الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالسَّخاوي، وربما يقال له: ابنُ الباردِ، شهرةً لجدّهِ بين أناس مخصوصين، ولذا لم يشتهر بها أبوه بين الجمهور ولا هو، بل يكرهها كابن عُلَيْبَة وابن الملقِّن في الكراهة، ولا يذكره بها إلا من يحتقره.
[مولده:]
ولد في ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين وثمانمئة بحارة بهاء الدِّين، علو الدَّرب المجاور لمدرسة شيخ الإسلام البُلقينيّ محلّ أبيه وجدِّه، ثم تحوَّل منه حين دخل في الرابعة مع أبويه لمُلْكٍ اشتراه أبوه مجاورٍ لسكن شيخه ابن حَجَر.
[نشأته العلمية:]
أدخله أبوه المكتب بالقرب من المَيْدان عند المؤدِّب الشَّرف عيسى بن أحمد المقسيّ الناسخ، فأقام عنده يسيرًا جدًّا، ثم نقله لزوج أخته الفقيه الصَّالح البدر حسين بن أحمد الأزهري أحد أصحاب العارف باللَّه يوسف الصَّفِّي، فقرأ عنده القرآن، وصلَّى به للناس التراويح في رمضان بزاويةٍ لأبي أُمِّه الشيخ شمس الدِّين العدويّ المالكيّ، ثم توجَّه به أبوه لفقيهه المُجاور لسَكَنِهِ، الشَّيخِ المفيدِ النفَّاع القُدوة الشمسِ محمد بن أحمد النحريريّ الضَّرير -مؤدِّب البرهان بن خضر والجلالِ بن المُلقِّن وابن أسد وغيرهم من الأئمة، وأحد من علّق شيخه في "تذكرته" من نوادره، وسمع منه الطَّلبَةُ والفُضلاءُ، ويعرف بالسُّعوديّ، وذلك حين انقطاعه بمنزله لضعفه، فجوَّده عليه وانتفع به في آداب التجويد وغيرها، وعلّق عنه فوائد ونوادر، وقرأ عليه حديثًا والتحق في قراءته عليه بشيوخه، وتلاهُ في غُضُون ذلك مرارًا على مؤدّبه بعد زوج عمَّته الفقيه الشمس محمد بن عمر الطَّباخ أبوه، أحد قُرَّاء السَّبع هو، وحفظ عندهُ بعض "عمدة الأحكام"، ثم انتقل بإشارة السُّعودي المذكور للعلَّامة الشِّهاب بن أسد، فأكمل عنده حفظها مع حفظ "التَّنبيه" كتاب عمه، و"المنهاج الأصلي"، و"ألفية ابن مالك" و"النُّخبة"، وتلا عليه لأبي عمرو، ثمَّ لابن كثير، وسمع عليه غيرهما من الرِّوايات إفرادًا
وجمعًا، وتدرَّب به في المطالعة والقراءة، وصار يشارك غالب من يتردَّد إليه للتَّفهُّم في الفقه والعربية والقراءات وغيرها.
وكلَّما انتهى حفظُه لكتاب عرضه على شيوخ عصره، فكان من جملة من عَرَضَ عليه ممَّن لم يأخذ عنه بعدُ: المحبُّ ابن نصر اللَّه البغدادي الحنبليّ، والشَّمسُ بن عمَّار المالكي، والنُّورُ التِّلْوانيّ، والجمال عبد اللَّه الزَّيتُوني، وكذا الزَّينِ عُبادة ظنًّا، فقد اجتمع به وبالشَّمس البِسَاطيّ مع جدّه، ثم حفظ بعدُ "ألفية العراقي"، و"شرح النخبة"، وغالب "الشاطبيَّة"، وبعض "جامع المختصرات"، و"مقدمة السَّاوي في العروض"، وغير ذلك مما لم يكمله.
وقرأ بعض القرآن على النُّور البِلْبِيسيّ إمام الأزهر، والزَّين عبد الغني الهيثمي "ابن كثيرٍ" ظنًّا، وسمع الكثير من الجمع للسَّبع وللعَشْر على الزين رضوان العُقْبِيّ، البعض من ذلك على الشِّهاب السّكندري وغيره، بل سمع (الفاتحة) وإلى (المفلحون) للسَّبع على شيخه بقراءة ابن أسد وجعفر السّنهوري وغيرهما من أئمة القُرّاء.
ولزم الأستاذ الفريد البرهان بن خضر أحد أصحاب عمّه ووالده، حتَّى أمْلى عليه عدَّة كراريس من مقدّمة في العربية مفيدةٍ، وقرأ عليه غالب "شرح الألفية" لابن عقيل، وسمع الكثير من "توضيحها" لابن هشام وغيره من كتب الفنِّ وغيره. وكذا قرأ على أوحد النُّحاة الشهاب أبي العباس الحنَّاوي مقدمته المسماة "بالدُّرة المضيَّة"، وكتبها له بخطه إكرامًا لجدّه، وتدرَّب بهما في الإعراب؛ حيث أعرب على الأول من (الأعلى) إلى (الناس)، وعلى الثاني مواضع من "صحيح البخاري"، وأخذ العربية أيضًا عن الشهاب الأُبَّذي المغربي والجمال بن هشام الحنبلي حفيد سيبويه وقته الشهير وغيرهما.
