المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل: [في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر] - الدرر السنية في الأجوبة النجدية - جـ ٨

[عبد الرحمن بن قاسم]

الفصل: ‌فصل: [في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

‌فصل: [في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله تعالى:

بسم الله الرحمن الر حيم

من محمد بن عبد الوهاب: إلى من يصل إليه هذا الكتاب من الإخوان، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد يجري عندكم أمور تجري عندنا من سابق، لكن نصحنا إخواننا إذا جرى منها شيء حتى فهموها، وسببها: أن بعض أهل الدين ينكر منكراً، وهو مصيب، لكن يخطئ في تغليظ الأمر إلى شيء يوقع الفرقة بين الإخوان، وقد قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [سورة آل عمران آية: 102-103]، وقال صلى الله عليه وسلم:" إن الله يرضى لكم ثلاثاً: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم "1.

وأهل العلم يقولون: الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، يحتاج إلى ثلاث: أن يعرف ما يأمر به وينهى عنه، ويكون رفيقاً فيما يأمر به وينهى عنه، ويكون صابراً على ما جاءه من الأذى في ذلك. وأنتم محتاجون للحرص على فهم هذا والعمل به، فإن الخلل ما يدخل على صاحب الدين إلا

1 أحمد (2/367)، ومالك: الجامع (1863) .

ص: 49

من قلة العمل بهذا، أو قلة فهمه.

وأيضا، يذكر العلماء أن إنكار المنكر إذا صار يحصل بسببه افتراق لم يجز إنكاره، فالله الله! العمل بما ذكرت لكم والتفقه فيه، فإنكم إن ما فعلتم صار إنكاركم مضرة على الدين، والمسلم ما يسعى إلا في صلاح دينه ودنياه. وسبب هذه القالة التي وقعت بين أهل الحوطة - لو صار أهل الدين واجب عليهم إنكار المنكر - فلما غلظوا الكلام صار فيه اختلاف بين أهل الدين، فصار ذلك مضرة على الدين والدنيا.

وهذا الكلام، وإن كان قصيراً فمعناه طويل، فلازم لازم تأملوه وتفقهوا فيه، واعملوا به، فإن عملتم به صار نصراً للدين، واستقام الأمر إن شاء الله.

والجامع لهذا كله: أنه إذا صدر المنكر من أمير أو غيره، أن ينصح برفق خفية ما يشرف عليه أحد، فإن وافق وإلا استلحق عليه رجال يقبل منهم بخفية، فإن ما فعل، فيمكن الإنكار ظاهراً إلا إن كان على أمير ونصحه ولا وافق، واستلحق عليه ولا وافق، فيرفع الأمر إلينا خفية.

وهذا الكتاب، كل أهل بلد ينسخون منه نسخة، ويجعلونها عندهم، ثم يرسلونه لحرمه، والمجمعة، ثم للغاط، ثم للزلفى، والله أعلم.

ص: 50

[معرفة المنكر والتثبت منه قبل إنكاره]

وله أيضاً، عفا الله عنه:

بسم الله الرحمن الرحيم

من محمد بن عبد الوهاب: إلى الأخوين: أحمد بن محمد، وثنيان، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد، ذكر لي عنكم أن بعض الإخوان تكلم في عبد المحسن الشريف، يقول: إن أهل الأحساء يحبون على يدك، وأنك لابس عمامة خضراء، والإنسان لا يجوز له الإنكار إلا بعد المعرفة؛ فأول درجات الإنكار: معرفتك أن هذا مخالف لأمر الله.

وأما تقبيل اليد، فلا يجوز إنكار مثله، وهي مسألة فيها اختلاف بين أهل العلم، وقد "قبل زيد بن ثابت يد ابن عباس، رضي الله عنهم، وقال: هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا صلى الله عليه وسلم". وعلى كل حال، فلا يجوز لهم إنكار كل مسألة لا يعرفون حكم الله فيها. وأما لبس الأخضر، فإنها أحدثت قديماً تمييزاً لأهل البيت، لئلا يظلمهم أحد، أو يقصر في حقهم من لا يعرفهم؛ وقد أوجب الله لأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس حقوقاً، فلا يجوز لمسلم أن يسقط حقهم، ويظن أنه من التوحيد، بل هو من الغلو، ونحن ما أنكرنا إكرامهم إلا لأجل الألوهية، أو إكرام المدعي لذلك.

