الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المجلد الثامن: (القسم الأول من: كتاب الجهاد)
كتاب الجهاد (حكمه، وفضله، والحث عليه)
*
…
كتاب الجهاد: الجهاد حكمه، وفضله، والحث عليه
قال شيخ الإسلام: الشيخ محمد بن عبد الوهاب، أجزل الله له الأجر والثواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد بن عبد الوهاب، إلى الأخ عبد الله بن عبد الرحمن، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد، ذكر لي ابن زيدان، أنك يا عبد الله غضبت على أحمد لما تكلم في بعض المنافقين، ولا يخفاك أن بعض الأمور كما قال تعالى:{وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [سورة النور آية:15]، وذلك أني: لا أعرف شيئاً يتقرب به إلى الله أعظم من لزوم طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال الغربة، فإن انضاف إلى ذلك الجهاد عليها للكفار والمنافقين، كان ذلك تمام الإيمان.
فإذا أراد أحد من المؤمنين أن يجاهد، فأتاه بعض إخوانه، فذكر له أن أمرك للدنيا، أخاف أن يكون هذا من جنس الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات؛
فأنتم تأملوا تفسير الآية، ثم نزلوه على هذه الواقعة.
وأيضا، في صحيح مسلم أن أبا سفيان مر على بلال وسلمان وأجناسهما، فقالوا:"ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها"، فقال أبو بكر: تقولون هذا لشيخ قريش وسيدها؟ ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك، فقال:" يا أبا بكر لئن كنت أغضبتهم، لقد أغضبت ربك "1.
ومن أفضل الجهاد: جهاد المنافقين في زمن الغربة، فإذا خاف أحد منكم من بعض إخوانه قصداً سيئاً، فلينصحه برفق وإخلاص الدين لله، وترك الرياء والقصد الفاسد، ولا يفل عزمه عن الجهاد، ولا يتكلم فيه بالظن السيئ وينسبه إلى ما لا يليق، ولا يدخل خاطرك شيء من النصيحة، فلو أدري أنه يدخل خاطرك ما ذكرته، وأنا أجد في نفسي أني أود أن أنصح كلما غلطت، والسلام.
وقال الشيخ إبراهيم وعبد الله وعلي: أبناء الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمهم الله تعالى: والجهاد بالمال مقدم على الجهاد بالنفس، فمن كان له مال وهو يقدر على الجهاد بنفسه، وجب عليه الجميع، فإن كان ما يقدر بنفسه وجب عليه بالمال، فإن كان لا يقدر بالمال ولا بالنفس، فالحرج مرفوع عنه، قال الله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ
1 مسلم: فضائل الصحابة (2504) ، وأحمد (5/64) .
رَحِيمٌ} [سورة التوبة آية: 91] .
والإمام ينهى الأمراء عن تحميل الناس ما لا يستطيعون ويعصونه في ذلك، وتحميل الفقير ما لم يحمله الله ذنب، ومعصية الإمام إذا نهى عن ذلك ذنب آخر.
وقالوا أيضاً: وقد توعد الله من تثاقل عن الجهاد، ورضي بالإخلاد إلى الأرض، بالوعيد الشديد، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً} الآية [سورة التوبة آية: 38-39]، وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [سورة الأنفال آية: 24] لما يصلحكم؛ وقد فرضه الله على الناس فرض الصلاة والزكاة، قال الله تعالى:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} إلى قوله: {وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [سورة البقرة آية: 216] .
فإذا قام المسلمون بما أمرهم الله به من جهاد عدوهم، بحسب استطاعتهم، فليتوكلوا على الله، ولا ينظروا إلى قوتهم وأسبابهم، ولا يركنوا إليها، فإن ذلك من الشرك الخفي، ومن أسباب إدالة العدو على المسلمين ووهنهم عن لقاء العدو، لأن الله تبارك وتعالى أمر بفعل السبب، وأن لا يتوكل إلا على الله وحده، قال تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ
كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [سورة المائدة آية: 23] .
وقال تعالى: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ} الآية [سورة آل عمران آية: 160]، وقال تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم:{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى} الآية [سورة الأنفال آية: 9-10] .
فإذا فعل المسلمون ما أمرهم الله به، وتوكلوا على الله، وحققوا توكله، نصرهم الله وأمدهم بالملائكة، كما هي عادته مع عباده المؤمنين في كل زمان ومكان، قال الله تبارك وتعالى:{وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [سورة الصفات آية: 171-173]، وقال تعالى:{وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} [سورة الفتح آية: 22-23] .
وأجاب بعضهم، رحمهم الله: وأما الجهاد، فهو واجب على القادر عليه بنفسه وماله، كما أمر الله به عز وجل في كتابه بقوله:{انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [سورة التوبة آية:41] ، وأما من لا يقدر على الجهاد بنفسه ولا بماله، فلا يجوز إلزامه بذلك، كما عذره الله تعالى بقوله: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى
الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [سورة النور آية: 61] .
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله تعالى:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد الرحمن بن حسن، إلى كافة الإخوان، سلمهم الله من شرور الدنيا والآخرة، ووفقنا وإياهم للتجارة الفاخرة؛ سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد، فاعلموا، وفقنا الله وإياكم لشكر ما أنعم به عليكم من نعمة الإسلام، والاجتماع على ذلك، وجهاد من خرج عنه من أهل الجهل والفساد، الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، وقد أوجب الله تعالى جهادهم دفعاً لعنادهم وخروجهم عن جماعة المسلمين، والسمع والطاعة لمن ولاه الله أمرهم، كما قال تعالى:{وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [سورة البقرة آية: 251] .
ومن فضله عليكم: اجتماعكم، وجهادكم لأهل الفساد، ولولا الجهاد لأفسدوا عليكم دينكم ودنياكم، وأنتم - ولله الحمد - على ملة الإسلام، تعبدون ربكم وتوحدونه، وتعملون بفرائضه، وتأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر؛ ومن أعظم الشكر: الجهاد الذي أوجبه الله في كتابه العزيز، قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ
لَكُمْ} الآية [سورة البقرة آية: 216] . وقال تعالى: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ} الآية [سورة النساء آية: 84]، وقال تعالى:{وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ} الآية [سورة الحج آية: 40] .
والإيمان بالله ورسوله، والجهاد في سبيله بالمال والنفس، هو التجارة المنجية من شرور الدنيا والآخرة، الموجبة لخير الدنيا والآخرة، كما قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [سورة الصف آية: 10] إلى قوله: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [سورة الصف آية: 13] ، فبشركم ربكم، فاقبلوا هذه البشارة، وامتثلوا أمره، وجاهدوا أهل الفساد، وارغبوا في ثواب الجهاد في سبيل الله؛ وفي الحديث:" غدوة في سبيل الله أو روحة، خير من الدنيا وما فيها " 1، ولا تفرطوا في الغدوات والروحات، فتضيع عليكم، وفي الحديث:"الجهاد باب من أبواب الخير، ينجي الله به من الهم والغم " 2، وخير المال ما أنفق فيه، وخير الأيام أيام المجاهدين.
إن المجاهد في حسنات، تكتب له في يقظته ونومه، وفي سيره ومقامه؛ فارغبوا في هذا الخير الذي رغبكم فيه ربكم، وابذلوا فيه المال والنفس. وأفضل المجاهدين من جاهد بنفسه وماله، وما عذر ربنا عن الجهاد إلا الأعمى والأعرج والمريض، كذلك الذين لا يجدون ما ينفقون،
1 البخاري: الجهاد والسير (2792)، ومسلم: الإمارة (1880)، والترمذي: فضائل الجهاد (1651)، وابن ماجة: الجهاد (2757) ، وأحمد (3/132) .
