حم د) عن علي".

(قد عفوت) لكم (عن) زكاة (الخيل والرقيق) المماليك (فهاتوا صدقة الرقة) يعني أن الأصل فيما يملكه الإنسان أن يزكي وذكر العفو يدل على سبق ذنب من إمساك المال عن الإنفاق، ثم بين المقدار الواجب في الرقة فهاتوا. (من كل أربعين درهماً درهماً) في قوله: فهاتوا دون اخرجوا أو اصرفوا دلالة على أن ولايتها إلى الأئمة (وليس في تسعين ومائة شيء) يجب عليكم إخراجه لحكمة يعلمها الله تعالى وإلا فإنه قد أوجب في الأربعين (فإذا بلغت) الرقة. (مائتين ففيها خمسة دراهم فما زاد فعلى حساب ذلك) اختلف في المراد فقال أبو حنيفة: المراد ما زاد إلى أن بلغ أربعين ففيه درهم وهو مذهب عمر بن الخطاب وجماعة من الصحابة، وقال الشافعي: وأحمد وجماعة من الأئمة وهو قول علي عليه السلام وطائفة من الصحابة إذا زادت الدراهم علي المائتين فلا شيء فيها حتى تبلغ أربعمائة ففيها عشرة، يؤيد الأول بحديث معاذ حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وفيه ولا تأخذ مما زاد -يعني علي المائتين- حتى تبلغ أربعين درهما وفيه ضعيف، وأحاديث أخر ما خلت عن ضعيف ذكرها ابن حزم في المحلى (1) ونقلها عنه السرخسي في شرح هداية الحنفية والحاصل أن قوله: فما زاد يحتمل على المائتين ولو درهما ففيه بحسابه ويحتمل إلى الأربعين ويحتمل إلى المائتين، الأول لا أعلم قائلا به والآخر أن محل الخلاف والحق عندي أنه محمل أي ما زاد لاحتماله ولا دليل على أحد احتمالاته فهو محل توقف (وفي الغنم في كل أربعين شاة شاة فإن لم يكن إلا تسع وثلاثون) أي إن لم يوجد إلا هذا العدد (فليس عليك فيه شيء) لطفاً من الله وحكمة الإيجاب في الأربعين في هذا العدد بخصوصية مجهولة وطوى هنا ذكر فرائض ما بعد الأربعين وتقدم

(1) انظر: المحلى لابن حزم (6/ 63 - 64).

ص: 57

تفصيلها في حرف الفاء. (وفي البقر) يجب (في كل ثلاثين تبيع) كما سلف (وفي الأربعين مسنة) طعنت في السنة الثالثة (وليس على العوامل) جمع عاملة وهو ما يعمل من إبل وبقر في نحو حرث وسقي فلا يجب فيها (شيء) بالغة كما بلغت (وفي خمس وعشرين من الإبل) يجب (خمسة) رؤوس (من الغنم، فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض) تقدم تفسيرها (فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر إلى خمس وثلاثين [3/ 198] فإذا زادت واحدة ففيه ابنت لبون، إلى خمس وأربعين، فإذا زادت واحدة ففيها حقة طروقة الجمل)" استحقت أن يطرقها الجمل (إلى ستين فإذا كانت واحدة وسبعين ففيها حقتان طروقتا الجمل) قد طوى هنا من الفرائض ما ينشر في غيره فإنه قال: "فإن زادت واحدة أي بعد ستين ففيها جذعة إلى خمس وسبعين وفيها ابنتا لبون إلى تسعين

" الحديث. ولعل هذا وقع نسيانا من الراوي (إلى عشرين ومائة فإن كانت الإبل أكثر من ذلك ففي كل خمسين حقة) زاد فيما سلف في حرف الفاء وفي كل أربعين بنت لبون .. الحديث، وفيه تفصيل لما أجمل هنا

(ولا يفرق بين مجتمع، ولا يجمع بين متفرق خشية الصدقة) تقدم تفسيره في حرف الفاء. (ولا يؤخذ في الصدقة هرمة) عالية السن. (ولا ذات عوار) بفتح المهملة وقد تضم عيب ونقص (ولا تيس) فحل الغنم. (إلا أن يشاء المصدق) بفتح الدال والكسر أكثر تقدم تفسيره، (و) يجب (في النبات فيما سقت الأنهار أو سقت السماء العشر) فيه لحقة مؤنته على مالكه (وما سقي بالغرب) بالدلو (ففيه نصف العشر) تخفيفاً من الله تعالى لمشقته على مالكه (حم د (1) عن علي) ذكر ابن حجر: أن الترمذي نقل عن البخاري صحته.

(1) أخرجه أحمد (1/ 92)، وأبو داود (1574)، والترمذي (620)، وابن ماجة (1790)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4375).

ص: 58

6087 -

"قدر الله المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرضين بخمسين ألف سنة"(حم ت) عن ابن عمرو (ح) ".

(قدر الله المقادير) أي علم كل شيء بمقداره وكيفيته وكميته، وقيل: أجرى القلم على اللوح وأثبت فيه المقادير على الخلائق ما كان وما يكون وما هو كائن إلى الأبد (قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة) أراد بيان طول الأمد وتمادي الزمان بين التقدير والخلق وأنه هذا القدر لو وجد ليل ونهار قيل أو ما خلق الله العرش بدليل قوله تعالى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: 7] فإنه قبل خلق السماوات والأرض كان كذلك.

قلت: قوله على الماء يشعر بتقدم خلق الماء، وقيل: بل أولها القلم لخبر أحمد: "أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب، قال: وما اكتب: قال: اكتب مقادير كل شيء"، قيل: أوليته بالنسبة إلى ما عدا الماء والعرش، قال ابن حجر: وأما حديث: "أول ما خلق الله العقل" فلم يكن له طريق يثبت (حم ت (1) عن ابن عمرو) رمز المصنف لحسنه، وفي الكبير قال الترمذي: حسن صحيح غريب.

6088 -

"قدمت المدينة ولأهل المدينة يومان يلعبون فيهما في الجاهلية وإن الله تعالى قد أبدلكم بهما خيراً منهما، يوم الفطر ويوم النحر"(هق) عن أنس (ح) ".

(قدمت المدينة) زمن الهجرة (ولأهل المدينة) وضع الظاهر موضع المضمر زيادة في تأكيد الإخبار (يومان يلعبون فيهما) قيل: هما يوم النيروز ويوم المهرجان ويحتمل أنهما متتابعان أو متفرقان تجمعهما سنة واحدة. (في الجاهلية، وإن الله تعالى قد أبدلكم بهما خيراً منهما) والإبدال يدل على أنه قد نهى

(1) أخرجه أحمد (2/ 169)، والترمذي (2156)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (3891)، وأخرجه البزار (2456)، وعبد بن حميد (343)، وابن حبان (6138)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4380).

ص: 59

عنهما، قلناه قبل رؤية كلام ابن تيمية الآتي وهل في البدل ما في المبدل منه من اللعب، الظاهر أنه لا لعب فيهما ولا يباح فيهما إلا ما أباحه الله ورسوله فيهما (يوم الفطر ويوم النحر) فإنهما عند أهل الإِسلام، قال الطيبي: هذا نهي عن اللعب والسرور فيه في نهاية اللطف وأمر بالعبادة وأن السرور الحقيقي فيها بل {بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} [يونس: 58]، قال مخرجه البيهقي: زاد الحسن فيه: "أما يوم الفطر فصلاة وصدقة، وأما يوم الأضحى فصلاة ونسك"، قال المجد (1) ابن تيمية: أفاد الحديث حرمة التشبه بهم في أعيادهم لأنه لم ينفها على العيدين الجاهليين ولا يتركهم يلعبون فيهما على العادة، وقال: أبدلكم والإبدال يقتضي ترك المبدل منه، وقال المظهر: فيه دليل على أن يوم النيروز والمهرجان منهي عنهما.

قلت: وفيه دليل على أنه لا يعظم غير يومي العيدين وأما ما ينفق في الجهات من تعظيم أيام انفقت فيها واقعات من ميلاده صلى الله عليه وسلم الذي يعظمه أهل مكة ويجعلونه عيدا ولو كان ذلك عيداً لكان أحق الناس بتعظيمه الصحابة والتابعين وكذلك تعظيمهم أياماً يسمونها بالأعياد مثل عيد العيدروس ونحوه مما لا يكاد يمر شهر واحد إلا وفيه أعياد لديهم ومثل أيام الزيارات في البهائم وغيرها مما يعظمونه أكثر من تعظيم الأعياد وينفقون فيه من الأموال بالإسراف ما يحرمه الله ورسوله ولا ينهاهم أحد لأن هم من إليه الأمر والنهي قبض المال لا غير، قال لي شيخنا في مكة [3/ 199] وكان من الأبرار الصالحين رحمه الله وأنا أقرأ عليه شرح العمدة لابن دقيق العيد وقد جرى ذكر تعظيم الزيدية للغدير هذا شيء مبتدع لا يحسن فعله أو نحو هذا اللفظ فقلت له: نعم وهو نظير هذا المولد الذي يفعلونه في مكة فقال: هذا فيه تعظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

(1) اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 184).

ص: 60

قلت: لو كان فيه خيراً لكان أحق الناس بفعله الصحابة والصالحين من السلف فهم كانوا أشد تعظيما له صلى الله عليه وسلم فسكت، وكان هذا الحديث وأهل مكة في عيد لمولد أو ذاك ولقد شاهدناهم عقيب هذا يفعلون فيه من المنكرات مالا يحيط به الوصف مع أنهم تلك السنة يزعمون أنه نهى الذي وصل من الأروام عن كثير من البدع (هق (1) عن أنس) رمز المصنف لحسنه، قال الشارح: فيه محمَّد بن عبد الله الأنصاري، أورده الذهبي في الضعفاء (2) وقال: قال أبو داود: تغيّر شديداً.

6089 -

"قدمتم خير مقدم، وقدمتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر مجاهدة العبد هواه"(خط) عن جابر (ض) ".

(قدمتم) أيها المخاطبون من الصحابة قدوماً (خير مقدم) دعاء لهم وإخباراً بأن قدومهم خير قدوم؛ لأنهم رجعوا إلى الأوطان بعد إرضاء الرحمن بقتل عبدة الأوثان (من الجهاد الأصغر) للعدو البارز للعداوة الذي يدفع بالعدة والعدد. (إلى الجهاد الأكبر) وهو جهاد العدو المخالط المخالل البخاري مع الدم واللحم الذي أعوانه النفس التي في بدن الإنسان والهوى، وكأنهم قالوا: وما الجهاد الأكبر فقال (مجاهدة العبد هواه) الذي يزينه له شيطانه ونفسه الأمارة بالسوء، قال إبراهيم بن أدهم: أشد الجهاد جهاد الهوى فمن منع نفسه هواها فقد استراح من الدنيا وبلاها.

قلت: أكبرية هذا الجهاد من حيث أنه لا يفتر ساعة من ليل ولا نهار ولا يمل

(1) أخرجه البيهقي في السنن (3/ 277)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4381).

(2)

انظر: المغني (2/ 599) وفيه: ثقة مشهور، قال أبو داود: تغيّر تغيرًا شديداً

وقال أحمد: "أنكر القطان حديث حبيب بن الشهيد علي الأنصاري في الحجامة للصائم"، ورد في الميزان (3/ 600)، ما أنكره القطان فقال: ما ينبغي أن يتكلم في مثل الأنصاري لأجل حديث تفرد به فإنه صاحب حديث.

ص: 61

ولا يفتر ولا يهادن صاحبه ومن حيث أنه يحارب كل جارحه من الجوارح العين يجرها إلى نظر ما يحرم والأذن إلى سماعه واليد إلى البطش فيه والرجل إلى المشي إليه وكل جارحه يجنبها ومن حيث أنه يدخل إلى ملك البدن وهو القلب فبجيوشه بالأفكار الخبيثة والشهوات الباطلة والإرادات المخالفة والعزوم القبيحة وغير ذلك من أنواع جهاده فعلى العاقل أن يجاهد نفسه ويخادعها ساعة فساعة ويخاطبها خطاب النصوح الآمر يقول: (يا أيتها النفس) أنت على جناح سفر ودارك هذه دار غرور وقدور وإن المسافر إن لم يتزود ركب الخطر وخير الزاد التقوى كما جاء عن سيد البشر. (خط (1) عن جابر) رمز المصنف لضعفه ورواه عنه البيهقي في كتاب الزهد وقال: إسناده ضعيف وضعفه العراقي.

