المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الصحيحان والجمع بينهما - الجمع بين الصحيحين لعبد الحق - مقدمة

[عبد الحق الإشبيلي]

الفصل: ‌الصحيحان والجمع بينهما

‌الصحيحان والجمع بينهما

حسب هذين الكتابين -صحيح البخاري (1) وصحيح مسلم (2) - سموًا ورفعةً وإمامةً وجلالةً أن يقال عنهما: إنهما أصح كتابين بعد كتاب الله جل وعلا، وأن تتواطأ السنة ورثة النبوة وعلماء الأمة على تعظمهما وتقديمهما، والثناء عليهما، وأنهما في أعلى درجات الصحة.

قال النووي: "اتفق العلماء رحمهم الله على أن أصح الكتب -بعد القرآن العزيز- الصحيحان: البخاري ومسلم، وتلقتهما الأمة بالقبول"(3) ا. هـ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "الذي اتفق عليه أهل العلم أنه ليس بعد القرآن أصح من كتاب البخاري ومسلم"(4).

قال العلائي: "إن الأئمة اتفقت على أن كل ما أسنده البخاري أو مسلم في كتابيهما الصحيحين فهو صحيح لا ينظر فيه"(5).

(1) وقد سماه الإمام البخاري "الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه".

(2)

وقد سماه الإمام مسلم "المسند الصحيح المختصر من السنن بنقل العدل عن العدل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(3)

المنهاج 1/ 14.

(4)

مجموع الفتاوى 20/ 321.

(5)

النقد الصحيح 22.

ص: 8

وقال الطيبي: "أول من صنف في الصحيح المجرد الإمام البخاري، ثم مسلم، وكتاباهما أصح الكتب بعد كتاب الله العزيز"(1).

وقال العيني: "اتفق علماء الشرق والغرب على أنه ليس بعد كتاب الله تعالى أصح من صحيحي البخاري ومسلم"(2).

وقال الفصيح الهروي: "أول من صنف في الصحيح المجرد الإمام البخاري ثم مسلم وكتاباهما أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى"(3).

ليس بعجيب أن يقال في الصحيحين ذلك فهما كذلك، ولكن العجب أنهما أول تأليف في الصحيح المجرد، والمعتاد في البدايات النقص ووجود الخلل، ثم يستكمل ذلك من يأتي بعد، إلا الصحيحين فقد أدركا الأولية والأفضلية، فهما أول ما ألف في الصحيح، ثم توالت بعد المؤلفات والمستخرجات، فلم تدرك تلك الرتبة ولا قاربت تلك المنزلة، والله يختص برحمته من يشاء والله واسع عليم.

لقد تحرى الإمامان البخاري ومسلم -رحمهما الله- الصدق في كتابيهما وبالغا في التحري، وقد قال صلى الله عليه وسلم (ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا)(4)، فأبقى الله ذكرهما في العالمين، وجعل لهما لسان صدق في الآخرين، وذلك فضل الله يؤتيه من

(1) الخلاصة 36.

(2)

عمدة القاري 1/ 5.

(3)

جواهر الأصول 18.

(4)

البخاري 10/ 507 رقم (6094) ومسلم رقم (2607).

ص: 9

يشاء، والله ذو الفضل العظيم.

ولما كان الصحيحان بهذه المثابة، فقد نفر إلى خدمتهما وتقريبهما علماء السنة، وحفاظ الحديث، وتنوعت هذه الخدمة؛ كاختصارهما، أو الانتخاب منهما، أو جمع المتفق عليه بينهما، أو شرحهما، أو بيان غريبهما، أو عمل أطراف لهما، أو إفراد رجاطما، أو الصحابة الذي رووا لهما

، وهكذا.

وكان من جهود العلماء في تقريب الصحيحين وتيسيرهما للناس: الجمع بينهما، وأُلفت في ذلك كتب كثيرة منها:

1 -

الجمع بين الصحيحين لأبي عبد الله محمد بن أبي نصر فتوح بن حميد بن يصل الأزدي الحميدي المتوفي سنة ثمان وثمانين وأربعمائة.