2 أحمد (5/314) .
إذا نصحوا لله ورسوله; والنصيحة لله ولدينه واجبة على المعذور وغيره، وصلى الله على محمد.
وقال الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف، رحمهما الله تعالى: الحمد لله الذي أرسل رسله مبشرين ومنذرين، وختمهم بمحمد صلى الله عليه وسلم سيد الأولين والآخرين، وعمم برسالته جميع الثقلين من الإنس والجن، وأمرهم باتباعه وطاعته، وقد كانوا قبله في ضلال مبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وقيوم السماوات والأرضين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وخليله الصادق الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، ومن تبعهم واستقام على طريقتهم إلى يوم الدين.
من عبد الله بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن: إلى من بلغه هذا الكتاب من أهل الجزيرة وعمان، والمنتسبين إلى الإسلام في جميع الأقطار، وفقهم الله لقبول النصائح، وجنبهم أسباب الندم والفضائح، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد، فإن الله سبحانه وبحمده، خلقنا لمعرفته وعبادته، وأمرنا بتوحيده وطاعته، ولم يتركنا هملاً، بل أرسل إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وضمن لنا النجاة والفلاح باتباعه وطاعته، وحرم علينا معصيته ومخالفته، ولم يكن لنا وصول
إليه إلا من جهته، قال تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [سورة آل عمران آية: 31]، وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً} [سورة النساء آية: 174]، وقال تعالى:{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [سورة الأعراف آية: 158] .
وأكمل الله له الدين، وبلغ البلاغ المبين، وأشهد أمته على البلاغ، وأشهد ربه على أمته له بالبلاغ، وقال صلى الله عليه وسلم:" تركتكم على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك " 1، وقال أبو ذر رضي الله عنه:"لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما من طائر يقلب جناحيه إلا ذكر لنا منه علماً". وقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاماً، ذكر فيه بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم، وأهل النار منازلهم، علم ذلك من علمه وجهله من جهله "2.
والمقصود بهذا: ما قد شاع وذاع من إعراض المنتسبين إلى الإسلام - وأنهم من أمة الإجابة - عن دينهم وما خلقوا له - وقامت عليه الأدلة القرآنية والأحاديث النبوية - من لزوم الإسلام ومعرفته، والبراءة من ضده،?
1 ابن ماجة: المقدمة (44) ، وأحمد (4/126) .
2 البخاري: بدء الخلق (3192) .
والقيام بحقوقه، حتى آل الأمر بأكثر الخلق، إلى عدم النفرة من أهل ملل الكفر، وعدم جهادهم، وانتقل الحال حتى دخلوا في طاعتهم، واطمأنوا إليهم، وطلبوا صلاح دنياهم بذهاب دينهم، وتركوا أوامر القرآن ونواهيه، وهم يدرسونه آناء الليل والنهار.
وهذا لا شك أنه من أعظم أنواع الردة، والانحياز إلى ملة غير ملة الإسلام ودخول في ملة النصرانية، عياذاً بالله من ذلك، كأنكم في أزمان الفترات، أو أناس نشؤوا في محلة لم يبلغ شيء من نور الرسالة، أنسيتم قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [سورة المائدة آية:51]، وقوله تعالى:{تَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [سورة المائدة آية: 80-81] . وقال تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} [سورة البقرة آية: 120] ؛ والدخول في طاعتهم، اتباع لملتهم، وانحياز عن ملة الإسلام، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ} [سورة المائدة آية: 57-58] .
وقال تعالى: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً} [سورة النساء آية: 138-140]، وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} [سورة آل عمران آية: 118] .
والآيات القرآنية في تحريم موالاة الكفار، والدخول في طاعتهم، أكثر من أن تحصر؛ ومن تدبر القرآن، واعتقد أنه كلام الله منزل غير مخلوق، واقتبس الهدى والنور منه، وتمسك به في أمر دينه، عرف ذلك إجمالاً وتفصيلاً، قال جندب بن عبد الله رضي الله عنه: "عليكم بالقرآن! فإنه نور بالليل وهدى بالنهار؛ فاعملوا به على ما كان من فقر وفاقة. فإن عرض بلاء، فقدم مالك دون نفسك، فإن تجاوز البلاء،
فقدم نفسك دون دينك؛ فإن المحروب من حرب دينه، والمسلوب من سلب دينه، وإنه لا فاقة بعد الجنة ولا غناء بعد النار؛ إن النار لا يستغني فقيرها، ولا يفك أسيرها".
وهذه الطائفة الملعونة: الطائفة النصرانية، التي حلت بفنائكم، وزحمتكم عند دينكم، وطلبت منكم الدخول إلى طاعتها، هم الذين نوه الله بذكرهم في القرآن، فقال تعالى:{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ} [سورة المائدة آية: 73]، وقال:{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [سورة المائدة آية: 17]، وقال تعالى:{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاًأَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداًأَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} [سورة مريم آية: 88- 93] .
وقال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً} [سورة النساء آية: 171] . فهل بعد هذا غلظة وبيان وزجر
وإنذار وهل يشك بعد هذا ممن له فطرة وسمع وبصر؟ اللهم إلا من ركن إلى الدنيا وطلب إصلاحها ونسي الآخرة، فهذا لا عبرة به، لأنه أعمى القلب مطموس البصر.
وقد أمرنا الله تعالى: أن نقول لهم: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [سورة آل عمران آية: 64] ؛ ففي قوله: {اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} إظهار للبراءة من دينهم، وزجر عن الدخول في طاعتهم.
لقد والله لعب الشيطان بأكثر الخلق، وغير فطرهم، وشككهم في ربهم وخالقهم، حتى ركنوا إلى أهل الكفر، ورضوا بطرائقهم عن طرائق أهل الإسلام؛ وكنا نظن قبل وقوع هذه الفتن، وترادف هذه المحن: أن في الزوايا خبايا، وفي الرجال بقايا، يغارون على دينهم، ويبذلون نفوسهم وأموالهم في الحمية لدينهم؛ فتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون، وراجعوا دينكم بمجاهدة أعدائكم من الكفار والمشركين، وقد امتحنكم الله بهم، وابتلاكم بقربهم من أوطانكم، قال تعالى:{الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ?وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [سورة العنكبوت آية: 1-3] . وقد تعبدكم وأمركم بجهادهم،
وفرضه عليكم: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [سورة البقرة آية: 216]، وقال تعالى:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [سورة محمد آية: 31]، وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} [سورة الصف آية: 10-11] إلى قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} [سورة الصف آية: 14] .
وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ} [سورة التوبة آية: 111] ، فأرشد من اشترى منهم نفوسهم إلى الوفاء بالتسليم، وحضهم على بيان ما لهم فيه من الربح الجزيل، والفضل العظيم.
وخاطب المقرين بالبيع، المماطلين بالتسليم خطاباً، بل عتاباً وتوبيخاً، يقرأ أبداً في محكم التنزيل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ
أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} [سورة التوبة آية: 38] .
ثم حذرهم عن الإصرار على المماطلة، وتوعدهم على التسويف بعد وجوب النفير، فقال سبحانه:{إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [سورة التوبة آية: 39] .