6090 -

"قدموا قريشا، ولا تقدموها، وتعلموا منها، ولا تعالموها" الشافعي والبيهقي في المعرفة عن ابن شهاب بلاغا (عد) عن أبي هريرة".

(قدموا قريشاً) قيل: المراد في الخلافة لحديث: "الأئمة من قريش" ولأنه صلى الله عليه وسلم قدم سالماً مولى أبي حذيفة في الصلاة وخلفه جماعة من قريش وأمر معاذ بن جبل وغيره ومعه قريش فعلم أنه ليس المراد في التقديم في كل خصلة شريفة ومرتبة سنية، قال ابن تيمية (2): الأحاديث في فضل قريش فيها كثرة وهي تدل على فضل العرب إذ نسبة قريش إلى العرب كنسبة العرب إلى الناس، وسبب هذا الفضل ما خصوا به في عقولهم وأخلاقهم وألسنتهم وأعمالهم وذلك أن الفضل إنما هو بالعلم النافع أو بالعمل الصالح والعلم له مبدأ وهو قوة العقل الذي هو بالفهم والحفظ وقوة المنطق الذي هو البيان والعبارة ولسانهم أتم الألسنة بيانا وتمييزًا للمعاني وجمعًا للمعنى الكثير في اللفظ القليل إذا شاء المتكلم الجمع تم

(1) أخرجه الخطيب في تاريخه (13/ 523)، والبيهقي في الزهد الكبير (2/ 165)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4080)، وقال في الضعيفة (2460): منكر.

(2)

اقتضاء الصراط المستقيم.

ص: 62

تميزه بين كل شيئين مشتبهين بلفظ آخر مميز مختصر كما نجده في لغتهم في جنس الحيوان مثلا فإنهم يعبرون بين القدر المشترك بين الحيوان بعبارات جامعة ثم يميزون بين أنواعه في أسماء إلى غير ذلك من خصائص اللسان العربي وأما العمل فعلى الأخلاق وهي الغرائز المخلوقة في النفس وغرائزهم أطوع للخير من غيرهم فهم أقرب إلى الأخلاق المحمودة من نحو سخاء وشجاعة ووفاء وهذا كلام جامع في كل ما يأتي نافع. (ولا تقدموها) لأنها الأحق بالتقديم والخطاب لسائر الأمة غير قريش إن قيل، فإذا اختلفت قريش وطلب كل [3/ 200] التقدم وتنازعوا وأدى إلى الفساد فماذا؟

قلت: يجب عليهم التقيد لأكملهم فيما تقدم فيه الفاضل على المفضول، والعالم من قريش يقدم على الجاهل في الفتوى مثلا والحكم بين الناس، والشجاع مقدم على الجبان في الحروب ونحوها وقد عين صلى الله عليه وسلم بعض رتب الفضل أعني من يقوم بها كقوله:"يؤم القوم أقرأهم" فإنه قاض للأقرأ بالتقدم على غيره من قرشي وغيره، إن قلت فيلزم أن يقدم عليهم غيرهم في الخلافة إن كان أقوم بها وأكمل وحينئذ يضيع الحديث.

قلت: الأمر في الحديث دليل على أنه لا يخلو الصالح للخلافة عن قريش أصلًا لئن سلم فالمراد بالأمر بالتقديم عند وجود الصالح لذلك لا مع فقده، وإن قلنا: إنه عام في التقديم لهم في كل مزية عظيمة كان المراد ذلك أيضاً.

(وتعلموا منها) كل ما يحصل بالتعليم والمراد من عالمها فإذا وجد عالم قرشي وعالم غير قرشي كان أخذ العلم من القرشي. (ولا تعالموها) بفتح المثناة مفاعلة من العلم أي لا تغالبوها في العلم ولا تفاخروها فيه لما سلف من اجتماع الكمال فيهم.

واعلم: أن هذه خاصية للنوع لا يلزم وجودها في الأفراد إلا أن من لازمها أن لا يخلو الأفراد كلها عنها وأن لا يوجد في غيرهم من هو أتم من كل أفرادهم.

ص: 63

(الشافعي والبيهقي في المعرفة عن ابن شهاب بلاغًا) أنه قال: بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وظاهر كلام المصنف أنه خرجه الشافعي بلاغًا وأفاد السمهودي في الجواهر أن الشافعي في مسنده وأحمد في المناقب خرجاه من حديث عبد الله بن حنطب، قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أيها الناس قدموا قريشاً ولا تقدموها وتعلموا منها ولا تعالموها"، وقال الحافظ ابن حجر: إنه أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح لكنه مرسل وله شواهد. (عد (1) عن أبي هريرة).

6091 -

"قدموا قريشاً، ولا تقدموها، وتعلموا من قريش، ولا تعلموها، ولولا أن تبطر قريش لأخبرتها ما لخيارها عند الله تعالى"(طب) عن عبد الله بن السائب (صح) ".

(قدموا قريشاً) ظاهره العموم في كل شيء وأن الأمر للإيجاب وزاد قوله. (ولا تقدموها) للتأكيد وإلا فإنه قد أفيد للجملة الأولى. (وتعلموا من قريش) حذف مفعوله ليعم كالأول. (ولا تعلموها) فإنه عنها يؤخذ العلم وهذا مشكل فإن القرشي يفتقر إلى أخذ العلم عن غيره فرب فارسي وعجمي أعلم من قرشي فالذي يلوح أن الحديث خطاب لأهل عصره صلى الله عليه وسلم من أهل المدينة لا غيرهم فإنه هاجر إليهم المهاجرون من قريش وقد صاروا عالمين بمناسك الدين فأمرت الأنصار وغيرهم من العرب الذين تأخر إسلامهم أن تعلم علم الدين منهم هذا أقرب ما يقال فالمراد تعلموا من عالم قريش كما دل له قوله. (ولولا أن تبطر قريش) أي تكفر النعمة. (لأخبرتها ما لخيارها عند الله تعالى) فإن الوعيد لخيارها وهم علماؤها فالمراد بقريش خيارها في هذه الأحاديث أي قدموا خيار قريش وتعلموا منهم ولا تعلموهم لما لهم عند الله من الكرامة والمنازل العلية

(1) أخرجه ابن عدي في الكامل (5/ 162)، والشافعي في مسنده (1/ 278)، والبيهقي في الشعب (1602)، وانظر التلخيص الحبير (2/ 36، 3/ 103)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4383).

ص: 64

والظاهر أن المراد ببطر قريش القبيلة بأسرها لما نعرفه من إكرام الله لأفراد منها ويحتمل أن المراد خيارها وفيه أنه قد يطوى بعض الخير مخافة الشر.

نكتة: قال الشارح استدل بقوله في هذه الأحاديث ونحوها (قدموا قريشاً) على رجحان مذهب الشافعي على غيره ولورود الأمر بتقديم القرشي على من ليس بقرشي ورده عياض بأن المراد الخلافه وتعقبه النووي بأن الأحاديث دلت على أن للقرشي مزية على غيره فصح الاستدلال به.

قلت: إذا جعلت الأحاديث أدلة على ما ذكر فالدائرة أوسع من قصر الرجحان على مذهب الشافعي بل كل قرشي فيدخل الهاشمي وغيره وقد قال الشارح: أن السمهودي وغيره، قالوا: كلما جاء في فضل قريش فإنه ثابت لبني هاشم والمطلب (طب (1) عن عبد الله بن السائب) رمز المصنف لصحته، وفي نسخة المقابلة صح متنه وفي الشرح أنه من رواته أبي معشر عن المقبري، وأبو معشر ضعيف.

6092 -

"قدموا قريشا، ولا تقدموها، ولولا أن تبطر قريش لأخبرتها بما لها عند الله" البزار عن علي (صحيح المتن) ".

(قدموا قريشا، ولا تقدموها) أي قدموا خيارها كما أسلفناه. (ولولا أن تبطر قريش لأخبرتها [3/ 201] بما لها) أي لخيارها. (عند الله). (البزار (2) عن علي) في نسخة المقابلة على خط المصنف صحيح المتن.

6093 -

"قده بيده"(طب) عن ابن عباس" (صح).

(1) أخرجه ابن أبي عاصم في السنة (1519)، أبو نعيم في الحلية (9/ 64) عن أنس، وراجع لطرق هذا الحديث البدر المنير (4/ 466)، وانظر: قول الهيثمي في المجمع (10/ 25)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4382).

(2)

أخرجه البزار (465)، وأبو نعيم في الحلية (9/ 64)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4384).

ص: 65

(قده) بضم فسكون أمر. (بيده) سببه أنه صلى الله عليه وسلم مر وهو يطوف بالكعبة بإنسان يربط يده إلى إنسان بنحو سير أو خيط فقطعه النبي صلى الله عليه وسلم ثم ذكره، وفيه جواز إتلاف مال الغير لمثل هذا. (طب (1) عن ابن عباس) رمز المصنف لصحته.

6094 -

"قراءة القرآن في الصلاة أفضل من من قراءة القرآن في غير صلاة، وقراءة القرآن في غير الصلاة أفضل التسبيح والتكبير، والتسبيح أفضل من الصدقة والصدقة أفضل من الصوم، والصوم جنة من النار". (قط) في الأفراد (هب) عن عائشة".

(قراءة القرآن في الصلاة) حال القيام فيها لثبوت النهي عن قراءته في الركوع والسجود. (أفضل من قراءة القرآن في غير صلاة) لشرف الصلاة وشرف ما يفعل فيها. (وقراءة القرآن في غير الصلاة أفضل من التسبيح والتكبير) لأن كلام الله أفضل من كل كلام سواه. (والتسبيح) كأن المراد والتكبير. (أفضل من الصدقة) وإن كان نفعها متعدياً. (والصدقة أفضل من الصوم) لتعدي نفعها إلى الغير. (والصوم جنة من النار) قال الطيبي: ذكر خاصية المفضول وترك ذكر خواص الفواضل لأنها تناهت عن الوصف، إن قلت حديث:"كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلا الصوم" الحديث يدل على أنَّه أفضل الأعمال وما هنا دل على خلاف ذلك.

قلت: إذا نظر إلى نفس العبادة كانت الصلاة أفضل من الصدقة، وهي من الصوم فإن موارد التنزيل وشواهد الأحاديث النبوية جارية على تقديم الأفضل فإذا نظر إلى كل منها وما تدلى إليه من الخاصية التي لم يشارك غيره فيها كان

(1) أخرجه الطبراني في الكبير (11/ 34)(10954)، والنسائي (3/ 135)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4385).

ص: 66

أفضل هذا جواب الشارح ولا يخفى ما فيه. (قط) في الأفراد (هب (1) عن عائشة) سكت المصنف عليه وفيه محمَّد بن سلام قال ابن مندة: له غرائب عن الفضل بن سليمان النميري وفيه مقال عن رجل من بني خزيمة: مجهول.

6095 -

"قراءة الرجل القرآن في غير المصحف ألف درجة، وقراءته في المصحف تضاعف على ذلك إلى ألفي درجة". (طب هب) عن أوس بن أبي أوس الثقفي (صح) ".

(قراءة الرجل) أو المرأة (القرآن في غير المصحف) في الأجر. (ألف درجة) لا يعلم حقيقة المراد بها إلا الله تعالى والمفهوم لنا الأجر الكبير قال الطيبي: إنه خبر لقوله قراءة القرآن بتقدير مضاف أي ذات ألف درجة فيصح الحمل مثل "هم درجات" أي ذو درجات. (وقراءته في المصحف تضاعف على ذلك إلى ألفي درجة) وإنما ضوعفت القراءة في المصحف، لأنه أتم للتفكر ولأنه يتم به عبادة الجوارح من العين والأيدي وجملة البدن، قيل: والأقرب أن كلما كان التدبر فيه أتم وأكمل كان أفضل من مصحف أو غيره. (طب هب (2) عن أوس بن أبي أوس الثقفي) في الكبير (طب عد هب عن عثمان بن عبد الله بن أوس بن أبي أوس الثقفي عن جده) وصحح، وقال الشارح: قال الهيثمي فيه أبو سعيد بن عوذ (3) وثقه ابن معين مرة وضعفه أخرى وبقية رجاله ثقات.