ص: 51

وقيل: إنه ذكر عنه أنه معتذر عن بعض الطواغيت، وهذه مسألة جليلة ينبغي التفطن لها، وهي قوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [سورة الحجرات آية: 6]، فالواجب عليهم إذا ذكر لهم عن أحد منكر: عدم العجلة؛ فإذا تحققوه، أتوا صاحبه ونصحوه، فإن تاب ورجع، وإلا أنكر عليه وتكلم فيه.

فعلى كل حال، نبهوهم على مسألتين:

الأولى: عدم العجلة، ولا يتكلمون إلا مع التحقيق، فإن التزوير كثير.

الثانية: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرف منافقين بأعيانهم، ويقبل علانيتهم ويكل سرائرهم إلى الله، فإذا ظهر منهم وتحقق ما يوجب جهادهم جاهدهم، والسلام.

ص: 52

[عدم مراعاة غضب المنكر عليه]

وله أيضاً، أسكنه الله الفردوس الأعلى:

بسم الله الرحمن الرحيم

من محمد بن عبد الوهاب: إلى عبد الله بن عيسى، وعبد الوهاب، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد، ذكر لي أنكم زاعلون علي في هذه الأيام بعض الزعل، ولا يخفاكم أني زعل زعلاً كبيراً، وناقد عليكم منقوداً أكبر من الزعل، ولكن وابطناه! واظهراه! ومعي في هذه الأيام بعض تنغص المعيشة والكدر مما يبلغني عنكم، والله سبحانه وتعالى إذا أراد أمراً فلا راد له، وإلا ما خطر على البال أنكم ترضون لأنفسكم بهذا.

ثم من العجب، تكفيكم عن نفع المسلمين في المسائل الصحيحة، وتقولون: لا يتعين علينا الفتيا، ثم تبالغون في مثل هذه الأمور، مثل التذكير الذي صرحت الأدلة والإجماع، وكلام الأقناع بإنكاره، ولا أود أنكم بعد ما أنزلكم الله هذه المنزلة، وأنعم عليكم بما تعلمون وما لا تعلمون، وجعلكم من أكبر أسباب قبول الناس لدين ربكم، وسنة نبيكم، وجهادكم في ذلك، وصبركم على مخالفة دين الآباء، أنكم ترتدون على أعقابكم.

وسبب هذا: أنه ذكر لي عنكم أنكم ظننتم أني أعنيكم ببعض الكلام الذي أجبت به من اعتقد حل الرشوة، وأنه

ص: 53

مزعلكم. فيا سبحان الله! كيف أعنيكم به وأنا كاتب لكم تسجلون عليه، وتكونون معي أنصاراً لدين الله.

وقيل لي: إنكم ناقدون علي بعض الغلظة فيه، والأمر أغلظ مما ذكرنا، ولولا أن الناس إلى الآن ما عرفوا دين الرسول، وأنهم يستنكرون الأمر الذي لم يألفوه، لكان شأن آخر؛ بل والله الذي لا إله إلا هو، لو يعرف الناس الأمر على وجهه، لأفتيت بحل دم ابن سحيم وأمثاله، ووجوب قتلهم كما أجمع على ذلك أهل العلم كلهم، لا أجد في نفسي حرجاً.

ولكن إن أراد الله أن يتم هذا الأمر، تبين أشياء لم تخطر لكم على بال، وإن كانت من المسائل التي إذا طلبتم الدليل، بينا أنها إجماع أهل العلم. وبالحاضر، فلا يخفاكم أن معي غيظاً عظيماً ومضايقة من زعلكم، وأنتم تعلمون أن الله ألزم، والدين لا محاباة فيه، وأنتم من قديم لا تشكون في، والآن غايتكم قاربة، وداخلتكم الريبة، وأخاف أطول الكلام، فيجري فيه شيء يزعلكم، وأنا في بعض الحدة، فأنا أشير عليكم وألزم أن عبد الوهاب يزورنا يومين أو ثلاثة أو أكثر، يصير قطعاً لهذه الفتنة، ويخاطبني وأخاطبه من الرأس.