فالواجب عليكم: معشر الرؤساء والقادة من أهل السواحل والبلدان، اتفاق الكلمة بلزوم دينكم، ومجاهدة عدوكم، والتشمير للجهاد عن ساق الاجتهاد، والنفير إلى ذوي العناد، وتجهيز الجيوش والسرايا، وبذل الصلات والعطايا، وإقراض الأموال لمن يضاعفها وينميها، ودفع سلع النفوس من غير مماطلة لمشتريها، وأن تنفروا في سبيل الله خفافاً وثقالاً، وتقوموا بالدعوة لجهاد أعداء الله ركباناً ورجالاً، وأن تتطهروا بدماء المشركين والكفار، من أدناس الذنوب، وأنجاس الأوزار، {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [سورة التوبة آية: 29] ، {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [سورة التوبة آية: 36] .
واحذروا من قوله: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [سورة التوبة آية: 81-82] .
ثم شدد عليهم العقوبة وقطع عنهم قبول المعذرة بقوله: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوّاً إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ} [سورة التوبة آية: 83]، وقال:{وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} [سورة التوبة آية: 46] .
فاحذروا غاية الحذر من سطوة الله، فحقيقة الدين هي المعاملة، وسبيل اليقين هي الطريقة الفاضلة، ومن حرم التوفيق فقد عظمت مصيبته، واشتدت هلكته. وأنتم تعلمون، معاشر المسلمين: أن الأجل محتوم، وأن الرزق مقسوم، وأن ما أخطأ لا يصيب، وأن سهم المنية لكل أحد مصيب، وأن كل نفس ذائقة الموت، وأن الجنة تحت ظلال السيوف، وأن الري الأعظم في شرب كؤوس الحتوف، وأن من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار، ومن أنفق ديناراً كتب بسبعمائة، وفي رواية: بسبع مائة ألف دينار، وأن الشهداء حقاً عند الله من الأحياء، وأن أرواحهم في جوف طير خضر تتبوأ من الجنة حيث تشاء، وأن الشهيد يغفر له جميع ذنوبه وخطاياه، وأنه يشفع في سبعين من أهل بيته ومن والاه، وأنه آمن يوم القيامة من الفزع الأكبر، وأنه لا
يجد كرب الموت، ولا هول المحشر، وأنه لايحس ألم القتل إلا كمس القرصة، وكم للموت على الفراش من سكرة وغصة، وأن الطاعم النائم في الجهاد، أفضل من الصائم القائم في سواه، ومن حرس في سبيل الله لا تبصر النار عيناه، وأن المرابط يجرى له أجر عمله الصالح إلى يوم القيامة، وأن ألف يوم لا تساوي يوماً من أيامه، وأن رزقه يجري عليه كالشهيد أبداً لا يقطع، وأن رباط يوم خير من الدنيا وما فيها، إلى غير ذلك من فضائل الجهاد، التي ثبتت في نصوص السنة والكتاب.
فيتعين على كل عاقل التعرض لهذه الرتب، ومساعدة القائم بها، والانضمام إليه، والانتظام في سلكه، فتربحوا بذلك تجارة الآخرة، وتسلموا على دينكم.
وعن ابن عمر، رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا تبايعتم بالعينة، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد في سبيل الله، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه، حتى ترجعوا إلى دينكم " 1، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: " من غزا غزوة في سبيل الله، فقد أدى إلى الله جميع طاعته، فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر. قلنا: يا رسول الله، وبعد هذا الحديث الذي سمعنا منك، من يدع الجهاد ويقعد، قال: من لعنه الله وغضب عليه وأعد له
1 أبو داود: البيوع (3462) ، وأحمد (2/28، 2/42، 2/84) .
عذاباً عظيماً: قوم يكونون في آخر الزمان، لا يرون الجهاد، وقد اتخذ ربي عنده عهداً لا يخلفه، أيما عبد لقيه وهو يرى ذلك، أن يعذبه عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين ".
وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال في خطبته، بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعام: أيها الناس: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أول، في هذا الشهر على هذا المنبر، وهو يقول:"ما ترك قوم الجهاد في سبيل الله، إلا أذلهم الله، وما ترك قوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلا عمهم الله بعقابه"، وفي الحديث:" من لم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو، مات على شعبة من النفاق "1.
فهذه نصيحة بذلناها لكم تذكرة، كما قال تعالى:{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [سورة الذاريات آية: 55]، وقال:{سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى} [سورة الأعلى آية: 10] . ومعذرة بين يدي الله عن السكوت، لأن السكوت ليس بعذر لأهل العلم، {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [سورة آل عمران آية: 187] .
فلا تغتروا بأهل الكفر وما أعطوه من القوة والعدة، فإنكم لا تقاتلون إلا بأعمالكم، فإن أصلحتموها وصلحت، وعلم الله منكم الصدق في معاملته، وإخلاص النية له، أعانكم عليهم، وأذلهم، فإنهم عبيده ونواصيهم بيده، وهو الفعال لما يريد. {لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ
1 مسلم: الإمارة (1910)، والنسائي: الجهاد (3097)، وأبو داود: الجهاد (2502) .
مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [سورة آل عمران آية: 196-197] .
فعليكم بما أوجبه الله وافترضه من جهادهم ومباينتهم، وكونوا عباد الله على ذلك إخواناً وأعواناً؛ وكل من استطاع لهم، ودخل في طاعتهم، وأظهر موالاتهم، فقد حارب الله ورسوله، وارتد عن دين الإسلام، ووجب جهاده ومعاداته، ولا تنتصروا إلا بربكم، واتركوا الانتصار بأهل الكفر جملة وتفصيلاً، فقد قال صلى الله عليه وسلم:"إنالا نستعين بمشرك "1.
وهذه الدولة التي تنتسب إلى الإسلام، هم الذين أفسدوا على الناس دينهم ودنياهم، استسلموا للنصرانية، واتحدت كلمتهم معهم، وصار ضررهم وشرهم على أهل الإسلام والأمة المستجيبة لنبيها والمخلصة لربها، فحسبنا الله ونعم الوكيل؛ وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
وقال الشيخ محمد بن الشيخ عبد اللطيف، وفقه الله تعالى:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي فرض الجهاد بالقلب واليد واللسان، وجعله أحد أركان الإسلام والإيمان، ووهب لمن قام به الغرف العالية في الجنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
1 مسلم: الجهاد والسير (1817)، والترمذي: السير (1558)، وأبو داود: الجهاد (2732)، وابن ماجة: الجهاد (2832) ، وأحمد (6/67، 6/148)، والدارمي: السير (2496) .
شريك له، ذو الفضل والإحسان، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أفضل من جاهد أهل الكفر والطغيان؛ اللهم صل على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه الذين جاهدوا في سبيل الله في السر والإعلان، وسلم تسليماً كثيراً.
من محمد بن عبد اللطيف: إلى كافة من يراه من إخواننا المسلمين، وفقهم الله لنصر الملة والدين، وأعانهم على جهاد من خالف ما جاء به سيد المرسلين.
أما بعد، فموجب الكتاب: هو النصيحة لكم، والوصية بتقوى الله وطاعته، وامتثال ما أوجبه عليكم في كتابه، وأوجبه رسوله صلى الله عليه وسلم؛ وأعظم الواجبات التي أوجبها الله ورسوله، وفرضها: عبادته بالإخلاص، وترك عبادة ما سواه، والتزام شرائعه، والجهاد في سبيل الله، ومراغمة أعدائه مع من ولاه الله أمركم وجعله إماماً لكم.
والجهاد ركن من أركان الإسلام، الذي لا استقامة للإسلام ولا قوام لشرائعه إلا به؛ وقد أمر الله في كتابه بالجهاد في سبيله، ومدح من قام به، وأثنى عليهم، وجعلهم أهل العروة الوثقى، لأن الجهاد هو ذروة سنام الإسلام.
قال الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [سورة البقرة آية: 216] ،
وقال تعالى: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} الآية [سورة التوبة آية: 41] .
وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [سورة التوبة آية: 111]، وقال تعالى:{لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [سورة النساء آية: 95-96] .
وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ
رَحِيمٌ} [سورة البقرة آية: 218] .
والآيات في فضل الجهاد والترغيب فيه، أكثر من أن تحصر.
وأما الأحاديث الدالة على فضله، وما رتب عليه من الثواب العظيم والأجر الجسيم، فكثيرة جداً، فمنها: ما روى البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه:" سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله. قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله. قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور " 1، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الجهاد أفضل من الحج.
ولهما عن أبي ذر رضي الله عنه قال: " قلت: يا رسول الله، أي الأعمال أفضل؟ قال: الإيمان بالله ورسوله. قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيله "2. وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لغدوة أو روحة في سبيل الله، خير من الدنيا وما فيها " 3، رواه البخاري ومسلم، ولهما أيضاً: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: " أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أي الناس أفضل؟ قال: مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله " 4.
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " رباط يوم في سبيل الله، خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة، خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله، أو الغدوة، خير من الدنيا وما عليها".
1 البخاري: الإيمان (26)، ومسلم: الإيمان (83)، والترمذي: فضائل الجهاد (1658)، والنسائي: مناسك الحج (2624) والجهاد (3130) ، وأحمد (2/264)، والدارمي: الجهاد (2393) .
2 البخاري: الإيمان (26)، ومسلم: الإيمان (83)، والترمذي: فضائل الجهاد (1658)، والنسائي: مناسك الحج (2624) والجهاد (3130) ، وأحمد (2/264)، والدارمي: الجهاد (2393) .
3 البخاري: الجهاد والسير (2794)، ومسلم: الإمارة (1882)، والترمذي: فضائل الجهاد (1649)، والنسائي: الجهاد (3118)، وابن ماجة: الجهاد (2756) ، وأحمد (3/433، 5/335)، والدارمي: الجهاد (2398) .
4 البخاري: الجهاد والسير (2786)، ومسلم: الإمارة (1888)، والترمذي: فضائل الجهاد (1660)، والنسائي: الجهاد (3105)، وأبو داود: الجهاد (2485)، وابن ماجة: الفتن (3978) ، وأحمد (3/37) .
وعن سلمان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " رباط يوم وليلة في سبيل الله، خير من صيامها وقيامها، وإن مات فيه - يعني في الجهاد - أجري عليه عمله الذي كان يعمل، وأجرى عليه رزقه، وأمن الفتانين " 1، رواه مسلم. وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال:" كل ميت يختم على عمله، إلا المرابط في سبيل الله، فإنه ينسأ له عمله إلى يوم القيامة، ويأمن من فتنة القبر " 2، رواه أبو داود.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تضمن الله لمن خرج في سبيله، لا يخرجه إلا إيمان بي وجهاد في سبيلي وتصديق برسلي، فهو علي ضامن أن أدخله الجنة، أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلاً ما نال من أجر أو غنيمة. والذي نفس محمد بيده، ما من كلم يكلم في سبيل الله، إلا جاء يوم القيامة كهيئته يوم كلم، لونه لون دم، وريحه ريح مسك. والذي نفس محمد بيده، لولا أن أشق على المسلمين، ما قعدت خلف سرية تغزو في سبيل الله أبداً، ولكن لا أجد سعة فأحملهم، ولا يجدون سعة ويشق عليهم أن يتخلفوا عني. والذي نفس محمد بيده، لوددت أن أغزو في سبيل الله فأُقتل، ثم أغزو فأُقتل، ثم أغزو فأُقتل "، رواه مسلم. وعن معاذ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من قاتل في سبيل الله فواق ناقة، وجبت له الجنة. ومن جرح
1 مسلم: الإمارة (1913)، والترمذي: فضائل الجهاد (1665)، والنسائي: الجهاد (3167، 3168) ، وأحمد (5/441) .
2 الترمذي: فضائل الجهاد (1621)، وأبو داود: الجهاد (2500) ، وأحمد (6/20) .
جرحاً في سبيل الله، أو نكب نكبة، فإنها تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانت، لونها الزعفران وريحها المسك " 1، رواه أبو داود والترمذي. والفواق: ما بين الحلبتين.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " مر رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بشعب فيه عيينة من ماء عذبة فأعجبته، فقال: لو اعتزلت الناس، وأقمت في هذا الشعب، ولن أفعل حتى أستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: لا تفعل، فإن مقام أحدكم في سبيل الله، أفضل من مقامه في بيته سبعين عاماً. ألا تحبون أن يغفر الله لكم ويدخلكم الجنة؟ اغزوا في سبيل الله. من قاتل في سبيل الله فواق ناقة، وجبت له الجنة " 2، رواه الترمذي.
وعن معاذ رضي الله عنه قال: " قيل: يا رسول الله، ما يعدل الجهاد في سبيل الله؟ قال: لا تستطيعونه. قأعادوا عليه مرتين أو ثلاثاً، كل ذلك وهو يقول: لا تستطيعونه. ثم قال: مثل المجاهد في سبيل الله، كمثل القائم القانت بآيات الله، لا يفتر من صلاة ولا صيام، حتى يرجع المجاهد في سبيل الله "، وعنه صلى الله عليه وسلم:" إن في الجنة مائة درجة، أعدها الله للمجاهدين في سبيله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض " 3، رواه البخاري.
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف " 4، وعن
1 الترمذي: فضائل الجهاد (1657)، والنسائي: الجهاد (3141)، وأبو داود: الجهاد (2541)، وابن ماجة: الجهاد (2792) ، وأحمد (5/244) .
2 الترمذي: فضائل الجهاد (1650) ، وأحمد (2/524) .
3 البخاري: التوحيد (7423) ، وأحمد (2/335، 2/339) .
4 مسلم: الإمارة (1902)، والترمذي: فضائل الجهاد (1659) ، وأحمد (4/396، 4/410) .
عبد الرحمن بن جبير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما اغبرت قدما عبد في سبيل الله فتمسه النار أبداً " 1، وعن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، الأجر والمغنم " 2، وقال صلى الله عليه وسلم:" من لم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو، مات على شعبة من النفاق "3.
والأحاديث في فضل الجهاد، والترغيب فيه، كثيرة شهيرة؛ فسارعوا عباد الله إلى ما ندبكم الله إليه، ورغبكم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، واغتنموا حضور المشاهد، التي يترتب عليها إعلاء كلمة الله، وإعزاز دينه؛ وإياكم والتخلف، والتكاسل والالتفات إلى من يثبط عن طرق الخير، ويعوق عن موجبات السعادة الدنيوية والأخروية!
وقد ذم الله المتخلفين عن الجهاد في سبيله، وعابهم، فقال تعالى:{سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا} [سورة الفتح آية: 11] ، فاعتذروا بالاشتغال بالأهل والأموال عن حضور الجهاد، {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} [سورة الفتح آية: 11] . وقال تعالى حاكياً عن المنافقين، بتخذيلهم وتثبيطهم للمؤمنين عن الجهاد في سبيل الله:{وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} [سورة التوبة آية: 81] .
فلا يتخلف عن الجهاد إذا دعي إليه إلا منافق معلوم النفاق، فالحذر كل الحذر، من الإصغاء والالتفات إلى
1 البخاري: الجهاد والسير (2811)، والترمذي: فضائل الجهاد (1632)، والنسائي: الجهاد (3116) ، وأحمد (3/479) .