6096 -

"قراءتك نظرًا تضاعف على قراءتك ظاهراً كفضل المكتوبة على النافلة" ابن مردويه عن عمرو بن أوس".

(1) أخرجه الدارقطني في الغرائب والأفراد (6294) كما في أطراف الغرائب، والبيهقي في الشعب (2243)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4082).

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير (1/ 221)(601)، والبيهقي في الشعب (2218)، وابن عدي في الكامل (299)، وانظر قول الهيثمي في المجمع (7/ 165)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4081).

(3)

انظر: المغني (2/ 787).

ص: 67

(قراءتك نظراً) أي في المصحف. (تضاعف على قراءتك ظاهراً) عن ظهر قلب. (كفضل) الفريضة. (المكتوبة على النافلة) من صلاة أو حج أو صدقة. (ابن مردويه (1) عن عمرو بن أوس) في الصحابة ثقفي وأنصاري.

6097 -

"قرب اللحم من فيك فإنه أهنأ وأمرأ (حم ك هب) عن صفوان بن أمية (صح) ".

(قرب اللحم من فيك) عند الأكل. (فإنه) أي تقريبه والمراد تقريب ما ينهش من اللحم لأن سببه أنه كان يأخذ اللحم بيده من العظم فقال صلى الله عليه وسلم "قرب اللحم فإنه". (أهنأ) أكثر هناء والهناء كما في العارضة: عزو [خلوص] الشيء عن النصب والنكد. (وأبرأ) قيل بالباء الموحدة أي أسلم من الداء، قال الشارح: وروى "أمرأ" بالميم.

قلت: هو الذي في نسخ الجامع من الاستمراء وهي الملائمة. (حم ك هب (2) عن صفوان بن أمية)، رمز المصنف لصحته، قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي، لكن قال المنذري: فيه انقطاع فإن الحاكم وأبا داود خرجاه من حديث عبد الرحمن بن معاوية عن عثمان بن أبي سلمان عن صفوان وعثمان لم يسمع منه ورواه عنه أيضاً الترمذي وفيه عنده خاصة عبد الكريم المعلم واه.

6098 -

"قرصت نملة نبيًّا من الأنبياء فأمر بقرية النمل فأحرقت، فأوحى الله إليه: أن قرصتك نملة أحرقت أمة من النمل تسبح"(ق د ن هـ) عن أبي هريرة".

(قرصت نملة نبيًّا من الأنبياء) قال الزكي المنذري: جاء من غير وجه أنه

(1) عزاه في الكنز (2305) لابن مردويه وانظر فيض القدير (4/ 514)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4083)، والضعيفة (4053).

(2)

أخرجه أحمد (3/ 401)، والحاكم (4/ 126)، والبيهقي في الشعب (5900)، وأخرجه الحاكم (4/ 113)، وأبو داود (3779)، والترمذي (1835)، وانظر الترغيب والترهيب (3/ 96)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4084).

ص: 68

عزير، ونقل المحب الطبري عن الحكيم الترمذي أنه موسى، وروى أنه داود، روى أنه قال:"يا ربِّ [3/ 202] تعذب أهل قرية وفيهم المطيع فأراد ربه أن يريه العبرة في ذلك فسلط عليه الحر فلجأ إلى ظل شجرة عندها بيت نمل فنام فلدغته واحدة وهو في ألذ النوم". (فأمر بقرية النمل) أي بيتها الذي تسكنه (فأحرقت) بالبناء للمفعول وفي رواية للبخاري "أحرق" أي النمل وكان ذلك جائزا في شرعه لا في شرعنا للنهي عن قتل النمل في خبر يجيء. (فأوحى الله إليه: أن) بفتح الهمزة وحذف الجار وهمزة الاستفهام مقدرة أي لأن (قرصتك نملة أحرقت أمة من الأمم) طائفة من الطوائف (تسبح) مسبحة وأتى بالمضارع دلالة على تجدد التسبيح، قال في البحر: فالعتب على ذلك النبي بزيادة القتل على نملة لدغته لا لنفس القتل والإحراق فإنه جائز في شرعه، وقيل: لم يعاتبه إنكاراً على فعله بل إيضاحاً لحكمة شمول الإهلاك لجميع تلك القرية فضرب له المثل بالنمل أي إذا اختلط من يستحق الإهلاك بغيره ويعني إهلاك الكل طريقا للإهلاك المستحق جاز إهلاك الكل.

قلت: وفي هذا وما قبله تكلف والظاهر أنه عتاب على نفس الفعل ومثل ذلك يجوز على الأنبياء من باب {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ} [التوبة: 43].

لطيفة: قال الزمخشري رحمه الله (1): دخل قتادة الكوفة فاجتمع إليه الناس فقال: سلوني عما شئتم، وكان أبو حنيفة رحمه الله حاضرًا وهو غلاماً حدث، فقال: سلوه عن نملة سليمان كان ذكرا أم أنثى فسألوه فأفحم، فقال: أبو حنيفة كان أنثى، فقيل له: من أين عرفت قال من قوله تعالى: {قَالَتْ نَمْلَةٌ} ولو كان ذكراً، لقال: قال. (ق د ن هـ (2) عن أبي هريرة) وتقدم سبب القصة، وقيل: إنه مر

(1) الكشاف (ص 901).

(2)

أخرجه البخاري (3019، 3319)، ومسلم (2241)، وأبو داود (5266)، والنسائي (3/ 166)، وابن ماجه (3225).

ص: 69

بقرية أهلكت فبقي متعجباً، يقول: يا رب فيهم الصبيان ودواب ومن لا يقترف ذنبًا فاتفق له ما ذكر.

6099 -

"قرض الشيء خير من صدقته". (هق) عن أنس" (ض).

(قرض الشيء) أي إقراضه هو عام في كل شيء (خير من صدقته) لأن القرض غالبه لا يكون إلا لمحتاج بخلاف الصدقة فقد تقع في يد من لا يستحقها. (هق (1) عن أنس) رمز المصنف لضعفه.

6100 -

"قرض مرتين في عفاف خير من صدقة مرة" ابن النجار عن أنس (ض) ".

(قرض مرتين) أي إقراض شيء مرتين. (في عفاف) أي إعفاء عن زيادة تؤدى إليه. (خير من صدقة مرة) دل على أن مضاعفة الإقراض أفضل من الصدقة، والأول دل على أن مجرد الإقراض أفضل فهذا مقيد لإطلاقه في الأمرين مع الزيادة والتضعيف. (ابن النجار (2) عن أنس) رمز المصنف لضعفه.

6101 -

"قريش صلاح الناس، ولا تصلح الناس إلا بهم، ولا يعطى إلا عليهم، كما أن الطعام لا يصلح إلا بالملح". (عد) عن عائشة (ض) ".

(قريش صلاح الناس) فسره بقوله (ولا تصلح الناس إلا بهم) أي بإمارتهم وإلقاء أزمة الأمور بأيديهم، قال الحليمي: إذا وجبت التقدمة لقريش كانت لبني هاشم أوجب؛ لأنهم أخص منهم (ولا يعطى إلا عليهم) أي لا يعطى الناس الطاعة لأحد إلا على إمارتهم، أو لا يعطي الله الناس خيرا إلا على إمارتهم وعلى للتعليل أي لأجلهم. (كما أن الطعام لا يصلح) لآكليه (إلا بالملح).

(1) أخرجه البيهقي في السنن (5/ 354)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4085)، والضعيفة (4054).

(2)

أخرجه الديلمي في الفردوس (4644)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4086).

ص: 70

(عد (1) عن عائشة) رمز المصنف لضعفه.

6102 -

"قريش خالصة الله تعالى، فمن نصب لها حربا سلب، ومن أرادها بسوء خزي في الدنيا والآخرة". ابن عساكر عن عمرو بن العاص" (ض).

(قريش خالصة الله تعالى) أي خاصة له (فمن نصب لها حربا سلب) أي سلبه الله ملكه وما يتقوى به على حربهم (ومن أرادها بسوء خزي) أخزاه الله (في الدنيا والآخرة) لعناية الله تعالى بها ألا ترى أنه لم يكن فيهم منافق في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بعدها وما ارتد منهم أحد مع أنها ارتدت العرب فكل من أسلم منهم ثبت على إسلامه وحسن حاله (ابن عساكر (2) عن عمرو بن العاص) رمز المصنف لضعفه.

6103 -

"قريش على مقدمة الناس يوم القيامة، ولولا أن تبطر قريش لأخبرتها بما لمحسنها عند الله تعالى من الثواب". (عد) عن جابر".

(قريش على مقدمة الناس يوم القيامة) أي تقدم عليهم أجمعين إكراما من الله تعالى لها، والمراد محسني قريش كما يرشد إليه آخر الحديث. (ولولا أن تبطر قريش) بكفر النعمة. (لأخبرتها بما لمحسنها عند الله تعالى من الثواب) إلا أنه طواه صلى الله عليه وسلم صيانة لهم عن البطر. (عد (3) عن جابر) سكت المصنف عليه ومخرجه لم يسكت عليه بل قال: هذا الحديث بهذا الإسناد باطل ليس يرويه غير إسماعيل بن مسعدة وكان يحدث عن الثقات بالبواطيل، وقال ابن حبان: يروي

(1) أخرجه ابن عدي في الكامل (5/ 37)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4088).

(2)

أخرجه ابن عساكر في تاريخه (22/ 110)، والديلمي في الفردوس (4652)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (4087)، والضعيفة (784): موضوع.

(3)

أخرجه ابن عدي في الكامل (1/ 303)، وابن حبان في المجروحين (1/ 126)، والمغني (1/ 87)؛ وذكره ابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 296)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (4089)، والضعيفة (1361): موضوع.

ص: 71

[3/ 203] الموضوعات عن الثقات لا تحل الرواية عنه.

6104 -

"قريش والأنصار وجهينة ومزينة وأسلم وأشجع وغفار موالي، ليس لهم مولى دون الله ورسوله". (ق) عن أبي هريرة (صح) ".

(قريش والأنصار وجهينة) هم أولاد جهينة بن زيد بن ليث منهم عقبة بن عامر الجهني وغيره (ومزينة) بضم الميم وفتح الزاي وسكون التحتية بعدها نون وهو اسم امرأة عمرو بن إد بن طابخة بموحدة فمعجمة بن إلياس بن مضر، وهي مزينة بنت كلب (وأسلم) بن إلحاف بالمهملة بزنة الناس (وأشجع) بمعجمة وجيم بزنة أحمر (وغفار) بكسر المعجمة وتخفيف الفاء وخبر قريش وما بعده قوله:(موالي) بالتشديد والإضافة إلى ضمير النفس أي أنصاري وأحبائي هذا الأقرب هنا، وإن كان للمولى معان عديدة، والمراد: من آمن منهم والشرف يحصل للشيء إذا حصل لبعضه، وروى بالتنوين أي بعضهم أحباء بعض، وروى بتخفيف الباء على حذف المضاف أي موالي الله ورسوله ودل عليه بقوله:(ليس لهم مولى دون الله ورسوله) أي لا ولاء لأحد عليهم إلا الله ورسوله ولأن أشرافهم لم يجرِ عليهم رق ولا يقال لهم موالي لأنهم أول من بادر إلى الإِسلام ولم يسترقوا كغيرهم، قال ابن حجر (1): هذه سبع قبائل كانت في الجاهلية في القوة والمكانة دون بني عامر بن صعصعة وبني تميم وغيرهما من القبائل فلما جاء الإِسلام كانوا أسرع دخولاً فيه فانقلب الشرف إليهم، وهذه فضيلة ظاهرة لهؤلاء القبائل. (ق (2) عن أبي هريرة).

6105 -

"قريش ولاة الناس في الخير والشر إلى يوم القيامة". (حم ت) عن عمرو بن العاص (طب) عن معاوية (صح) ".

(1) فتح الباري (6/ 543).

(2)

أخرجه البخاري (3504)، ومسلم (2520).

