المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم قوله: {و‌ ‌الصافات صَفَّا} : قرأ أبو عمرو - الدر المصون في علوم الكتاب المكنون - جـ ٩

[السمين الحلبي]

الفصل: بسم الله الرحمن الرحيم قوله: {و‌ ‌الصافات صَفَّا} : قرأ أبو عمرو

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله: {و‌

‌الصافات

صَفَّا} : قرأ أبو عمرو وحمزة بإدغامِ التاء من الصافَّاتِ، والزَّاجراتِ والتاليات، في صاد «صَفَّاً» وزاي «زَجْراً» وذال «ذِكْراً» ، وكذلك فَعَلا في {والذاريات ذَرْواً} [الذاريات:

‌ 1]

وفي {فالملقيات ذِكْراً} [المرسلات: 5] وفي {العاديات ضَبْحاً} [العاديات: 1] بخلافٍ عن خلَاّد في الأخيرين. وأبو عمروٍ جارٍ على أصلِه في إدغام المتقاربَيْن كما هو المعروفُ مِنْ أصلِه. وحمزةُ خارجٌ عن أصلِه، والفرقُ بين مَذْهَبَيْهما أنَّ أبا عمرٍو يُجيز الرَّوْمَ، وحمزةَ لا يُجيزه. وهذا كما اتفقا في إدغام {بَيَّتَ طَآئِفَةٌ} في سورة النساء [الآية: 81] ، وإن كان ليس من أصلِ حمزةَ إدغامُ مثلِه. وقرأ الباقون بإظهار جميعِ ذلك.

ومفعولُ «الصَّافَّات» و «الزَّاجراتِ» غيرُ مرادٍ؛ إذ المعنى: الفاعلات لذلك. وأعرب أبو البقاء «صَفَّاً» مَفْعولاً به على أنه قد يَقَعُ على المصفوفِ.

ص: 289

قلت: وهذا ضعيفٌ. وقيل: هو مرادٌ. والمعنى: والصافاتِ أنفسَها وهم الملائكةُ أو المجاهدون أو المُصَلُّون، أو الصافَّاتِ أجنحتَها وهي الطيرُ، كقوله:{والطير صَآفَّاتٍ} [النور: 41]، والزاجراتِ السحابَ أو العُصاةَ إنْ أُريد بهم العلماءُ. والزَّجْرُ: الدَّفْعُ بقوةٍ وهو قوةُ التصويتِ. وأنشد:

3789 -

زَجْرَ أَبي عُرْوَةَ السِّباعَ إذا

أشْفَقَ أَنْ يَخْتَلِطْنَ بالغَنَم

وزَجَرْتُ الإِبِلَ والغنمَ: إذا فَزِعَتْ مِنْ صوتِك. وأمَّا «والتاليات» فَيجوز أَنْ يكونَ «ذِكْراً» مفعولَه. والمرادُ بالذِّكْر: القرآنُ وغيرُه مِنْ تسبيحٍ وتحميدٍ. ويجوز أَنْ يكونَ «ذِكْراً» مصدراً أيضاً مِنْ معنى التاليات. وهذا أوفقُ لِما قبلَه. قال الزمخشري: «الفاءُ في» فالزَّاجراتِ «» فالتالياتِ «: إمَّا أَنْ تدلَّ على ترتُّبِ معانيها في الوجودِ كقولِه:

3790 -

أيا لَهْفَ زَيَّابةَ للحارثِ الصَّا

بحِ فالغانِمِ فالآيِبِ

كأنه قال: الذي صَبَحَ فغَنِمَ فآبَ، وإمَّا على ترتُّبهما في التفاوتِ من بعضِ الوجوه، كقوله: خُذِ الأفضلَ فالأكملَ، واعمل الأحسنَ فالأجملَ، وإمَّا على ترتُّبِ موصوفاتِها في ذلك كقولك:» رَحِمَ اللَّهُ المَحَلِّقين فالمقصِّرين «فأمَّا هنا فإنْ وحَّدْتَ الموصوفَ كانت للدلالةِ على ترتُّبِ الصفات في التفاضُلِ. فإذا كان الموحَّدُ الملائكةَ فيكون الفضلُ للصفِّ ثم للزَّجْرِ ثم للتلاوةِ، وإمَّا على

ص: 290

العكس. وإنْ ثَلَّثْتَ الموصوفَ فترتَّبَ في الفضل، فتكون الصافَّاتُ ذواتَ فضلٍ، والزاجراتُ أفضلَ، والتالياتُ أَبْهَرَ فضلاً، أو على العكس» يعني بالعكس في الموضعين أنك ترتقي من أفضلَ إلى فاضلٍ إلى مَفْضولٍ، أو يُبْدَأُ بالأدنى ثم بالفاضل ثم بالأفضل.