2 البخاري: الجهاد والسير (2850)، ومسلم: الإمارة (1873)، والترمذي: الجهاد (1694)، والنسائي: الخيل (3575، 3576)، وابن ماجة: التجارات (2305) والجهاد (2786) ، وأحمد (4/375، 4/376)، والدارمي: الجهاد (2426) .
3 مسلم: الإمارة (1910)، والنسائي: الجهاد (3097)، وأبو داود: الجهاد (2502) .
المخذلين والمثبطين، وما يلقونه من الشكوك والريب، وإساءة الظن بأهل هذه الدعوة الإسلامية، الذين أقامهم الله في آخر هذا الزمان، أنصاراً لدين الله، وأعواناً لمن قام به؛ فالقيام معهم ونصرتهم من الواجبات الدينية، لأنهم أنصار الإسلام أولاً وآخراً، أطال الله للمسلمين بقاءهم، وخذل جميع من ناوأهم، لا سيما بترك الإسلام وركنه، وكهفه المنيع وحصنه، أعني به البطل الهمام، والشجاع المقدام، قائد جموع أهل الإسلام، الإمام عبد العزيز بن الإمام عبد الرحمن آل فيصل، حفظه الله وأطال بقاءه.
فإذا دعاكم أيها المسلمون إلى الجهاد والنفير، فاسمعوا وأطيعوا، واحذروا أن تكونوا كالذين قالوا: سمعنا وعصينا؛ فإن القيام معه ونصرته من الواجبات الدينية، لأنا لا نعلم أحداً على وجه الأرض اليوم، شرقاً وغرباً، جنوباً وشمالاً تجب طاعته، ويجب الجهاد معه، أولى منه.
وقد قال تعالى معاتباً لعباده المؤمنين، ومحذراً لهم عن التثاقل والتثبيط:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [سورة التوبة آية: 38-39]، وقال تعالى آمراً لهم بالنفير: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [سورة التوبة آية: 41] .
وترك الجهاد من الإلقاء باليد إلى التهلكة، ومن الأسباب التي توجب تسليط العدو، قال تعالى:{وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [سورة البقرة آية: 195]، قال طائفة من السلف: الإلقاء باليد إلى المهلكة، هو ترك الجهاد، وقال صلى الله عليه وسلم:" إذا تبايعتم بالعينة، واتبعتم أذناب البقر، وتركتم الجهاد في سبيل الله، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه منكم حتى تراجعوا دينكم ".
فالله الله، في المبادرة والمسارعة! فإن الله يحب من عباده أن يسارعوا إلى ما أمرهم به؛ وإذا استنفر الإمام الرعية، كان الجهاد فرض عين على كل من أقدره الله عليه، إلا من عذره الله في كتابه. فالإخلاد إلى الأرض، وإيثار الحياة الدنيا على الآخرة، والشح بالنفس والمال، وترك الجهاد، هو الخسران المبين. فاسمعوا وأطيعوا لمن ولاه الله أمركم، وأجيبوه إلى ما دعاكم إليه من الجهاد، وأخلصوا لله القصد والنية، وأصلحوا السريرة والطوية، تفلحوا وتفوزوا. وعليكم بالجد والاجتهاد، ومساعدة إمام المسلمين على قتال أعداء الملة والدين، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
وقال الشيخ سعد بن حمد بن عتيق، أعتقه الله من النار:
بسم الله الرحمن الرحيم
من سعد بن حمد بن عتيق: إلى الأمير المكرم سلطان بن بجاد، وجميع إخواننا المجاهدين والمرابطين، وفقهم الله تعالى للعمل بما يرضيه، وجعلهم ممن قرأ القرآن وعمل بما فيه؛ سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد، فالموجب للكتاب، هو: إبلاغكم السلام، وتذكيركم ما منّ الله به عليكم من النعم العظيمة، والمواهب الجسيمة، التي أجلها وأعظمها: أن هداكم لمعرفة أصل دين الإسلام، والعمل بما يقتضيه، من الوظائف الدينية، والأعمال الشرعية، والأحكام، وبصركم بما هداكم به من نور الإيمان، والقرآن العظيم، والسنة الثابتة عن نبيكم الكريم، فعرفكم جهل الجاهلين، وضلال الضالين، وشك الشاكين.
وقد تعلمون ما كنتم عليه في السنين الخالية، من مشابهة أهل الجاهلية الأولين، في كثير من الأخلاق
والأعمال، والأخذ بكثير مما كانوا عليه من شعب الغي والضلال، فهداكم الله لسلوك الصراط المستقيم، وجنبكم طريق أصحاب الجحيم.
فحقيق بكم أن تشكروا هذه النعمة، وتوفوها حقها، قال الله تعالى:{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [سورة يونس آية: 58] . قال ابن عباس، رضي الله عنهما:"فضل الله الإسلام، ورحمته القرآن"، وقال أبو سعيد الخدري:"فضل الله القرآن، ورحمته أن جعلنا من أهله"، وقال ابن عمر:"فضل الله الإسلام، ورحمته تزيينه في القلوب".
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [سورة آل عمران آية: 102-105]، وقال تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ
شَيْءٍ عَلِيمٌ} [سورة البقرة آية: 231] . وقال تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [سورة المائدة آية: 7] .
ومن أعظم ما من الله به عليكم وأسداه من فضله وإحسانه إليكم: الجهاد في سبيل الله، والحراسة والرباط فيه، وإغاظة أعداء الله، وإنزال الضرر والضيق بهم؛ فيا لها من مرتبة ما أعلاها! ومواهب ما أشرفها وأسناها! وقد تضمن كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من الترغيب في ذلك والحث عليه، وبيان ما يترتب عليه من الأجر والثواب، ما يحرك القلوب الواعية، وينهض من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [سورة الصف آية: 10-13]، وقال تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ
أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [سورة التوبة آية: 19-22] .
وقال تعالى: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [سورة النساء آية: 95-96] . وقال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَأُونَ مَوْطِئاً يُغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [سورة التوبة آية: 120-121] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله، لا يفتر من صيام ولا صلاة، حتى يرجع المجاهد في سبيل الله"، وقال:"تكفل الله للمجاهد في سبيله إن توفاه أن يدخله الجنة،?أو يرجعه سالماً مع ما نال من أجر وغنيمة " 1، وقال:" غدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها " 2، وقال: " جاهدوا في سبيل الله؛ فإن الجهاد في سبيل الله باب من أبواب الجنة،
1 البخاري: فرض الخمس (3123) والتوحيد (7457، 7463)، ومسلم: الإمارة (1876)، والنسائي: الجهاد (3123)، وابن ماجة: الجهاد (2753) ، وأحمد (2/231، 2/424، 2/494)، ومالك: الجهاد (974)، والدارمي: الجهاد (2391) .
2 البخاري: الجهاد والسير (2792)، ومسلم: الإمارة (1880)، والترمذي: فضائل الجهاد (1651)، وابن ماجة: الجهاد (2757) ، وأحمد (3/132) .
ينجي الله به من الهم والغم " 1، وقال: " انتدب الله لمن خرج في سبيله، لا يخرجه إلا إيمان بي وتصديق برسلي، أن أرجعه بما نال من أجر أو غنيمة، أو أدخله الجنة. ولولا أن أشق على أمتي ما قعدت خلف سرية، ولوددت أني أُقتل في سبيل الله ثم أحيا، ثم أُقتل ثم أحيا، ثم أقتل " 2.