ص: 72

(قريش ولاة الناس في الخير والشر) أي في الجاهلية والإِسلام، ويحتمل في الحرب والسلم، أو الشدة والرخاء، أو الجور والعدل كما يرشد إليه ما يأتي ويستمر ذلك. (إلى يوم القيامة) فالخلافة فيهم ما بقيت الدنيا، والحديث إخبار بأنهم أحق الناس بالخلافة وإن أخرجت عنهم فالمخرج لها ظالم، قال ابن تيمية (1): الذي عليه أهل السنة والجماعة أن جنس العرب أفضل من جنس العجم عبرانيهم وسريانيهم وفارسيهم وغيرهم وأن قريشًا أفضل العرب وأن بني هاشم أفضل قريش، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل بني هاشم فهو أفضل الخلق نفسا وأفضلهم نسبا وليس فضل العرب ثم قريش ثم بني هاشم لمجرد كون رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم وإن كان هذا من الفضل بل هم في أنفسهم أفضل وبذلك ثبت للنبي أنه أفضل نفسا ونسبا وإلا لزم الدور. (حم ت عن عمرو بن العاص) رمز المصنف لصحته، وقال في الكبير: حسن صحيح غريب، (طب (2) عن معاوية).

6106 -

"قريش ولاة هذا الأمر: فبر الناس تبع لبرهم، وفاجرهم تبعاً لفاجرهم". (حم) عن أبي بكر وسعد (صح) ".

(قريش ولاة هذا الأمر) أي أمر الإمامة العظمى، زاد في رواية "ما أقاموا الدين" قال ابن حجر (3): فيحتمل أن يكون خروج القحطاني إذا لم تقم قريش أمر الدين وقد وجد ذلك، فإن الخلافة لم تزل فيهم والناس في طاعتهم إلى أن استخفوا بأمر الدين فضعف أمرهم وتلاشى إلى أن لم يبق شيء من الخلافة سوى اسمها المجرد في بعض الأقطار (فبر الناس تبع لبرهم) أي أنه تعالى يولي الأبرار الأبرار فيكون البر تبعاً للبر (وفاجرهم تبع لفاجرهم) كذلك وقيل كانوا

(1) اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 148).

(2)

أخرجه أحمد (4/ 203)، والترمذي (2227) عن عمرو بن العاص، وأخرجه الطبراني في الكبير (19/ 360)(847)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4390)، والصحيحة (1155).

(3)

فتح الباري (6/ 535).

ص: 73

في الجاهلية هكذا البر تبع البر، والفاجر تبع الفاجر إلا أنه لا يخفى أنه لا بر في الجاهلية، والحديث إخبار عن الواقع (حم (1) عن أبي بكر وسعد) رمز المصنف لصحته.

6107 -

"قسم من الله تعالى لا يدخل الجنة بخيل". ابن عساكر عن ابن عباس (ض) ".

(قسم من الله تعالى) حلف منه تعالى (لا يدخل الجنة بخيل) بالحقوق المالية الشرعية حتى يطهر بنار جهنم، وقال الغزالي: يحتمل أن يريد بالبخل من بخل أقبح البخل، وذلك من بخل بكلمة الشهادة، وقيل: المراد أنه إذا تكامل البخل في القلب لم يبق مع كماله إيمان يدخل به الجنة. (ابن عساكر (2) عن ابن عباس) رمز المصنف لضعفه، قال مخرجه ابن عساكر: ضعيف جداً، وفيه محمَّد بن زكريا الغلابي ضعيف (3).

9108 -

"قسمت النار سبعين جزءًا: فللآمر تسع وستون، وللقاتل جزء حسبه". (حم) عن رجل (ح) ".

(قسمت النار) التي يعذب بها القاتل والأمر. (سبعين جزءاً: فللآمر) بالقتل. (تسع وستون) جزءاً. (وللقاتل) بأمر ذلك الآمر. (جزء حسبه) كافيه هذا القدر من العذاب، قيل: يحتمل [3/ 204] أن هذا زجر وتهديد للآمر، ويحتمل أنه فيما لو أكره الأمر المأمور بغير حق. (حم (4) عن رجل) رمز المصنف لحسنه،

(1) أخرجه أحمد (1/ 5)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4391)، والصحيحة (1156).

(2)

أخرجه ابن عساكر في تاريخه (57/ 373)، وانظر فيض القدير (4/ 517)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4090)، وقال في الضعيفة (673).

(3)

انظر: المغني (2/ 581)، وقال: قال الدارقطني: يضع الحديث.

(4)

أخرجه أحمد (5/ 362)، وانظر قول الهيثمي في المجمع (7/ 299)، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (4055).

ص: 74

قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير محمَّد بن إسحاق وهو ثقة لكنه مدلس.

6109 -

"قصوا الشوارب، واعفوا اللحى". (حم) عن أبي هريرة".

(قصوا الشوارب) أي اقطعوا الشعر الثابت على الشفة العليا من غير استئصال. (واعفوا اللحى) أي وفروها وكثروها من عفو الشيء وهو كثرته ونماؤه وقد تقدم غير مرة هذا المعنى وأنه السنة. (حم (1) عن أبي هريرة).

6110 -

"قصوا الشوارب مع الشفاة". (طب) عن الحكم بن عمير (ض) ".

(قصوا الشارب مع الشفاة) أي سووها مع الشفاة بأن تقطعوا ما طال ودعوا الشوارب مساويا لها فلا تستأصلوه بالكلية. (طب (2) عن الحكم بن عمير) رمز المصنف لضعفه، قال الهيثمي: فيه عيسى بن إبراهيم بن طهمان وهو متروك.

6111 -

"قصوا أظافيركم، وادفنوا قلاماتكم، ونقوا براجمكم، ونظفوا لثاتكم من الطعام، واستاكوا، ولا تدخلوا علىّ قحراً بخراً". الحكيم عن عبد الله بن بسر (ض) ".

(قصوا أظافيركم) من اليدين والرجلين عند طولها، والأظافير جمع أظفور، والأظفار جمع ظفر (وادفنوا قلاماتكم) في المصباح (3): القلامة بالضم هي المقلوعة عن طرف الظفر أي غيبوا ما قطعتم منها في الأرض فإن جسد المؤمن ذو حرمة فما قطع منه فحرمته قائمة فيدفن لئلا يقع في نار أو نحوها. (ونقوا براجمكم) هى ما بين الأظفار أي نظفوا قصبة الأصابع لئلا يعلق بها الدرن فيحول بين الماء والبشرة (ونظفوا لثاتكم) بكسر اللام فمتلثة هى لحم الأسنان (من الطعام) فيه مشروعية المضمضة بعد الطعام؛ لأنه تتأذى الملائكة من رائحة الفم

(1) أخرجه أحمد (2/ 229)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (4392).

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير (3/ 219)(3195)، وانظر قول الهيثمي في المجمع (5/ 176)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (4093)، والضعيفة (4056): ضعيف جداً.

(3)

المصباح المنير (2/ 515).

ص: 75

وتغيره. (واستاكوا، ولا تدخلوا عليّ قخراً) بالقاف والمعجمة والراء (بخراً) بالموحدة والمعجمة والراء والكل بضم أوله وسكون ثانيه ولم نر قخراً في النهاية (1) ولا القاموس، قال الحكيم: المحفوظ عندي قحلاً فلجًا ولا أعرف القخر، والبخر بفتحتين تغير الفم. (الحكيم (2) عن عبد الله بن بسر) رمز المصنف لضعفه، قال الحافظ ابن حجر: فيه راو مجهول وقال شيخه الزين العراقي: فيه عمر بن بلال غير معروف كما قاله ابن عدي، قال الشارح: وفيه أيضاً عمر بن أبي عمر (3) قال الذهبي عن ابن عدي: مجهول، وإبراهيم بن العلاء: لا يعرف.

6112 -

"قص الظفر ونتف الإبط وحلق العانة يوم الخميس، والغسل والطيب واللباس يوم الجمعة "التيمي في مسلسلاته (فر) عن علي".

(قص الظفر ونتف الإبط وحلق العانة) وقته (يوم الخميس) إذا احتاج إلى ذلك؛ لا أن المراد أنه يفعل كل خميس فقد ثبت أنه وقت لهم في حلق العانة أربعين يوماً. (والغسل والطيب واللباس) الجميل. (يوم الجمعة) يشرع فيه. (التيمي في مسلسلاته (فر (4) عن علي).

6113 -

"قفلة كغزوة". (حم د ك) عن ابن عمرو (صح) ".

(قفلة) هى المرة من القفول الرجوع من السفر. (كغزوة) أي رب قفلة تساوي غزوة في الأجر كأن يمضي من الغزو لزيارة أرحامه أو دفع مخافة عليهم أو نحو ذلك وقيل أراد بالقفلة العودة على العدو والكر عليه بعد الانفصال عنه،

(1) النهاية (4/ 32)، والقاموس المحيط (ص 669).

(2)

أخرجه الحكيم في نوادر الأصول (1/ 185)، وانظر فتح الباري (10/ 338)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4092)، وقال في الضعيفة (1472).

(3)

انظر المغني (2/ 471)، وضعفاء النسائي (1/ 80).

(4)

أخرجه الديلمي في الفردوس (8350)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4091)، وقال في الضعيفة (3239): منكر.

ص: 76

قال الشارح: لكن الذي رأيته في مستدرك الحاكم "كعمرة" بدل غزوة. (حم د ك (1) عن ابن عمرو) رمز المصنف لصحته؛ لأنه صححه الحاكم وأقره الذهبي.

6114 -

" {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تعدل ثلث القرآن". مالك (حم خ د ن) عن أبي سعيد (خ) عن قتادة بن النعمان (م) عن أبي الدرداء (ت هـ) عن أبي هريرة (ن) عن أبي أيوب (حم هـ) عن أبي مسعود الأنصاري (طب) عن ابن مسعود وعن معاذ (حم) عن أم كلثوم بنت عقبة، البزار عن جابر، أبو عبيدة عن ابن عباس (صح) ".

{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} إلى آخرها. (تعدل ثلث القرآن) مع أنها ثلاث آيات والقرآن يزيد على ستة آلاف، قيل: لأن القرآن قصص وأحكام وصفات وهي متمخضة للصفات هي ثلثه، وقيل: معناه أن ثواب قراءتها يضاعف بقدر قراءة ثلث القرآن بغير تضعيف، وقيل: هذا من متشابه الحديث الذي لا يعرف معناه. مالك (حم خ د ن) عن أبي سعيد (خ) عن قتادة بن النعمان (م) عن أبي الدرداء (ت هـ) عن أبي هريرة (ن) عن أبي أيوب (حم هـ) عن أبي مسعود الأنصاري (طب) عن ابن مسعود وعن معاذ (حم)(2) عن أم كلثوم بنت عقبة، البزار عن

(1) أخرجه أحمد (2/ 174)، وأبو داود (2487)، والحاكم (2/ 83)، وقال: صحيح على شرط مسلم، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4393).

(2)

أخرجه مالك (485)، وأحمد (3/ 23)، والبخاري (6643)، وأبو داود (4611)، والنسائي (2/ 171) وابن حبان (791) عن أبي سعيد، وأخرجه البخاري (4/ 50) عن قتادة بن النعمان، وأخرجه مسلم (811) عن أبي الدرداء، وأخرجه الترمذي (2897)، وابن ماجة (3787) عن أبي هريرة وأخرجه النسائي (2/ 171) والطبراني (4/ 66) رقم (4024)، والبيهقي في الشعب (2544) عن أبي أيوب، وأخرجه أحمد (4/ 122)، وابن ماجة (3789) عن أبي مسعود البدري، وأخرجه الطبراني في الكبير (9/ 136)(8669) عن ابن مسعود، وأخرجه أحمد (6/ 403) والطبراني (25/ 74) رقم (182) والبيهقي في الشعب (2545) عن أم كلثوم بنت عقبة، وأخرجه البزار (1866) عن جابر.

ص: 77

جابر، أبو عبيدة عن ابن عباس) قال المصنف: وهو متواتر.

6115 -

" {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تعدل ثلث القرآن، و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} تعدل ربع القرآن". (طب ك) عن ابن عمرو (صح) ".

({قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تعدل ثلث القرآن) تقدم. (و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} تعدل ربع القرآن) فيه القولان الأخيران في "قل هو الله أحد" ولا يجري فيه الأول من الوجوه. (طب ك (1) عن ابن عمرو) رمز المصنف لصحته، قال الهيثمي: فيه ابن لهيعة.