والواوُ في هذه للقسمِ، والجوابُ/ قولُه:{إِنَّ إلهكم لَوَاحِدٌ} . وقد عَرَفْتَ الكلامَ في الواوِ الثانيةِ والثالثةِ: هل هي للقسمِ أو للعطف؟

ص: 291

قوله: {رَّبُّ السماوات} : يجوز أَنْ يكونَ خبراً ثانياً، وأن يكون بدلاً مِنْ «لَواحدٌ» ، وأن يكونَ خبرَ مبتدأ مضمر. وجَمْعُ المشارقِ والمغارِبِ باعتبارِ جميع السنة، فإنَّ للشمسِ ثلاثَمئةٍ وستين مشرقاً، وثلاثَمئة وستين مَغْرباً. وأمَّا قولُه:«المَشْرِقَيْن والمغربين» فباعتبار الصيف والشتاء.

ص: 291

قوله: {بِزِينَةٍ الكواكب} : قرأ أبو بكر بتنوين «زينة» ونصب «الكواكب» وفيه وجهان، أحدهما: أَنْ تكونَ الزينةُ مصدراً، وفاعلُه محذوفٌ، تقديره: بأنْ زَيَّنَ اللَّهُ الكواكبَ، في كونِها مضيئةً حَسَنةً في أنفسها. والثاني: أنَّ الزينةَ اسمٌ لِما يُزان به كاللِّيْقَةِ: اسمٌ لِما تُلاقُ به الدَّواةُ، فتكون «الكواكبُ» على هذا منصوبةً بإضمارِ «أَعْني» ، أو تكون بدلاً مِنْ سماء الدنيا بدلَ اشتمالٍ أي: كواكبها، أو من محل «بزينة» .

وحمزةُ وحفصٌ كذلك، إلَاّ أنهما خَفَضا الكواكب على أنْ يُرادَ بزينة: ما يُزان به، والكواكب بدلٌ أو بيانٌ للزينة.

ص: 291

والباقون بإضافةِ «زينة» إلى «الكواكب» . وهي تحتملُ ثلاثةَ أوجهٍ، أحدها: أَنْ تكونَ إضافةَ أعمَّ إلى أخصَّ فتكونَ للبيان نحو: ثوبُ خَزّ. الثاني: أنها مصدرٌ مضافٌ لفاعلِه أي: بأن زَيَّنَتِ الكواكبُ السماءَ بضوئِها. والثالث: أنه مضافٌ لمفعولِه أي: بأَنْ زَيَّنها اللَّهُ بأَنْ جَعَلها مشرِقةً مضيئةً في نفسِها.

وقرأ ابن عباس وابن مسعود بتنوينها، ورفعِ الكواكب. فإنْ جَعَلْتَها مصدراً ارتفع «الكواكب» به، وإنْ جَعَلْتَها اسماً لِما يُزان به فعلى هذا ترتفع «الكواكبُ» بإضمار مبتدأ أي: هي الكواكبُ، وهي في قوة البدلِ. ومنع الفراءُ إعمالَ المصدرِ المنوَّن. وزعمَ أنه لم يُسْمَعْ. وهو غلَطٌ لقولِه تعالى:{أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ} [البلد: 14] كما سيأتي إن شاء الله.

ص: 292

قوله: {وَحِفْظاً} : منصوبٌ على المصدر بإضمارِ فعلٍ أي: حَفِظْناها حِفْظاً، وإمَّا على المفعولِ مِنْ أجله على زيادة الواوِ. والعاملُ فيه «زيَّنَّا» ، أو على أَنْ يكونَ العاملُ مقدراً أي: لِحفْظِها زَيَّنَّاها، أو على الحَمْلِ على المعنى المتقدم أي: إنَّا خَلَقْنا السماءَ الدنيا زينةً وحِفظاً. و «من كلِّ» متعلقٌ ب «حِفْظاً» إنْ لم يكنْ مصدراً مؤكِّداً، وبالمحذوفِ إنْ جُعِل مصدراً مؤكداً. ويجوز أَنْ يكونَ صفةً ل «حِفْظاً» .

ص: 292

قوله: {لَاّ يَسَّمَّعُونَ} : قرأ الأخَوان وحفصٌ بتشديد

ص: 292

السين والميم. والأصل: يَتَسَمَّعون فأدغم. والباقون بالتخفيف فيهما. واختار أبو عبيد الأُوْلى وقال: «لو كان مخففاً لم يتعَدَّ ب» إلى «. وأُجيب عنه: بأنَّ معنى الكلامِ: لا يُصْغُون إلى الملأ. وقال مكي:» لأنه جرى مَجْرى مُطاوِعِه وهو يتَسَمَّعُون، فكما كان تَسَمَّع يتعدَّى ب «إلى» تَعَدَّى سَمِع ب «إلى» وفَعِلْتُ وافتعلْتُ في التعدِّي سواءٌ، فَتَسَمَّع مطاوع سمعَ، واستمع أيضاً مطاوع سَمِع فتعدَّى سَمِعَ تعدِّيَ مطاوعِه «.