ويلاحظ:

أ- أن الحميدي رحمه الله خالف طريقة صاحبي الصحيح في ترتيبه، فإنهما رتبا كتابيهما على الأبواب، أما هو فرتب الجمع بينهما على المسانيد، وذلك يُفَوِّتُ ما قصده الشيخان من جعل كتابيهما على الأبواب، فإن لهما في ذلك فقهًا دقيقًا.

ب- أن الحميدي أضاف إلى أحاديث الصحيحين زيادات من المستخرجات عليهما، وربما لم يميز الزيادة عن أصل الحديث عند صاحبي الصحيح.

قال السخاوي: "ربما يسوق الحديث الطويل ناقلًا له من مستخرج البرقاني أو غيره، ثم يقول: اختصره البخاري فأخرج طرفًا منه، ولا يبين

ص: 10

القدر المقتصر عليه، فيلتبس على الواقف عليه، ولا يميزه إلا بالنظر في أصله، ولكنه في الكثير يميز بأن يقول بعد سياق الحديث بطوله: اقتصر البخاري على كذا، وزاد فيه البرقاني كذا" (1).

ولذا قال ابن الصلاح: "غير أن الجمع بين الصحيحين للحميدي الأندلسي يشتمل زيادة تتمات لبعض الأحاديث، فربما نقل من لا يميز بعض ما يجده في الصحيحين أو أحدهما وهو مخطئ؛ لكونه من تلك الزيادات التي لا وجود لها في واحد من الصحيحين". (2)

وقال العراقي في التبصرة والتذكرة (وليت إذ زاد الحميدي ميزا)(3).

2 -

الجمع بين الصحيحين للحسن بن محمد الصاغاني المتوفي سنة 650 هـ. والمسمى (مشارق الأنوار النبوية من صحاح الأخبار المصطفوية).

ويلاحظ:

أ- أنه رتبه ترتيبًا لم يسبق إليه، ولم يتابع عليه، فلم يرتبه على الأبواب، ولا على المسانيد، ولا على حروف المعجم، وإنما رتبه على الكلمات الأُوَل على أبواب النحو؛ مبتدئًا بمَنْ الموصولة، ثم مَنْ الاستفهامية، ثم إن، ثم إذا

، وهكذا. وهذا يجعل الاستفادة منه في غاية العسر.

ب -كما أنه اقتصر فيه على الأحاديث القولية فقط.

(1) فتح المغيث (1/ 47).

(2)

المقدمة مع التقييد (ص 19).

(3)

فتح المغيث (1/ 47). وقد تعقب الحافظ في "النكت"(1/ 300) كلام العراقي ولكن كلام السخاوي أكثر دقة واحترازًا.

ص: 11

ج- ثم إنه أضاف إلى أحاديث الصحيحين أحاديث من مسند الشهاب للقضاعي، وكتاب النجم للإقليشي؛ رأى أنهما مما صح من كتابيهما، فمزج أحاديث الصحيحين بغيرهما. وقد شرح الكتاب غبر واحد، وطبعت الكتاب مؤسسة الكتب الثقافية.

3 -

الجمع بين الصحيحين مع حذف السند والمكرر من البين. لأبي حفص عمر بن بدر بن سعيد ضياء الدين الكردي الحنفي المتوفي سنة (622 هـ).

وقد طبع بتحقيق الدكتور علي البواب، والكتاب استله مؤلفه من جامع الأصول لابن الأثير، ولم يرجع إلى كتاب البخاري ومسلم، وابن الأثير لم يأخذ من الصحيحين أيضًا، وإنما أخذ من الجمع بين الصحيحين للحميدي، وقد نتج عن ذلك أخطاء في نسبة ألفاظ إلى الصحيحين وليست فيها، بل مما زاده الحميدي من بعض المستخرجات، أو ذكر لفظ الحديث على أنه لصاحبي الصحيح مع أنه لأحد أصحاب السنن الذين أخرجوا الحديث بسياق أتم، وقد ذكر محقق الكتاب أمثلة لهذه الأخطاء في مقدمة تحقيقه 10 - 14.

