المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قطعةً قبل العلم بسبقِ الهَيْثَمي له، "تجريد ما وقع في - الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر - مقدمة

[السخاوي]

الفصل: قطعةً قبل العلم بسبقِ الهَيْثَمي له، "تجريد ما وقع في

قطعةً قبل العلم بسبقِ الهَيْثَمي له، "تجريد ما وقع في كتب الرجال"، ولا سيما المختصة بالضُّعفاء من الأحاديث وترتيبها على المسانيد، كتب منه جملة.

[وظائفه:]

واستقرَّ في تدريس الحديث بدار الحديث الكاملية عَقِبَ موتِ الكمال، ولكن تعصَّبَ مع أولاده من يحسَبُ أنَّه يُحسِنُ صُنْعًا، وكانت كوائن أشير إليها في الفرجة، ثَّم رغب الابن عنها لعبد القادر بن النَّقيب.

وكذا استقرَّ في تدريس الحديث بالصَّرْغَتْمُشِيَّة عقب الأمين الأقصُرائي؛ وناب قبل ذلك في تدريس الحديث بالظَّاهرية القديمة بتعيينه وسؤاله، ثم في تدريس الحديث بالبرقوقية عقب موت البهاء المشهدي، وقرَّره المقرُّ الزينيُّ بنُ مُزْهر في الإملاء بمدرسته التي أنشأها، فاستعفى من ذلك لالتزامه تركه كما قدمه؛ وكذا قرَّره المُناوي في تدريس الحديث بالفاضِليَّة، لظنِّه أنه وظيفة فيها.

كما أنَّه سأل شيخه بعد موت شيخه البرهان بن خضر في تدريس الحديث بالمَنْكوتَمُرِيّة، فأجابه بأنّه لم يكن معه إنّما كان معه الفقه، وقد أخذه تقي الدين القَلْقَشَنْدِيّ، بل عينه الأمير يَشْبَك الفقيه الدَّوادار حين غيبته بمكَّة لمشيخة الحديث بالمَنْكُوتَمُرِيَّة عقب التَّقي المذكور، فلا زال به صهره حتى أخذها لنفسه.

وكذا ذُكر في غيبته التالية لها لقراءة الحديث بمجلس السُّلطان بعد إمامه وما كان يفعل؛ لأن الدَّوادار المشار إليه سأله في المبيت عند الظاهر خُشْقَدَم ليلتين في الأسبوع ليقرأ له نُخبًا من التَّاريخ، كما كان العَينيُّ يفعلُ، فبالغ في التَّنَصُّل كما تنصَّل منه حين التماس الدَّوادار يشْبَك من مهدي له عند نفسه، ومن مُطْلق التردُّد لتمُرْبُغا المستقر بعدُ في السَّلطنة وفي الحضور عند بُرْدْبَك، والشَّهابي بن العينيّ وغيرهما.

نعم طلبه الظَّاهرُ نفسه في مرض موته، فقرأ عنده "الشِّفا" في ليلة بعض ذلك بحضرته، وفي غيبته الَّتي بعدها لمشيخة سعيد السُّعداء بعد الكُوراني،

ص: 31

وعرض عليه الأتابَكُ شفاهًا قضاءَ مصرَ فاعتذر له، فسأله في تعيين من يرضاه فقال له: لا أنسب من السُّيوطي قاضيك، إلى غير هذا مما يرجو به الخيرَ مع أنَّ مالَهُ من الجهات لا يسمنُ ولا يُغني من جوعٍ، وللَّه درُّ القائل:

تقدَّمَتني أُناسٌ كَانَ شَوْطُهُم

ورَاءَ خَطْويَ لو أَمْشي على مَهَلِ

هذا جزاءُ امريءٍ أقرانُهُ دَرَجُوا

من قَبله فتمنَّى فُسحَةَ الأجَلِ

فإنْ عَلانيَ مَنْ دوني فلا عَجَبٌ

لي أُسْوةٌ بانحطاط الشمسِ عن زُحَلِ

فاصبرْ لها غَيْرَ مُحْتَالٍ وَلَا ضَجِرٍ

في حادثِ الدَّهرِ ما يُغْني عن الحِيلِ

أعدى عدُوِّكَ مَنْ وثِقْتَ بِه

فَعَاشِرِ النَّاسِ واصْحَبهُم على دَخَلِ

فإنَّما رَجُلُ الدُّنْيا وَوَاحِدُهَا

مَنْ لَا يُعَوِّلُ في الدُّنْيا على رَجُلِ

وقال أحمد بن يحيى ثَعْلَبُ النَّحويُّ فيما رويناه عنه يقول: دخلتُ على أحمد بن حنبل فسمعتُه يقولُ:

إذا ما خَلَوْتَ الدَّهْرَ يَومًا فَلَا تَقُل

خَلَوْتُ، وَلَكِنْ قُل: عَلَيَّ رَقيبُ

إذا مَا مَضَى القَرْنُ الذي أَنْتَ فِيهِمُ

وخُلِّفْتَ في قَرْنٍ فأنْتَ غريبُ

فلا تكُ مَغرورًا تعلّل بالمُنى

فَعَلَّكَ مَدْعُوٌ غدًا فَتُجِيبُ

ألمْ تَرَ أَنَّ الدَّهْرَ أسْرَعُ ذاهِبٍ

وأَنَّ غدًا للنَّاظِريْنَ قَرِيْبُ

هذا كله وهو عارفٌ بنفسه، معترف بالتقصير في يومه وأمسه، خبير بعيوبه التي لا يُطَّلعُ عليها، مستغفرٌ مما لعله يبدو منها، لكنَّه أكثر الهَذَيان طمعًا في صفح الإخوان، مع كونه في أكثره ناقلًا، واعتقاد أنه فضل ممن كان له قائلًا.

والله يسأَلُ أن يجعله كما يظنُّون، وأن يغفرَ له ما لا يعلمون، وللَّه در القائل:

لئِنْ كان هذا الدَّمْعُ يجري صَبَابَةً

عَلَى غَيرِ لَيْلَى فهو دَمْعٌ مُضَيَّعُ

وقول غيره:

ص: 32

سَهَرُ العيونِ لغير وَجْهِك باطلٌ

وبحاؤهُنَّ لغير وَصْلك ضَائِع

قلت: وكانت وفاته رحمه الله يوم الأحد سادس عشر شعبان سنة اثنتين وتسعمائة أثناء مجاورته في المدينة النبوية الشريفة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام. ودفن بالبقيع بجوار إمام دار الهجرة مالك بن أنس، رضي الله عنهم ورحمهم جميعًا، ونفعنا بعلومهم، وجمعنا وإياهم مع الذين أنعم اللَّه عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا. والحمد للَّه رب العالمين.

ص: 33