الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة التحقيق
إن الحمد للَّه، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. من يهده اللَّه فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
اللهم لك الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، لك الحمد ربنا على أن هدايتنا للإيمان، ولك الحمد على أن علمتنا، ولك الحمد على آن ألهمتنا الحمد، فلك الحمد في الأولى، ولك الحمد في الأخرى، ولك الحمد في كل حين.
والصلاة والسلام على خير الحامدين وخير الشاكرين، وخير الأنبياء والمرسلين، محمد بن عبد اللَّه، وعلى آله وصحبه، خير آل وخير صحب، رضي الله عنهم أجمعين، وحشَرَنَا في زمرتهم يوم الدين.
وبعد، فهذه ترجمة لأحد أعلام الإسلام العاملين، الذين أثرَوا العلوم الإسلامية بالعديد من المؤلفات النافعة، ألا وهو حافظ عصره أبو الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، المتوفى سنة 852 هـ، كتبها تلميذه العالم الفذ أبو الخير شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي، المتوفى سنة 911 هـ.
ولا أعلم أحدًا قبل السخاوي أفرد ترجمة ابن حجر بكتاب مستقل، وهذا ما قاله المؤلف أيضًا عند إيراده قول ابن الشحنة في ابن حجر (1):"وترجمته لا يسعها هذا المكان، وقد أُفرِدت بالتأليف، لكني لم أقف عليه"، فقال السخاوي: وكأنه رضي الله عنه عنى تصنيفي هذا، فما علمتُ أحدًا غيري أفردها.
أما نسبة الكتاب للسخاوي، فأمر لا يختلف عليه اثنان، حيث ذكره هو نفسه في كتبه الأخرى، مثل الضوء اللامع، فذكره في عشرات المواضع،
منها: 1/ 21، 56، 177، 234، و2/ 11، 40، 51، 65، 115، 128، 150، 190، 208، و3/ 34، 93، 156، 161، 191، 196، 228، 302، و4/ 18، 56، 57، 85، 94، 116، 196، 202، 337، و5/ 111، 223، 295 و6/ 129، 153، 329، و7/ 13، 19، 38، 86، 88، 91، 160، 162، 178، 187، 188، 195، 211، 232، 236، 246، 289، و8/ 17، 51، 103، 124، 164، 177، 221، 232 و9/ 18، 107، 259 و10/ 163، 233، 261، 263، 314 و11/ 55، و12/ 11، 34. وفي وجيز الكلام في الذيل على دول الإسلام 2/ 532، وفي التبر المسبوك ص 32، 134، 207، 238، 247، 285، وفي التحفة اللطيفة 1/ 99 - 100، وفي الذيل على رفع الإصر ص 32، 33، 85، 87، 240، 353، 489، وفي الإعلان بالتوبيخ ص 229.
وكذا ذكره من ترجم للسخاوي، مثل الشوكاني في البدر الطالع 2/ 185، والنجم الغزي في الكواكب السائرة 1/ 53 وغيرهم. منهم من ذكره بعنوانه الصريح، ومنهم من ذكر باسم ترجمة شيخه أو ترجمة ابن حجر، وخالف الجميع
(1) 1/ 329.
في ذكر العنوان البصروي في مختصره "جمان الدرر"؛ حيث سماه "تناسق الدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر"، ولا أعرف مستنده في هذه التسمية.
وقد كتب اللَّه القبول لهذا الكتاب بين طلبة العلم، فتداولوه كتابة وقراءة ودرسًا على مؤلفه، وانتشرت نسَخُه في حياته في شتى الأمصار، حيث نجد النسخ المعتمدة في التحقيق كتبت كلُّها في حياة المؤلف، وأكثر من نسخة منها قُرِئت عليه، ودوَّن عليها الكثير من الزيادات والإضافات التي اجتمعت لديه في فترات لاحقة. وقد قال المصنف في ترجمة شيخه من كتاب "التبر المسبوك" ص 231: قد أفردت له ترجمة حافلة في مجلد ضخم، لا تفي ببعض أحواله وما له عليَّ من الحقوق، كتبها عنِّي الأكابر وتهادوها بينهم.
