الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يَصح عُمُوم إِيمَانهم قطعا بل لَو اسْتدلَّ بِمثل هَذَا المبنى لزم أَن لَا يُوجد كَافِر على وَجه الأَرْض لقَوْله تَعَالَى {وَلَقَد كرمنا بني آدم} إِلَى أَن قَالَ {وفضلناهم على كثير مِمَّن خلقنَا تَفْضِيلًا}
فَتَأمل فَإِنَّهُ مَوضِع زلل ومقام خطل وَاحْذَرْ أَن تكون ضَالًّا مضلا فِي الوحل
ثمَّ مَا أبعد قَوْله فِي حَدِيث مُسلم إِن أبي وأباك فِي النَّار
وَقصد بذلك تطييب خاطر ذَلِك الرجل خشيَة أَن يرْتَد إِن قرع سَمعه أَولا أَن أَبَاهُ فِي النَّار انْتهى
وَهَذَا نَعُوذ بِاللَّه وحاشاه صلى الله عليه وسلم أَن يخبر بِغَيْر الْوَاقِع وَيحكم بِكفْر وَالِده لأجل تألف وَاحِد يُؤمن بِهِ اَوْ لَا يُؤمن فَهَذِهِ زلَّة عَظِيمَة وجرأة جسيمة حفظنا الله عَن مثل هَذِه الجريمة
عود الرَّد على السُّيُوطِيّ
وَمِنْهَا اسْتِدْلَال السُّيُوطِيّ على إِيمَان جَمِيع آبَائِهِ صلى الله عليه وسلم بِمَا ذكره
عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن معمر عَن ابْن جريح قَالَ قَالَ ابْن الْمسيب قَالَ عَليّ بن أبي طَالب
لم يزل على وَجه الأَرْض فِي الدَّهْر سَبْعَة مُسلمُونَ فَصَاعِدا وَلَوْلَا ذَلِك هَلَكت الأَرْض وَمن عَلَيْهَا
وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ وَمثله لَا يُقَال من قبل الرَّأْي فَلهُ حكم الرّفْع
وَأطَال فِي ذكر أَمْثَاله من الْأَخْبَار والْآثَار مِمَّا لَيْسَ لَهُ مُنَاسبَة فِي هَذَا الْبَاب وَإِنَّمَا هُوَ تسويد الْكتاب عِنْد من لم يُمَيّز بَين الْخَطَإِ وَالصَّوَاب
هَذَا وَمَا أخرج ابْن ابي حَاتِم بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما من أَن ابا ابراهيم لم يكن اسْمه آزر وَإِنَّمَا كَانَ اسْمه تارخ
فَلَا دلَالَة مِنْهُ على الْمُدعى لأَنا نقُول وَلَو سلم أَن اسْمه تارخ ولقبه آزر لَا يلْزم أَن أَبَاهُ لم يكن مُشْركًا
وَكَذَا مَا أخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طرق بَعْضهَا صَحِيح عَن مُجَاهِد قَالَ لَيْسَ آزر أَبَا إِبْرَاهِيم
يَعْنِي اسْمه بل لقبه لما سبق جمعا بَين الْأَدِلَّة
وَيُؤَيِّدهُ مَا أخرجه ابْن أبي حَاتِم بِسَنَد صَحِيح عَن السّديّ أَنه قيل لَهُ اسْم أبي إِبْرَاهِيم آزر فَقَالَ
بل اسْمه تارخ
يَعْنِي ولقبه آزر
وَكَذَا مَا أخرجه ابْن الْمُنْذر بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن جريج فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِذ قَالَ إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ آزر}
وَلَيْسَ آزر بِأَبِيهِ يَعْنِي بل لقبه وَإِنَّمَا هُوَ إِبْرَاهِيم بن تيرخ أَو تارخ بن شاروخ بن ناحور بن فالخ
