الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وما على العبد إن هو راجع نفسَه وبحث بين ثناياها حتى يعلم صدقها من كذبها؟ !
ولكن الناس تعوَّدوا التهاونَ في كلِّ شرط يردُّ النَّفسَ عن هواها ويُلزمها طريق الجد!
وأما تلك الشروط التي فيها حفظ للحقوق الدنيوية فتجد الناس حازمين فيها، يطلبون فيها أعلى درجات الكمال! ! وكل ذلك من ضعف البصيرة وتشتُّت نور الإيمان والإقبال على دار الغرور.
ومن استنارت بصيرتُه سعى لإدراك الباقي وأعرض عن الفاني، فاجعل أخي ديدنك دائمًا النظر في حقوق الله تعالى أولًا ثم النظر في حقوقك، ومن كان هذا وصفُه لم يضيع اللهُ حقوقَه ولم يَكله إلى نفسه .. وهَوَّنَ الله له سائر أموره، ورفع درجتَه يوم لقائه.
فانظر أخي في تلك الشروط نظرَ مشفق على نفسه باحث لها عن سبيل نجاتها.
وإن العاقلَ مَنْ حاسب نفسَه على تفريطها .. وألزمها المحجَّةَ الواضحة إن هي تنكَّبَت الطريق.
وصدق التوبة طريق إلى صدق العمل .. وصدق العمل طريق إلى حسن الخاتمة، وحسن الخاتمة طريق إلى الجنة.
التوبة النصوح
إلى من ملأت الغفلة قلبه .. إلى من أسرت الشهوة فؤاده ..
أيها الغافل! إلى متى الغفلة؟ !
أيها المذنب! إلى متى الخوضُ في أوحال المعاصي؟ !
هل لك في توبة صادقة تمحو بها أدران الذنوب؟ ! هل لك في توبة نصوح تغسل بها أدران المعاصي؟ !
هي التوبة النصوح أغلى من كلِّ غال .. وأنفس من كل نفيس!
قليل أولئك الذين يوفَّقون إليها .. والأكثر يتوبون ثم يرجعون ..
أخي المسلم: أتدري ما هي التوبةُ النصوح؟
قال الإمام القرطبي رحمه الله: «وأصل التوبة النصوح من الخلوص؛ يقال: هذا عسل ناصح إذا خلص من الشمع» .
فحقيقة التوبة النصوح: هجرُ للذنوب والآثام بغير عودة ..
وإليك أقوال العالمين العارفين وهم يدلونك على حقيقة التوبة النصوح:
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «يذنب العبد ثم يتوب فلا يعود فيه» .
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: «ألا يعود صاحبها لذلك الذنب الذي يتوب منه» .
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: «الرجل يذنب الذنب ثم لا يعود فيه» .
وقال سعيد بن المسيب رحمه الله: «ما تنصحون بها
أنفسكم».
وقال قتادة رحمه الله: «هي الصادقة الناصحة» .
وقال مجاهد رحمه الله: «يستغفرون ثم لا يعودون» .
وقال الضحاك رحمه الله: «أن تتحوَّل عن الذنب ثم لا تعود له أبدًا» .
أخي المسلم: تلك هي التوبة النصوح كما أخبرك عنها العارفون، وقد اجتمعت أقوالهم في معناها، وإليك أيضًا هذه الباقة من كلام أهل العلم يُعَرِّفونك بحقيقة التوبة النصوح:
قال محمد بن كعب القرظي رحمه الله: «يجمعها أربعة أشياء: الاستغفار باللسان والإقلاع بالأبدان وإضمار ترك العود بالجنان ومهاجرة سيئ الخلَّان» .
وقال شقيق البلخي رحمه الله: «هو أن يكثر صاحبها لنفسه الملامة ولا ينفك من الندامة لينجو من آفاتها بالسلامة» .
وقال أبو بكر الدقاق رحمه الله: «التوبة النصوح هي: رد المظالم واستحلال الخصوم وإدمان الطاعات» .
أخي المسلم: إن أثر التوبة النَّصوح على المعاصي أشد من أثر الصابون على الثوب الدنس!
والعبد إذا تاب توبة نصوحًا انعكس ذلك في أعماله وأقواله .. فاعتزل الحرام .. وهجر البغيض من الأقوال؛ فكان ذلك بابًا له إلى عمل الصالحات .. وهذا من علامات التوبة الصادقة: أن ترى
صاحبها على حال هي أحسن من حاله الأولى ..
أخي: إذا فكرت في حقيقة التوبة النصوح وجدتَها نادرة الوجود!
فالتائبون كثيرون .. ولكن قليل أولئك الذين يَصدقون في توبتهم!
وكيف لا تكون نادرة وقد عرَّفها جماعة من الصحابة رضي الله عنهم فقالوا: (هي التي لا عودة بعدها كما لا يعود اللبن إلى الضرع! )
أخي المسلم: صدق العزيمة دواء لكل داء، وبصدق العزيمة يستطيع العاصي أن يقلع عن كل ذنب! وبضعف العزيمة يقع المرء في أمور وأخطاء قبيحة!
ولك أن تنظر في حال هذين الرجلين أيهما أصدق عزيمة!
رجل استيقظ عند بزوغ الفجر .. وفي البرد الشديد .. في وقت تشتاق فيه النفوس إلى الدفء والنوم، ثم توضأ في ذلك البرد .. ثم خرج من بيته وفراشه الدافئ إلى بيت من بيوت الله تعالى ليلبِّي نداء ربه تعالى: حي على الصلاة .. حي على الفلاح .. والبرد يلفح وجهَه وأطرافه!
ما الذي دعى هذا الرجل إلى ذلك؟ !
أليست هي العزيمة الصادقة في السعي إلى مرضاة الله تعالى؟ !
وهنالك رجل آخر سهر أول ليله في اللهو وهوى النفس! حتى