الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الفصل الخامس بيان حقيقة كل من الجاهلية الفسق الضلال الردة]
بيان حقيقة كل من:
الجاهلية - الفسق - الضلال - الردة -:
أقسامها، أحكامها 1 - الجاهلية: هي الحال التي كانت عليها العرب قبل الإسلام من: الجهل بالله ورسله وشرائع الدين، والمفاخرة بالأنساب، والكبر، والتجبر، وغير ذلك (1) . نسبة إلى الجهل الذي هو عدم العلم أو عدم اتباع العلم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فإن من لم يعلم الحق فهو جاهل جهلَا بسيطا. فإن اعتقد خلافه فهو جاهل جهلا مركبا. فإن تبين ذلك فالناس قبل بعث الرسول صلى الله عليه وسلم: كانوا في جاهلية منسوبة إلى الجهل. فإن ما كانوا عليه من الأقوال والأعمال إنما أحدثه لهم جاهل. وإنما يفعله جاهل. وكذلك كل ما يخالف ما جاء به المرسلون من يهودية
(1) النهاية لابن الأثير 1 / 323.
ونصرانية فهو جاهلية، وتلك كانت الجاهلية العامة - فأما بعد مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم قد تكون في مصر دون مصر. كما هي في دار الكفار. وقد تكون في شخص دون شخص. كالرجل قبل أن يسلم فإنه في جاهلية وإن كان في دار الإسلام. فأما في زمان مطلق فلا جاهلية بعد مبعث محمد صلى الله عليه وسلم فإنه لا تزال من أمته طائفة ظاهرين على الحق إلى قيام الساعة. والجاهلية المقيدة قد تقوم في بعض ديار المسلمين في كثير من الأشخاص المسلمين. كما قال صلى الله عليه وسلم:«أربع في أمتي من أمر الجاهلية» (1) وقال لأبي ذر: «إنك امرؤ فيك جاهلية» (2) . ونحو ذلك (3) انتهى.
وملخص ذلك: أن الجاهلية: نسبة إلى الجهل وهو عدم العلم وإنها تنقسم إلى قسمين:
1 -
الجاهلية العامة وهي ما كان قبل مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم وقد انتهت ببعثه.
(1) رواه مسلم.
(2)
في الصحيحين.
(3)
اقتضاء الصراط المستقيم (1 / 225 - 227) تحقيق الدكتور ناصر العقل.
2 -
جاهلية خاصة ببعض الدول وبعضه البلدان وبعض الأشخاص وهذه لا تزال باقية. وبهذا يتضح خطأ من يعممون الجاهلية في هذا الزمان فيقولون: جاهلية هذا القرن وما شابه ذلك والصواب أن يقال: جاهلية بعض أهل هذا القرن أو غالب أهل هذا القرن. وأما التعميم فلا يصح ولا يجوز، لأنه ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم زالت الجاهلية العامة.
2 -
الفسق: الفسق لغة: الخروج - والمراد به شرعا: الخروج عن طاعة الله وهو يشمل الخروج الكلي، فيقال للكافر: فاسق. والخروج الجزئي فيقال للمؤمن المرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب: فاسق.
فالفسق فسقان: فسق ينقل عن الملة وهو الكفر. فيسمى الكافر فاسقا، فقد ذكر الله إبليس، فقال:{فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف: 50] وكان ذلك الفسق منه كفرا. وقال الله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ} [السجدة: 20]
، يريد الكفار. دل على ذلك قوله:{كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} [السجدة: 20] ويسمى العاصي من المسلمين فاسقا، ولم يخرجه فسقه من الإسلام، قال تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] وقال تعالى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197] وقال العلماء في تفسير الفسوق هنا: هو المعاصي (1) .
3 -
الضلال: الضلال: العدول عن الطريق المستقيم. وهو ضد الهداية، قال تعالى:{مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} [الإسراء: 15]
(1) كتاب الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية ص278.
والضلال يطلق على عدة معان:
1 -
فتارة يطلق على الكفر، قال تعالى:{وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء: 136]
2 -
وتارة يطلق على الشرك، قال تعالى:{وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء: 116]
3 -
وتارة يطلق على المخالفة التي هي دون الكفر - كما يقال: الفرق الضالة أي المخالفة.
4 -
وتارة يطلق على الخطأ، ومنه قول موسى عليه السلام:{قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} [الشعراء: 20]
5 -
وتارة يطلق على النسيان، ومنه قوله تعالى:{أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [البقرة: 282]
6 -
ويطلق الضلال على الضياع والغيبة ومنه: ضالة الإبل (1) .
4 -
الردة وأقسامها وأحكامها: الردة لغة: الرجوع. قال تعالى: {وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ} [المائدة: 21] أي لا ترجعوا - والردة في الاصطلاح الفقهي: هي الكفر بعد الإسلام - قال تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 217]
أقسامها: الردة تحصل بارتكاب ناقض من نواقض الإسلام ونواقض الإسلام كثيرة ترجع في أربعة أقسام هي: 1 - الردة بالقول: كسب الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم أو ملائكته أو أحد من رسله. أو ادعاء علم الغيب، أو ادعاء النبوة، أو تصديق من يدعيها، أو دعاء
(1) ص 297 - 298 من المفردات للراغب.
غير الله، أو الاستعانة به فيما لا يقدر عليه إلا الله، أو الاستعاذة به في ذلك.
2 -
الردة بالفعل: كالسجود للصنم والشجر والحجر والقبور والذبح لها. وإلقاء المصحف في المواطن القذرة وعمل السحر وتعلمه وتعليمه والحكم بغير ما أنزل الله معتقدا حله.
3 -
الردة بالاعتقاد: كاعتقاد الشريك لله، أو أن الزنا والخمر والربا حلال. أو أن الخبز حرام، أو أن الصلاة غير واجبة، ونحو ذلك مما أجمع على حله أو حرمته أو وجوبه إجماعا قطعيا ومثله لا يجهله.
4 -
الردة بالشك في شيء مما سبق: كمن شك في تحريم الشرك أو تحريم الزنا والخمر - أو في حل الخبز، أو شك في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم رسالة غيره من الأنبياء أو في صدقه أو في دين الإسلام أو في صلاحيته لهذا الزمان.
وأحكامها التي تترتب عليها بعد ثبوتها:
1 -
استتابة المرتد - فإن تاب ورجع إلى الإسلام في خلال ثلاثة أيام قبل منه ذلك وترك.
2 -
إذا أبى أن يتوب وجب قتله لقوله صلى الله عليه وسلم: «من بدل دينه فاقتلوه» (1) .
3 -
يمنع من التصرف في ماله في مدة استتابته فإن أسلم فهو له. وإلا صار فيئا لبيت المال من حين قتله أو موته على الردة.
وقيل من حين ارتداده يصرف في مصالح المسلمين.
4 -
انقطاع التوارث بينه وبين أقاربه فلا يرثهم ولا يرثونه.
5 -
إذا مات أو قتل على ردته فإنه لا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين، وإنما يدفن في مقابر الكفار، أو يوارى في التراب في أي مكان غير مقابر المسلمين.
(1) رواه البخاري وأبو داود.