وهذه الجملةُ منقطعةٌ عَمَّا قبلها، ولا يجوزُ فيها أَنْ تكونَ صفةً لشيطان على المعنى؛ إذ يصير التقدير: مِنْ كلِّ شيطانٍ ماردٍ غيرِ سامعٍ أو مستمعٍ. وهو فاسدٌ. ولا يجوزُ أيضاً أَنْ تكونَ جواباً لسؤال سائلِ: لِمَ تُحْفَظُ من الشياطين؟ إذ يَفْسُد معنى ذلك. وقال بعضهم: أصلُ الكلامِ: لئلا يَسْمَعوا، فَحُذِفت اللامُ، وأَنْ، فارتفع الفعلُ. وفيه تَعَسُّفٌ. وقد وَهِم أبو البقاء فجوَّزَ أَنْ تكون صفةً، وأنْ تكونَ حالاً، وأنْ تكونَ مستأنفةً، فالأولان ظاهرا الفسادِ، والثالثُ إن عنى به الاستئنافَ البيانيَّ فهو فاسدٌ أيضاً، وإنْ أرادَ الانقطاعَ على ما قَدَّمْتُه فهو صحيحٌ.

ص: 293

قوله: {دُحُوراً} : العامَّةُ على ضم الدال. وفيه أوجهٌ، المفعولُ له، أي: لأجلِ الطَّرْد. الثاني: أنه مصدرٌ ل «يُقْذَفُون» أي: يُدْحَرون دُحوراً أو يُقْذَفُون قَذْفاً. فالتجوُّزُ: إمَّا في الأول، وإمَّا في الثاني. الثالث: أنه مصدرٌ لمقدرٍ أي: يُدْحَرون دُحوراً. الرابع: أنه في موضع الحال أي ذَوي

ص: 293

دُحورٍ أو مَدْحورين. وقيل: هو جمعُ داحِر نحو: قاعِد وقُعود. فيكون حالاً بنفسه من غيرِ تأويلٍ. ورُوِي عن أبي عمرٍو أنه قرأ «ويَقْذِفُون» مبنياً لفاعل.

وقرأ علي والسلمي وابن أبي عبلة «دَحورا» بفتح الدال، وفيها وجهان، أحدهما: أنها صفةٌ لمصدرٍ مقدرٍ، أي: قذفاً دَحُورا، وهو كالصَّبور والشَّكور. والثاني: أنه مصدرٌ كالقَبول والوَلوع. وقد تقدَّم أنه محصورٌ في أُلَيْفاظ.

ص: 294

قوله: {إِلَاّ مَنْ خَطِفَ} : فيه وجهان، أحدُهما: أنه مرفوعُ/ المحلِّ بدلاً مِنْ ضميرِ «لا يَسَّمَّعون» وهو أحسنُ؛ لأنه غيرُ موجَب. والثاني: أنه منصوبٌ على أصلِ الاستثناء. والمعنى: أنَّ الشياطينَ لا يَسمعون الملائكةَ إلَاّ مَنْ خَطِف. قلت: ويجوز أَنْ تكون «مَنْ» شرطيةً، وجوابُها «فَأَتْبَعَه» ، أو موصولةً وخبرُها «فَأَتْبَعَه» وهو استثناءٌ منقطعٌ. وقد نَصُّوا على أنَّ مثلَ هذه الجملةِ تكونُ استثناءً منقطعاً كقوله:{لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ * إِلَاّ مَن تولى وَكَفَرَ} [الغاشية: 22 - 23] . والخَطْفَةُ مصدرٌ معرفٌ بأل الجنسية أو العهدية.

وقرأ العامَّةُ «خَطِفَ» بفتح الخاء وكسرِ الطاءِ مخففةً. وقتادة والحسن بكسرهما وتشديد الطاء، وهي لغةُ تميمِ بنِ مُرّ وبكرِ بن وائل. وعنهما أيضاً وعن عيسى بفتح الخاء وكسر الطاء مشددةً. وعن الحسن أيضاً خَطِفَ كالعامَّة. وأصل القراءَتَيْن: اخْتَطَفَ، فلمَّا أُريد الإِدغامُ سَكَنت التاءُ وقبلها الخاءُ ساكنةً،

ص: 294

فكُسِرت الخاءُ لالتقاءِ الساكنين، ثم كُسِرت الطاءُ إتْباعاً لحركةِ الخاء. وهذه واضحةٌ. وأمَّا الثانية فمُشْكِلَةٌ جداً؛ لأنَّ كَسْرَ الطاء إنما كان لكسرِ الخاء وهو مفقودٌ. وقد وُجِّه على التوهُّم. وذلك أنهم لَمَّا أرادوا الإِدغام نقلوا حركة التاء إلى الخاء ففُتِحَتْ وهم يتوهَّمون أنها مكسورةٌ لالتقاءِ الساكنين كما تقدَّم تقريرُه، فأتبعوا الطاءَ لحركةِ الخاءِ المتوهَّمة. وإذا كانوا قد فَعَلوا ذلك في مقتضياتِ الإِعرابِ فَلأَنْ يَفْعلوه في غيرِه أَوْلَى. وبالجملة فهو تعليلُ شذوذٍ.

