المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وقرئ» الغيوبِ «بالحركاتِ الثلاثِ في الغين. فالكسرُ والضمُّ تقدَّما في» - الدر المصون في علوم الكتاب المكنون - جـ ٩

[السمين الحلبي]

الفصل: وقرئ» الغيوبِ «بالحركاتِ الثلاثِ في الغين. فالكسرُ والضمُّ تقدَّما في»

وقرئ» الغيوبِ «بالحركاتِ الثلاثِ في الغين. فالكسرُ والضمُّ تقدَّما في» بيوت «وبابِه، وأمَّا الفتحُ فصيغةُ مبالغةٍ كالشَّكور والصَّبور، وهو الشيءُ الغائبُ الخفيُّ جداً.

ص: 202

قوله: {وَمَا يُبْدِىءُ} : يجوز في «ما» أَنْ يكونَ نفياً، وأَنْ يكونَ استفهاماً، ولكنْ يَؤُول معناه إلى النفي، ولا مفعولَ ل «يُبْدِئُ» ولا ل «يُعِيْد» ؛ إذ المرادُ: لا يُوْقِع هذين الفعلَيْن، كقوله:

37‌

‌49

- أَقْفَرَ مِنْ أهلِه عبيدُ

أصبحَ لا يُبْدِيْ ولا يُعيدُ

وقيل: مفعولُه محذوفٌ أي: ما يُبْدِئُ لأهلِه خيراً ولا يُعيدُه، وهو تقديرُ الحسنِ.

ص: 202

قوله: {إِن ضَلَلْتُ} : العامَّةُ على فتحِ لامه في الماضي وكسرِها في المضارع، ولكنْ يُنْقَلُ إلى الساكنِ قبلها، والحسن وابنُ وثَّاب بالعكس، وهي لغةُ تميمٍ، وتقدَّم ذلك.

ص: 202

قوله: «فبما يُوْحِي» يجوزُ أَنْ تكونَ مصدريةً أي: بسببِ إيحاءِ ربي إليَّ، وأَنْ تكونَ موصولةً أي: بسبب الذي يُوْحِيه، فعائدُه محذوفٌ.

ص: 203

قوله: {فَلَا فَوْتَ} : العامَّةُ على بنائِه/ على الفتح، و «أُخِذُوا» فعلاً ماضياً مبنياً للمفعول معطوفاً على «فَزِعُوا» . وقيل: على معنى فلا فَوْتَ أي: فلم يَفُوْتُوا وأُخِذوا.

وقرأ عبد الرحمن مَوْلى بني هاشم وطلحة «فلا فَوْتٌ» و «أَخْذٌ» مرفوعين منوَّنَيْنِ، وأُبَيٌّ بفتح «فَوْت» ورَفْع «أَخْذ» . فرَفْعُ «فَوْت» على الابتداء أو على اسمِ «لا» اللَّيْسِيَّةِ. ومَنْ رَفَعَ «وأَخْذٌ» رَفَعَه بالابتداء، والخبرُ محذوفٌ أي: وأَخْذٌ هناك، أو على خبر ابتداءٍ مضمرٍ أي: وحالُهم أَخْذٌ، ويكونُ مِنْ عَطْفِ الجملِ، عَطَفَ مثبتةً على منفيةٍ.

ص: 203

والضميرُ في «آمنَّا به» لله تعالى، أو للرسول، أو للقرآن، أو للعذاب، أو للبعث.

قوله: «التَّناوُشُ» مبتدأ، و «أنَّى» خبرُه أي: كيف لهم التناوشُ. و «لهم» حالٌ. ويجوزُ أَنْ يكونَ «لهم» رافعاً للتناوش لاعتمادِه على الاستفهامِ، تقديرُه: كيف استقرَّ لهم التناوش؟ وفيه بُعْدٌ. والتناؤُش مهموزٌ في قراءة الأخوَيْن وأبي عمرو وأبي بكر، وبالواوِ في قراءةِ غيرِهم، فيُحتمل أن تكونا مادتين مستقلَّتين مع اتِّحاد معناهما. وقيل: الهمزةُ عن الواو لانضمامِها كوُجوه وأُجُوه،

ص: 203

ووُقِّتَتْ وأُقِّتَتْ. وإليه ذهب جماعةٌ كثيرةٌ كالزَّجَّاج والزمخشري وابن عطية والحوفي وأبي البقاء. قال الزجَّاج: «كلُّ واوٍ مضمومةٍ ضمةً لازمةً فأنت فيها بالخِيار» وتابعه الباقون قريباً مِنْ عبارِته. ورَدَّ الشيخ هذا الإِطلاقَ وقَيَّده: بأنَّه لا بُدَّ أَنْ تكونَ الواوُ غيرَ مُدْغَمٍ فيها تحرُّزاً من التعَوُّذ، وأَنْ تكونَ غيرَ مُصَحَّحةٍ في الفعلِ، فإنها متى صَحَّت في الفعل لم تُبْدَلْ همزةً نحو: تَرَهْوَكَ تَرَهْوُكاً، وتعاوَنَ تعاوُناً. وبهذا القيدِ الأخير يَبْطُلُ قولُهم؛ لأنها صَحَّتْ في تَنَاوَشَ يتناوَشُ، ومتى سُلِّم له هذان القيدان أو الأخِيرُ منهما ثَبَتَ رَدُّه.

