المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الرد على رسالة لابن كمال الباشا في أبوي النبي صلى الله عليه وسلم - أدلة معتقد أبي حنيفة في أبوي الرسول عليه الصلاة والسلام

[الملا على القاري]

الفصل: ‌الرد على رسالة لابن كمال الباشا في أبوي النبي صلى الله عليه وسلم

بِأَن يُقَال المُرَاد بِالْآبَاءِ الأسلاف كَمَا قَالَه الْأَئِمَّة الْحَنَفِيَّة أَو على اسْتِعْمَال اللَّفْظ بالاشتراك بَين الْحَقِيقَة وَالْمجَاز كَمَا اخْتَارَهُ الشَّافِعِيَّة

فَإِذا عرفت ذَلِك فَهَل ترى أَن تكون هَذِه الْآيَة نَظِير الْآيَات الدَّالَّة على أَن المُرَاد بِأبي إِبْرَاهِيم أَبوهُ حَقِيقَة وَلَا يَصح أَنه أَرَادَ عَمه مجَازًا حَيْثُ لَا دَلِيل من جِهَة الْعقل الصَّرِيح وَلَا من طَريقَة النَّقْل الصَّحِيح مَا يصلح أَن يكون مَانِعا من إِرَادَة الْحَقِيقَة وباعثا على قصد الْمجَاز

‌الرَّد على رِسَالَة لِابْنِ كَمَال الباشا فِي أَبَوي النَّبِي صلى الله عليه وسلم

ثمَّ رَأَيْت رِسَالَة فِي هَذِه الْمَسْأَلَة لِابْنِ كَمَال باشا فِيهَا مَا لَا يَنْبَغِي من الْأَشْيَاء

مِنْهَا قَوْله

وَإِن السّلف اخْتلفُوا

وَالْحَال أَنه لَا يَصح الْخلف إِلَّا فِي الْخلف

وَمِنْهَا نَقله عَن الْحَافِظ ابْن دحْيَة مَا قدمْنَاهُ أَنه قَالَ

فَمن مَاتَ كَافِرًا لم يَنْفَعهُ الْإِيمَان بعد الرّجْعَة بل لَو آمن عِنْد

ص: 137

المعانية فَكيف بعد الْإِعَادَة

وَتعقبه بِأَنَّهُ مَدْفُوع بِمَا ورد من أَن أَصْحَاب يبعثون الْكَهْف فِي آخر الزَّمَان ويحجون وَيَكُونُونَ من هَذِه الْأمة تَشْرِيفًا لَهُم بذلك أخرجه ابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه

وَأخرجه ابْن مرْدَوَيْه فِي تَفْسِيره من حَدِيث ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما مَرْفُوعا

أَصْحَاب الْكَهْف أعوان الْمهْدي انْتهى

وَلَا يخفى بطلَان هَذَا التعقب لِأَن أَصْحَاب الْكَهْف مَاتُوا مُؤمنين بِإِجْمَاع الْمُسلمين وَإِنَّمَا الْكَلَام فِي قبُول تَوْبَة الْأَمْوَات من الْمُشْركين

ثمَّ قَالَ

وَلَا بدع أَن يكون الله كتب لأبوي النَّبِي صلى الله عليه وسلم عمرا ثمَّ قبضهما قبل اسْتِيفَائه ثمَّ أعادهما لِاسْتِيفَاء تِلْكَ اللحظة الْبَاقِيَة وآمنا فِيهَا فيعتد بِهِ انْتهى

وَلَا يخفى أَن الْبَحْث لَيْسَ فِي إِمْكَان الْقُدْرَة لِأَنَّهَا قَابِلَة للطرفين وشاملة للصنفين وَإِنَّمَا الْكَلَام فِي صِحَة وُقُوع أَي الشقين

ثمَّ قَالَ

ص: 138

وَأما قَوْله بل لَو آمن عِنْد المعاينة فَكيف بعد الْإِعَادَة فمردود بِأَن الْإِيمَان عِنْد المعاينة إِيمَان بَأْس فَلَا يقبل بِخِلَاف الْإِيمَان بعد الْإِعَادَة وَقد دلّ على هَذَا قَوْله تَعَالَى {وَلَو ردوا لعادوا لما نهوا عَنهُ}

اقول الْكَمَال لله وَإِلَّا فَمثل هَذَا الْفَاضِل فِي مقَام الْأَقْصَى كَيفَ يغْفل عَن الْبُرْهَان الأولى فَإِن الْإِيمَان إِذا لم يقبل عِنْد مُشَاهدَة بعض أَحْوَال الْآخِرَة الَّذِي هُوَ عين الْيَقِين فَكيف يقبل بعد خُرُوجه من الدُّنْيَا وتحققه بِأُمُور العقبى الَّذِي يُسمى حق الْيَقِين على أَن الْمَطْلُوب من العَبْد أَن يُؤمن بِالْغَيْبِ الَّذِي هُوَ علم الْيَقِين مَعَ أَن الله تَعَالَى نَص على الْحَالَتَيْنِ بقوله {وَلَيْسَت التَّوْبَة للَّذين يعْملُونَ السَّيِّئَات حَتَّى إِذا حضر أحدهم الْمَوْت قَالَ إِنِّي تبت الْآن} وَهُوَ حَال الغرغرة (وَلَا الَّذين يموتون وهم كفار) وَهُوَ بعد الْإِعَادَة

ثمَّ من أعجب الْعَجَائِب وَأغْرب الغرائب قَوْله

ويبتني على هَذَا قَوْله تَعَالَى {وَلَو ردوا لعادوا لما نهوا عَنهُ} فَإِنَّهُ دلّ عَلَيْهِ صَحِيحا)

لَكِن على رده صَرِيحًا لأَنهم إِذا عَادوا لما نهوا عَنهُ من الْكفْر

ص: 139

وَالْمَعْصِيَة فَلَا يتَصَوَّر مِنْهُم وجود الْإِيمَان مَعَ الطَّاعَة

وَأما مَا ذكره ابْن الْكَمَال تبعا للسيوطي من أَنه سُئِلَ القَاضِي أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ أحد الْمَالِكِيَّة عَن رجل قَالَ إِن أَبَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي النَّار فَأجَاب بِأَنَّهُ مَلْعُون لِأَن الله تَعَالَى يَقُول {إِن الَّذين يُؤْذونَ الله وَرَسُوله لعنهم الله فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة} قَالَ

وَلَا أَذَى أعظم من أَن يُقَال عَن أَبِيه إِنَّه فِي النَّار

مَحْمُول على من قصد أَذَى النَّبِي عليه الصلاة والسلام بِإِطْلَاق هَذَا الْكَلَام فَإِنَّهُ مَلْعُون بل كَافِر مطعون وَأما من أخبرهُ لما ثَبت عَنهُ عليه الصلاة والسلام واعتقده كَأبي حنيفَة وَغَيره من عُلَمَاء الْأَعْلَام فحاشاهم من نِسْبَة الطعْن إِلَيْهِم وَيحرم اللَّعْن عَلَيْهِم

ثمَّ نَقله تبعا لَهُ عَن السُّهيْلي

لَيْسَ لنا أَن نقُول ذَلِك فِي أَبَوَيْهِ صلى الله عليه وسلم لقَوْله عليه السلام لَا تُؤْذُوا الْأَحْيَاء بسب الْأَمْوَات كَمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ

فَدفعهُ ظَاهر على من عِنْده علم باهر وعقل قاهر

ص: 140