هَذَا وَلم يذكر أحد من هَؤُلَاءِ الْأَعْلَام أَن آزر عَم إِبْرَاهِيم عليه السلام فَثَبت أَن ذَلِك القيل من القَوْل العليل
وَقد أخرج ابْن أبي حَاتِم بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ
مَا زَالَ إِبْرَاهِيم يسْتَغْفر لِأَبِيهِ حَتَّى مَاتَ فَلَمَّا تبين لَهُ أَنه عَدو الله فَلم يسْتَغْفر لَهُ
وَأخرج عَن مُحَمَّد بن كَعْب وَقَتَادَة وَمُجاهد وَالْحسن وَغَيرهم قَالُوا
كَانَ يَرْجُو إيمَانه فِي حَيَاته فَلَمَّا مَاتَ على شركه تَبرأ مِنْهُ وَقد قدمنَا هَذَا المبحث مستوعبا
وَمِنْهَا استدلاله بقوله تَعَالَى {وَجعلهَا كلمة بَاقِيَة فِي عقبه} حَيْثُ قَالَ
أخرج عبد بن حميد فِي تَفْسِيره عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
أَنه قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله بَاقِيَة فِي عقب إِبْرَاهِيم عليه السلام
أَقُول أَي فِي ذُريَّته وَلَا يلْزم مِنْهُ عمومهم وَيَكْفِي وجوده فِي بعض مِنْهُم إِذْ الْإِجْمَاع مُنْعَقد على أَن جَمِيع ذُرِّيَّة إِبْرَاهِيم من أَوْلَاد إِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق عليهم السلام لم يَكُونُوا مُؤمنين وَلِهَذَا قَالَ قَتَادَة رضي الله عنه
وَلَا يزَال فِي ذُريَّته من يَقُولهَا من بعده
وَفِي رِوَايَة
من يوحد الله عز وجل ويعبده
وَقَالَ ابْن جريج
فَلم يزل بعد من ذُرِّيَّة إِبْرَاهِيم عليه السلام من يَقُول لَا إِلَه إِلَّا
الله
وَمِنْهَا استدلاله بقوله تَعَالَى {وَإِذ قَالَ إِبْرَاهِيم رب اجْعَل هَذَا الْبَلَد آمنا واجنبني وَبني أَن نعْبد الْأَصْنَام} حَيْثُ قَالَ
أخرج ابْن جرير فِي تَفْسِيره عَن مُجَاهِد فِي هَذِه الْآيَة قَالَ فَاسْتَجَاب الله تَعَالَى لإِبْرَاهِيم عليه السلام دَعوته فِي وَلَده فَلم يعبد أحد من وَلَده صنما بعد دَعوته واستجاب الله لَهُ وَجعل هَذَا الْبَلَد آمنا ورزق أَهله من الثمرات وَجعله اماما وَجعل من ذُريَّته من يُقيم الصَّلَاة انْتهى
وَلَا يخفى أَنه لَا يَصح حمل وَلَده على عُمُوم ذُريَّته للْإِجْمَاع على أَن فِي أَوْلَاد إِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق كفرة مُشْرِكين من الْعَرَب وَالْيَهُود وَالنَّصَارَى فَيجب حمله على أَن المُرَاد بولده أَوْلَاد صلبه كَمَا هُوَ ظَاهر كَلَامه تَعَالَى حِكَايَة عَنهُ بقوله {وَبني}
قَالَ الْبَغَوِيّ
فَإِن قيل قد كَانَ إِبْرَاهِيم مَعْصُوما عَن عبَادَة الْأَصْنَام فَكيف يَسْتَقِيم السُّؤَال وَقد عبد كثير من بنيه الْأَصْنَام فَإِن الْإِجَابَة قبل الدُّعَاء فِي حق إِبْرَاهِيم عليه السلام لزِيَادَة الْعِصْمَة والتثبيت وَإِمَّا دعاؤه لِبَنِيهِ فَأَرَادَ بنيه من صلبه وَلم يعبد أحد مِنْهُم الصَّنَم وَقيل إِن دعاءه لمن كَانَ
