المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌منهج الكتاب وميزاته - الجمع بين الصحيحين لعبد الحق - مقدمة

[عبد الحق الإشبيلي]

الفصل: ‌منهج الكتاب وميزاته

‌التعريف بالكتاب

‌منهج الكتاب وميزاته

لم يكن عمل الإمام أبي محمد مجرد الحذف والاختصار، أو الجمع والإضافة، ولكنه قصد إلى خُطةٍ تدل على براعة وإتقان، كما تدل على حفظ وتيقظ واستحضار، وذلك أنه راعى الجمع المستقصى، والتحرير البالغ، والترتيب الحسن، والتعليق المختصر المفيد.

1 -

أما الجمع المستقصى فإن الإمام أبا محمد يسوق أتم ألفاظ الحديث وأوفاها، ثم يتبعها بزوائد الروايات المتفرقة، ولئن كان هذا ميسورًا في صحيح مسلم، فإن التقاط الروايات من أماكنها المتفرقة في صحيح البخاري أمر في غاية العسر، لولا ما أنعم الله به على الإمام عبد الحق من حفظ واستحضار عجيبين. ولذلك فإن القارئ يجد الحديث مزبورًا أمامه في صعيد واحد بكل رواياته المتفرقة في الصحيحين، مع التفصيل الواضح لما اتفق عليه الشيخان من ألفاظ الحديث وما انفرد به كل منهما.

* ومن استقصائه في الجمع: ذكره ما انفرد به مسلم استطرادًا حتى لا يفوت على قارئ الكتاب شيء مما في الصحيح.

مثال ذلك: أن الإمام مسلمًا أورد في كتاب الصلاة قول يحيى بن أبي كثير: (لا يستطاع العلم براحة الجسم)، فساقها أبو محمد في موضعها.

ص: 23

* ومن استقصائه: أنه ألحق في آخر كتابه جميع ما في صحيح البخاري من المعلقات، بحيث إن من قرأ كتابه علم أنه ما ترك شاذة رلا فاذة من روايات الصحيحين إلا اكتنزها في كتابه هذا.

* ومن استقصائه في الجمع: أنه أنعم النظر في تراجم البخاري رحمه الله والتي أودعها فقهه، فاختار منها ما كانت للبخاري فقاهة في صياغته، ثم اتبع الحديث بها بحيث يقول بعده: وبوب عليه البخاري فقال: باب كذا، وباب كذا، ونحو ذلك؛ ليبين شفوف نظر البخاري في استخراج هذه المعاني من الحديث، وتضمينها في تراجم أبوابه، ويتحف بها قارئ كتابه فلا تفوته فوائدها.

مثال ذلك: أنه ذكر حديث عائشة رضي الله عنها قالت: أعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي بصلاة العشاء -وهي التي تدعى العتمة-، فلم يخرج حتى قال عمر بن الخطاب: نام النساء والصبيان

ثم قال: خرجه في باب خروج النساء إلى المساجد بالليل والغلس، وفي باب النوم قبل العشاء لمن غلب، وخرجه في باب وضوء الصبيان وحضورهم الجماعة.

2 -

أما تحريره البالغ فيظهر ذلك في:

دقته في بيان الفررق بين الروايات داخل الصحيح، وإن بدا أن هذا الفرق طفيف لا يستدعي الإشارة إليه. مثال ذلك:

* ذكر حديث عائشة قالت: أعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل، وحتى نام أهل المسجد، ثم خرج فصلى فقال: (إنه

ص: 24

لوقتها لولا أن أشق على أمتي). وفي رواية (لولا أن يشق).

فانظر إلى دقة الفرق بين هذين اللفظين ومع ذلك لم يفوت الإمام عبد الحق الإشارة إليه.

* ومن تحريره: دقته أيضًا في بيان الفروق بين روايات الشيخين.

مثال ذلك:

- أنه ذكر ما أخرجه مسلم عن أنس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيه)، ثم قال: وقال البخاري: (وبارك له فيما أعطيته). خرجه في الأدعية.

وهذا من الإمام عبد الحق غاية الدقة والتحرير.