وقرأ ابن عباس «خَطِفَ» بكسر الخاء والطاء خفيفةً، وهو إتْباعٌ كقولِهم: نِعِمَ بكسر النون والعين. وقُرئ «فاتَّبَعَه» بالتشديد.

ص: 295

قوله: {أَم مَّنْ خَلَقْنَآ} : العامَّةُ على تشديدِ الميم، الأصلُ: أم مَنْ وهي أم المتصلةُ، عُطِفَتُ «مَنْ» على «هم» . وقرأ الأعمش بتخفيفها، وهو استفهامٌ ثانٍ. فالهمزةُ للاستفهام أيضاً و «مَنْ» مبتدأ، وخبره محذوفٌ أي: ألذين خَلَقْناهم أشدُّ؟ فهما جملتان مستقلتان وغَلَّبَ مَنْ يَعْقل على غيره فلذلك أتى ب «مَنْ» . ولازِبٌ ولازِمٌ بمعنىً. وقد قُرئ «لازم» .

ص: 295

قوله: {بَلْ عَجِبْتَ} : قرأ الأخَوان بضمِّ التاء، والباقون بفتحها. فالفتحُ ظاهرٌ. وهو ضميرُ الرسولِ أو كلِّ مَنْ يَصِحُّ منه ذلك. وأمَّا الضمُّ فعلى صَرْفِه للمخاطب أي: قُلْ يا محمدُ بل عَجِبْتُ أنا، أو على

ص: 295

إسنادِه للباري تعالى على ما يَليقُ به، وقد تقدَّم تحريرُ هذا في البقرة، وما وَرَدَ منه في الكتاب والسنَّة. وعن شُرَيْحٍ أنه أنكرها، وقال:«إنَّ الله لا يَعْجَبُ» فبلغَتْ إبراهيمَ النخعي فقال: «إن شريحاً كان مُعْجَباً برأيه، قرأها مَنْ هو أعلمُ منه» يعني عبد الله بن مسعود.

قوله: «ويَسْخَرون» يجوزُ أَنْ يكونَ استئنافاً وهو الأظهرُ، وأن يكونَ حالاً. وقرأ جناح بن حبيش «ذُكِروا» مخففاً.

ص: 296

قوله: {أَوَ آبَآؤُنَا} : قرأ ابن عامر وقالون بسكونِ الواوِ على أنَّها «أو» العاطفةُ المقتضيةُ للشكِّ. والباقون بفتحِها على أنها همزةُ استفهامٍ دخلَتْ على واوِ العطفِ. وهذا الخلافُ جارٍ أيضاً في الواقعة. وقد تقدَّم مثلُ هذا في الأعراف في قولِه: {أَوَ أَمِنَ أَهْلُ القرى} [الأعراف: 98] فمَنْ فتح الواوَ جاز «في آباؤنا» وجهان، أحدهما: أَنْ يكونَ معطوفاً على مَحَلِّ «إنَّ» واسمِها. والثاني: أَنْ يكونَ معطوفاً على الضمير المستترِ في «لَمَبْعوثون» واستغنى بالفصلِ بهمزةِ الاستفهامِ. ومَنْ سَكَّنها تعيَّن فيه الأولُ دون الثاني على قولِ الجمهور لعَدَمِ الفاصل.

ص: 296

وقد أوضح هذا الزمخشريُّ حيث قال: «آباؤنا» معطوفٌ على محل «إنَّ» واسمِها، أو على الضميرِ في «مَبْعوثون» . والذي جَوَّز العطفَ عليه الفصلُ بهمزةِ الاستفهام «. قال الشيخُ: أمَّا قولُه:» معطوفٌ على محلِّ إنَّ واسمها «فمذهبُ سيبويه خلافُه؛ فإنَّ قولَك» إن زيداً قائمٌ وعمروٌ «» عمرٌو «فيه مرفوعٌ بالابتداء وخبرُه محذوفٌ. وأمَّا قولُه:» أو علىلضميرِ في «مبعوثون» إلى آخره فلا يجوزُ أيضاً لأنَّ همزةَ الاستفهامِ لا تدخلُ إلَاّ على الجملِ لا على المفرد؛ لأنه إذا عُطِف/ على المفردِ كان الفعلُ عاملاً في المفرد بوساطة حرفِ العطفِ، وهمزةُ الاستفهام لا يَعْمَلُ ما قبلها فيما بعدها. فقوله:«أو آباؤنا» مبتدأٌ محذوفُ الخَبرِ، تقديرُه: أو آباؤنا مبعوثون، يَدُلُّ عليه ما قبله. فإذا قلتَ:«أقام زيدٌ أو عمرٌو» فعمرٌو مبتدأ محذوفُ الخبرِ لِما ذكرنا «.

