المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تلاوة الأطفال للقرآن وسماعه تأديب وتربية وتعليم: - أدب الطفولة بين القرآن الكريم والسنة الشريفة

[علي علي صبح]

الفصل: ‌تلاوة الأطفال للقرآن وسماعه تأديب وتربية وتعليم:

تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} [البقرة: 263-271] .

والأحاديث الشريفة البليغة التي وردت في ذلك كثيرة وهي عامة للأطفال وغيرهم، لكنني سأقتصر على بعض ما يخص الصغار لعدم الإطالة، قال عامر:"سمعت النعمان بن بشير رضي الله عنه وهو على المنبر يقول: أعطاني أبي عطية، فقالت عمرة بنت رواحة لأبي: لا أرضى حتى يشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية، فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله، قال: "أعطيت سائر ولدك مثل هذا"؟، قال: لا، قال: "فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم"، قال: فرجع فرد عطية "أخرجه البخاري 211/ 5، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل وكلتا يديه يمين - الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا" أخرجه مسلم 1458/ 3.

ص: 10

‌تلاوة الأطفال للقرآن وسماعه تأديب وتربية وتعليم:

قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أدبني ربي فأحسن تأديبي" لأنه تأدب بأدب القرآن وتخلق بأخلاق القرآن، فقراءة القرآن وسماعه أو حفظه يعرب اللسان ويهذبه فيكون أعظم بيانا وفصاحة وبلاغة وأدبا:{بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} ، ويرقى بالعاطفة فتتسم بالصدق والإخلاص في الإيمان، ويعمر الوحدان بالمشاعر الرقيقة والأحاسيس المرهفة، ويقوم العقل والفكر بقيمه السامية وأخلاقه وتشريعاته الزاكية، وبذلك تتحقق للإنسان السعادة في الدنيا والآخرة، فحينما حفظ الأطفال سورا قصارا بعد وفاة أبيهم رفع الله العذاب عنه في قبره، فقد سألت النبي صلى الله عليه وسلم أمهم وزوج المعذب في قبره عما صنعت بعد دفنه، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:"خيركم من تعلم القرآن وعلمه" وقال تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204] ،

ص: 10

{وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} [الإسراء: 106] ، {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ، لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر: 29-30]، {مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} [الإسراء: 27] ، وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ عشر آيات في ليلة لم يكتب من الغافلين، ومن قرأ مائتي آية كتب من القانتين، ومن قرأ أربعمائة آية كتب من الحافظين، ومن قرأ ستمائة آية كتب من الخاشعين، ومن قرأ ثمانمائة آية كتب من المخبتين، ومن قرأ ألف آية أصبح له قنطار، والقنطار مائتا أوقية، والأوقية خير مما بين السماء والأرض، أو قال: خير مما طلعت عليه الشمس، ومن قرأ ألفي آية كان من الموجبين""أي وجبت له الجنة" رواه الطبراني، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده" رواه مسلم وغيره.

وحينما عظم الله عز وجل ثواب القرآن في الدنيا بما تقدم ذكره من قيم السعادة فيها، وفي الآخرة بأعظم وأخلد أنواع السعادة برضوان الله عز وجل لمن قرأه وعمل به، فشفعه فيه وأدخله الجنة -فإنما يحث المؤمن على دوام قراءته وتعليمه لأهله وأولاده ورعيته، فهو مسئول عنهم، وعن الإنفاق على تعليمهم القرآن وعلومه، كما دلت الآيات السابقة في أدب قرآن معجز، والأحاديث الشريفة في بلاغتها الجامعة في أدب نبوي سام، يترك ذلك أثره البليغ والسريع في تأديب الأطفال وتربيتهم إذا ما تعلموها أو قرءوها في مراحل تعليمهم، وبالإضافة إلى ما سبق ما رواه جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"القرآن شافع مشفع، وماحل به مصدق، من جعله أمامه قادة إلى الجنة ومن جعله خلفه ساقه إلى النار" رواه ابن حبان،

ص: 11

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها" رواه أبو داود وغيره، وما رواه معاذ بن أنس الجهني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من قرأ: قل هو الله أحد حتى يختمها عشر مرات بنى الله له قصرا في الجنة" فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنا نستكثر يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا الله أكثر وأطيب" رواه أحمد، وما رواه علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من قرأ القرآن فاستظهره فأحل حلاله وحرم حرامه أدخله الله الجنة وشفعه في عشرة من أهل بيته كلهم قد وجبت لهم النار" رواه ابن ماجه والترمذي، وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت" رواه الطبراني وابن حبان. لذلك حرص عبد الله بن عباس رضي الله عنهما الذي دعا له الرسول بدعوته المشهورة ووصاه بوصيته المشهورة التي سنذكرها في مقامها هنا، فقد حرص أن يقرأ المحكم ولم يتجاوز عشر سنين، فقال:"توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر سنين وقد قرأت المحكم" مما جعل أطفال المسلمين يتدافعون لحفظ كتاب الله عز وجل وتعلمه حتى ضاقت المساجد بالصبيان، فاضطر الضحاك بن مزاحم -معلم الصبيان ومؤدبهم- إلى أن يطوف على حمار ليشرف على طلاب مكتبه الذين بلغ عددهم ثلاثة آلاف صبي، وكان لا يأخذ أجرا على عمله1.

ولهذا أصبح الأزهر الشريف أعظم جامعة وأقدمها في العالم قاطبة لتخرجه علماء أجلاء ينشرون الإسلام وعلومه في بقاع العالم، لأنهم كانوا يحفظون القرآن الكريم في مراحل الطفولة المبكرة، ويتأدبون بأدبه السامي وبلاغته المعجزة، وكذلك الحديث الشريف.

ومما يضطر الأطفال إلى تأديبهم بأدب القرآن والسنة الشريفة أن

1 منهج التربية النبوية للطفل: محمد سويد ص113.

ص: 12

الإسلام أوجب على الوالدين أن يرعى أولاده الأطفال منذ سبع سنين على سبيل الوجوب والإلزام بتعليمهم الصلاة وأن يعينهم على أدائها، وأن يضربهم عليها إذا ما بلغوا عشر سنين وانصرفوا عنه، قال تعالى:

{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه: 123] وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع" رواه أبو داود، وعن أبي ثرية سبرة ابن معبد الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "علموا الصبي الصلاة لسبع سنين واضربوه عليها ابن عشر سنين" رواه أبو داود والترمذي، وفي حديث الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة رضي الله عنه:"يا أبا هريرة، مر أهلك بالصلاة فإن الله يأتيك بالرزق من حيث لا تحتسب"، لأن اعتياد الصلاة وتكرارها في اليوم خمس مرات تؤدبهم بما تهدف إليه من قيم أخلاقية كثيرة، وما تشتمل عليه من القرآن والذكر، فتؤدبهم عن طريق حفظ فاتحة الكتاب وترديدها، وحفظ كثير من السور القرآنية وبعض الآيات التي تعقب الفاتحة في الصلاة، وعن طريق سماع القرآن الكريم من الإمام في الصلاة الجهرية، وعن طريق سماع الخطبة في صلاة الجمعة، وهي فن أدبي من فنون النثر الفني، وما اشتملت عليه من الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة وأدب الصحابة والتابعين والحكم والأمثال والندوات والدروس التي تلقى في المسجد أثناء مصاحبة الطفل لوالده، أو حضوره بنفسه للمشاركة في صلاة الجماعة أو صلاة الجمعة والعيدين بعد أن يعتاد على الصلاة وحده.

ص: 13