6116 -

"قل اللهم اجعل سريرتي خيراً من علانيتي، واجعل علانيتي صالحة، اللهم إني أسألك من صالح ما تؤتي الناس من المال والأهل والولد غير الضال ولا المضل". (ت) عن عمر (صح) ".

(قل اللهم اجعل سريرتي خيرا من علانيتي) أي ما أسره خيراً مما أظهره؛ ولأنه تعالى يعامل العباد على السرائر. (واجعل علانيتي صالحة) لتكون السريرة أصلح منها. (اللهم إني أسألك من صالح [3/ 205] ما تؤتي الناس من المال والأهل والولد) وأبان الصالح من ذلك بقوله. (غير الضال) في نفسه. (ولا المضل) لغيره وهذا من أجمع الدعاء ومن جوامع الكلم. (ت (2) عن عمر) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عمر قل" فذكره، رمز المصنف لصحته.

6117 -

"قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة رب كل شيء ومليكه أشهد أن لا إله إلا أنت أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه قلها إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعك". (حم د ت حب

(1) أخرجه الطبراني في الكبير (12/ 405)(13493)، والحاكم (1/ 754)، وانظر قول الهيثمي في المجمع (1/ 215)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4405).

(2)

أخرجه الترمذي (3586)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4097).

ص: 78

ك) عن أبي هريرة (صح) ".

(قل اللهم فاطر السماوات والأرض) خالقهما، قال المبرد: يجوز وصف اللهم قياسًا عليه لو كان متعديا فقوله: "فاطر السماوات إلى آخره" صفات، وقال سيبويه: بل هي إبدال له على النداء المستأنف. (عالم الغيب) كلما غاب من أي شيء. (والشهادة) كلما شوهد. (رب كل شيء ومليكه) مالكه. (أشهد أن لا إله إلا أنت) قدم الإقرار بالوحدانية على سؤال الاستعاذة تقديما للوسائل قبل المطالب من باب إياك نعبد وإياك نستعين. (أعوذ بك من شر نفسي) التي تجلبه شهواتها وهواها. (ومن شر الشيطان) الذي انتصب لإغواء كل إنسان إلا عباد الله الذين ليس له عليهم سلطان. (وشركه) ما يدعوا إليه ويوسوس به من الإشراك الله تعالى وهذا على رواية كسر السين وسكون الراء ويروى بفتحهما أي حبائله ومصائده واحدها شركة فإن قلت لما قدمت الاستعاذة من شر النفس على الاستعاذة من شر الشيطان مع أن دفع كيده أهم فإنه لا يأتي الشر للنفس إلا من وسوسته.

قلت: جعل ذلك من باب الترقي من الأدنى إلى الأعلى (قلها إذا أصبحت) دخلت في الصباح (وإذا أمسيت) دخلت في المساء (وإذا أخذت مضجعك) أردت النوم. (حم د ت حب ك (1) عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته، وفي الكبير قال الترمذي: حسن صحيح، وقال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي.

6118 -

"قل اللهم إني أسألك نفسا مطمئنة تؤمن بلقائك، وترضى بقضائك، وتقنع بعطائك". (طب) والضياء عن أبي أمامة (صح) ".

(قل اللهم إني أسألك نفسا مطمئنة) ساكنة بما تقضيه لها من خير أو شر كما

(1) أخرجه أحمد (2/ 297)، وأبو داود (5067)، والترمذي (3392)، وابن حبان (3/ 242)(962)، والحاكم (1/ 694)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4402).

ص: 79

يفيده وصفها بقوله. (تؤمن بلقائك) فتعمل ليوم لقاءك (وترضى بقضائك) الذي تقضيه لها من الخير والشر (وتقنع بعطائك) من قليل أو كثير (طب والضياء (1) عن أبي أمامة) رمز المصنف لصحته، لكن قال الهيثمي: فيه من لم أعرفه.

6119 -

"قل اللهم إني ضعيف فقوني، وإني ذليل فأعزني، وإني فقير فارزقني". (ك) عن بريدة (صح) ".

(قل اللهم إني ضعيف) خلق الإنسان ضعيفاً. (فقوني) على ما أمرت به من عبادتك وجهاد أعدائك وأمور الدين والدنيا. (وإني ذليل) إذ العزة لله ولرسوله وللمؤمنين فالكل في زلة إلا من أعزه الله. (فأعزني) بطاعتك والسمو على عبادتك. (وإني فقير) إليك {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ} [فاطر: 15]. (فارزقني) فابتغوا عند الله الرزق وهذا من أجل الأدعية إذ قرن فيه كل صفة للعبد بضدها من المطالب العلية. (ك (2) عن بريدة) رمز المصنف لصحته؛ لأنه قال الحاكم: صحيح وأقرَّه الذهبي، قال الشارح: فيه أبو داود الأزدي الأعمى متروك الحديث.

6120 -

"قل اللهم مغفرتك أوسع من ذنوبي، ورحمتك أرجى عندي من عملي". (ك) والضياء عن جابر (صح) ".

(قل اللهم مغفرتك أوسع من ذنوبي) فإن وقعت في ضيق الذنوب فأخرجني إلى واسع مغفرتك فإنه ليس المراد الإعلام بسعة مغفرة الله ولا الإعلام بلازمها فإن الله تعالى يعلم من العبد ذلك بل المراد طلب لازم سعتها وهو الخروج من ضيق الذنوب إليه. (ورحمتك أرجى عندي من عملي) الصالح الذي أرجو قبوله

(1) أخرجه الطبراني في الكبير (8/ 99)(7490)، والديلمي في الفردوس (1835)، وانظر قول الهيثمي في المجمع (10/ 180)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4099)، وقال في الضعيفة (4060): منكر.

(2)

أخرجه الحاكم (1/ 708)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (4100): موضوع.

ص: 80

لديك فإن من الرحمة قبوله والمكافأة عليه. (ك والضياء (1) عن جابر) رمز المصنف لصحته، قال الحاكم: رواته كلهم مدنيون لا يعرف أحد منهم بجرح.

6121 -

"قل إذا أصبحت: بسم الله على نفسي، وأهلي، ومالي؛ فإنه لا يذهب لك شيء". ابن السني في عمل اليوم والليلة عن ابن عباس".

(قل إذا أصبحت: بسم الله) أتبرك. (على نفسي، وأهلي، ومالي؛ فإنه) أي الشأن. (لا يذهب) إذا قلت هذه. (لك) أي عليك. (شيء) من الأشياء وهذا من العوذ الرحمانية المشروط نفعها بالإخلاص. (ابن السني (2) في عمل اليوم والليلة عن ابن عباس)، قال: شكا رجل إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم أنها تصيبه الآفات، فقال له: قل إلى آخره، قال النووي في الأذكار: وإسناده ضعيف.

6122 -

"قل كلما أصبحت وإذا أمسيت: بسم الله على ديني، ونفسي، وولدي، وأهلي، ومالي". ابن عساكر عن ابن مسعود (متنه حسن) ".

(قل كلما أصبحت) كل صباح تدخل فيه. (وإذا أمسيت: بسم الله على ديني، ونفسي، وولدي، وأهلي) عطف عام على خاص. (ومالي) فالدين أقدم وأهم من النفس ثم النفس ثم الولد ثم سائر الأهل فالترتيب على وفق الحكمة [3/ 206].

(ابن عساكر (3) عن ابن مسعود) وفي نسخة المقابلة على خط المصنف متنه حسن.

(1) أخرجه الحاكم (1/ 728)، والبيهقي في الشعب (7126)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4101)، والضعيفة (4062).

(2)

أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة (126)، الأذكار (ص 188) رقم 197)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4096)، والضعيفة (4059).

(3)

أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (54/ 396)، وانظر فيض القدير (4/ 522)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4102).

ص: 81

6123 -

"قل اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني، فإن هؤلاء تجمع لك دنياك وآخرتك". (حم م هـ) عن طارق الأشجعي (صح) ".

(قل اللهم اغفر لي وارحمني) عطف للسبب على مسببه فإن المغفرة مسببة عن الرحمة. (وعافني) فالعافية بها صلاح الدارين. (وارزقني، فإن هؤلاء) الكلمات. (تجمع لك دنياك وآخرتك) لاشتمالها على مطالب الدارين. (حم م هـ (1) عن طارق الأشجعي) قال: كان الرجل إذا أسلم علمه النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة ثم أمره أن يدعو بهذه الكلمات.

6124 -

"قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم". (حم ق ت ن هـ) عن ابن عمر، وعن أبي بكر (صح) ".

(قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً) بما أتيت من المعاصي وهو مشتق من قول أبي البشر: " {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا

} الآية. والنفس هنا الذات مثل النفس بالنفس وإن اختلف العلماء في حقيقة النفس هل هي الروح أو غيرها حتى قيل: إن الأقوال فيها بلغت ألف قول، وكثيراً: بالمثلثة وروى بالموحدة، قال في الأذكار (2) ينبغي الجمع بينهما ظلما كثيرا كبيرا احتياطا للمحافظة على اللفظ الوارد، وتعقب بأنه لم يؤمر بالجمع بينهما إنما اختلفت ألفاظ الرواية فالأحسن أن يأتي بهذا تارة وبهذا تارة ليكون قد أتى باللفظ النبوي يقيناً (وإنه) أي الشأن. (لا يغفر الذنوب إلا أنت) لأنك الرب القادر على كل نفع تجلبه وكل ضر تدفعه (فاغفر لي مغفرة) نكرها للتعظيم لأنه لا يمحو الذنب الكبير إلا مغفرة واسعة عظيمة (من عندك) لأن الذي عنده لا يحيط به وصف واصف

(1) أخرجه أحمد (4/ 382)، ومسلم (2697)، وابن ماجة (3845).

(2)

الأذكار (ص: 157).

ص: 82

ولا يحصيه عد عاد مع ما فيه من الإشارة إلى أنه طلب أن يكون له تفضلا من عنده تعالى لا يعمل منه. (وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم) هو مناسب للجملتين الدعاء بالمغفرة فإنه صادر عن صفة كونه غفورًا رحيمًا والدعاء بالرحمة لأنها صادرة عن مغفرته المسببة عن رحمته ولا يخفى حسن ترتيب الحديث حيث قدم الاعتراف بالذنب ثم بالوحدانية ثم سؤال المغفرة لأن الاعتراف بالذنب أقرب إلى العفو، والثناء على السيد بما هو أهله أرجى لقبول سؤاله، ففي الحديث وصف العبد بحال نفسه المقتضي حاجته إلى المغفرة وفيه وصف ربه بأنه لا يقدر على هذا المطلوب غيره، وفيه التصريح بسؤال العبد لمطلوبه وفيه بيان المقتضي للإجابة وهو وصف الرب بالمغفرة والرحمة فهذا ونحوه أكمل أنواع الطلب وكثيرا من الأدعية يتضمن بعض ذلك (حم ق ت ن هـ (1) عن ابن عمر، وعن أبي بكر) الصديق قال: قلت: يا رسول الله علمني دعاء أدعوا به في صلاتي فذكره وفيه رد على من منع الدعاء في المكتوبة بغير القرآن كالنخعي.

6125 -

"قل: آمنت بالله ثم استقم". (حم م ت ن هـ) عن سفيان بن عبد الله الثقفي (صح) ".

(قل: آمنت بالله) جدد إيمانك بالله ذكرا بقلبك ونطقا بلسانك. (ثم استقم) التزم الطاعات واجتنب المخالفات وامش الصراط المستقيم والنهج القويم ولا تنكب منهيات الطريق والمعوج غير المستقيم، والحديث مأخوذ من الآية {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [فصلت: 30]، وتقدم الكلام فيه، قيل: الاستقامة امتثال كل مأمور وتجنب كل منهي، وقيل: هي المتابعة للسنن النبوية

(1) أخرجه أحمد (1/ 3)، والبخاري (834، 6336، 7388)، ومسلم (2705)، والترمذي (3531)، والنسائي (3/ 53)، وابن ماجة (3835).

