الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة
…
أدب الطفولة بين القرآن الكريم والسنة الشريفة:
تقديم:
منهج الإسلام في تربية الطفل وتأديبه هو تشريع من الله عز وجل يقوم على اليقين والعلم والشمول والثبات، قال تعالى:{أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} ولم ينطلق من نظريات بشرية قاصرة، تقوم على الظن والفرض والتخمين فتتلاشى يوما بعد يوما، قال تعالى:{وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} لأن منهج الإسلام وسلوكه في تهذيب الطفل شرعه مبدع الفطرة الإنسانية: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} 1.
لذلك تلاءم الإسلام مع العقل البشري والوجدان الإنساني والشكل الحضاري في كل بيئة وعصر، مهما بلغت البشرية من الكمال في العقل والفكر واتزان العاطفة والوجدان، وتعادل الروحية والمادية على السواء، قال تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} 2، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". وبلغ القرآن الكريم المثل الأعلى في البلاغة والإعجاز في تصوير منهج الإسلام وتعاليم الشريعة ومكارم الأخلاق السامية إلى حد يعجز عنه البشر، مهما أوتوا من العلم ودقة المنهج، ومهما انتهوا إلى السمو الفني والأدبي والتفوق الإنساني والحضاري.
لذلك لا تجد منهجا اهتم ببناء الطفل بناء كاملا مثل منهج الشريعة الإسلامية، ولا تجد دينا اعتنى بتكوينه تكوينا صحيحا مثل دين الإسلام، ولا تجد حضارة عملت على تهذيبه تهذيبا أخلاقيا ساميا مثل حضارة الإسلام، وذلك من خلال مجتمعه الصغير "الأسرة" ومجتمعه الكبير "
1 سورة الروم: 30.
2 سورة المائدة: 3.
الأمة الإسلامية".
واتخذ الإسلام في تحقيق ذلك منهجا وسلوكا طريقين:
أحدهما: تهذيب النفس وتأديبها، وتقويم اللسان وبلاغته، والسمو بالعاطفة، والرقي بالوجدان والمشاعر وإثراء الخواطر، وتعميق الأفكار، وغير ذلك مما يغرسه وينميه أدب القرآن الكريم وبلاغته التي وصلت إلى حد الإعجاز في التصوير القرآني {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} 1، وقال تعالى أيضا:{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} 2.
ومما يرقى به أيضا أدب الحديث النبوي الشريف الذي خص الله عز وجل نبيه بجوامع الكلم: "أوتيت جوامع الكلم" لأنه أدبه ربه فأحسن تأديبه، قال تعالى:{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} 3، وقال أيضا:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَاّ وَحْيٌ يُوحَى، عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} 4.
ثانيهما: اهتمت شريعة الإسلام بتأديب الطفل وتهذيبه والسمو به في عاطفته ووجدانه وعقله وفكره وسلوكه وتربيته على مراحل كثيرة ومتنوعة، لا تقتصر على مراحل وجوده فحسب، بل اهتمت به قبل وجوده في مرحلة العدم وقبل أن يكون جنينا في بطن أمه، من مرحلة الخطبة والاختيار، ثم بعد الزواج وقبل أن تحمل الأم به، ثم أثناء الحمل وهو جنين وحسن استقباله حين الوضع، وفي تمام الأسبوع الأول من الولادة، وفي أثناء الرضاعة، وفي الحضانة، وفي مرحلة التعليم، ومرحلة الشباب، ومرحلة المراهقة، ومرحلة النضج، ومرحلة الرجولة، ثم
1 سورة الشعراء: 192-195.
2 سورة الإسراء: 88.
3 سورة القلم: 4.
4 سورة النجم: 3-5.
مرحلة العرفان بالجميل، وذلك كله من خلال أدب القرآن الكريم، والتصوير القرآني البديع، وأدب النبوة وبلاغة الحديث الشريف، حتى بلغ أدب الطفل المسلم الغاية في المنهج والسلوك والتنويع والثراء، والقوة والإبداع والإقناع والتأثير، قال تعالى:{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} 1 وقال تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى، وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} 2.
1 سورة التين: 4.
2 سورة الأعلى: 1-3.