مُؤمنا من بنيه
أَي ذُريَّته
وَبِهَذَا انْدفع مَا أخرجه ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان بن عيينه
أَنه سُئِلَ هَل عبد أحد من ولد إِسْمَاعِيل الْأَصْنَام قَالَ أَلا تسمع قَوْله تَعَالَى {واجنبني وَبني أَن نعْبد الْأَصْنَام} قيل فَكيف لم يدْخل وَلَده إِسْحَاق وَسَائِر ولد إِبْرَاهِيم عليه السلام قَالَ لِأَنَّهُ دَعَا لأهل هَذِه الْبَلَد أَن لَا يعبدوا إِذا أسكنهم إِلَّا إِيَّاه فَقَالَ {اجْعَل هَذَا الْبَلَد آمنا} وَلم يدع لجَمِيع الْبلدَانِ بذلك فَقَالَ {واجنبني وَبني أَن نعْبد الْأَصْنَام} فِيهِ وَقد خص أَهله وَقَالَ {رَبنَا إِنِّي أسكنت من ذريتي بواد غير ذِي زرع عِنْد بَيْتك الْمحرم رَبنَا ليقيموا الصَّلَاة}
قَالَ السُّيُوطِيّ
فَانْظُر إِلَى هَذَا الْجَواب من سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَهُوَ أحد الْأَئِمَّة الْمُجْتَهدين وَهُوَ شيخ إمامنا الشَّافِعِي
قلت انْظُر إِلَى مَا قَالَ وَلَا تنظر إِلَى من قَالَ ليتبين لَك حَقِيقَة
الْحَال فَإِن الإتفاق على أَن الْعَرَب من نسل إِسْمَاعِيل عليه السلام وهم سكان حول الْبَيْت الْحَرَام وَكَانُوا يعْبدُونَ الْأَصْنَام فِي جَمِيع اللَّيَالِي وَالْأَيَّام وَأَن الْأَوْثَان دَاخل الْبَيْت وخارجه فِي مَكَّة كَانَت فِي غَايَة من الْكَثْرَة إِلَى أَن غلب عَلَيْهِم صلى الله عليه وسلم يَوْم الْفَتْح فَكَسرهَا وأخرجها قَائِلا {جَاءَ الْحق وزهق الْبَاطِل إِن الْبَاطِل كَانَ زهوقا} أَي مضمحلا من نَفسه وَفِي رِوَايَة فِي جَمِيع أوقاته كَقَوْلِه تَعَالَى {كل شَيْء هَالك إِلَّا وَجهه} وكقول لبيد
أَلا كل شَيْء مَا خلا الله بَاطِل
قَالَ الْبَيْضَاوِيّ
{واجنبني وَبني} بعدني وإياهم أَن نعْبد الْأَصْنَام وَهُوَ بِظَاهِرِهِ لَا يتَنَاوَل أحفاده وَجَمِيع ذُريَّته وَزعم ابْن عُيَيْنَة أَن أَوْلَاد إِسْمَاعِيل عليه السلام لم يعبدوا الصَّنَم محتجا بِهِ وَإِنَّمَا كَانَت لَهُم حِجَارَة يدورون بهَا ويسمونها الدوار وَيَقُولُونَ الْبَيْت حجر فَحَيْثُمَا نصبنا حجرا فَهُوَ
بِمَنْزِلَتِهِ انْتهى
وبطلانه ظَاهر مِمَّا قدمْنَاهُ كَمَا لَا يخفى
وَمِنْهَا استدلاله بقوله تَعَالَى {رب اجْعَلنِي مُقيم الصَّلَاة وَمن ذريتي}
وَقد أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج أَنه قَالَ
فَلَنْ يزَال من ذُرِّيَّة إِبْرَاهِيم عليه السلام نَاس على الْفطْرَة يعْبدُونَ الله
قلت هَذَا كَلَام صَحِيح ودلالته على التَّبْعِيض صَرِيح
وَأما مَا ورد عَن ابْن عَبَّاس وَغَيره من أَنه