ص: 83

مع التخلق بالأخلاق المرضية، وقيل: الاتباع مع ترك الابتداع، وقيل: حمل النفس على أخلاق الكتاب والسنة (حم م ت ن هـ (1) عن سفيان بن عبد الله الثقفي) قال: قلت: يا رسول الله قل لي في الإِسلام قولاً لا أسأل عنه غيرك، فذكره ولم يخرجه البخاري قال النووي: لم يرو مسلم لسفيان غير هذا الحديث.

6126 -

"قل: اللهم اهدني، وسددني، واذكر بالهدى هدايتك الطريق وبالسداد سداد السهم". (م د ن) عن علي (صح) ".

(قل: اللهم اهدني، وسددني، واذكر) عند سؤالك. (بالهدى هدايتك الطريق) أي اخطر ببالك إن المطلوب هداية كهداية من ركب متن الطريق وأخذ في المنهج المستقيم. (وبالسداد سداد السهم) لأن الرامي إذا أراد شيئاً سدد سهمه نحوه ليصيبه قال الراغب: التسديد أن تقوم إرادته وحركته نحو الغرض المطلوب ليهجم في أسرع مدة يمكن الوصول فيها إليه وهو المسئول في قولنا (اهدنا الصراط المستقيم) وفي شرح مسلم يعني اذكر ذلك حال دعائك بهذين اللفظين لأن هادي الطريق لا يزيغ عنه [3/ 207]، ومسدد السهم يحرص على تقويمه ولا يستقيم رميه حتى يقومه، وكذا الداعي ينبغي أن يحرص على تسديد عمله وتقويمه.

فائدة شريفة: تقدم في هذه الأدعية ما هو تعليم بلفظ الأخبار وما هو بلفظ السؤال ووصف الرب ووصف العبد حال نفسه، وقد يقال: كيف يكون الإخبار سؤالاً؟ والجواب ما قاله ابن تيمية (2): قال الطالب: السائل تارة يسأل بصيغة الطلب وتارة يسأل بصيغة الخبر إما يوصف حاله وإما يوصف حال المسئول وإما يوصف الحالين كقول نوح عليه السلام: (قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْالَكَ مَا

(1) أخرجه أحمد (4/ 384)، ومسلم (38)، والترمذي (2410)، والنسائي (6/ 458)، وابن ماجة (3972).

(2)

الفتاوى الكبرى (5/ 218).

ص: 84

لَيْسَ لِي بِهِ عِلْم وَإلَاّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ} [هود:47]، فهذا ليس صيغة طلب وإنما هو إخبار عن الله أنه إن لم يغفر له ويرحمه خسر، ولكن هذا الخبر يتضمن سؤال المغفرة وكذلك قول آدم صلى الله عليه وسلم:{رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23] هو من هذا الباب ومن ذلك قول موسى عليه السلام: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص: 24] فإن هذا وصف لحاله بأنه فقير إلى ما أنزل الله إليه وقد روى الترمذي وغيره عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من شغله قراءة القرآن عن ذكري ومسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين"(1)، وقد سئل سفيان بن عيينة أفضل الدعاء يوم عرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، فذكر هذا الحديث، وأنشد قول أمية بن أبي الصلت:

أأذكر حاجتي أم قد كفاني

حياؤك إن شيمتك الحياء

إذا أثنى عليك المرء يوماً

كفاه من تعرضه الثناء

قال: فهذا مخلوق يخاطب مخلوقاً فكيف بالخالق تعالى، ومن هذا الباب قول أيوب عليه السلام:{مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء: 83] فوصف نفسه ووصف ربه بوصف يتضمن سؤال رحمته بكشف ضره وهي صيغة خبر تضمنت السؤال، وهذا هو من باب حسن الأدب في السؤال، والدعاء فقول القائل لمن يرغب إليه ويعظمه: أنا جائع، أنا مريض، حسن أدب في السؤال، وإن كان في قوله: أطعمني وداوني ونحو ذلك، مما هو بصيغة الطلب طلب جازم من المسئول، فذاك فيه إظهار حاله وإخباره على وجه الذل والافتقار المتضمن لسوء الحال لا بالمقال، وهذا فيه الرغبة التامة والسؤال المحض بصيغة الطلب، وهذه الصيغة صيغة الطلب والاستدعاء إذا كانت ممن يحتاج

(1) أخرجه الترمذي (2926).

ص: 85

إليه الطالب أو ممن يقدر على قهر المطلوب منه ونحو ذلك فإنها تقال على وجه الأمر، إما لما في ذلك من حاجة الطالب وإما لما فيه من نفع المطلوب، فأما إذا كانت من الفقير من كل وجه للغني من كل وجه فإنها سؤال محض بتذلل وافتقار وإظهار الحال ووصف الحاجة والاقتصار وهو سؤال بالحال وهو أبلغ من جهة العلم والبيان وذلك أظهر من جهة القصد والإرادة فلهذا كان غالب الدعاء من القسم الثاني؛ لأن الطالب السائل يتصور مطلوبه ومراده بتطلبه وسؤاله فهو سؤال بالمطابقة والقصد الأول ويصرح به اللفظ وإن لم يكن فيه وصف بحال السائل والمسئول فإن تضمن وصف حالهما كان أكمل من النوعين فإنه يتضمن الخبر والعلم المقتضي للسؤال والإجابة ويتضمن القصد والطلب الذي هو في نفس السؤال فيتضمن السؤال والمقتضي له والإجابة كحديث: "قل اللهم إني ظلمت نفسي

" إلى آخره، فإنه يتضمن ذلك فهذه أنواع ولكل نوع نكتة في بابه (حم م د ن (1) عن علي).

6127 -

"قلب الشيخ شاب على حب اثنتين: حب العيش، والمال". (م هـ) عن أبي هريرة (صح) ".

(قلب الشيخ) هو من دخل سن الشيخوخة وهي خمسون أو إحدى وخمسون إلى آخر العمر (شاب) أي قلب شاب له نشاط الشباب ورغبته وهواه، وقال النووي: إنه مجاز والمراد أن قلب الشيخ كامل [3/ 208] الحب للمال محكتم كاحتكام قوة الشاب في شبابه. (على حب اثنتين: حب العيش) وهو الحياة هنا لأنه يأتي بمعنى الطعام. (والمال) لأن به طيب الحياة، والحديث إخبار في معنى التحذير من ذلك لأن من أحب الحياة والمال نسي المعاد

(1) أخرجه أحمد (1/ 154)، ومسلم (2725)، وأبو داود (4225)، والنسائي (8/ 177).

ص: 86

والمآل وأهمل صالح الأعمال. (م هـ (1) عن أبي هريرة) وروى معناه البخاري.

6128 -

"قلب الشيخ شاب على حب اثنتين: طول الحياة، وكثرة المال". (حم ت ك) عن أبي هريرة (عد) وابن عساكر عن أنس (صح) ".

(قلب الشيخ شاب) قيل: وصفه بكونه شاباً لوجود هذين الأمرين في الشباب أكثر وبهم أليق (على حب اثنتين) أو على حبه إياهما (طول الحياة) يجوز الجر والرفع فيه وفي (كثرة المال) والحديث من التوسيع كما سلف نظائره (حم ت ك) عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته وقال في الكبير: قال الترمذي: حسن صحيح، وقال الحاكم: صحيح على شرطهما، وأقره الذهبي (عد (2) وابن عساكر عن أنس".

6129 -

"قلب المؤمن حلو يحب الحلاوة"(هب) عن أبي أمامة (خط) عن أبي موسى (ض) ".

(قلب المؤمن حلو) بضم المهملة في نسخة المقابلة على خط المصنف، وفي القاموس رجل حلو كعدو. (يحب الحلاوة) قيل: يشير إلى أن المؤمن من الخير في الحيوانات كالنحل يأخذ لطائف الأشجار والنوار الحلو ثم يعطي الناس ما يكثر نفعه ويحلو طعمه ويطيب ريحه فهو يحب الحلو ويطعم الحلو، وقال الحكيم: المؤمن الكامل قد وضع الله في قلبه التوحيد بحلاوته فإذا جاءت الشهوة صرف بتلك الحلاوة وجهها. (هب) عن أبي أمامة (خط)(3) عن أبي

(1) أخرجه مسلم (1046)، وابن ماجة (4233).

(2)

أخرجه أحمد (2/ 358)، والترمذي (2338)، وابن عساكر في تاريخه (53/ 118)، والحاكم (4/ 363) عن أبي هريرة، وأخرجه ابن عدي في الكامل (3/ 374) عن أنس، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4408).

(3)

أخرجه البيهقي في الشعب (5934) عن أبي أمامة، وأخرجه الخطيب في تاريخه (3/ 113) عن أبي موسى، وانظر الموضوعات (3/ 123)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (4106)، =

ص: 87

موسى) رمز المصنف لضعفه، قال الخطيب: رجاله ثقات غير محمَّد بن العباس بن سهل البزار وهو الذي وضعه وركبه على الإسناد انتهى وعده ابن الجوزي في الموضوعات، وتعقبه المؤلف ورمز عليه هنا بالضعف.

6130 -

"قلب شاكر، ولسان ذاكر، وزوجة صالحة تعينك على أمر دنياك ودينك خير ماله اكتنز الناس". (هب) عن أبي أمامة (ح) ".

(قلب شاكر) لمولاه على ما أعطاه. (ولسان ذاكر) لربه شاكر لنعمه معترف بذنبه. (وزوجة صالحة) هي التي إن دخل عليها سرته وإن خرج عنها حفظته في نفسها وماله، وبين المراد بها بوصفها بقوله. (تعينك على أمر دنياك ودينك) وخبر الجميع قوله (خير مما اكتنز) من الكنز وهو ما يحفظ ويحرص عليه. (الناس) فمن رزق الثلاث فقد فاز بأعظم الكنوز قدراً. (هب (1) عن أبي أمامة) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معاذ قلب شاكر

" إلى آخره، رمز المصنف لحسنه وفيه يحيى بن أيوب، قال النسائي: ليس بذلك القوي (2).

6131 -

"قلوب ابن آدم تلين في الشتاء، وذلك لأن الله تعالى خلق آدم من طين والطين يلين في الشتاء". (حل) عن معاذ (ض) ".

(قلوب بني آدم تلين في الشتاء) أي في هذا الفصل لتقبل على الخير وينقاد إليه (وذلك لأن الله تعالى خلق آدم من طين والطين يلين في الشتاء) فيلين ما خلق منه. (حل (3) عن معاذ) رمز المصنف لضعفه؛ لأن فيه عمر بن يحيى عن شعبة بن الحجاج وعمر متروك الحديث، قال في الميزان: أتى بخبر باطل وهو هذا

= والضعيفة (4065): موضوع.

(1)

أخرجه البيهقي في الشعب (4430)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4409).

(2)

انظر ترجمته في المغني (2/ 731).

(3)

أخرجه أبو نعيم في الحلية (5/ 216)، وانظر الميزان (5/ 278)، والموضوعات (3/ 231)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (4108)، والضعيفة (511): موضوع.

ص: 88

انتهى وحكم ابن الجوزي بوضعه وتعقبه المصنف بما لا يفيد.

6132 -

"قليل الفقه خير من كثير العبادة، وكفى بالمرء فقها إذا عبد الله، وكفى بالمرء جهلا إذا أعجب برأيه، وإنما الناس رجلان: مؤمن، وجاهل، فلا تؤذ المؤمن ولا تحاور الجاهل". (طب) عن ابن عمرو (ض) ".

(قليل الفقه) في الكتاب والسنة. (خير) عند الله في الأجر. (من كثير العبادة) في جهل وبدعة. (وكفى بالمرء فقها إذا عبد الله) فإنه لا يعبده إلا وقد فقه حقه تعالى عليه وفقه ما يجب له، وفقه كيفية العبادة وهذا كاف في الفقه. (وكفى بالمرء جهلاً إذا أعجب برأيه) فإنه لا يعجب برأيه إلا جاهل غير عارف بنفسه وصفات قصوره. (وإنما الناس رجلان: مؤمن) بالله وبحقه عليه. (وجاهل) بحق مولاه متبع لهواه. (فلا تؤد المؤمن) لأن الله تعالى يقول: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب: 58]. (ولا تحاور الجاهل) بالحاء المهملة والراء: من المخاصمة، وروي بالجيم فإنه لا يأتي حواره والقرب منه بخير بل يعديك بشره. (طب (1) عن ابن عمرو) رمز المصنف لضعفه، قال المنذري: فيه إسحاق بن أسيد لين، قال: ورفع [3/ 209] الحديث غريب، وقال الهيثمي: فيه إسحاق بن أسيد، قال أبو حاتم لا يشتغل به (2).