وقرأ "التَّنبيه" تقسيمًا على ابن خضر، والسّيِّد البدر النَّسَّابة، وبعضه على الشَّمس الشَّنْشي. وحضر تقسيمه مرارًا عند غير هؤلاء، بل حضر عند الشمس الونائيّ تلك الدّروس الطنَّانة التي أقرأها في "الروضة"، ولم يسمع الفقه عن أفصح منه، ولا أجمع. واليسير جدًّا عند القاياتي، وكذا أخذ
الكثير من الفقه عن العلم صالح البُلْقينيّ، ومن جملة ذلك في "الروضة"، و"المنهاج"، وبعض "التدريب" لوالده، و"التكملة" التي له، وسمع دروسًا من "شرح الحاوي" لابن الملقن على شيخه، وكذا من التفسير والعروض.
وحضر تقسيم "البَهْجَة" بتمامه عند الشرف المُناوي، وتقسيم "المهذَّب" أو غالبه عند الزين البُوتَيْجيّ، وتردّد إليه في الفرائض وغيرها. بل أخذ طرفًا من الفرائض والحساب والميقات وغيرها عن الشهاب بن المجدي، وقرأ الأصول على الكمال ابن إمام الكامليّة، قرأ عليه غالب "شرحه الصغير على البيضاويّ"، وسمع غير ذلك من فقه وغيره، وقرأ على غيره في "متن البيضاوي"، وحضر كثيرًا من دروس التقي الشُّمُنِّي في الأصلين والمعاني والبيان والتفسير، وعليه قرأ شرحه نظم والده لـ "النُّخْبة" مع شرح أبيه لها، بل أخذ عن العز عبد السَّلام البغدادي في العربية والصَّرف والمنطق وغيرها، وكذا أخذ دروسًا كثيرة عن الأمين الأقصرائي وكثيرًا من التَّفسير وغيره عن السعد بن الديري، ومن "شرح ألفيَّة العراقي" عن الزَّين السّندبيسيّ، بل قرأ الشّرح بتمامه على الزَّين قاسم الحنفي، وأخذ قطعة من "القاموس في اللُّغة" تحريرًا وإتقانًا مع المحبّ بن الشّحنة. وكتب يسيرًا على شيخ الكتاب الزين عبد الرحمن بن الصَّائغ، ثم ترك لِمَا رأى عنده من كثرة اللَّغط، ولزم الشَّمس الطَّنتَدائيّ الحنفي أمام مجلس البيبرسيَّة فيها أيامًا.
وقبل ذلك كلِّه سمع مع والده ليلًا الكثيرَ من الحديث على شيخه إمام الأئمة الشِّهاب ابن حَجَر، فكان أوَّل ما وقف عليه من ذلك في سنة ثمانٍ وثلاثين، وأوقع اللَّه في قلبه صحبته، فلازم مجلسه، وعادت عليه بركتُه في هذا الشّأن الذي باد جمالُه، وحادَ عن السَّنن المعتبر عمَّالُه، فأقبل عليه بكلِّيته إقبالًا يزيد على الوصف، بحيث تقلَّل ممَّا عداه، لقول الحافظ الخطيب:"إنَّه علمٌ لا يعلق إلا بمن قَصَر نفسَه عليه، ولم يضمّ غيرَه من الفنون إليه". وقول إمامنا الشّافعي لبعض أصحابه: "أتريد أن تجمعَ بين الفقه والحديث؟ هيهات"!
وتوجيه شيخنا تقديم شيخه له فيه على ولده وغيره بعدم التوغُّل فيما عداه، كتوجيهه لكثير ممَّن وصف من أئمة المحدّثين وحفّاظهم وغيرهم باللَّحن، بأن ذلك بالنسبة للخليل وسيبويه ونحوهما دون خلوّهم أصلًا منه حسبما بسط ذلك معنى وأدلة في عدة من تصانيفه؛ ولذا توهم الغبيُّ الغمْرُ ممَّن لم يخالطْهُ أنه لا يحسُنها، وقال العارف المخالط: إنَّ من قصرَهُ على هذا العلم ظلمَهُ.
وداوم الملازمة لشيخه حتى حَمَلَ عنه علمًا جمًّا، واختص به كثيرًا، بحيث كان من أكثر الآخذين عنه، وأعانه على ذلك قربُ منزله منه، فكان لا يفوته مما يقرأ علبه إلَّا النَّادر، إمّا لكونه حمله أو لأن غيره أهم منه، وينفرد عن سائر الجماعة بأشياء. وعلم شدَّةَ حرصه على ذلك، فكان يرسل خلفه أحيانًا بعض خدمه لمنزله يأمره بالمجيء للقراءة.