كَانَ عدنان ومعد وَرَبِيعَة مُضر وَخُزَيْمَة وَأسد على مِلَّة إِبْرَاهِيم فَلَا تذكروهم إِلَّا بِخَير
فَلَا دلَالَة فِيهِ على تَقْدِير صِحَّته إِلَّا على أَن هَؤُلَاءِ كَانُوا على التَّوْحِيد وَإِنَّمَا أشرك أَوْلَادهم من بعدهمْ بخروجهم عَن حيّز التَّوْفِيق والتأييد
وَمِنْهَا أَنه قد ثَبت عَن جمَاعَة كَانُوا فِي زمن الْجَاهِلِيَّة أَنهم تحنفوا وتدينوا بدين إِبْرَاهِيم عليه السلام وَتركُوا الشّرك فَمَا الْمَانِع من أَن يكون أَبَوا النَّبِي صلى الله عليه وسلم سلكوا سبيلهم فِي ذَلِك
قلت بَعْدَمَا كَانَ مستدلا قَاطعا رَجَعَ فَصَارَ مَانِعا
وَهَذَا مسلكه أَهْون من بَيت العنكبوت وَلَا يصلح أَن يُقَال مثل هَذَا إِلَّا فِي الْبيُوت إِذْ حَدِيث مُسلم يُنَادي على خلاف ذَلِك وَبَقِيَّة مَا ذكرنَا من الدلالات فِي الْآيَات وَالْأَحَادِيث يرد احْتِمَال خلاف مَا هُنَالك لِأَن الْحَافِظ أَبَا الْفرج ابْن الْجَوْزِيّ ذكر فِي التلقيح تَسْمِيَة من رفض عبَادَة الْأَصْنَام فِي الْجَاهِلِيَّة
أَبُو بكر الصّديق زيد بن عَمْرو بن نفَيْل عبيد الله بن جحش عُثْمَان بن الْحُوَيْرِث ورقة بن نَوْفَل رياب بن الْبَراء الشمني أُميَّة بن أبي الصَّلْت أسعد بن كرب الْحِمْيَرِي قس بن سَاعِدَة الْإِيَادِي أَبُو قيس بن صرمة انْتهى
وَلَو كَانَا من هَذَا الْقَبِيل لَكَانَ ذكرهمَا أولى فِي مقَام التَّعْلِيل
هَذَا وَقد روى ابْن إِسْحَاق وَأَصْلحهُ فِي الصَّحِيح تَعْلِيقا عَن أَسمَاء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قَالَت
لقد رايت زيد بن عَمْرو بن نفَيْل مُسْندًا ظَهره إِلَى الْكَعْبَة يَقُول يَا معشر قُرَيْش مَا أصبح مِنْكُم أحد على دين إِبْرَاهِيم غَيْرِي ثمَّ يَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي لَو أعلم أحب الْوُجُوه إِلَيْك عبدتك بِهِ وَلَكِنِّي لَا أعلم
وَهَذَا يدل على مَا حررناه وَفِيمَا تقدم قَرَّرْنَاهُ من أَن جَمِيع ذُرِّيَّة إِسْمَاعِيل عليه السلام لم يثبتوا على دين إِبْرَاهِيم عليه السلام من التَّوْحِيد
وَأخرج أَبُو نعيم فِي دَلَائِل النُّبُوَّة عَن عَمْرو بن عبسة السّلمِيّ قَالَ
رغبت عَن آلِهَة قومِي فِي الْجَاهِلِيَّة وَرَأَيْت أَنَّهَا الْبَاطِل يعْبدُونَ الْحِجَارَة
وَأخرج أَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ كِلَاهُمَا فِي الدَّلَائِل من طَرِيق الشّعبِيّ عَن شيخ من جُهَيْنَة
أَن عُمَيْر بن حبيب الجهيني ترك الشّرك فِي الْجَاهِلِيَّة وَصلى لله تَعَالَى وعاش حَتَّى أدْرك الْإِسْلَام