قلت: أمَّا الردُّ الأولُ فلا يَلْزَمُ؛ لأنه لا يلتزمُ مذهبَ سيبويه. وأمَّا الثاني فإنَّ الهمزةَ مؤكِّدة للأولى فهي داخلةٌ في الحقيقةِ على الجملةِ، إلَاّ أنه فَصَلَ بين الهمزتين ب» إنَّ «واسمها وخبرها. يَدُلُّ على هذا ما قاله هو في سورةِ الواقعة، فإنه قال:» دَخَلَتْ همزَةُ الاستفهامِ على حَرْفِ العطفِ. فإنْ قلت: كيف حَسُنَ العطفُ على المضمر «لَمبعوثون» من غيرِ تأكيدٍ ب «نحن» ؟ قلتُ: حَسُنَ للفاصلِ الذي هو الهمزةُ كما حَسُنَ في قولِه: {مَآ أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا} [الأنعام: 148] لفَصْلِ المؤكِّدة للنفي «. انتهى. فلم يَذْكُرْ هنا غيرَ هذا الوجهِ،

ص: 297

وتشبيهَه بقوله: لفَصْلِ المؤكِّدةِ للنفي، لأنَّ» لا «مؤكدةٌ للنفي المتقدِّم ب» ما «. إلَاّ أنَّ هذا مُشْكِلٌ: بأنَّ الحرفَ إذا كُرِّر للتوكيد لم يُعَدْ في الأمر العام إلَاّ بإعادة ما اتصل به أولاً أو بضميرِه. وقد مضى القولُ فيه. وتحصَّل في رفع» آباؤنا «ثلاثةُ أوجهٍ: العطفُ على محلِّ» إن «واسمِها، العطفُ على الضمير المستكنِّ في» لَمبعوثون «، الرفعُ على الابتداء، والخبرُ مضمرٌ. والعامل في» إذا «محذوفٌ أي: أنُبْعَثُ إذا مِتْنا. هذا إذا جَعَلْتَها ظرفاً غيرَ متضمنٍ لمعنى الشرطِ. فإنْ جَعَلْتَها شرطيةً كان جوابُها عاملاً فيها أي: أإذا مِتْنا بُعِثْنا أو حُشِرْنا.

وقُرِئ» إذا «دونَ استفهامٍ. وقد مضى القولُ فيه في الرعد.

ص: 298

قوله: {وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ} : جملةٌ حاليةٌ. العاملُ فيها الجملةُ القائمةُ مَقامَها «نعم» أي: تُبْعَثون وأنتم صاغرون أذلَاّءُ. قال الشيخ: «وقرأ ابنُ وثاب» نَعِمْ «بكسر العين. قلت: وقد تقدم في الأعراف أنَّ الكسائيَّ قرأها كذلك حيث وقعَتْ، وكلامُه هنا مُوْهِمٌ أنَّ ابنَ وثَّاب منفردٌ بها.

ص: 298

قوله: {فَإِنَّمَا هِيَ} : قال الزمخشري: «فإنما هي جوابُ شرطٍ مقدرٍ تقديرُه: إذا كان ذلك فما هي إلَاّ زَجْرَةٌ واحدةٌ» . قال الشيخ: «وكثيراً ما تُضْمَرُ جملةُ الشرطِ قبل فاءٍ إذا ساغ تقديرُه، ولا ضرورةَ

ص: 298

تَدْعُوْ إلى ذلك، ولا يُحْذَف الشرطُ ويبقى جوابُه، إلَاّ إذا انجزم الفعلُ في الذي يُطْلَقُ عليه أنه جوابٌ للأمرِ والنهي وما ذُكِر معهما. أمَّا ابتداءً فلا يجوزُ حَذْفُه» .

قوله: «هي» ضميرُ البعثةِ المدلولِ عليها بالسِّياق لَمَّا كانَتْ بعثتُهم ناشئةً عن الزَّجْرَةِ جُعِلَتْ إياها مجازاً. وقال الزمخشري: «هي مبهمةٌ يُوَضِّحها خبرُها» . قال الشيخ: «وكثيراً ما يقول هو وابنُ مالك: إن الضميرَ يُفَسِّره خبرُه» .

ص: 299

ووقف أبو حاتمٍ على «وَيْلَنا» وجعل ما بعده من قول الباري تعالى. وبعضُهم جَعَلَ {هذا يَوْمُ الدين} مِنْ كلامِ الكفرة فيقف عليه. وقوله: {هذا يَوْمُ الفصل} مِنْ قولِ الباري تعالى. وقيل: الجميعُ مِنْ كلامهم، وعلى هذا فيكونُ قولُه «تُكَذِّبون» : إمَّا التفاتاً من التكلم إلى الخطاب، وإمَّا مخاطبةُ بعضِهم لبعض.

ص: 299

قوله: {وَأَزْوَاجَهُمْ} : العامَّةُ على نصبِه، وفيه وجهان، أحدهما: العطفُ على الموصول. والثاني: أنه مفعولٌ معه. قال أبو البقاء: «وهو في المعنى أقوى» . قلت: إنما قال في المعنى لأنَّه في الصناعةِ ضعيفٌ؛ لأنه أمكن العطفُ فلا يُعْدَلُ عنه. وقرأ عيسى بن سليمان الحجازي بالرفعِ عَطْفاً على ضمير «ظَلموا» وهو ضعيفٌ لعدمِ العاملِ. وقوله: {وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ} لا يجوزُ فيه هذا لأنه لا يُنْسَبُ إليهم ظلمٌ، إنْ لم يُرَدْ بهم الشياطينُ: وإن أُريد بهم ذلك جاز فيه الرفعُ أيضاً على ما تقدَّم.