* ومن تحريره: أن الحديث إذا كان عند أحد صاحبي الصحيح عن صحابي، وعند الآخر عن صحابي غيره بين ذلك في موضعه. مثال ذلك:

- ذكر حديث مسلم عن أبي سعيد الخدري أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجده يصلي على حصير يسجد عليه. ثم قال: خرج البخاري الصلاة على الحصير من حديث أنس وميمونة، ولم يخرج عن أبي سعيد فيه شيئًا.

وهذا من الإمام عبد الحق كاشف للبس الذي يقع فيه البعض من ذكر الحديث متفقًا عليه، في حين أنه عند كلٍّ من صاحبي الصحيح عن صحابي غير الصحابي الذي عند الآخر.

ومن تحريره عنايته ببيان الاختلاف بين رواة الصحيح، وهي فروق دقيقة، لكنها دالة على أن الإمام عبد الحق عند تأليفه لكتابه هذا كان

ص: 25

مستحضرًا رواياته لكتابي البخاري ومسلم، معتنيًا بصحة الرواية وبيان الفروق بين رواة كتابي الشيخين. مثال ذلك:

- ذكر حديث مسلم عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(نحن أحق بالشك من إبراهيم)، ثم قال: خرجه البخاري في باب قول الله تعالى: {وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيفِ إِبْرَاهِيمَ} من كتاب الأنبياء، وفي تفسير سورة البقرة، وفي كليهما قال:(نحن أحق من إبراهيم)، ولم يقل: بالشك، وكذلك في تفسير سورة يوسف عليه السلام. هكذا فيما رأيت من النسخ المروية عن أبي ذر، إلا في رواية الأصيلي عن أبي زيد المروزي، فإنه وقع له في كتاب التفسير كما وقع لمسلم (نحن أحق بالشك من إبراهيم).

* ومن تحريره تتبعه لنسخ الصحيح. مثاله:

- ما ذكره عند حديث عائشة في الكشوف فإنه أورده من رواية مسلم، ثم قال: وقال البخاري: فخسفت الشمس فركع ضحى. وقال: وانصرف فقال ما شاء الله أن يقول، ثم أمرهم أن يتعوذوا من عذاب القبر، ولم يذكر قول مسلم بن الحجاج "إني قد رأيتكم

" إلى آخره. ووقع عنده هذا الحديث الذي فيه ذكر اليهودية ناقصًا، وذلك أنه ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قام، ثم ركع، ثم قام، ثم ركع، ثم سجد، ثم قام، ثم ركع، ثم قام، ثم سجد، وكذلك رأيته في غير نسخة. ا. هـ.

فانظر إلى قوله: وكذلك رأيته في غير نسخة، فإنه لم يكتف بالوقوف على نسخة منه حتى تتبع ذلك في غير نسخة.

وعلى هذا فنسخة من كتاب الجمع بين الصحيحين للحافظ عبد الحق

ص: 26

هي في الواقع نسخة محررة موثقة لمتون الصحيحين، تولى حافظ متقن محقق مدقق تفلية كلماتها، وتوثق من جملها، وروى أصولها عن مؤلفيها بحدثنا وأخبرنا، ثم انتظمها في كتابه هذا كما تنتظم درر الجواهر في أسلاك الذهب.

3 -

أما ترتيبه فقد سدد فيه هذا الإمام غاية التسديد؛ حيث قَفَى فيه إمام هذا الشأن أبا الحسين مسلم بن الحجاج الذي عُدَّ ترتيبه لصحيحه من أعظم ميزاته كما قال الإمام النووي عن الإمام مسلم: ومن أكبر الدلائل على جلالته وإمامته وورعه وحذقه وقعوده في علوم الحديث واضطلاعه منها وتفننه فيها: كتاب الصحيح الذي لم يوجد في كتاب قبله ولا بعده من حسن الترتيب وتلخيص طرق الحديث .... ، فلا نظير لكتابه في هذه الدقائق وصنعة الإسناد، وهذا عندنا من المحققات (1).