وإن كان كبر عليه الأمر، فيوصي لي وأعنى له، فإن الأمر الذي يزيل زعلكم، ويؤلف الكلمة، ويهديكم الله بسببه

ص: 54

نحرص عليه، ولو كان أشق من هذه، اللهم إلا أن تكونوا رأيتم شيئاً من أمر الله، فالواجب عليكم اتباعه، والواجب علينا طاعتكم والانقياد لكم، وإن أبينا كان الله معكم وخلقه.

ولا يخفاكم، أنه وصلني أمس رسالة في صفة مذاكرتكم في التذكير، ويطلبون مني جواباً عن أدلتكم، وأنتم ضحكتم على ابن فيروز، وتسافهتموه، وتساخفتم عقله في جوابه، وانحرفتم تعدلون عداله، لكن ما أنا بكاتب لهم جواباً، لأن الأمر معروف أنه منكم، وأخاف أن أكتب لهم جواباً فينشرونه، فيزعلكم، وأشوف غايتكم قاربة، وتحملون الأمر على غير محمله، والسلام.

[تألف الناس بالقول اللين]

وله أيضا:

بسم الله الرحمن الرحيم

من محمد بن عبد الوهاب: إلى عبد الله بن عيسى; وما ذكرت أن الحمولة زعلين من تلك الكلمة، فلا يخفى، هو لأجل كتاب قرأه سليمان، ورحت أنا وإياه لابن عقيل لنسأله عن هذا، وتقدمت إلى بيته، ولحقني هو وابن ناصر قبل أواجه أحمد، وقال ابن ناصر: إني كاتب هذه الكلمة من عندي ما درى بها، فلا تشرفوه ولا شرفناه بها، أنا ما دريت بها، لا أنا ولا ابن عقيل.

والعجب: أنهم يزعلون علي وينقدون، ويقولون إنه

ص: 55

يصدق الأكاذيب، وتغيره علينا، وهم نقدوا على أنفسهم، أنهم يزعلون ويتغيرون، بلا خبر صدق ولا كذب، إلا ظن سوء ظنوه؛ فإن كان كلمة قيلت عندنا يحملونها، فتراهم يلقون كلاماً كباراً فيهم وفي غيرهم في الدين والدنيا، خصوصاً في هذه القضية، يحكى عندنا كلاماً، ما يتجاسر العاقل ينطق به.

فإن كان مذكور لكم إني قائل شيئاً، أو قائل أحد بحضرتي كلام سوء ولا رددت عليه، فاذكروا لي، فالتنبيه حسن، ولا يدخل خاطري، إلا ربما أني أعرف أنه محبة وصفو والذي يكدر الخاطر: زعلكم، وإظهاركم للناس الزعل والتغير، بسبب ظن السوء، وإلا ما من قبلكم كذب ولا صدق. وأما من باب السؤالات، وأنكم بلغكم أني ظان أنها من عبد الله، فهو أعجب، كيف تظنون أني ما أعرف خط ابن صالح؟ وأيضا، أفهم أن عبد الله لا يسأل عن مثل هذا.

وأيضاً، أنا ما أنقد عليه ولا عليكم إلا قلة الحرص والسؤال عن هذا الأمر، لما فتح الله عليكم منه بعض الشيء، وأود ما يجيء جماميل إلا ومعهم من عندكم سؤالات عن هذا وأمثاله، فكيف أزعل منه؟ بل هذا هو الذي يرضيني؛ لكن هذه أنتم معذورون فيها، إذا كانت عن ابن عمر، وهو متوهم، ما كلمني في هذا الأمر لما وقع، ولا يدري عن الذي في خاطري، لكنه يسمع من أهل الجنوب

ص: 56

وغيرهم، وتعرف حال الكلام من بعيد، فهذا صفة الأمر.

فإن كان أنتم المخالفون المتغيرون، فالحق عليكم، فإن كان جرى مني شيء تنقده، فأحب أن تنبهني عليه، لا تترك شيئاً في خاطرك من قبلي، وإن كنتم متجرفين على التغير، وجاءتكم الفتنة، وودكم ببرد الأرض، فهذا شيء آخر.