ص: 299

قوله: {إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ} : العامَّةُ على الكسرِ على الاستئناف المفيدِ للعلة. وقُرِئ بفتحها على حَذْفِ لامِ العلةِ أي: قِفُوهم لأجل سؤال اللَّهِ إياهم.

ص: 300

قوله: {مَا لَكُمْ} : يجوزُ أَنْ يكونَ منقطعاً عَمَّا قبله والمسؤولُ عنه غيرُ مذكورٍ، ولذلك قَدَّره بعضُهم: عن أعمالهم. ويجوزُ أَنْ يكونَ هو المسؤولَ عنه في المعنى، فيكونَ معلِّقاً للسؤال. و «لا تَناصَرون» جملةٌ حاليةٌ. العاملُ فيها الاستقرارُ في «لكم» . وقيل: بل هي على حَذْفِ حرفِ الجرِّ، و «أنْ» الناصبةِ، فلمَّا حُذِفَتُ «أن» ارتفع الفعلُ. والأصل: في أنْ لا، وتقدَّمَتْ قراءةُ البزي «لا تَّناصرون» بتشديد التاء. وقُرِئ «تَتَناصرون» على الأصلِ.

ص: 300

قوله: {عَنِ اليمين} : حالٌ من فاعل «تَأْتُوننا» . واليمينُ: إمَّا الجارحَةُ عَبَّر بها عن القوةِ، وإمَّا الحَلْفُ؛ لأنَّ المتعاقِدَيْن بالحَلْفِ يَمْسَح كلٌّ منهما يمينَ الآخرِ، فالتقديرُ على الأول: تأتوننا أقوياءَ، وعلى الثاني مُقْسِمينَ حالفين. /

ص: 300

قوله: {إِنَّا لَذَآئِقُونَ} : الظاهر أنه مِنْ إخبارِ الكَفَرةِ المتبوعين أو الجنِّ بأنَّهم ذائِقون العذابَ. ولا عدُولَ في هذا الكلامِ. وقال الزمخشري: «فَلَزِمَنا قولُ ربِّنا إنَّا لَذائقون. يعني وعيدَ اللَّهِ بأنَّا لذائقون

ص: 300

لِعذابِه لا مَحالةَ. ولو حكى الوعيدَ كما هو لقال: إنَّكم لذائقونَ، ولكنه عَدَلَ به إلى لفظِ المتكلم؛ لأنهم متكلِّمون بذلك عن أنفسِهم. ونحوُه قولُ القائلِ:

3790 -

ب لقد عَلِمَتْ هوازِنُ قَلَّ مالي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ولو حكى قولَها لقال: قَلَّ مالُك. ومنه قولُ المُحَلِّفِ للحالِف: احْلِفْ» لأَخْرُجَنَّ «و» لَتَخْرُجَنَّ «الهمزةُ لحكايةِ الحالفِ، والتاءُ لإِقبالِ المحلِّف على المحلَّف» .

ص: 301

قوله: {يَوْمَئِذٍ} : أي: يومَ إذ يَسْألوا ويُراجِعوا الكلامَ فيما بينهم.

ص: 301

قوله: {وَصَدَّقَ المرسلين} : أي: صَدَّقهم محمدٌ صلى الله عليه وسلم. وقرأ عبد الله «صَدَقَ» خفيفةَ الدالِ. «المُرْسلون» فاعلاً به أي: صَدَقوا فيما جاؤوا به مِنْ بشارتهم به عليه السلام.

ص: 301

قوله: {لَذَآئِقُو العذاب} : العامة على حذْفِ النونِ

ص: 301

والجرِّ. وقرأ بعضُهم بإثباتِها، والنصبِ، وهو الأصلُ. وقرأ أبان بن تغلب عن عاصم وأبو السَّمَّال في روايةٍ بحذف النون والنصبِ، أَجْرى النون مُجْرى التنوين في حَذْفِها لالتقاء الساكنين كقولِه:{أَحَدٌ الله الصمد} [الإخلاص: 1-2][وقولِه] :

3791 -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ولا ذاكرَ اللَّهَ إلَاّ قليلا

وقال أبو البقاء: «وقُرِئ شاذَّاً بالنصب، وهو سهوٌ من قارئه لأنَّ اسمَ الفاعلِ تُحْذَفُ منه النونُ ويُنْصَبُ إذا كان فيه الألفُ واللامُ» . قلت: وليس بسَهْوٍ لِما ذكَرْتُه لك. وقرأ أبو السَّمَّال أيضاً «لَذائِقٌ» بالإِفراد والتنوين، «العذابَ» نصباً. تخريجُه على حَذْفِ اسمِ جمعٍ هذه صفتُه، أي: إنكم لَفريقٌ أو لجمعٌ ذائِقٌ؛ ليتطابقَ الاسمُ والخبرُ في الجمعيَّةِ.