وقال صلى الله عليه وسلم: "رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها "، وقال:" رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه. وإن مات أجري عليه عمله الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه، وأمن من الفتانين " 3، وقال:" ما من ميت يموت إلا ختم على عمله، إلا من مات مرابطاً في سبيل الله، فإنه ينمو له عمله إلى يوم القيامة، وأمن من فتنة القبر " 4، وقال:" رباط يوم خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل " 5، وذكر الترمذي عنه:" من رابط ليلة في سبيل الله كانت له كألف ليلة، صيامها وقيامها " 6، وذكر أحمد عنه:" من حرس من وراء المسلمين في سبيل الله تطوعاً لا يأخذه سلطان، لم ير النار بعينه إلا تحلة القسم، فإن الله تعالى يقول: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [سورة مريم آية: 71] ?"7.
وهذا قليل من كثير، تركنا ذكره لقصد الاختصار وعدم التطويل، فانظروا رحمكم الله هذه الآيات والأحاديث، وما فيها من الثناء الجميل والثواب الجزيل، الذي وعد الله به أهل الجهاد في سبيله، والرباط والحراسة فيه، هل تدركه أعمال
1 أحمد (5/314) .
2 البخاري: الإيمان (36)، ومسلم: الإمارة (1876)، وابن ماجة: الجهاد (2753) ، وأحمد (2/231)، ومالك: الجهاد (1012) .
3 مسلم: الإمارة (1913)، والترمذي: فضائل الجهاد (1665)، والنسائي: الجهاد (3167 3168) ، وأحمد (5/440، 5/441) .
4 الترمذي: فضائل الجهاد (1621)، وأبو داود: الجهاد (2500) ، وأحمد (6/20) .
5 الترمذي: فضائل الجهاد (1667)، والنسائي: الجهاد (3169) ، وأحمد (1/65، 1/75)، والدارمي: الجهاد (2424) .
6 ابن ماجة: الجهاد (2766) .
7 أحمد (3/437) .
العابدين واجتهاد المجتهدين، وإن استغرقوا بالعبادة أيامهم، وأتعبوا بقيام الليل أجسادهم، ولله در القائل:
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا
…
لعلمت أنك في العبادة تلعبُ
من كان يخضب خده بدموعه
…
فنحورنا بدمائنا تتخضبُ
أو كان يتعب خيله في باطل
…
فخيولنا يوم الصبيحة تتعبُ
ريح العبير لكم ونحن عبيرنا
…
رهج السنابك والغبار الأطيبُ
ولقد أتانا من مقال نبينا
…
قول صحيح صادق لا يكذبُ
لايستوي غبار خيل الله في
…
أنف امرئ ودخان نار تلهبُ
هذا كتاب الله ينطق بيننا
…
ليس الشهيد بميت لا يكذبُ
فعليكم عباد الله بالصبر والثبات، ولزوم المراكز والمعسكرات، وإياكم والضجر والسآمة والملل، وغير ذلك مما يؤول بصاحبه إلى الوهن والفشل؛ واحذروا التفرق والتنازع والتخالف، والانسحاب عن شيء من تلك المقامات والمواقف، فإن النصر مع الصبر، وإن الله ناصر حزبه ومظهر دينه على الدين كله. {وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} [سورة محمد آية: 4] .
وقال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [سورة آل عمران آية: 142]، وقال تعالى:{وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [سورة الأنفال آية: 46]، وقال تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ
يُحِبُّ الصَّابِرِينَ وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [سورة آل عمران آية: 146-148] .
وعليكم بلزوم الطاعة وملازمة الجماعة، وامتثال أمر من ولاه الله أمركم، وعدم الاختلاف عليه والتخلف عن طاعته، فعلى الله فاعتمدوا، وبه فثقوا، وعليه فتوكلوا، {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} [سورة الطلاق آية: 3] .
فنسأل الله تعالى أن يهدينا وإياكم وجميع المسلمين صراطه المستقيم، وأن يثبتنا جميعاً على دينه، وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب، وصلى الله على محمد، وآله وصحبه وسلم.
وقال الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري، وفقه الله تعالى.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي شرع الجهاد لعباده المؤمنين، ونصرهم على أعدائهم من الكفار والمشركين، وأنزل إليهم في كتابه المبين:{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِين َوَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [سورة الأنفال آية: 9-10] . أمرنا بالجهاد، وجعل ثواب أهله أعلى أبواب الجنة، وأعظم للمجاهدين الأجور، وأجزل لهم المنة؛ جردوا سيوفهم لقتال الكفار، وبذلوا النفوس والأموال لينالوا منازل الأبرار، ففازوا بجنة {عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [سورة آل عمران آية: 133] ، {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [سورة العنكبوت آية: 69] .
أعلامهم في أقطار الأرض في نصرة التوحيد خافقة، وخيول عزمهم في ميدان رهان الفضائل سابقة، أخلصوا
أعمالهم لرب العالمين، ولازموا طاعته حتى أتاهم اليقين، وتحملوا مشقة الجهاد رجاء لما يوعدون. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [سورة آل عمران آية: 200] .
أحمده سبحانه، إذ كشف عنا بالجهاد في سبيله كل فتنة مدلهمة; وأشكره إذ هدانا للإسلام وجعلنا من خير أمة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كلمة قامت بها الأرض والسماوات، ونصر من قام بها على جميع البريات؛ فإنها كلمة الإسلام، ومفتاح دار السلام، ومن أجلها شرع الجهاد، وقام بأعبائه من أراد الله سعادته من صالح العباد.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الذي أقام الله به علم الجهاد، وقمع به أهل الغي والفساد، وأنزل عليه في كتابه المبين:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ} [سورة التوبة آية: 73] ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين أيد الله بهم الإسلام، ومزق بهم من الشرك كل غيهب وقتام، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد، فإن الجهاد من أفضل ما تقرب به المتقربون، وتنافس في حوز قصب سبقه المتنافسون، وقد ورد في فضله من الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، ما يثير ساكن الغرام، ويوجب بذل المهج في طلب الزلفى من الملك العلام، فقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى
تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [سورة الصف آية: 10-12] .
وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [سورة التوبة آية: 111]، وقال تعالى:{وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [سورة التوبة آية: 36] .
وقال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [سورة البقرة آية: 216] وقال تعالى: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [سورة التوبة آية: 41]، وقال تعالى: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً
عَظِيماً دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [سورة النساء آية: 95-96] . والآيات في ذلك كثيرة جداً.
لقد حرك الداعي إلى الله وإلى دار السلام النفوس الأبية والهمم العالية، وأسمع منادي الإيمان من كانت له أذن واعية، وأسمع الله من كان حياً، فهزه السماع إلى منازل الأبرار، وحدا به في طريق سيره، فما حطت به رحله إلا بدار القرار.
وأما الأحاديث: فقد قال صلى الله عليه وسلم: " انتدب الله عز وجل لمن خرج في سبيله، لا يخرجه إلا إيمان بي وتصديق برسلي، أن أرجعه بما نال من أجر أو غنيمة، أو أدخله الجنة. ولولا أن أشق على أمتي ما قعدت خلف سرية، ولوددت أني أُقتل في سبيل الله، ثم أحيا ثم أُقتل، ثم أحيا ثم أُقتل " 1، وقال:" مثل المجاهد في سبيل الله، كمثل الصائم القائم، القانت بآيات الله، لا يفتر من صيامه ولا صلاته، حتى يرجع المجاهد في سبيل الله. وتكفل الله للمجاهد في سبيله إن توفاه، أن يدخله الجنة أو يرجعه سالماً، مع ما نال من أجر أو غنيمة "2.
وقال صلى الله عليه وسلم: " غدوة في سبيل الله أو روحة، خير من الدنيا وما فيها "3، وقال فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى: " أيما عبد من عبادي خرج مجاهداً في سبيلي ابتغاء مرضاتي، ضمنت له أن أرجعه بما أصاب من أجر أو غنيمة،
1 البخاري: الإيمان (36)، ومسلم: الإمارة (1876)، وابن ماجة: الجهاد (2753، وأحمد (2/231)، ومالك: الجهاد (1012) .