وأما قولك: إن الأمور ليست على الذي أعهد، وتشيرون علي بترك الكلام، فلا أدري إيش مرادكم، مرادك أني متكلم في أحد لا ينبغي الكلام فيه، ممن لا يظهر إلا الإيمان، ولو ظنينا فيه النفاق، فهذا الكلام مقبول؛ وإن كان بلغك عني شيء، فنبهني جزاك الله خيراً.

وإن كان مرادك أني أسكت عمن أظهر الكفر والنفاق، وسل سيف البغي على دين الله وكتابه ورسوله، مثل ولد ابن سحيم، ومن أظهر العداوة لله ورسوله، من أهل العيينة أو الدرعية أو غيرهم، فهذا لا ينبغي منك ولا يطاع أحد في معصية الله. فإن وافقتمونا على الجهاد في سبيل الله، وإعلاء كلمة الله، فلكم الحظ الأوفر، وإلا لن تضروا الله شيئاً. وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن الطائفة المنصورة، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، {وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ} [سورة الرعد آية: 42] .

وقد ذم الله الذي لا يثبت على دينه إلا عندما يهواه،

ص: 57

فقال: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} الآية [سورة الحج آية: 11] . وينبغي لكم إذا عجزتم أو جبنتم، أنكم ما تلوموننا؛ ونحمد الله الذي يسر لنا هذا، وجعلنا من أهله، وقد أخبر أنه عند وجود المرتدين، فلا بد من وجود المحبين المحبوبين، فقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} الآية [سورة المائدة آية: 54] . جعلنا الله وإياكم من الذين لا تأخذهم في الله لومة لائم.

[القيام بوظيفة الأمر والنهي]

وله أيضاً، رحمه الله تعالى:

بسم الله الرحمن الرحيم

من محمد بن عبد الوهاب: إلى عبد الوهاب بن عبد الله، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد، وصل كتابك، وما ذكرت فيه الظن والتجسس، وقبول خبر الفاسق، فكل هذا حق أريد به باطل. والعجب منك، إذا كنت من خمس سنين تجاهد جهاداً كبيراً في رد دين الإسلام، فإذا جاءك ابن مساعد، أو ابن راجح، أو صالح بن سليم، وأشباه هؤلاء الذين نلقنهم شهادة أن لا إله إلا الله، وأن عبادة المخلوقات كفر، وأن الكفر بالطاغوت فرض، قمت تجاهد وتبالغ في نقض ذلك، والاستهزاء به، وليس الذي يذكر هذا عنك عشرة، ولا عشرون ولا ثلاثون،

ص: 58

ولا أنت بمختف في ذلك.

ثم تظن في خاطرك أن هذا يخفى علي، وأني أصدقك إذا قلت ما قلت، ولو أن الذي جرى عشر، أو عشرون أو ثلاثون مرة، أمكن تعداد ذلك وأحسن ما ذكرت، أنك تقول:{رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} [سورة الأعراف آية: 23] ، وتقر بالذنب، وتجاهد في إطفاء الشرك وإظهار الإسلام كما جاهدت في ضده، ويصير ما تقر به كأن لم يكن. فإن كنت تريد الرفعة في الدنيا والجاه، حصل لك بذلك ما لا يحصل بغيره من الأمور بأضعاف مضاعفة، وإن أردت به الله والدار الآخرة، فهي التجارة الرابحة، وأتتك الدنيا تبعاً.

وإن كنت تظن في خاطرك أنا نبغي نداهنك في دين الله، فلو كنت أجل عندنا مما كنت فأنت مخالف، فإن كنت تتهمني بشيء من أمور الدنيا فلك الشرهة، فإن كان أني أدعو لك في سجودي، وأنت وأبوك أجل الناس عندي، وأحبهم إلي، وأمرك هذا أشق علي من أمر أهل الأحساء، خصوصاً بعد ما استركبت أباك وخربته. فعسى الله أن يهدينا وإياك لدينه القيم، ويطرد عنا الشيطان، ويعيذنا من طريق المغضوب عليهم والضالين.

