الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أدب القصة القرآنية والنبوية للأطفال:
تسيطر القصة بعناصرها الفنية، ويرغبون فيها أكثر من الأجناس الأدبية الأخرى، فيستغرقوا فيها حتى النهاية، ربما في جلسة واحدة مهما طالت؛ وذلك لبنائها الفني المحكم، الذي يعتمد على تطور الأحداث وفاعلية الحركة، وحيوية عناصر التشويق والإثارة، وتوقع الحلول، والخروج من الأزمة.
لذلك تعامل بها القرآن الكريم مع أهل الكفر والعناد في مكة غالبا، لينفذ إلى أعماقهم من جميع منافذ الإدراك في النفس لئلا يكون لهم حجة بعد قصص الرسل وغيرها، فهم في عنادهم أشبه بالأطفال في قلة حيلتهم، وضعف موارد التلقي والاستيعاب عندهم، لذلك غلبت القصة على التنزيل في مكة المكرمة.
وقد ضربت القصة القرآنية المثل الأعلى في الإثارة والتشويق، وجلال التعبير، ومثالية القيم الخلقية، فانبهرت بها عقول الأطفال وأخذت بتلابيب عواطفهم، واستجابت لها وجداناتهم تأثرا واقتناعا، وخاصة القصص التي تثير فيهم مراحل طفولتهم المبكرة، وقد وصلت أحداث مراحلها إلى الإعجاز، الذي فوق طاقة البشر: مثل قصة طفولة موسى عليه السلام وإلقائه في اليم، ونجاته على يد عدوه اللدود فرعون، ليصير ولدا حميما له في معية أسرته، كما جاء في سورة القصص وغيرها، قال تعالى: {نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ، إِنَّ فِرْعَوْنَ
عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ، وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ، وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ، فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ، وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ، فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ....} الآيات إلى آخر سورة القصص.
إن قصص القرآن لا تحتاج منا إلى تعليق أو توضيح للأطفال أو لغيرهم، لأن الإعجاز فيها جعل القرآن كله يفهمه الجاهل والعالم والطفل والشاب والشيخ مصداقا لقوله تعالى:{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} [الكهف: 54]، {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا} [الفرقان: 50] ، وكذلك قصة يوسف وإخوته مع أبيهم يعقوب عليهم السلام، قصة صراع الأبناء مع الآباء والأخوة مع بعضهم، صراع بين الحق والباطل، وبين الخير والشر في قصة كاملة جاءت في صورة كاملة وهي سورة يوسف عليه السلام، نحيل القارئ إليها، فقد وصف القرآن الكريم قصصه بقوله في مفتتح السورة:{الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ، إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ، إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ، قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ} الآيات إلى آخر سورة يوسف.
وكذلك قصة مريم وابنها عيسى عليهما السلام في سورة مريم وفي غيرها من السور الكثيرة، وقصة زكريا ويحيى عليهما السلام، وقصة إسماعيل مع أبيه إبراهيم عليهما السلام والرؤيا، وغيرها من القصص الكثيرة التي جاءت في القرآن الكريم.
أما القصة في الحديث النبوي الشريف فكانت مصدرا ثانيا من مصادر الأدب الإسلامي في تربية الأطفال وتأديبهم بأدب النبوة، فقد جاءت متنوعة تعتمد على الإثارة والتشويق وأحيانا تنتهي الأزمة فيها بخوارق العادات، وكانت لونا بديعا من ألوان الدعوة الإسلامية فهي تدعو إلى تثبيت العقيدة، وتفسير القرآن وتنفر من الشر وتحذر من الباطل وتحض على الخير، وتدعو إلى الحق، وتحث على الفضيلة وتنفر من الرذيلة وتحبب الطاعة، وتكره الكفر والفسوق والعصيان، فيترك ذلك أثره في عاطفة الأطفال، فتنفرهم من الشر والقبيح وتغريهم بمحبة الخير والحق، وقد وردت في الأسانيد الستة وغيرها قصص كثيرة؛ منها قصة أصحاب الغار "أخرجها البخاري 526/ 4"، وقصة الأبرص والأقرع والأعمى "أخرجها مسلم 97/ 18"، وقصة الذي يدور في النار " صحيح مسلم 118/18" وقصة إبراهيم وآزر "أخرجها البخاري 169/ 4"، وقصة الكفل "أخرجها أحمد بن حنبل رقم الحديث 4517" وقصة المستلف ألف دينار "أخرجها البخاري 125/ 12" وقصة الغلام والساحر، فعن صهيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فيمن كان قبلكم ملك وكان له ساحر، فلما كبر قال للملك: إني قد كبرت فابعث إلي غلاما أعلمه السحر، فبعث إليه غلاما يعلمه، فكان في طريقه إذا سلك راهب قعد إليه وسمع كلامه فأعجبه، فكان إذا أتى الساحر مر بالراهب وقعد إليه، فإذا أتى الساحر ضربه فشكا ذلك إلى الراهب وقال: إذا خشيت الساحر فقل: حبسني أهلي، وإذا خشيت أهلك فقل: حبسني الساحر، فبينما هو كذلك إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس، فقال: اليوم أعلم أن الساحر أفضل أم