6133 -

"قليل التوفيق خير من كثير العقل، والعقل في أمر الدنيا مضرة، والعقل في أمر الدين مسرة". ابن عساكر عن أبي الدرداء".

(قليل التوفيق) من الله لعبده. (خير من كثير العقل) من دون توفيق. (والعقل في أمر الدنيا) وشأنها ومعرفة أسبابها. (مضرة) لأنه يشتغل به عن أمر الآخرة

(1) أخرجه الطبراني في الأوسط (8698)، وانظر الترغيب والترهيب (1/ 256)، والمجمع (1/ 120)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (4111): ضعيف جداً، وضعفه في الضعيفة (5158).

(2)

انظر: المغني (1/ 69).

ص: 89

التي هي خير وأبقى. (والعقل في أمر الدين مسرة) قال الماوردي: ذكروا أن زيادة العقل في الأمور الدنيوية يفضي بصاحبها إلى الدهاء والمكر وذلك مذموم وصاحبه ملوم (ابن عساكر (1) عن أبي الدرداء) ورواه الديلمي وبيّض ولده لمسنده.

6134 -

"قليل العمل ينفع مع العلم، وكثير العمل لا ينفع مع الجهل". (فر) عن أنس (ض) ".

(قليل العمل) الصالح. (ينفع) صاحبه. (مع العلم) أي علمه بالله وما يجب له ولرسوله وما جاء به لأنه يعمل في سنة مع يقين. (وكثير العمل لا ينفع مع الجهل) أي جهل عامله وذلك لأنه لا يأتي به مع يقينه ولا على وجهه الذي شرعه الله ورسوله والحديث حث على العلم والعمل معه وإن قل. (فر (2) عن أنس) قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أي العمل أفضل؟ قال: "العلم بالله" قاله ثلاثاً، قال: يا رسول الله أسألك عن العمل وتخبرني عن العلم؟ فذكره ورمز المصنف لضعفه.

6135 -

"قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه". البغوي والباوردي وابن قانع وابن السكن وابن شاهين عن أبي أمامة عن ثعلبة بن أبي حاطب".

(قليل تؤدي شكره) أي تقوم بشكره، قاله صلى الله عليه وسلم لثعلبة بن حاطب، لما قال: يا رسول الله ، ادع الله أن يرزقني مالاً (خير من كثير لا تطيقه) أي تطيق شكره وتمامه عند الطبراني "أما تريد أن تكون مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم لو سألت الله أن يسيل الجبال ذهباً وفضة لسالت، وهذا الحديث من الإعلام بالغيب فإنه صلى الله عليه وسلم دعا

(1) أخرجه ابن عساكر في تاريخه (60/ 349)، وانظر فيض القدير (4/ 526)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4109).

(2)

أخرجه الحكيم في نوادره (4/ 101)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (4110)، والضعيفة (369): موضوع.

ص: 90

لثعلبة أن ينمي الله ماله فنصت غنمه حتى ضاقت المدينة عنها فنزل واديا وانقطع عن الجمعة والجماعة وطلبت منه الزكاة، فقال: ما هذه إلا أخت الجزية، وفيه نزل {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ

} [التوبة: 75]، والحديث إشارة إلى أنه يقنع العبد بما يعطى فإنه إنما يطلب ما يكون سببًا لطغيانه. (البغوي والبارودي وابن قانع وابن السكن وابن شاهين (1) عن أبي أمامة عن ثعلبة بن أبي حاطب) قال البيهقي: في إسناد هذا الحديث نظر وهو مشهور بين التفسير، انتهى، وأشار في الإصابة إلى عدم صحة هذا الحديث.

6136 -

"قم فصل فإن في الصلاة شفاء". (حم هـ) عن أبي هريرة (ض) ".

(قم فصل) فرضاً أو نفلاً. (فإن الصلاة شفاء) أي دواء أمراض القلوب وهمومها وغمومها وألمها وقد كان صلى الله عليه وسلم وإذا أهمه أمر فزع إلى الصلاة وبالجملة فالصلاة في القلوب والأبدان أثر لا ينكره إلا من حرم لذتها ولذة مناجاة مولاه بها (حم هـ (2) عن أبي هريرة) رمز المصنف لضعفه ولم أر سببه ولا من المخاطب به.

6137 -

"قم فعلمها عشرين آية، وهي امرأتك". (د) عن أبي هريرة (ح) ".

(قم) أيها المخاطب. (فعلمها) أي المرأة التي عرضت نفسها على رسول الله صلى الله عليه وسلم. (عشرين آية، وهي امرأتك) قال القاضي لهذا الحديث فوائد منها أن أقل الصداق غير مقدر وأنه يجوز أن يجعل تعليم القرآن صداقاً وإليه ذهب

(1) أخرجه ابن قانع في معجمه (127)، والبيهقي في الشعب (4357)، وفي الدلائل (5/ 289)، والبغوي في التفسير (2/ 312)، والطبراني في الكبير (8/ 218)(7873)، وأبو بكر الشيباني في الآحاد والمثاني (2253)، وأبو نعيم في المعرفة (3/ 272)، والواحدي في أسباب النزول (ص: 252)، وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (3/ 266): حديث ضعيف لا يحتج به، وقال ابن حزم في المحلى (11/ 208): وهذا باطل بلاشك وانظر: قول الحافظ في الإصابة (1/ 400)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (4112)، والضعيفة (4081): ضعيف جداً.

(2)

أخرجه أحمد (2/ 390)، وابن ماجة (3458)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4113)، والضعيفة (4066).

ص: 91

الشافعي، ومنها أن الدلالة من طرق القياس على جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن وجعل منفعة الحر صداقاً، وقد تقدم الكلام على الحديث. (د (1) عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه.

6138 -

"قمت على باب الجنة فإذا عامة من دخلها المساكين، وإذا أصحاب الجد محبوسون، إلا أصحاب النار، وقمت على باب النار فإذا عامة من يدخلها النساء". (حم ق ن) عن أسامة بن زيد (صح) ".

(قمت على باب الجنة) في عالم المثال (فإذا عامة) أي أكثر. (من دخلها المساكين) قال العكبري: إذا هنا للمفاجأة وهي ظرف مكان والمختار هنا أن يرفع المساكين، وهو خبر عامة. (وإذا أصحاب الجد) الغنى والمال والحظ. (محبوسون) عن دخولها، قيل: يجوز نصب محبوسين على الحال والخبر إذا وهذا لو جاءت رواية بالنصب. (إلا أصحاب النار) من أهل الجد فقد أمر بهم إلى النار فالداخلون [3/ 210] الجنة المساكين والداخلون النار أهل الجد الذين استحقوا دخولها والمحبوسون أهل الجد الذين لم يستوجبوا النار. (وقمت على باب النار فإذا عامة من يدخلها النساء) وقد علله في حديث آخر: بأنهن يكفرن العشير وينكرن الإحسان. (حم ق ن (2) عن أسامة بن زيد).

6139 -

"قوائم منبري رواتب في الجنة". (حم ن حب) عن أم سلمة (طب ك) عن أبي واقد (صح) ".

(قوائم منبري) قواعده. (رواتب في الجنة) قال في الفردوس: يقال رتب الشيء إذا استقر ودام وعد المصنف هذا من خصائص المصطفى صلى الله عليه وسلم والإخبار بهذا إبانة لشرف منبره ثم يحتمل أنه الآن كذلك وهو الظاهر ويحتمل أن المراد يوم القيامة.

(1) أخرجه أبو داود (2112)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4114).

(2)

أخرجه أحمد (5/ 205)، والبخاري (5196)، ومسلم (2736)، والنسائي في (4/ 209) وفي الكبرى (9265).

ص: 92

(حم ن حب) عن أم سلمة (طب ك)(1) عن أبي واقد) رمز المصنف لصحته، قال الهيثمي: فيه عند الطبراني يحيى بن عبد الحميد الحماني وهو ضعيف.

6140 -

"قِوَامُ أمتي بشرارها". (حم طب) عن ميمون بن سنباذ (ض) ".

(قوام أمتي) بكسر القاف وتخفيف الواو بزنة نظام أي عمادها الذي تقوم به. (بشرارها) أي انتظامها واستقامة أحوالها يكون بأشرارها فيكون من قبيل أن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر، وقال الشارح: إن "قُوّام" بتشديد الواو يعني وضم القاف أي القائمون بأمر الأمة هم شرارها بناء على أنه هكذا من دون باءٍ في شرارها، وذكر أنه نسخه المصنف وشرح على تخفيف الواو وذكره أنه الذي وجده بخط الحافظ بن حجر في مسند الفردوس ونحن لم نر نسخ الجامع إلا كما ذكرناه أولاً. (حم طب (2) عن ميمون بن سنباذ) بكسر المهملة وذال معجمة أبو المغيرة العقيلي قيل: له صحبة، قال الذهبي (3): فيه نظر انتهى، قال الهيثمي: فيه هارون بن دينار وهو ضعيف والمصنف رمز لضعفه.

6141 -

"قوام المرء عقله، ولا دين لمن لا عقل له". (هب) عن جابر" (ض).

(قوام) بزنة نظام (المرء عقله) فإن بالعقل ينتظم أمر دينه ودنياه. (ولا دين) نافع (لمن لا عقل له) فإنه لا يقف على أسرار الدين وحكمة رب العالمين إلا

(1) أخرجه أحمد (6/ 289، 292)، والنسائي (2/ 35)، وابن حبان (9/ 64)(3749) عن أم سلمة، وأخرجه الطبراني في الكبير (3/ 245)(3296)، والحاكم (3/ 612) عن أبي واقد، وأخرجه أحمد (5/ 227) والطبراني في المعجم الكبير (20/ 353) رقم (835) وابن عدي في الكامل (5/ 346) ترجمة (1501) ترجمة عبد الخالق بن زيد بن واقد، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع (4412)، والصحيحة (2050).

(2)

أخرجه أحمد (5/ 227)، والطبراني في الكبير (10/ 353)(835)، وانظر قول الهيثمي في المجمع (5/ 302)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (4413)

(3)

انظر: تجريد أسماء الصحابة (2/ 100 رقم 1228).

ص: 93

من كمل عقله أخرجه البيهقي عن جابر مرفوعًا: "أن رجلاً تعبد في صومعته فأمطرت السماء فأنبتت الأرض فرأى حماراً يرعى فقال: يا رب لو كان لك حمار لرعيته مع حماري فهم به نبيهم فأوحى الله إليه دعه فإنما أجازي العباد على قدر عقولهم"، والحديث فيه بيان شرف العقل لأن الدين الذي فيه خير الدارين تبع له. (هب (1) عن جابر) رمز المصنف لضعفه؛ لأن مخرجه قال: تفرد به حامد بن آدم وكان متهماً بالكذب (2)، قال الشارح بعد نقله لهذا: كان على المصنف حذفه يريد لأنه شرط في الخطبة ألا يأتي في كتابه هذا بحديث من رمي بالكذب.

قلت: وكم لهذا من نظائر في كتابه، ثم قال الشارح: وليته إذ ذكره لم يحذف كلام مخرجه عليه.

قلت: أما هذا فقد اكتفى بالرمز إشارة إلى تضعيف مخرجه له، وقد مر لنا على الشارح نظير هذا، نعم للشارح أن يقول لا يكتفى برمز الضعف عن التكذيب (3).

6142 -

"قوا بأموالكم عن أعراضكم، وليصانع أحدكم بلسانه عن دينه". (عد) وابن عساكر عن عائشة".

(قوا) من الوقاية. (بأموالكم) ببذلها. (عن أعراضكم) صيانة لها فالعرض أعز من المال. (وليصانع أحدكم بلسانه) بكلامه ولين خطابه. (عن دينه) قال الفاكهاني: لا ريب أن المال محبوب عظيم عند النفوس فإذا طلب مداراة السفهاء بدفع المال فمداراتهم بلين المقال والسعي إليهم إن اقتضاه الحال مثله أو بطريق الأولى ولا يبعد وجوده في هذا الزمان. (عد وابن عساكر (4) عن

(1) أخرجه البيهقي في الشعب (4644)، وابن عدي في الكامل (3/ 101)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (4116)، والضعيفة (370): موضوع.