وقال الحافظ ابن حجر: حصل لمسلم في كتابه حظ عظيم مفرط لم يحصل لأحد مثله، بحيث إن بعض الناس كان يفضله على صحيح محمد بن إسماعيل؛ ذلك لما اختص به من جمع الطرق وجودة السياق .... (2).

ولذا فقد بقيت ميزة صحيح مسلم هذه مضمنة في كتاب عبد الحق لأنه سار على سِيَاقة مسلم وترتيبه.

ثم إنه عمد إلى روايات البخاري فألحقها بمواضعها المناسبة لها من أبواب مسلم، وقد أحسن في إلحاق أفراد البخاري في مواضعها من كتابه

(1)"تهذيب الأسماء واللغات"(2/ 90).

(2)

"تهذيب التهذيب"(10/ 126).

ص: 27

غاية الإحسان، إذ وضعها مع الأحاديث المتسقة مع معناها، وألحقها بأولى الأبواب بها، فما ظنك بعد بكتاب يتواطأ على ترتيبه حافظا المشرق والمغرب مسلم بن الحجاج النيسابوري، وعبد الحق بن عبد الرحمن الإشبيلي رحمهما الله تعالى؟ !

4 -

وأما التعليق على الأحاديث فهي تعليقات الأئمة الحفاظ، مختصرة محررة، قليلة مباركة، كاشفة على وجازتها عن علم غزير، وحفظ متين، ويمكن تصنيفها على النحو الآتي: -

1 -

الإشارة إلى روايات للحديث خارج الصحيحين تتضمن زيادة فائدة لم يذكرها صاحبا الصحيح. مثاله:

* ذكر حديث ابن مسعود قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم الغائط، فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار، فوجدت حجرين، والتمست الثالث فلم أجده، فأخذت روثة فأتيته بها، فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال:(هذا ركس).

ثم قال: ذكره الدارقطني في "سننه" وقال فيه: "فألقى الروثة وقال: (إنها رجس، إيتني بحجر). ا. هـ.

فذكر رواية الدارقطني لتضمنها الأمر بالإتيان بحجر ثالث حتى لا يفهم من الرواية الأولى الاكتفاء بحجرين.

* ذكر حديث مصعب بن شيبة، عن طلق بن حبيب، عن عبد الله بن الزبير، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار،

ص: 28

وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتفاص الماء). قال مصعب: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة.

ثم قال عبد الحق: وروى هذا الحديث عمار بن ياسر عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر فيه: المضمضة، وزاد فيه "الختان"، ولم يذكر إعفاء اللحية. وحديثه أخرجه أبو داود رحمه الله. ا. هـ.

فذكر عبد الحق رواية أبي داود ليقوي ما ذكره مصعب احتمالًا أن العاشرة هي: المضمضة.

* ذكر ما أخرجه البخاري معلقًا عن جابر بن عبد الله، عن عبد الله بن أنيس، سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول:(يحشر الله العباد، فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من فرب: أنا الملك أنا الديان)، ثم قال:"كذا قال: "ويذكر عن جابر"، ولم يسنده. وقد روي مسندًا متصلًا من حديث جابر

"، فذكر الحديث مطولًا، ثم قال: "رويته من طريق الحارث بن أبي أسامة، ومن مسنده نقلته. وقد خرجه علي بن عبد العزيز الجرجاني وغيره". ا. هـ.

فأفاد عبد الحق ذكر الحديث مطولًا تامًّا، ووصل هذا الحديث المعلق ببيان من أسنده.

* ذكر حديث مسلم عن عمر في سؤال جبريل النبَّيَّ صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان، فساقه بطوله، ثم قال: لم يخرج البخاري عن عمر في هذا شيئًا، وخرَّج أبو داود حديث عمر هذا بكماله، وخرَّج طرفًا منه في موضع آخر من كتابه، وقال فيه: فما الإسلام؟ قال: (إقام الصلاة،

ص: 29

وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان، والاغتسال من الجنابة)، زاد ذكر الاغتسال من الجنابة، وزاد أبو الحسن علي بن عمر الحافظ الدارقطني:(وتعتمر وتتم الوضوء)، وقال في آخره:(هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم فخذوا عنه، فوالذي نفسي بيده! ما شُبِّه عليّ منذ أتاني قبل مرتي هذه، وما عرفته حتى وَلَّى). خرَّجه في كتابه "كتاب السنة".