ص: 59

سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد، رحمهما الله: عن رجل دخل بيتاً بعد المغرب، وفيه امرأتان، وأتاه رجل من قرابات المرأتين، وجرحه جراحات، وهو في المنزل الذي في البيت، وليس معه في المنزل، بل في البيت

إلخ.

فأجاب: فعل هذا الرجل الذي سطا في الرجل المتهم الذي وجده في البيت، فعل محرم، وتعد وظلم، يجب تأديبه وتعزيره على فعله ذلك، بقدر ما يزجره وأمثاله عن مثل هذا الفعل. ويجب عليه القصاص أو الدية: القصاص فيما يمكن فيه القصاص، والدية فيما لا يمكن فيه قصاص، إلا أن يرضى بالدية في الجميع.

وأما الرجل المتهم، فأكثر ما يفعل معه الأمير، يعزره بالضرب والنفي بالاجتهاد، والزيادة على ذلك ظلم وتعد لحدود الله. وإن أنكر الساطي بعض الجروح وأقر ببعضها، فعليه إقامة البينة على دعواه، أن أحداً شاركه في ذلك، وإن لم يجد بينة، فالقول قول المجني عليه بيمينه أنها من هذا الرجل المعين، لأجل قرينة الحال أن الجميع من هذا الجاني.

ويجب على كل مؤمن: الرضى بحكم الله ورسوله، ولا يجد في نفسه حرجاً بما قضى الله ورسوله، سواء وافق عادته وهواه أو خالفهما؛ ومن كان في قلبه مرض أو نفاق انقاد

ص: 60

للشرع فيما وافق هواه، وخالفه فيما يخالف هواه وعادته، وذلك من خصال المنافقين، الذين قال الله فيهم:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً} [سورة النساء آية: 60] . ومن أراد غير حكم الله ورسوله، فقد أراد حكم الطاغوت. والعجب ممن يسمع كلام الكفر والنفاق في مجلسه، ولا ينكر على من قاله، بل يسكت عنه، فيكون شريكاً له في الإثم.

[فرضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكيفيته]

سئل الشيخ حمد بن ناصر: عن المنكر الذي يجب إنكاره، هل يسقط الإنكار إذا بلغ الأمير؟

فأجاب: اعلم أن إنكار المنكر يجب بحسب الاستطاعة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:" من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه؛ وذلك أضعف الإيمان " 1؛ وحينئذ، إذا وقع المنكر وبلغ الأمير فلم يغيره، لم يسقط إنكاره، بل ينكره بحسب الاستطاعة؛ لكن إن خاف حصول منكر أعظم، سقط الإنكار وأنكر بقلبه. وقد نص العلماء: على أن المنكر إذا لم يحصل إنكاره إلا بحصول منكر أعظم منه، أنه لا ينبغي؛ وذلك لأن مبنى الشريعة على تحصيل المصالح، وتقليل المفاسد.

1 مسلم: الإيمان (49)، والترمذي: الفتن (2172)، والنسائي: الإيمان وشرائعه (5008)، وأبو داود: الصلاة (1140)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (1275) والفتن (4013) ، وأحمد (3/20، 3/49، 3/54، 3/92) .

ص: 61

وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن، رحمه الله: وأما الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فهو فرض باليد واللسان والقلب مع القدرة. فأما فرضه باليد واللسان، فإنه من فروض الكفايات، إذا قام به طائفة سقط عن الباقين؛ وإن تركوه كلهم أثموا. وأما القلب، فلا يسقط عنه بحال، قال الله تعالى:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [سورة آل عمران آية: 104] .

وقال في حق من تركه: {كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [سورة المائدة آية: 79] . وفي الحديث الصحيح: " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه؛ وذلك أضعف الإيمان " 1، وفي رواية:" وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل ".

1 مسلم: الإيمان (49)، والترمذي: الفتن (2172)، والنسائي: الإيمان وشرائعه (5008)، وأبو داود: الصلاة (1140)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (1275) والفتن (4013) ، وأحمد (3/20، 3/49، 3/54، 3/92) .