2 البخاري: الجهاد والسير (2785)، ومسلم: الإمارة (1878)، والترمذي: فضائل الجهاد (1619) ، وأحمد (2/438)، ومالك: الجهاد (973) .
3 البخاري: الجهاد والسير (2792)، ومسلم: الإمارة (1880)، والترمذي: فضائل الجهاد (1651)، وابن ماجة: الجهاد (2757) ، وأحمد (3/132) .
وإن قبضته أن أغفر له وأرحمه، وأدخله الجنة " 1، وقال صلى الله عليه وسلم: "جاهدوا في سبيل الله، فإن الجهاد في سبيل الله باب من أبواب الجنة، ينجي الله به من الهم والغم " 2، وقال: " أنا زعيم – والزعيم: الحميل - لمن آمن بي وأسلم، وجاهد في سبيل الله، ببيت في ربض الجنة، وببيت في وسط الجنة، وببيت في أعلى غرف الجنة. من فعل ذلك فلم يدع للخير مطلباً، ولا من الشر مهرباً، يموت حيث شاء الله أن يموت " 3.
وقال صلى الله عليه وسلم: " من قاتل في سبيل الله من رجل مسلم، فواق ناقة، وجبت له الجنة " 4، وقال صلى الله عليه وسلم:" إن في الجنة مائة درجة، أعدها الله للمجاهدين في سبيله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة " 5، وقال صلى الله عليه وسلم لأبي سعيد:" من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً، وجبت له الجنة. فتعجب لها أبو سعيد، فقال: أعدها علي يا رسول الله، ففعل ثم قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأخرى يرفع الله بها العبد مائة درجة فى الجنة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض. قال: وما هي يا رسول الله؟ قال: الجهاد في سبيل الله " 6، وقال صلى الله عليه وسلم: " من أنفق زوجين في سبيل الله، دعاه خزنة
1 النسائي: الجهاد (3126) ، وأحمد (2/117) .
2 أحمد (5/314) .
3 النسائي: الجهاد (3133) .
4 الترمذي: فضائل الجهاد (1657)، والنسائي: الجهاد (3141)، وأبو داود: الجهاد (2541)، وابن ماجة: الجهاد (2792) ، وأحمد (5/243، 5/244) .
5 البخاري: التوحيد (7423) ، وأحمد (2/335، 2/339) .
6 مسلم: الإمارة (1884)، والنسائي: الجهاد (3131) .
الجنة، كل خزنة باب: يا فلان هلم! فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان. فقال أبو بكر: بأبي يا رسول الله، أنت وأمي، ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة، فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ قال: نعم، وأرجو أن تكون منهم " 1.
وقال صلى الله عليه وسلم: " من أنفق نفقة فاضلة في سبيل الله، فبسبعمائة، ومن أنفق على نفسه وأهله وعاد مريضاً، أو أماط الأذى عن طريق، فالحسنة بعشر أمثالها. والصوم جُنة ما لم يخرقها. ومن ابتلاه الله في جسده، فهو له حطة "2. وذكر ابن ماجة عن النبي صلى الله عليه وسلم: " من أرسل بنفقة في سبيل الله، وأقام في بيته، فله بكل درهم سبعمائة درهم. ومن غزا بنفسه في سبيل الله، وأنفق في وجهه ذلك، فله بكل درهم سبعمائة ألف درهم. ثم تلا هذه الآية:{وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} " 3.
وقال صلى الله عليه وسلم: " من أعان مجاهداً في سبيل الله، أو غارماً في غرامه، أو مكاتباً في رقبته، أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله " 4، وقال صلى الله عليه وسلم:" من اغبرت قدماه في سبيل الله، حرمهما الله على النار " 5، وقال: " لا يجتمع شح وإيمان في قلب رجل واحد، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم
1 البخاري: الصوم (1897)، ومسلم: الزكاة (1027)، والترمذي: المناقب (3674)، والنسائي: الصيام (2238) والزكاة (2439) والجهاد (3135، 3183) ، وأحمد (2/268)، ومالك: الجهاد (1021) .
2 أحمد (1/195) .
3 ابن ماجة: الجهاد (2761) .
4 أحمد (3/487) .
5 البخاري: الجمعة (907)، والترمذي: فضائل الجهاد (1632)، والنسائي: الجهاد (3116) ، وأحمد (3/479) .
في وجه عبد "، وفي لفظ: " في قلب عبد "، وفي لفظ: " في جوف امرئ "، وفي لفظ: " في منخري مسلم ". وذكر أحمد عنه صلى الله عليه وسلم: " من اغبرت قدماه في سبيل الله ساعة من نهار، فهما حرام على النار " 1، وذكر عنه أيضاً صلى الله عليه وسلم قال: " لا يجمع الله في جوف رجل غباراً في سبيل الله ودخان جهنم. ومن اغبرت قدماه في سبيل الله، حرم الله سائر جسده على النار. ومن صام يوماً في سبيل الله، باعد الله عنه النار مسيرة ألف سنة للراكب المستعجل. ومن جرح جراحة في سبيل الله، ختم له بخاتم الشهداء، له نور يوم القيامة، لونها لون الزعفران، وريحها ريح المسك؛ يعرفه بها الأولون والآخرون، ويقولون: فلان عليه طابع الشهداء. ومن قاتل في سبيل الله فواق ناقةن وجبت له الجنة ".
وذكر ابن ماجة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "م ن راح روحة في سبيل الله، كان له بمثل ما أصابه الغبار، مسكاً يوم القيامة "2. وذكر أحمد عنه صلى الله عليه وسلم: " ما خالط قلب امرئ رهج في سبيل الله، إلا حرم الله عليه النار " 3، وقال: " رباط يوم في سبيل الله، خير من الدنيا وما عليها "، وقال: " رباط يوم وليلة، خير من صيام شهر وقيامه؛ وإن مات أجري عليه عمله الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه، وأمن من الفتان " 4، وقال: " ما من ميت يموت إلا ختم على عمله، إلا من مات مرابطاً في سبيل الله، فإنه ينمو له عمله إلى يوم القيامة، وأمن من فتنة
1 الترمذي: فضائل الجهاد (1632) ، وأحمد (3/479) .
2 ابن ماجة: الجهاد (2775) .
3 أحمد (6/85) .
4 مسلم: الإمارة (1913)، والترمذي: فضائل الجهاد (1665)، والنسائي: الجهاد (3167، 3168) ، وأحمد (5/440، 5/441) .
القبر " 1.
وقال صلى الله عليه وسلم: " رباط يوم في سبيله، خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل "2. وذكر الترمذي عنه صلى الله عليه وسلم: " من رابط ليلة في سبيل الله، كانت له كألف ليلة، صيامها وقيامها " 3، وقال: " مقام أحدكم في سبيل الله، خير من عبادة أحدكم في أهله ستين سنة. أما تحبون أن يغفر الله لكم وتدخلون الجنة، جاهدوا في سبيل الله. من قاتل في سبيل الله فواق ناقة، وجبت له الجنة " 4.