هَذَا وَقد أظهر السُّيُوطِيّ مجادلته مَعَ كل من الْحَنَفِيّ والمالكي وَالشَّافِعِيّ والحنبلي فِي عدولهم من الحَدِيث الصَّحِيح لما قَامَ عِنْدهم من الدَّلِيل الصَّرِيح الصَّارِف عَن الْعَمَل بذلك الحَدِيث وَالْأَخْذ بِهِ مَعَ أَن أَدِلَّة كل من الْمذَاهب مَذْكُورَة فِي مؤلفاتهم ومسطورة فِي مطولاتهم وَلَيْسَ فِي قواعدهم أَن يتْركُوا الحَدِيث الصَّحِيح ويأخذوا بِالْحَدِيثِ الضَّعِيف فِي مقَام التَّرْجِيح على أَن الشَّافِعِي قَالَ
إِذا صَحَّ الحَدِيث فاتركوا قولي
ثمَّ قَالَ
وَإِن كَانَ المجادل مِمَّن يكْتب الحَدِيث وَلَا فقه عِنْده يُقَال لَهُ فقد قَالَ الأقدمون الْمُحدث بِلَا فقه كعطار غير طَبِيب فالأدوية حَاصِلَة فِي دكانه وَلَا يدْرِي لماذا تصلح والفقيه بِلَا حَدِيث كطبيب لَيْسَ بعطار يعرف مَا تصلح لَهُ الْأَدْوِيَة إِلَّا أَنَّهَا لَيست عِنْده وَإِنِّي بِحَمْد الله قد اجْتمع عِنْدِي الحَدِيث وَالْفِقْه وَالْأُصُول وَسَائِر الْآلَات من الْعَرَبيَّة والمعاني وَالْبَيَان وَغير ذَلِك وَأَنا أعلم كَيفَ أَتكَلّم وَكَيف أَقُول وَكَيف اسْتدلَّ وَكَيف أرجح وَأما أَنْت يَا أخي وفقني الله تَعَالَى وَإِيَّاك فَلَا يصلح لَك ذَلِك لِأَنَّك لَا تَدْرِي الْفِقْه وَالْأُصُول وَلَا شَيْئا من الْآلَات
وَالْكَلَام فِي الحَدِيث وَالِاسْتِدْلَال بِهِ لَيْسَ بالهين وَلَا يحل الْإِقْدَام على التَّكَلُّم فِيهِ لمن لم يجمع هَذِه الْعُلُوم فاقتصر على مَا آتاك الله تَعَالَى وَهُوَ أَنَّك إِذا سُئِلت عَن حَدِيث تَقول ورد أَو لم يرد وَصَححهُ الْحفاظ أَو حسنوه أَو ضَعَّفُوهُ لَا يحل لَك فِي الْإِفْتَاء سوى هَذَا الْقدر وخل مَا عدا ذَلِك وَالله أعلم
(لَا تحسب الْمجد تَمرا أَنْت آكله
…
وَلنْ تبلغ الْمجد حَتَّى تلعق الصبرا)
انْتهى
وَقد أطنب الشَّيْخ رحمه الله فِي منقبته وَهُوَ كَذَلِك فِي حد ذَاته وَصِفَاته مَعَ اسحقاق زِيَادَة فِي تزكيته لِأَنَّهُ صنف فِي كل صنف من الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة كالتفسير والْحَدِيث وَالْفِقْه والآلات الْعَرَبيَّة إِلَّا أَنه فِي هَذِه الرسَالَة عمل عمل العطارين فِي تَكْبِير النوالة وتكثير الْحِوَالَة وَلم إِلَى الْكَلَام الْعلمَاء الْمُتَقَدِّمين وأئمة المعتبرين الَّذين هم الْأَطِبَّاء والحكماء فِي نظر الْخَواص والعوام أَجْمَعِينَ
نصب ميدان جدلي مَعَ السُّيُوطِيّ رَحمَه الله تَعَالَى
ثمَّ أَقُول لَهُ بطرِيق المجادلة على أسلوب الجدل هَل يُعَارض حَدِيث مُسلم الْمجمع على صِحَّته الدَّال على كفر أَبَوَيْهِ صلى الله عليه وسلم بِحَدِيث إحيائهما وإيمانهما بِهِ بعد بعثهما وَالْحَال أَنه ضَعِيف بِاتِّفَاق الْمُحدثين بل مَوْضُوع بَاطِل لَا أصل لَهُ عِنْد الْمُحَقِّقين مَعَ أَنه مُخَالف للآيات السَّابِقَة وَالْأَحَادِيث اللاحقة ولكلام الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَغَيرهم من أكَابِر هَذِه الْأمة وعلماء أهل السّنة وَالْجَمَاعَة وَإِنَّمَا هُوَ على الْأُصُول الْبَاطِلَة للطائفة الرافضة