والتناوُش: الرُّجوع. وأُنْشِدَ:

3750 -

تَمَنَّى أَنْ تَؤُوْبَ إليَّ مَيٌّ

وليس إلى تناوُشِها سبيلُ

ص: 204

أي: إلى رجوعِها. وقيل: هو التناوُل يقال: ناشَ كذا أي: تناولَه. ومنه: تناوَشَ القوم بالسِّلاح كقوله:

3751 -

ظَلَّتْ سُيوفُ بني أَبيه تَنُوْشُه

للهِ أرحام هناك تُشَقَّقُ

وقال آخر:

3752 -

فَهْيَ تَنُوْشُ الحَوْضَ نَوْشاً مِنْ عَلا

نَوْشاً به تَقْطَعُ أجوازَ الفَلا

وفَرَّق بعضُهم بين المهموزِ وغيرِه، فجعله بالهمزِ بمعنى التأخُّر. قال الفراء:«مِنْ نَأَشْتُ أي: تَأخَّرْتُ» . وأنشد:

3753 -

تَمَنَّى نَئِيْشاً أَنْ يكونُ مُطاعِناً

وقد حَدَثَتْ بعد الأمورِ أمورُ

ص: 205

وقال آخر:

3754 -

قَعَدْتَ زماناً عن طِلابك للعُلا

وجِئْتَ نَئيشاً بعد ما فاتَكَ الخبرُ

وقال الفراء: «أيضاً هما متقاربان. يعني الهمزَ وتَرْكَه مثل: ذِمْتُ الرجلَ، وذَأََمْتُه أي: عِبْتُه» وانتاش انتِياشاً كَتَناوَشَ تناوُشاً. قال:

3755 -

باتَتْ تَنُوْشُ العَنَقَ انْتِياشاً

وهذا مصدرٌ على غيرِ الصدرِ. و «مِنْ مكانٍ» متعلِّقٌ بالتَّناوش.

ص: 206

قوله: {وَقَدْ كَفَرُواْ} : جملةٌ حالية، و «مِنْ قبلُ» أي من قبل زوال العذاب. ويجوز أَنْ تكونَ الجملةُ مستأنفةً. والأولُ أظهرُ.

قوله: «ويَقْذِفُون» يجوز فيها الاستئناف، والحال. وفيه بُعْدٌ عكسَ الأولِ لدخول الواو على مضارعٍ مثبتٍ. والضمير في «به» كما تقدَّم فيه بعد «آمنَّا» . وقرأ أبو حيوة ومجاهد ومحبوب عن أبي عمرو و «يُقْذَفون» مبنياً للمفعول أي: يُرْجمون بما يَسُوْءُهم مِنْ جَرَّاءِ أعمالِهم من حيث لا يَحْتسبون.

ص: 206

قوله: {وَحِيلَ} : قد تقدَّمَ فيه الإِشمامُ والكسر أولَ البقرة والقائمُ مقامَ الفاعلِ ضميرُ المصدرِ أي: وحِيْلَ هو أي الحَوْلُ. ولا تُقَدِّره مصدراً مؤكَّداً بل مختصاً حتى يَصِحَّ قيامُه. وجَعَلَ الحوفيُّ القائمَ مقامَ الفاعلِ «بينهم» واعْتُرِض عليه: بأنه كان ينبغي أن يُرْفَعَ. وأُجيب عنه بأنَّه إنما بُني على الفتح لإِضافتِه إلى غير متمكنٍ. ورَدَّه الشيخُ: بأنه لا يُبْنى المضافُ إلى غيرِ متمكنٍ مطلقاً، فلا يجوز:«قام غلامَك» ولا «مررتُ بغلامَك» بالفتح. قلت وقد تقدَّم في قولِه: {لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} [الأنعام: 94] ما يُغْنِيْنا عن إعادتِه هنا/. ثم قال الشيخ: «وما يقولُ قائلُ ذلك في قولِ الشاعر:

3756 -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وقد حِيْلَ بين العَيْرِ والنَّزَوانِ

فإنه نصب» بين «مضافةً إلى مُعْربٍ. وخُرِّجَ أيضاً على ذلك قولُ الآخر:

ص: 207

3757 -

وقالَتْ متى يُبْخَلُ عليك ويُعْتَلَلْ

يَسُؤْكَ وإن يُكشَفْ غرامُك تَدْرَبِ

أي: يُعْتَلَلْ هو أي الاعتلال» .

قوله: «مِنْ قبلُ» متعلِّقٌ ب «فُعِل» أو «بأشياعهم» أي: الذين شايَعوهم قبلَ ذلك الحينِ.

قوله: «مُريب» قد تقدَّم أنه اسمُ فاعلٍ مِنْ أراب أي: أتى بالرَّيْب، أو دخل فيه، وأَرَبْتُه أي: أوقعتَه في الرِّيْبَة. ونسبةُ الإِرابةِ إلى الشكِّ مجازٌ. وقال الزمخشري هنا: «إلَاّ أنَّ ههنا فُرَيْقاً: وهو أنَّ المُريبَ من المتعدِّي منقولٌ مِمَّن يَصِحُّ أَنْ يكونَ مُريباً، من الأعيان، إلى المعنى، ومن اللازمِ منقولٌ من صاحبِ الشكِّ إلى الشَّكِّ، كما تقول: شعرٌ شاعرٌ» وهي عبارةٌ حسنةٌ مفيدةٌ. وأين هذا مِنْ قولِ بعضِهم: «ويجوز أَنْ يكونَ أَرْدَفَه على الشَّكِّ، ليتناسَقَ آخرُ الآية بالتي قبلَها مِنْ مكانٍ قريبٍ» . وقولُ ابنِ عطية: «المُريبُ أَقْوى ما يكون من الشكِّ وأشدِّه» . وقد تقدَّم تحقيقُ الرَّيْب أولَ البقرةِ وتشنيعُ الراغب على مَنْ يُفَسِّره بالشَّك.

ص: 208