* ذكر حديث مسلم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أُتِيتُ، فانطُلِقَ بي إلى زمزم، فشرح عن صدري، ثم غسل بماء زمزم، ثم أُنزلت)، ثم قال: قال الحميدي: لم يزد مسلم بن الحجاج على هذا فيما رأينا من نسخ كتابه، وتمامه في كتاب البرقاني: قال: (ثم أُنزِلت طست من ذهب ممتلئة حكمة وإيمانًا، فحُشي بها صدري

) الخ.

فعبد الحق هنا نقل رواية البرقاني لهذا الحديث لأنها تبين المراد بقوله في حديث مسلم: "ثم أُنزِلت"، وأن هذه التي "أنزلت طست من ذهب".

وأنت عليم أن خير ما فسر به الحديث جمع رواياته بعضها إلى بعض، وهكذا صنع هذا الإمام.

2 -

تعقيب الحديث ببيان بعض الألفاظ المنتقدة فيه وإن كان قد أورده أحد صاحبي الصحيح، وهذا قليل جدًّا. مثاله:

* ذكر حديث البخاري من طريق شريك بن أبي نمر، عن أنس في قصة الإسراء بطوله، ثم قال: هذا الحديث بهذا اللفظ من رواية شريك بن أبي نمر عن أنس، وقد زاد فيه زيادة مجهولة، وأتى فيه بألفاظ غير معروفة، وقد روى حديث الإسراء جماعة من الحفاظ المتقنين والأئمة

ص: 30

المشهورين، كمثل ابن شهاب، وثابت البناني، وقتادة، فلم يأت أحد منهم بما أتى به شريك، وشريك ليس بالحافظ عند أهل الحديث، والأحاديث التي تقدمت قبل هذا هي الأحاديث المعوَّل عليها، وقد أتى مسلم بإسناد شريك وأول حديثه، وأحال على حديث ثابت البناني، قال: نحو حديث ثابت.

وانظر أمثلة أخرى (1/ 158، 132) من هذا الكتاب.

3 -

التعليق ببيان أن أحد صاحبي الصحيح لم يخرج عن هذا الصحابي شيئًا في كتابه. مثاله:

* ذكر حديث مسلم عن قبيصة بن المخارق، وزهير بن عمرو في قوله تعالى:{وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} ، ثم قال: لم يخرج البخاري هذا الحديث، ولا أخرج عن قبيصة ولا عن زهير في كتابه شيئًا.

* ذكر حديث مسلم عن أبي مالك الأشعري: (الطهور شطر الإيمان)، فقال: لم يخرج البخاري هذا الحديث، ولا أخرج عن أبي مالك في كتابه شيئًا.

* ذكر حديث مسلم عن وائل بن حجر في قصة الحضرمي والكندي وتداعيهما بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: لم يخرج البخاري عن وائل في كتابه شيئًا.

4 -

التعليق ببيان أن أحد صاحبي الصحيح لم يخرج عن هذا الصحابي شيئًا في هذا الباب. مثاله:

* ذكر ما أخرجه البخاري معلقا عن أبي سعيد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

ص: 31

قال: (إذا أسلم العبد فحسن إسلامه يكفر الله عنه كل سيئة كان زلفها

)، ثم قال: لم يخرج مسلم بن الحجاج عن أبي سعيد في هذا الباب شيئًا.

5 -

التعليق ببيان أن أحد صاحبي الصحيح لم يخرج عن هذا الصحابي غير هذا الحديث. مثاله:

- ذكر حديث البخاري عن واثلة بن الماسقع: (إن من أعظم الفِرَى أن يدعي الرجل إلى غير أبيه).

قال: لم يخرج البخاري له في كتابه غبر هذا.