ص: 302

وقوله: {إِلَاّ مَا كُنْتُمْ} : أي: إلَاّ جزاءَ ما كنتم.

ص: 302

قوله: {إِلَاّ عِبَادَ الله} : استثناءٌ منقطعٌ.

ص: 302

وقوله: {أُوْلَئِكَ} : إلى آخره بيانٌ لحالِهم.

ص: 302

قوله: {فَوَاكِهُ} : يجوزُ أَنْ يكونَ بدلاً مِنْ «رزق» ، وأن يكونَ خبرَ مبتدأ مضمرٍ أي: ذلك الرزقُ فواكهُ.

ص: 302

وقوله: {على سُرُرٍ} : العامَّةُ على ضمِّ الراءِ. وأبو السَّمَّال بفتحها، وهي لغةُ بعضِ كلبٍ وتميمٍ: يفتحون عينَ فُعُل إذا كان اسماً مضاعَفاً. وأمَّا الصفةُ نحو «ذُلُل» ففيها خلافٌ: الصحيحُ أنه لا يجوزُ؛ لأنَّ السَّماعَ وَرَدَ في الجوامد دونَ الصفات.

قوله: «في جنات» يجوزُ أَنْ يتعلَّقَ ب «مُكْرَمون» ، وأَنْ يكونَ خبراً ثانياً، وأنْ يكونَ حالاً، وكذلك «على سُرُرٍ» . و «متقابلين» حالٌ. ويجوزُ أَنْ يتعلَّق «على سرر» بمتقابلين، و «يُطافُ» صفةٌ ل «مُكْرَمُون» ، أو حالٌ من الضمير في «متقابلين» ، أو من الضميرِ في أحدِ الجارَّيْن إذا جعلناه حالاً.

والكأسُ من الزُّجاج ما دام فيها خمرٌ أو نبيذٌ وإلَاّ فهي قَدَحٌ. وقد تُطْلق الكأسُ على الخمرِ نفسِها، وهو مجازٌ سائغٌ. وأُنْشِدَ:

3792 -

وكأسٍ شَرِبْتُ على لَذَّةٍ

وأخرى تَداوَيْتُ منها بها

و «من مَعين» صفةٌ ل «كأس» وتقدَّم الكلامُ على «معين» .

ص: 303

قوله: {بَيْضَآءَ} : صفةٌ ل «كَأْس» . وقال الشيخ: «صفةٌ ل كأس أو للخمرِ» . قلت: لم تُذْكَرِ الخمرُ، اللَّهم إلَاّ أَنْ يَعْنيَ بالمَعين الخمرَ وهو بعيدٌ جداً.

ص: 303

وقرأ عبد الله «صفراءَ» وهي مخالِفَةٌ للسَّواد، إلَاّ أنه قد جاء وَصْفُها بهذا اللونِ. وأنشد لبعض المُوَلَّدين:

3793 -

صَفْراءُ لا تَنْزِلُ الأحزانُ ساحتَها

لو مَسَّها حَجَرٌ مَسَّتْه سَرَّاءُ

و «لَذَّةٍ» صفةٌ أيضاً. وُصِفَتْ بالمصدرِ مبالغةً أو على حَذْفِ المضاف أي: ذات لذةٍ، أو على تأنيثِ لَذّ بمعنى لذيذ فيكون وصفاً على فَعْل كصَعْبٍ. يُقال: لَذَّ الشيءُ يَلَذُّ لَذَّاً فهو لَذيذ ولَذٌّ. وأنشد:

3794 -

بحديثِها اللَّذِّ الذي لو كَلَّمَتْ

أُسْدَ الفَلاةِ به أَتَيْنَ سِراعا

وقال آخر:

3795 -

ولَذٍّ كطَعْمِ الصَّرْخَدِيِّ تَرَكْتُه

بأَرضِ العِدا مِنْ خَشْيَةِ الحَدَثانِ

واللذيذُ: كلُّ شيءٍ مُسْتَطابٍ. وأُنْشِد:

ص: 304

3796 -

تَلَذُّ لِطَعْمِه وتَخالُ فيه

إذا نَبَّهْتَها بعدَ المَنامِ

و «للشاربين» صفةٌ ل «لَذَّةٍ» .

ص: 305

و: {لَا فِيهَا غَوْلٌ} : صفةٌ أيضاً. وبَطَل عَمَلُ «لا» وتكرَّرت لتقدُّمِ خبرِها. وقد تقدَّم أولَ البقرةِ فائدةُ تقديمَ مثلِ هذا الخبرِ ورَدُّ الشيخِ له والبحثُ معه، فعليك بالالتفات إليه.