وذكر أحمد عنه صلى الله عليه وسلم: " من رابط في سواحل المسلمين ثلاثة أيام، أجزأت عنه رباط سنة ". وذكر أحمد عنه صلى الله عليه وسلم: " حرس ليلة في سبيل الله خير له من ألف ليلة يقام ليلها، ويصام نهارها " 5، وقال:" حرمت النار على عين دمعت أو بكت من خشية الله، وحرمت على عين سهرت في سبيل الله "6. وذكر أحمد عنه صلى الله عليه وسلم: " من حرس من وراء المسلمين متطوعاً لا يأخذه سلطان، لم ير النار بعينه إلا تحلة القسم، فإن الله يقول: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [سورة مريم آية: 71] ?" 7.
وقال صلى الله عليه وسلم: "ل رجل حرس المسلمين ليلة في سفرهم، من أولها إلى الصباح على ظهر فرسه، لم ينزل إلا لصلاة أو قضاء حاجة، أوجبت؛ فلا عليك ألا تعمل بعدها"، وقال:"من بلغ بسهم في سبيل الله، فله درجة في الجنة " 8، وقال: " من رمى بسهم في سبيل الله، فهو عدل محرر. ومن شاب
1 الترمذي: فضائل الجهاد (1621)، وأبو داود: الجهاد (2500) ، وأحمد (6/20) .
2 الترمذي: فضائل الجهاد (1667)، والنسائي: الجهاد (3169، 3170) ، وأحمد (1/62، 1/65، 1/66، 1/75)، والدارمي: الجهاد (2424) .
3 ابن ماجة: الجهاد (2766) .
4 الترمذي: فضائل الجهاد (1650) ، وأحمد (2/446) .
5 أحمد (1/61) .
6 النسائي: الجهاد (3117) ، وأحمد (4/134)، والدارمي: الجهاد (2400) .
7 أحمد (3/437) .
8 النسائي: الجهاد (3143)، وأبو داود: العتق (3965) ، وأحمد (4/384) .
شيبة في الإسلام، كانت له نوراً يوم القيامة " 1. وعند الترمذي تفسير الدرجة بمائة عام، وعند النسائي تفسيرها بخمسمائة عام.
وقال: " إن الله يدخل بالسهم الواحد الجنة: صانعه يحتسب في صنعته الخير، والممد به، والرامي به؛ وارموا واركبوا، وأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا. وكل شيء يلهو به الرجل فباطل، إلا رميه بقوسه، أو تأديبه فرسه، أو ملاعبته امرأته. ومن علمه الله الرمي، فتركه رغبة عنه، فنعمة كفرها "، رواه أحمد وأهل السنن، وعند ابن ماجة:"من تعلم الرمي فتركه فقد عصاني "2.
وذكر أحمد عنه: " أن رجلاً قال له: أوصني، فقال: أوصيك بتقوى الله، فإنه رأس كل شيء. وعليك بالجهاد، فإنه رهبانية الإسلام. وعليك بذكر الله وتلاوة القرآن، فإنه نور لك في السماء وذكر لك في الأرض "، وقال صلى الله عليه وسلم:" ذروة سنام الإسلام الجهاد " 3، وقال صلى الله عليه وسلم:" ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف " 4، وقال صلى الله عليه وسلم " من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بغزو، مات على شعبة من نفاق "5. وذكر أبو داود عنه صلى الله عليه وسلم: " من لم يغز، أو يجهز غازياً، أو يخلف غازياً في أهله، أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة " 6.
وقال صلى الله عليه وسلم: " إذا ضن الناس بالدينار والدرهم، وتبايعوا
1 أحمد (4/113) .
2 مسلم: الإمارة (1919)، والنسائي: الخيل (3578)، وأبو داود: الجهاد (2513)، وابن ماجة: الجهاد (2814) ، وأحمد (4/144، 4/146، 4/148)، والدارمي: الجهاد (2405) .
3 الترمذي: الإيمان (2616)، وابن ماجة: الفتن (3973) ، وأحمد (5/235) .
4 الترمذي: فضائل الجهاد (1655)، والنسائي: الجهاد (3120) والنكاح (3218)، وابن ماجة: الأحكام (2518) ، وأحمد (2/437) .
5 مسلم: الإمارة (1910)، والنسائي: الجهاد (3097)، وأبو داود: الجهاد (2502) .
6 أبو داود: الجهاد (2503)، وابن ماجة: الجهاد (2762)، والدارمي: الجهاد (2418) .
بالعينة، واتبعوا أذناب البقر، وتركوا الجهاد في سبيل الله، أنزل الله بهم بلاء فلم يرفعه حتى يراجعوا دينهم " 1. وذكر ابن ماجة عنه صلى الله عليه وسلم:" من لقي الله عز وجل وليس له أثر في سبيل الله، لقي الله وفيه ثلمة "2. وقال تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [سورة البقرة آية: 195] ، وفسر أبو أيوب الإلقاء باليد إلى التهلكة بترك الجهاد.
وصح عنه صلى الله عليه وسلم: " أن أبواب الجنه تحت ظلال السيوف، " 3، وصح عنه صلى الله عليه وسلم:" من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله " 4، وصح عنه:" أن النار أول ما تسعر بالعالم، والمنفق، والمقتول في الجهاد، إذا فعلوا ذلك ليقال "، وصح عنه صلى الله عليه وسلم:" أن من جاهد يبتغي عرض الدنيا فلا أجر له " 5، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لعبد الله بن عمرو:" إن قاتلت صابراً محتسباً بعثك الله صابراً محتسباً، وإن قاتلت مرائياً مكاثراً بعثك الله مرائياً مكاثراً. يا عبد الله بن عمرو، على أي وجه قاتلت أو قتلت، بعثك الله على تلك الحال "6.
إذا علم ذلك، فقد من الله على المسلمين بولاية عادلة دينية، وهي ولاية إمام المسلمين عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل، لا زالت رايته منصورة، وجنود الباطل بصولته مكسورة مقهورة، أقام الله به أود الشريعة، وأزال به الأفعال المنكرة الشنيعة.
وبالجملة: ففضائله كثيرة لا تحصى، وعد ما من الله به
1 أبو داود: البيوع (3462) ، وأحمد (2/28) .
2 الترمذي: فضائل الجهاد (1666)، وابن ماجة: الجهاد (2763) .
3 مسلم: الإمارة (1902)، والترمذي: فضائل الجهاد (1659) ، وأحمد (4/396، 4/410) .
4 البخاري: العلم (123)، ومسلم: الإمارة (1904)، والترمذي: فضائل الجهاد (1646)، والنسائي: الجهاد (3136)، وأبو داود: الجهاد (2517)، وابن ماجة: الجهاد (2783) ، وأحمد (4/392، 4/397، 4/401، 4/405، 4/417) .
5 أبو داود: الجهاد (2516) ، وأحمد (2/290) .
6 أبو داود: الجهاد (2519) .
على يده على أهل نجد غزير لا يستقصى؛ وقد تعين على المسلمين وجوب الجهاد معه، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" إذا استُنفرتم فانفروا " 1، يعني: استنفر الإمام رعيته، وجب عليهم النفير إلى الجهاد معه بأموالهم وأنفسهم، لأنه يجاهد عن حوزة الدين، وعورات المسلمين، ويحوطهم من كل من رامهم بسوء من الكفار والمعتدين.
وكونه على هذه الحالة نعمة من الله، ينبغي أن تقيد بالشكر، هذا والله المسؤول أن يوفقنا وإياكم لفعل الخيرات، وترك المنكرات، وأن ينصر إمام المسلمين، وأن يرزقه التوفيق للزوم سلوك الصراط المستقيم، والله أعلم.
1 البخاري: الحج (1834)، ومسلم: الحج (1353)، والترمذي: السير (1590)، والنسائي: البيعة (4170)، وأبو داود: الجهاد (2480)، وابن ماجة: الجهاد (2773) ، وأحمد (1/226، 1/315، 1/355) .