ص: 62

قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن، عفا الله عنه:

بسم الله الرحمن الرحيم

من عبد اللطيف بن عبد الرحمن، إلى الشيخ المكرم: حمد بن عتيق، سلك الله بي وبه أهدى نهج وطريق، ومنحنا بمنه حسن الدعوة إليه بالتحقيق؛ سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد، فإني أحمد إليك الله سبحانه على نعمه. والخط وصل وصلك الله بما يقربك إليه، وما أشرت إليه صار معلوماً، لا سيما الإشارة الخفية، والنكت الأدبية، التي منها: تشبيه أخيك بالطير المبرقع، وإيراد الوعظ وأنت بمكان علو أرفع، وكنت حال وصوله قد قرأته، بمرأى من أهل الأدب ومسمع. فمن قائل - عند سماعه -: هذا الرجل طبعه الغلظة والجمود، وآخر يقول: كأنه لا يحسن الدعوة إلى ربنا المعبود.

فقلت: كلا، إنه ابن جلا، وله السبق في مضمار الديانة والعلى، لكن من عادته أنه يتجاسر على أحبابه،

ص: 63

ويزدري رتب أخدانه وأترابه، والمحب له الدلال، والمرء يشرق بالزلال.

فاعلم هديت الطريق، وفزت بحظ من النظر والتحقيق: أن الله لما ابتعث نبيه صلى الله عليه وسلم بهذا الدين الحنيفي، ولم يكن أحد من أهل الأرض عربيهم وعجميهم، قرويهم وبدويهم، يعرف الحق ويعمل به، إلا بقايا من أهل الكتاب، وأما الأكثرون فقد اجتالتهم الضلالات والعادات، عن فطرة الله التي فطر الناس عليها؛ فأيد الله دينه مع غربة هذا الدين، ومخالفته لما عليه الأكثرون، بأعظم حجة وآية، كانت لأكثر من أسلم سبب وقاية، وتلك هو الخلق العظيم، والرأي الراشد الحليم، فمكث على ذلك يدعو ويذكر، ويعظ وينذر، مع غاية اللطف واللين.

فتارة يكني المخاطبين، وطورا يأتي نادي المتقدمين والمترئسين، وحيناً يقول:"اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون" 1، وناهيك بخلق مدحه القرآن، وأثنى على حلمه في الدعوة والبيان.

ولا يرد على المعنى قوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} الآية [سورة التوبة آية: 73] ، كما ظنه بعض المتطوعة ديدناً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن هذا يصار إليه إذا تعينت الغلظة ولم يجد اللين، كما هو ظاهر مستبين، كما قيل: آخر الطب الكي.

1 البخاري: أحاديث الأنبياء (3477)، ومسلم: الجهاد والسير (1792)، وابن ماجة: الفتن (4025) ، وأحمد (1/380، 1/427، 1/432، 1/441، 1/453، 1/456) .

ص: 64

وهو أيضاً مع القدرة، ويشترط أن لا يترتب عليه مفسدة، كما قال:{وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} [سورة الأنعام آية: 108] . وقد أخذ بعض الناس من هذا: أن درء المفاسد يقدم على جلب المصالح، كما هو مقرر في علم الأصول.

ثم إن الآية: آية الغلظة، مدنية، بعد تمكن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الجهاد باليد، وظهور الاستمرار على الكفر من أعدائهم، فوقعت الغلظة في مركزها حيث لم ينفع اللين؛ وأسعد الناس بوراثة الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوة الخلق، أكملهم في متابعته له في هذا.

وكان الصديق أكمل الناس، ولذلك أسلم على يده وانتفع به أمم كثيرة، بخلاف غيره، فقد قيل لبعضهم:"إن منكم منفرين". والقصد من التشريع والأوامر: تحصيل المصالح ودرء المفاسد حسب الإمكان، وقد لا يمكن إلا مع ارتكاب أخف الضررين، أو تفويت أدنى المصلحتين؛ واعتبار الأشخاص والأزمان والأحوال أصل كبير، فمن أهمله وضيعه، فجنايته على الشرع وعلى الناس أعظم جناية.

وقد قرر العلماء هذه الكليات والجزئيات، وفصلوا الآداب الشرعيات، فمن أراد أن ينصب نفسه في مقام الدعوة، فليتعلم أولاً، وليزاحم ركب العلماء، قبل أن يرأس، فيدعو بحجة ودليل، ويدري كيف السير في ذلك السبيل.