قوله: «يُنْزَفُون» قرأ الأخَوان «يُنْزِفون» هنا وفي الواقعة بضمِّ الياءِ وكسرِ الزاي. وافقهما عاصمٌ على ما في الواقعة فقط. والباقون بضم الياءِ وفتحِ الزاي. وابنُ أبي إسحاق بالفتح والكسر. وطلحةُ بالفتح والضمِّ. فالقراءةُ الأولى مِنْ أَنْزَفَ الرجلُ إذا ذهب عقلُه من السُّكْرِ فهو نَزِيْفٌ ومَنْزُوْف. وكان قياسُه مُنْزَف ك مُكْرَم. ونَزَفَ الرجلُ الخمرةَ فأَنْزَف هو، ثلاثيُّه متعدٍ، ورباعيُّه بالهمزةِ قاصرٌ، وهو نحو: كَبَيْتُه فأَكَبَّ وقَشَعَتِ الريحُ السَّحابَ فأَقْشَع/ أي: دخلا في الكَبِّ والقَشْع. وقال الأسودُ:

3797 -

لَعَمْري لَئِنْ أَنْزَفْتُمُ أو صَحَوْتُمُ

لبِئْسَ النَّدامى أنتمُ آلَ أَبْجرا

ويقال: أَنْزَفَ أيضاً أي: نَفِدَ شرابُه. وأمَّا الثانيةُ فمِنْ نُزِف الرجلُ ثلاثياً

ص: 305

مبنياً للمفعول بمعنى: سَكِر وذَهَبَ عَقْلُه أيضاً. ويجوزُ أَنْ تكونَ هذه القراءةُ مِنْ أُنْزِف أيضاً بالمعنى المتقدِّم. وقيل: هو مِنْ قولِهم: نَزَفْتُ الرَّكِيَّةَ أي: نَزَحْتُ ماءَها. والمعنى: أنهم لا تَذْهَبُ خمورُهم بل هي باقيةٌ أبداً. وضَمَّنَ «يُنْزَفُوْن» معنى يَصُدُّون عنها بسبب النزيف. وأمّا القراءتان الأخيرتان فيقال: نَزِف الرجلُ ونَزُف بالكسر والضم بمعنى: ذَهَبَ عَقْلُه بالسُّكْر.

والغَوْلُ: كلُّ ما اغتالك أي: أَهْلَكك. ومنه الغُوْلُ بالضم: شيءٌ تَوَهَّمَتْه العربُ. ولها فيه أشعارٌ كالعَنْقاءِ يُقال: غالني كذا. ومنه الغِيْلَة في القَتْل والرَّضاع قال:

3798 -

مَضَى أَوَّلُونا ناعِمِيْنَ بعيشِهِمْ

جميعاً وغالَتْني بمكةَ غُوْلُ

وقال آخر:

وما زالَتِ الخَمْرُ تَغْتالنا

وتَذْهَبُ بالأولِ الأولِ

فالغَوْل اسمٌ عامٌّ لجميع الأَذَى.

ص: 306

و: {قَاصِرَاتُ الطرف} : يجوز أَنْ يكونَ من باب الصفةِ المشبهةِ أي: قاصراتٌ أطرافُهنَّ كمُنْطَلِق اللسانِ، وأَنْ يكونَ من باب اسم الفاعل على أصلِه. فعلى الأولِ المضافُ إليه مرفوعُ المحلِّ، وعلى

ص: 306

الثاني منصوبُه أي: قَصُرَتْ أطرافُهُنّ على أزواجِهِنَّ وهو مدحٌ عظيمٌ. قال امرؤ القيس:

3800 -

من القاصِراتِ الطَّرْفِ لو دَبَّ مُحْوِلٌ

من الذَّرِّ فوق الإِتْبِ منها لأَثَّرا

والعِيْنُ: جمع عَيْناء وهي الواسعةُ العينِ. والذَّكَرُ أَعْيَنُ، والبَيْضُ جمعُ بَيْضَة وهو معروفٌ. والمرادُ به هنا بَيْضُ النَّعام. والمَكْنون المصُون مِنْ كَنَنْتُه أي: جَعَلْتُه في كِنّ. والعربُ تُشَبِّه المرأةَ بها في لَوْنِها، وهو بياضٌ مُشْرِبٌ بعضَ صُفْرَةٍ. والعربُ تُحبُّه. قال امرؤ القيس:

3801 -

وبَيْضَةِ خِدْرٍ لا يُرام خِباؤُها

تَمَتَّعْتُ مِنْ لَهْوٍ بها غيرَ مُعْجَلٍ

كبِكْرِ مُقاناةِ البَياضِ بصُفْرَةٍ

غَذاها نَمِيْرُ الماءِ غيرَ المُحَلَّلِ

وقال ذو الرمة:

3802 -

بيضاءُ في بَرَحٍ صَفْراءُ في غَنَجٍ

كأنها فِضَّةٌ قد مَسَّها ذَهَبُ

وقال بعضُهم: إنما شُبِّهَتِ المرأةُ بها في أجزائِها، فإنَّ البيضةَ من أيِّ جهةٍ أتيتَها كانَتْ في رأي العينِ مُشْبهةً للأخرى وهو في غاية المدح. وقد

ص: 307