والكتاب وإن كان موضوعًا في ترجمة الحافظ ابن حجر، إلا أن فيه الكثير الكثير من الفوائد التي لا نجدها مجتمعة في كتاب مفرد (1)، والمؤلف رحمه الله يستطرد كثيرًا في ذكر هذه الفوائد، حتى إنه في كثير من الأحيان يبتعد عن الموضوع الذي يبحثه، ثم يقول:"وكل هذا استطراد"، أو:"وذكرت هذا هنا استطرادًا"، أو:"وكل هذه استطرادات، لكنها نافعة" أو: "وإن خرجت عن المقصود". وشبه هذه العبارات.
وكانت فكرة جمع هذه الترجمة عند السخاوي تراوده في حياة شيخه الحافظ ابن حجر، حيث قال:"وكان وقع في خاطري جمع ترجمة شيخنا في حياته، والتمستُ منه أن يملي عليَّ منها ما لا أطَّلع عليه إلا من قِبَله".
إلا أن هذه الفكرة لم تولد إلا بعد وفاة الحافظ ابن حجر، وتحديدًا سنة 871 هـ، حيث فرغ السخاوي من كتابة هذه الترجمة في مكة المكرمة كما ذكر في نهاية الكتاب. لكن هذا التاريخ لم يكن نهاية المطاف بالنسبة للكتاب، إذ زاد مؤلفه فيه زيادات كثيرة في سنوات لاحقة، فكان كلما تجدَّد له شيء ألحقه في مكانه، فنجده عند حديثه عن مجالس الإملاء التي كان يتولاها شيخه، والتي انقطعت بموته وجددها هو، يقول: وزادت عدة ما
(1) وضعت فهرسًا مستقلًّا لبعض الفوائد الواردة في الكتاب.
أمليته منه إلى حين كتابتي هذه الأحرف في أثناء سنة سبع وسبعين على المائتين، ثم انتهت إلى أزيد من ثلاثمائة في أواخر سنة تسع وسبعين. ويقول في أثناء ثناء الأئمة على شيخه الحافظ: ومنهم جماعة بقيد الحياة في هذا الحين، وهو سنة ست وثمانين (1)، كما يذكر إنشاد أحد المادحين لابن حجر بقصيدة سنة ثلاث وسبعين (2).
ويلاحظ أن بعض هذه العبارات لم يرد في نسخة ما، وورد في غيرها في أثناء النص، بينما ورد في نسخة ثالثة في الهامش بخط المصنف، ومرد ذلك إلى أن النسخة الأولى كتبت من نسخة لم ترد فيها هذه الزيادات، بينما الثانية كتبت عن الأصل المعدل، وسيأتي بيان ذلك عند وصف النسخ المعتمدة في التحقيق.
واختلاف التاريخ بين تأليف الكتاب وإعادة النظر فيه من قبل المؤلف، أدى إلى الاختلاف في بعض العبارات، فضلًا عن الزيادات الكثيرة الملحقة؛ فنجد في نسخة تتكرر عبارة "نفع اللَّه به" عند ذكره أحد الأشخاص، بينما استبدلت في النسخ الأخرى بعبارة "رحمه الله"، أو "كان اللَّه له"، فهو عند كتابة النسخة الأولى كان ذلك الشخص على قيد الحياة، وقد توفي حال كتابة النسخة الثانية أو إلحاق الزيادات بها.
ومن الطريف أن اختلاف النسخ هذا يرشدنا إلى تاريخ سوء العلاقة بين المصنف وقرينه برهان الدين البقاعي، المتوفى سنة 885 هـ، ومعلوم ما بينهما من ملاسنات ظهرت مسطورة على صفحات كتبهم، فالمصنف رحمه الله كان أولًا عندما يرد ذكر البقاعي يقول: الشيخ أبو الحسن إبراهيم بن عمر البقاعي، أو الشيخ برهان الدين البقاعي، بينما نجد أن لقب الشيخ قد حذف من النسخ الأخرى المعدلة، ويزيد في هذه أشياء لم تكن موجودة في النسخة الأولى، بل هو فيها يشن الغارة على البقاعي، ويؤرخ ذلك في سنة سبع وسبعين وثمانمائة.
(1) 1/ 329.
(2)
1/ 493.