(2)

انظر: المغني (1/ 145).

(3)

انظر المداوي (4/ 443) رقم (2469).

(4)

أخرجه ابن عساكر في تاريخه (14/ 327)، وابن عدي في الكامل (2/ 364)، وقال الألباني في =

ص: 94

عائشة) سكت المصنف عليه، وقد قال: مخرجه ابن عدي: فيه الحسين بن المبارك متهم بالوضع ثم ساق له هذا الحديث.

6143 -

"قوتوا طعامكم يبارك لكم فيه". (طب) عن أبي الدرداء".

(قوتوا) بالمثناة. (طعامكم) أي كيلوه، وقيل: صغروا أقراصه. (يبارك لكم فيه) والبركة مطلوبة فافعلوا ما جعله الله سبباً لها. (طب)(1) عن أبي الدرداء) سكت المصنف عليه، وقال الحافظ ابن حجر: سنده ضعيف، وقال الهيثمي: فيه أبو بكر بن أبي مريم وقد اختلط، وبقية رجاله [3/ 211] ثقات.

6144 -

"قولوا: اللهم صلِّ على محمَّد، وعلى آل محمَّد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمَّد وعلى آل محمَّد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد". (حم ق د ن هـ) عن كعب بن عجرة (صح) ".

(قولوا) أيها المسلمون السائلون عن كيفية الصلاة. (اللهم صلي على محمَّد) أي عظمه في الدنيا برفع ذكره وإتمام نور دينه وإصلاح أمته، وفي الآخرة برفع درجته وإعلاء منزلته. (وعلى آل محمَّد) فيها رد على الرافضة وحديثهم الذي يروونه "من فصل بيني وبين آلي بعلي لم ينل شفاعتي". (كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم) تقدم البحت في التشبيه واستيفاء ما قيل فيه. (إنك حميد) محمود بكل لسان. (مجيد) ماجد: وهو كل من كمل شرفًا وكرماً، قال الطيبي: هذا تذييل للكلام السابق وتقرير له على العموم، أي إنك حميد فاعل ما تستوجب به الحمد من النعم المتكاثرة، والآلاء المتعاقبة المتوالية، مجيد: كثير

= ضعيف الجامع (4115)، والضعيفة (608): موضوع.

(1)

أخرجه الطبراني في مسند الشاميين (1472)، والبزار (4104)، والديلمي (4568) وابن عساكر في تاريخ دمشق (45/ 445)، وانظر قول الهيثمي في المجمع (5/ 35)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4117).

ص: 95

الإحسان إلى عبادك الصالحين. (اللهم بارك على محمَّد وعلى آل محمَّد) أثبت له دوام ما أعطيته من التشريف والكرامة من برك البعير إذا أناخ بمحل ولزمه وتطلق البركة على الزيادة والأصل الأول كما في النهاية. (كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم) الذين منهم محمَّد صلى الله عليه وسلم وآله. (إنك حميد مجيد) تقدم ما فيه. (حم ق د ن هـ (1) عن كعب بن عجرة) قال: قلنا: يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي؟ فذكره.

6145 -

"قولوا خيراً تغنموا، واسكتوا عن شر تسلموا". القضاعي عن عبادة بن الصامت".

(قولوا خيراً) من الأقوال الدالة على الهدى والفلاح والداعية لسامعها إلى الإصلاح. (تغنموا) آخر القول. (واسكتوا عن شر) تفوهون به. (تسلموا) إثمه وعقوبته في الدارين. (القضاعي (2) عن عبادة بن الصامت) وقد أخرجه الطبراني بلفظه، قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح غير عمرو بن مالك الخشني وهو ثقة.

6146 -

"قوموا إلى سيدكم". (د) عن أبي سعيد (صح) ".

(قوموا) خطاب للأنصار أو لكل من حضر منهم ومن المهاجرين. (إلى سيدكم) يعني سعد بن معاذ القادم عليهم لما له من الشرف المقتضي للتعظيم، وقيل: معناه لإعانته على النزول عن الدابة لما به من الجرح الذي أصابه يوم الأحزاب، وهذا في غاية البعد ومن أيده بأنه لو أراد تعظيمه لقال لسيدكم رده الطيبي بأن إلى في هذا المقام أفخم من اللام كأنه قال قوموا تلقيا وإكراما ويدل

(1) أخرجه أحمد (4/ 244)، والبخاري (3370، 4797، 6357)، ومسلم (406)، وأبو داود (976)، والنسائي (3/ 47)، وابن ماجة (904).

(2)

أخرجه القضاعي في مسند الشهاب (666)، والحاكم (4/ 287)، والديلمي (4600)، وانظر قول الهيثمي في المجمع (10/ 299) وصححه الألباني في صحيح الجامع (4419) والصحيحة (412).

ص: 96

له ترتيب الحكم على الوصف المناسب المشعر بالعلية فإن قوله: إلى سيدكم علة للقيام له، وفيه ندب إكرام أهل الفضل من علم أو صلاح أو شرف بالقيام لهم إذا أقبلوا والتعريف بشرف ذوي الشرف والإعلام بأقدارهم وتنزيلهم منازلهم وقد قام صلى الله عليه وسلم لعكرمة بن أبي جهل لكونه شريفا ولعدي بن حاتم لكونه سيد طيء يتألفهما به. وما ورد من النهي عن ذلك إنما هو القيام للإعظام كما هو دأب الأعاجم لا للإكرام كما كان المصطفى يفعله كما صرح بذلك الغزالي (1) بقوله:"القيام مكروه على سبيل الإعظام لا على جهة الإكرام والتنبيه على شرفه، وفيه جواز إطلاق السيد على المخلوق". (د (2) عن أبي سعيد) رمز المصنف لصحته، قال ابن حجر: رجاله ثقات.

6147 -

"قيام ساعة في الصف للقتال في سبيل الله خير من قيام ستين سنة". (عد) وابن عساكر عن أبي هريرة (ض) ".

(قيام ساعة في الصف) صف الحرب. (للقتال في سبيل الله خير من قيام) الليل عبادة الله. (ستين سنة) فإن شأن الجهاد عظيم لا يقدر قدره. (عد) وابن عساكر (3) عن أبي هريرة) رمز المصنف لضعفه.

6148 -

"قيد وتوكل". (هب) عن عمرو بن أمية الضميري (صح) ".

(قيد) وفي رواية: قيدها (وتوكل) أي قيّد ناقتك وتوكل على الله فإن التقييد لا ينافي التوكل فإن التوكل اعتماد القلب على الرب في كل عمل ديني أو دنيوي فالتقييد لا ينافي ذلك، وفيه إعلام بأنه لا يترك السبب زاعما أنه متوكل بل فعل

(1) إحياء علوم الدين (2/ 205).

(2)

أخرجه أبو داود (5215)، والبخاري (3043)، ومسلم (1768).

(3)

أخرجه ابن عساكر وتاريخه (22/ 444) وابن عدي في الكامل (4/ 207)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4429).

ص: 97

السبب أصل التوكل ولبه. (هب)(1) عن عمرو بن أمية الضمري) قال: يا رسول الله، أرسل ناقتي وأتوكل؟ قال:"بل قيد وتوكل" رمز المصنف لصحته، وقال الذهبي: سنده جيد.

6149 -

"قيدوا العلم بالكتاب". الحكيم وسمويه عن أنس (طب ك) عن ابن عمرو (صح) ".

(قيدوا العلم) اضبطوه عن الإضاعة. (بالكتاب) أي بكتابته والحديث إذن بكتابة العلم وقد كره ذلك الخبر قال الحافظ ابن حجر: الأمر استقر والإجماع انعقد على جواز الكتابة للعلم بل على استحبابه [2/ 212] بل لا يبعد وجوبه على من خشي من الغلط الفساد ممن يتعين عليه تعليم العلم.

قلت: وأما حديث "لا تكتبوا عني شيئاً غير القرآن"(2) عند مسلم فقد أجيب عن التعارض بأن النهي خاص بوقت نزول القرآن خوف لبسه بغيره أو بكتابة غير القرآن معه في شيء واحد فالنهي متقدم والإذن ناسخ عند أمن اللبس، قال ابن حجر: هو أمر بها مع أنه لا ينافيها، وقيل النهي خاص بمن خيف منه الاتكال على الكتابة دون الحفظ دون من لم يجز ذلك ومنهم من أعل خبر مسلم بالوقف. (الحكيم وسمويه عن أنس (طب ك) (3) عن ابن عمرو) رمز المصنف لصحته قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح انتهى. لكن أورده في الميزان في

(1) أخرجه البيهقي في الشعب (1121)، والحاكم (3/ 623) وسكت عليه الحاكم وقال الذهبي: سنده جيد، والقضاعي في الشهاب (633)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (971)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (8/ 279)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (4432).

(2)

أخرجه مسلم (3004).

(3)

أخرجه الحكيم في نوادره (1/ 169) عن أنس، وأخرجه الطبراني في الكبير (1/ 246)(700)، والحاكم (1/ 187) عن ابن عمرو، وانظر قول الهيثمي في المجمع (1/ 152)، والميزان (4/ 250)، والعلل المتناهية (1/ 86)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4434)، والصحيحة (2026).

ص: 98

ترجمة عباد بن كثير من حديثه وقال عن البخاري: تركوه، وعن ابن معين: ليس بشيء، وأعاده في ترجمة عبد الحميد المدني أخو مليح، ونقل ضعفه عن جمع، وأورده ابن الجوزي من طرق، وقال: لا يصح.

6150 -

"قيلوا فإن الشياطين لا تقيل". (طس) وأبو نعيم في الطب عن أنس (صح) ".

(قيلوا) أمر من القيلولة، قال الجوهري (1): وهي النوم في الظهيرة، وقال الأزهري (2): القيلولة والقيل عند العرب الاستراحة نصف النهار وإن لم يكن معه نوم بدليل قوله تعالى: {وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [الفرقان: 24] والجنة لا نوم فيها وعمل السلف والخلف على أن القيلولة مطلوبة لإعانتها على قيام الليل. (فإن الشياطين لا تقيل) ومخالفتهم مرادة الله تعالى، والحديث ظاهر في أن الحث عليها لمخالفة الشياطين، وقال حجة الإِسلام: إنما تطلب القيلولة لمن يقوم بالليل ويسهر في الخير فإن فيها معونة على التهجد كما أن في السحور معونة على صيام النهار فالقيلولة من غير قيام بالليل كالتسحر من غير صيام النهار. (طس) وأبو نعيم في الطب (3) عن أنس) رمز المصنف لصحته، ومال الشارح لحسنه ثم قال: وليس كما ذكر فقد قال الهيثمي: فيه كثير بن مروان وهو كذاب انتهى. وفي الفتح: في سنده كثير بن مروان متروك.

6151 -

"قيم الدين الصلاة، وسنام العمل الجهاد، وأفضل أخلاق الإِسلام

(1) الصحاح: مادة "القائلة".

(2)

تهذيب اللغة (3/ 272).

(3)

أخرجه أبو نعيم في الطب (151) وفي أخبار أصبهان (1/ 195)، والطبراني في الأوسط (28)، والديلمي في الفردوس (4570)، والخطيب في الموضح لأوهام الجمع والتفريق (2/ 159) مثله، وانظر قول الهيثمي في المجمع (8/ 112)، والفتح (11/ 70)، والميزان (4/ 36)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4431)، والصحيحة (1647).

ص: 99

الصمت حتى يسلم منك". ابن المبارك عن وهب بن منبه مرسلاً".

(قيم) بتشديد المثناة التحتية أي عماد. (الدين) الذي يقوم عليه. (الصلاة، وسنام العمل) أي ذروته وأعلاه عند الله. (الجهاد، وأفضل أخلاق الإِسلام) أهله. (الصمت حتى يسلم) الناس بصمتك. (منك) من اغتيابهم ونحوه. (ابن المبارك (1) عن وهب بن منبه) بضم الميم وفتح النون وتشديد الموحدة، مرسلاً هو اليماني الصنعاني الأخباري القاضي كان واسع العلم اتهم بالقدر.

(1) أخرجه ابن المبارك في الزهد (839)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4126)، والضعيفة (4069).

ص: 100