6 -

التعليق ببيان أن أحد صاحبي الصحيح قد أخرج معنى الحديث عن صحابي آخر. مثاله:

* ذكر حديث مسلم عن سلمان، وقيل له: قد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة؟ قال: أجل، لقد نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول، أو نستنجي باليمين، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع أو بعظم.

ثم قال: لم يخرج البخاري حديث سلمان هذا، وقد خَرَّج معناه من حديث أبي أيوب وأبي قتادة وأبي هريرة، إلا النهي عن الاستنجاء بدون ثلاثة أحجار فإنه خرج الفعل من حديث ابن مسعود، ولم يذكر قول المشركين لسلمان.

7 -

التعليق بتعريفه ببعض الأعلام. مثاله:

* ذكر حديث ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الدجال: (أقرب

ص: 32

الناس به شبهًا ابن قطن)، ثم قال: ابن قطن اسمه عبد العزى بن قطن، وهو من خزاعة من بني المصطلق، وذكر البخاري عن الزهري أن ابن قطن هلك في الجاهلية.

8 -

التعليق بتحريره روايات الصحيح. مثاله:

* ذكر ما في البخاري عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رأيت عيسى وموسى وإبراهيم .. )، فقال: لم يخرج مسلم بن الحجاج هذا الحديث عن ابن عمر ولا أخرج هذا اللفظ، اخرجه عن ابن عباس

، وقد قال أبو ذر [يعني الهروي]: الصحيح في هذا الحديث -والله أعلم-: عن ابن عباس، لا عن ابن عمر، ولكن هكذا وقع في النسخ المروية عن الفربري.

9 -

التعليق بتخريج بعض المعلقات في الصحيح. مثاله:

* ذكر ما أخرجه البخاري معلقًا عن أبي سعيد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إذا أسلم العبد فحسن إسلامه يكفر الله عنه كل سيئة كان زلفها). ثم قال: لم يصل سند هذا الحديث ووصله النسائي.

وأما في القسم الأخير من الكتاب والذي أفرده لذكر ما أورده البخاري من المعلقات وأقوال الصحابة والتابعين فإنه أكثر من عزو المعلقات المرفوعة إلى من أخرجها خارج الصحيح، وما كان البخاري قد وصله في موضع آخر أشار إليه.

ولأهمية هذه التعليقات على وجازتها اعتمدها العلماء بعده ونقلوها، وانظر عناية الحافظ ابن حجر بنقل ذلك عن عبد الحق في "الفتح"(2/ 12 و 423، 10/ 420، 5/ 13، 73/ 429 و 484).

ص: 33

ومن خلال ما سبق يتبين لك أن الإمام أبا محمد قد جمع ميزات الصحيحين، فإن البخاري قد ظهرت براعته وفقهه في تبويبه، ومسلم ظهرت براعته وفقهه في حسن ترتيبه، فجاء أبو محمد فالتقط نفائس تراجم البخاري فألحقها بأحاديثها على سياقة وترتيب الإمام مسلم، فحاز الفضيلتين، وجمع بين الحسنيين، ثم أتبع ذلك عند الحاجة بغرر من تعليقاته المتضمنة فرائد الفوائد. فكان حقيقًا بعد ذلك أن يوصف بأنه أحسن من جمع بين الصحيحين، وأن يتوارد ثناء العلماء عليه وتفضيله وتقديمه على غيره في بابه.

فقد ذكر ابن ناصر الدين: أن عبد الحق أحسن من جمع بين الصحيحين (1).

وقال الذهبي: عمل "الجمع بين الصحيحين" بلا إسناد على ترتيب مسلم وأتقنه وجوده (2).

وقال العراقي: أما الجمع بين الصحيحين لعبد الحق وكذلك مختصرات البخاري ومسلم فلك أن تنقل منها وتعزو ذلك للصحيح ولو باللفظ لأنهم أتوا بألفاظ الصحيح (3).

(1)"التبيان"(ق 135) نقلًا عن مقدمة "الشروح والتعليقات على كتب الأحكام"(137).

(2)

"سير أعلام النبلاء"(21/ 199).

(3)

"شرح التبصرة والتذكرة"(20).

ص: 34