الراهب أفضل؟ فأخذ حجرا فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمشي الناس، فرماها فقتلها ومضى الناس، فأتى الراهب فأخبره فقال له الراهب: أي بني؛ أنت اليوم أفضل مني، قد بلغ من أمرك ما أرى وإنك ستبتلى، فإن ابتليت فلا تدل علي، وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص، ويداوي الناس من سائر الأدواء، فسمع جليس الملك، وكان قد عمي فأتاه بهدايا كثيرة، فقال: ما ها هنا لك أجمع إن أنت شفيتني، فقال: إني لا أشفي أحدا وإنما يشفي الله، فإن أنت قد دعوت الله شفاك، فآمن بالله فشفاه الله، فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس، فقال له الملك: من رد عليك بصرك؟ فقال: ربي، فقال: أولك رب غيري؟ فقال: ربي وربك الله، فأخذه، فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام، فجيء بالغلام فقال له الملك: أي بني بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص وتفعل، وتفعل، وتفعل، فقال: إني لا وإنما يشفي الله، فأخذه، ولم يزل يعذبه حتى دل على الراهب، فجيء بالراهب وقيل له: ارجع عن دينك، فأبى، فأتى بالمنشار، فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه حتى وقع شقاه، ثم جيء بالغلام فقال له: ارجع عن دينك، فأبى فدفعه إلى نفر من أصحابه، فقال لهم: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا فاصعدوا به الجبل، فإذا بلغتم ذروته، فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه، فذهبوا به وصعدوا به إلى الجبل، فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت، فرجف بهم الجبل فسقطوا وجاء يمشي إلى الملك فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ فقال: كفانيهم الله، فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به فاحملوه في قرقور وتوسطوا به البحر فإن رجع عن دينه وإلا فاقتلوه فذهبوا به فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت، فانكفأت بهم السفينة فغرقوا، وجاء يمشي إلى الملك فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ فقال: كفانيهم الله، فقال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، قال: وما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع، ثم خذ سهما من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس، ثم قل: بسم الله رب
الغلام، ثم ارمني فإنك إن فعلت ذلك قتلتني، فجمع الناس في صعيد واحد ثم صلبه على جذع ثم أخذ سهما من كنانته ثم وضع السهم في كبد القوس ثم قال: بسم الله رب الغلام، ثم رماه فوقع السهم في صدغه، فوضع يده في صدغه في موضع السهم فمات فقال الناس: آمنا برب الغلام، فأتى الملك، فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر؟ قد والله نزل بك حذرك، قد آمن الناس، فأمر بالأخدود في أفواه السكك وأضرم فيها النار فقال: من لم يرجع عن دينه فاحموه فيها، أو قيل له: اقتحم، حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها، فقال لها الغلام: يا أمه اصبري فإنك على الحق" أخرجه مسلم 130/ 18.
واجتمعت في هذه القصة عناصر الإثارة والتشويق وسرد الأحداث في نمو وتطور وتشابك حتى تصل إلى العقدة والأزمة، التي تدفع القارئ إلى البحث عن الحل والانفراج منها في شوق ولهفة، وإذا بالأقدار تتدخل لكي يأتي الحل فيها كرامة تجري على أيدي عباد الله الصالحين.
ومن خلال العرض الأدبي تظهر أهداف القصة السامية وتتحدد فيها معالم القيم الخلقية والإنسانية التي تستثيرها القصة في عاطفة الأطفال، وتحرك مشاعرهم نحوها بالإعجاب والحب والدفاع والسلوك السيئ فيتأدبون بأخلاقها وينشدون قيمها ويبدعون في أعمالهم الأدبية على مثالها أو يجندون أنفسهم للدعوة بمنهجها الفني والإسلامي، وقد سبق أن أوجزنا الجانب الفني، وهذه هي القيم الخلقية بإيجاز أيضا:
1-
التمسك بالعقيدة الصحيحة وهي الإيمان بالله عز وجل وحده لا شريك له.
2-
انتصار العقيدة الصحيحة، ليحقق الله الحق ويبطل الباطل ولو كره الكافرون، وذلك حين آمن الناس جميعا برب الغلام على الرغم من أنف الملك.
3-
التحلي بأخلاق الصدق ولو أدى ذلك إلى العنف والشدة والقسوة، فإن الله سيتولى عباده الصادقين، وينتصر للصدق وأهله الذين يدافعون عنه بصدق وإخلاص.
4-
التحذير من الشر والتنفير من الباطل والترغيب في الخير والحث على الحق.
5-
السعي في سبيل تحقيق الغاية الشريفة والوصول إلى المقصد النبيل.
6-
أن حاشية الظلم والشرك ومصاحبة الأشرار تجر عليهم الخيبة، فيستحقوا الجزاء الوخيم والعذاب الأليم في الدنيا والآخرة.
7-
الصراع بين جنود الشيطان وجند الله عز وجل لا يخلو منه عصر مما يدفع الأطفال إلى التمسك بالمبادئ السامية، والعقيدة الصحيحة، للانتصار بها على حزب الشيطان {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ} .
8-
حث الأطفال على التعليم النافع، وتحصيل المعارف والعلوم، التي تعين على طاعة الله عز وجل، وتنصر الحق وتحث على الخير، وتحارب الشر والباطل.
9-
الإيمان الصادق بأن الله عز وجل يؤيد عباده الصالحين ويدافع عنهم {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} .
10-
الإيمان بما جاء به الإسلام والنبي صلى الله عليه وسلم بأن المعجزة للأنبياء والرسل، ولم يبق منها بعد خاتم الأنبياء إلا الكرامة للصالحين من عباد الله عز وجل.