وقرأ عليه "الاصطلاح" بتمامه، وسمع عليه جلّ كتبه؛ "كالألفية" وشرحها مرارًا، و"علوم الحديث" لابن الصلاح إلَّا اليسير من أوائله، وأكثر تصانيفه في الرجال وغيرها "كالتقريب" وثلاثة أرباع أصله، ومعظم "تعجيل المنفعة"، و"اللِّسان" بتمامه، و"مشتبه النّسبة"، و"تخريج الرَّافعي"، و"تلخيص مسند الفردوس"، و"المقدّمة" و"بَذْل الماعون" و"مناقب كل من الشافعي واللّيث"، و"أماليه الحلبية"، و"الدمشقية"، وغالب "فتح الباري"، و"تخريج المصابيح" و"ابن الحاجب الأصلي"، وبعض "إتحاف المهرة"، و"تغليق التعليق"، و"مقدمة الإصابة" وجملة، وفي بعضه ما سمعه أكثر من مرة، وقرأ بنفسه منها "النخبة" و"شرحها"، و"الأربعين المتباينة"، و"الخصال المكفِّرة"، و"القول المسدّد"، و"بلوغ المرام"، و"العشرات العشاريات"، و"المائة"، والملحق بها لشيخه التَّنُوخي، و"الكلام على حديث أم رافع"، و"ملخص ما يقال في الصَّباح والمَسَاء"، و"ديان خُطَبِهِ" و"ديوان شعره" وأشياء يطول إيرادها.
وسمع بسؤاله له من لفظه أشياء؛ كـ "العشرة العشريات"، و"مسلسلات الإبراهيمي" خارجًا عمّا كتبه عنه في الإملاء مع الجماعة من سنة ستٍّ وأربعين وإلى أن مات.
وأذن له في الإقراء والإفادة والتَّصنيف، وصلَّى به إمامًا التَّروايح في بعض ليالي رمضان. وتدرَّب به في طريق القوم، ومعرفة العالي والنازل والكَشْف عن التراجم والمُتُون وسائر الاصطلاح وغير ذلك.
وكذا تدرَّب في الطَّلبة بمستمليه مفيد القاهرة الزين رِضوان العُقْبِيّ، وأكثر من ملازمته قراءة وسماعًا، وبصاحبه النَّجم عمر بن فهد الهاشمي، وانتفع بإرشاد كلٍّ منهم وأجزائه وإفادته، بل كتب شيخُه من أجله إلى دمياط لمن عنده "المعجم الصغير" للطبراني بإرساله إليه، حتى قرأه عليه، لكون نسخته قد انمحى الكثيرُ منها، وما علم أنَّه في أوقات سعيد السُّعداء إلَّا بعدُ.
ولم ينفكَّ عن ملازمته ولا عدل عنه بملازمة غيره من علماء الفنون خوفًا على فقده، ولا ارتحل إلى الأماكن النائية، بل ولا حجَّ إلَّا بعد وفاته، لكنَّه حمل عن شيوخ مصر والواردين إليها كثيرًا من دواوين الحديث وأجزائه، بقراءته وقراءة غيره في الأوقات التي لا تعارض أوقاته عليه غالبًا، ولا سيما حين اشتغاله بالقضاء وتوابعه، حتَّى صار أكثرَ أهل العصر مسموعًا، وأكثرَهم رواية، ومن محاسن من أخذ عنه من عنده: الصَّلاح بن أبي عُمَرَ، وابن أمية، وابن النَّجم، وابن الهبل، والشمس بن المحب، والفخر بن بشارة، وابن الجُوخي، والمنيجي، والزيتاوي، والبياني، والسُّوقي، والطبقة، ثم من عنده القاضي العزّ بن جماعة، والتَّاج السُّبكي، وأخوه البهاء، والجمال الإسنائي، والشهاب الأذرعيّ، والكرْماني، والصَّلاح الصَّفدي، والقيراطي، والحراوي، ثم الحسين التكريتي، والأميوطي، والباجي، وأبو البقاء السُّبكي، والنَّشَاوريّ، وابن الذّهبي، وابن العلائي، والآمدي، والنَّجم بن الكشك، وأبو اليمن بن الكويك، وابن الخشاب، وابن حاتم، والمليجي وابن رزين، والبدر بن الصَّاحب، ثم السّراج الهندي، والبُلْقيني، وابن المُلَقِّن، والغَرَاقي الهيثمي، والإبناسيّ، والبرهان بن فرحون، وهكذا حتى سمع من أصحاب أبي الطَّاهر بن الكويك، والعزّ بن جماعة، وابن خير، ثم من أصحاب الولي العراقي، والفُوّيّ، وابن الجَزَري، ثم من يليهم.