أَو نقُول إِذا صَحَّ الحَدِيث عَن الرَّسُول وَتَلَقَّتْهُ الْأمة بِالْقبُولِ فَهَل يحل لأحد من أَرْبَاب الفضول أَن يرد عَلَيْهِ وَيَقُول إنَّهُمَا مَاتَا فِي الفترة قبل الْبعْثَة أَو يمتحنان يَوْم الْقِيَامَة
أفليس هَذَا مُعَارضَة بِالتَّعْلِيلِ فِي مُقَابلَة النَّص من الدَّلِيل مَا ذكر أَرْبَاب الْأُصُول فِي الحَدِيث وَالْفِقْه الجامعون بَين الْمَنْقُول والمعقول أَن الحَدِيث إِذا ثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ أَو أَحدهمَا فَلَا يُعَارضهُ حَدِيث غَيرهمَا وَلَو صَحَّ من طريقهما وَإِن كَانَ من بَقِيَّة صِحَاح السِّت
فَكيف إِذا أخرجه أَصْحَاب الْكتب غيرالمعتبرة من الطّرق غير
الْمَشْهُورَة وَصرح الْحفاظ بِضعْف طرقه كلهَا بل بوضعها وَالْحَال أَنه لم يقل بِهَذِهِ الرِّوَايَة إِلَّا جمع من المقلدين لم يصلوا إِلَى مرتبَة الْمُجْتَهدين كَابْن شاهين والخطيب الْبَغْدَادِيّ والسهيلي والقرطبي والمحب الطَّبَرِيّ وَابْن الْمُنِير وأمثالهم
وَهل يحل لأحد من الْحَنَفِيَّة وَغَيرهم أَن يقلدوا هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورين ويتركوا الِاقْتِدَاء بأئمتهم المعتبرين مَعَ ظُهُور أَدِلَّة الْجُمْهُور من عُلَمَاء الْأمة لَا سِيمَا وَالْمَسْأَلَة من الاعتقاديات الَّتِي لَا بُد لَهَا من الْأَدِلَّة اليقينية لَا من الْفُرُوع الْفِقْهِيَّة الَّتِي تغلب مدارها على الْقَوَاعِد الظنية
انْتهى مَا تعلق بزبدة كَلَامه وخلاصة مرامه وعدلنا عَن التَّعَرُّض لما ذكره من التَّطْوِيل الَّذِي لَا يُفِيد التَّعْلِيل فِي مقَام التَّحْصِيل وَإِنَّمَا هُوَ بَيَان قَالَ وَقيل وَالله هُوَ الْهَادِي إِلَى سَوَاء السَّبِيل
وَبِهَذَا يتَبَيَّن أَنه كحاطب ليل وخاطب ويل فَتَارَة يَقُول إنَّهُمَا مُؤْمِنَانِ من أَصلهمَا فَإِنَّهُمَا من أهل الفترة أَو لِكَوْنِهِمَا من آبَاء أَرْبَاب النُّبُوَّة وَأُخْرَى يَقُول إنَّهُمَا كَانَا كَافِرين لكنهما أحياهما الله وآمنا وَمرَّة يَقُول مَا كَانَا مُؤمنين وَمَا كَانَا كَافِرين بل كَانَا فِي مرتبَة المجانين جاهلين فيمتحنان يَوْم الْقِيَامَة وبالظن يحكم أَنَّهُمَا ناجيان
فَانْظُر إِلَى هَذِه المعارضات الْوَاضِحَة والمناقضات اللائحة فَهَل تثبت الْمسَائِل الاعتقادية بأمثال هَذِه الِاحْتِمَالَات الْعَقْلِيَّة
فدلت تصانيفه فِي هَذِه الْقَضِيَّة بِأَنَّهُ أقل العطارين بِالنِّسْبَةِ إِلَى إِمَام