وكما أن الموصلي استل كتابه من جامع الأصول، فقد اقتفاه في طريقة الترتيب وهي ترتيب الكتب على حروف المعجم.

4 -

ولأبي عبد الله محمد بن حسين بن أحمد بن محمد الأنصاري الْمَرِيّ

ص: 12

- بوزن غَنِيّ -نسبة إلى المرية المتوفى سنة (582 هـ)(1).

5 -

وللإمام أبي محمد حسين بن مسعود الفراء البغوي المتوفى سنة (516 هـ).

6 -

وللإمام أبي بكر محمد بن عبد الله بن محمد الجوزقي النيسابوري المتوفى سنة (388 هـ).

7 -

ولأبي محمد إسماعيل بن أحمد المعروف بابن الفرات السرخسي الهروي المتوفى سنة (414 هـ).

8 -

ولأبي جعفر أحمد بن محمد القرطبي المعروف بابن حجة المتوفى سنة (642 هـ).

9 -

ولأبي بكر أحمد بن محمد البرقاني المتوفى سنة (425 هـ).

10 -

ولأبي مسعود إبراهيم بن محمد بن عبيد الدمشقي (2) المتوفى سنة (401 هـ).

11 -

الجمع بين الصحيحين بأسانيده لأبي محمد إسماعيل بن إبراهيم السرخسي القراب المتوفى سنة (414 هـ)(3).

12 -

الجامع بين الصحيحين بحذف المعاد والطرق، لأبي نعيم عبيد الله بن

(1) الرسالة المستطرفة (173).

(2)

ذكره والكتب الخمسة قبله صاحب كشف الظنون (1/ 599). ويحتمل أن يكون المراد بكتاب أبي مسعود "أطراف الصحيحين" له، فإن كان فليس مما نحن بصدده هنا، انظر "سير أعلام النبلاء"(17/ 228).

(3)

سير أعلام النبلاء (17/ 380).

ص: 13

الحسن بن حمد بن أحمد بن الحداد الأصبهاني المتوفى سنة (517 هـ)(1).

13 -

الجمع بين الصحيحين لزكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري المتوفى سنة (656 هـ)(2).

14 -

الجمع بين الصحيحين على الأبواب للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى سنة (852 هـ)(3).

15 -

مسند الصحيحين، وسنن الصحيحين لعبد الحق بن عبد الواحد الهاشمي المتوفى سنة (1394 هـ). وقد قسمه إلى قسمين: القسم الأول: مسند الصحيحين ورتبه على مسانيد الصحابة، ورتب أسماءهم على حروف المعجم، وهو بهذا قريب من صنيع الحميدي. القسم الثاني: مسند الصحيحين، أو مصنف الصحيحين، ورتبه على الأبواب على ترتيب صحيح مسلم وهو في هذا قريب من صنيع عبد الحق الإشبيلي.

على أنه في كلا القسمين يسوق الحديث بإسناده، ويعزوه إلى الكتاب والباب في أصله، معتمدًا تبويب النووي بالنسبة لصحيح مسلم، والكتاب مصدر عن أصل بخط مؤلفه رحمه الله.

16 -

الجامع بين الصحيحين، جمع وترتيب صالح بن أحمد الشامي (من المعاصرين) طبع دار القلم سنة (1415).

(1) فهرس مخطوطات جامعة الإمام (1/ 221). ويحتمل أن يكون هو "جامع أطراف الصحيحين" انظر "سير أعلام النبلاء"(19/ 487).

(2)

مقدمة التكملة لوفيات النقلة للدكتور بشار معروف (ص 21).

(3)

ابن حجر العسقلاني ودراسة مصنفاته للدكتور شاكر عبد المنعم (335).

ص: 14

ولكن أوفى هذه الكتب جمعًا، وأحسنها ترتيبًا، وأتقنها ضبطًا وتحريرًا هو كتاب الحافظ الإمام أبي محمد عبد الحق، ويأتي في التعريف بالكتاب كلام العلماء عنه وثناؤهم بذلك عليه.

ص: 15