ص: 65

فإن الصناعة لا يعرفها إلا من يعانيها، والعلوم لا يدريها إلا من أخذها عن أهلها، وصحب راويها.

ما كل من طلب المعالي نافذاً

فيها ولا كل الرجال فحولُ

هذا وقد كنت أظن أنكم تحبون من هاجر إليكم، وتراعون حق أسلافه في المشيخة عليكم، وكأن العلم وتعليمه، وحق الشيخ وتكريمه، غير معتبر لدى الجمهور، بل قصدهم: المناصب والظهور، قال الشيخ وحدثنا، وجلس الأستاذ وأنبأنا، هو غاية قصد الأكثرين، إلا عباد الله المخلصين. والسلام عليكم وعلى من حضر من المسلمين لديكم، وما بسطت لك الكلام، إلا محبة وإعلام، وصلى الله على محمد.

[الآثار الدالة على فرضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

وله أيضاً، رحمه الله تعالى.

بسم الله الرحمن الرحيم

من عبد اللطيف بن عبد الرحمن، إلى الأخ المكرم: عبد الرحمن بن جربوع، وفقه الله للعمل بدينه المشروع؛ سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد، فنحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، على سوابغ نعمه، وجزيل عطائه وكرمه، وعلى ما ألبسنا من ملابس فضله، وما اختصنا به من عظيم العطاء الذي صرفه عمن شاء بعدله؛ والخط وصل. وصلك الله إلى ما يرضيه،

ص: 66

ونظمك في سلك من يخشاه ويتقيه. وأوصيك بتقوى الله، والحرص على معرفة تفاصيلها على القلوب والجوارح، فإنك في وقت كثر قراؤه، وقل فقهاؤه.

وما ذكرت: من طلب الفائدة، بما ورد من النصوص الشرعية الدالة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهذا مما لا يخفى آحاد العامة من المسلمين، فضلاً عن الطلبة والمتعلمين؛ وهذا الأصل من آكد الأصول الإسلامية، وأوجبها وألزمها، وقد ألحقه بعضهم بالأركان التي لا يقوم بناء الإسلام إلا عليها. وهو من فروض الكفاية، لا يسقط عن المكلفين، إلا إن قام به طائفة يحصل بها المقصود الشرعي.

وفرض الكفاية آكد من فرض العين من جهة متعلقه، لأن الخطاب به لجميع الأمة، وإنما أرسلت الرسل وأنزلت الكتب، للأمر بالمعروف الذي رأسه وأصله: التوحيد، والنهي عن المنكر الذي رأسه وأصله: الشرك، والعمل لغير الله؛ وشرع الجهاد لذلك، وهو قدر زائد على مجرد الأمر والنهي، ولولا ذلك ما قام الإسلام، ولا ظهر دين الله، ولا علت كلمته.

ولا يرى تركه والمداهنة فيه، إلا من أضاع حظه ونصيبه من العلم والإيمان، قال تعالى:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [سورة آل عمران آية:

ص: 67

110] . وقال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [سورة آل عمران آية: 104] .

فهذه الآيات تدل على وجوبه، وأن القائم به خير الناس وأفضلهم، وأن الخيرية لا تحصل إلا بذلك. وفيها: أن الفلاح محصور في أهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو الفوز بالسعادة الأبدية.

وأما الوعيد على تركه، فمثل قوله تعالى:{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} الآية [سورة المائدة آية: 78-79] . ففي هذه الآية: لعنهم على ألسن أنبيائهم، بترك النهي عن المنكر والأمر بالمعروف، واللعن هو: الطرد والإبعاد عن الله وعن رحمته.

وذكر بعض المفسرين هنا حديثاً: " إن من كان قبلكم كانوا إذا عمل العامل فيهم بالخطيئة، جاءه الناهي تعذيراً، فإذا كان الغد جالسه وواكله وشاربه، كأن لم يره على خطيئة بالأمس. فلما رأى الله ذلك منهم، ضرب بقلوب بعضهم على بعض، ثم لعنهم على لسان نبيهم داود وعيسى ابن مريم، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. والذي نفس محمد بيده، لتأمرنّ بالمعروف، ولتنهونّ عن المنكر، ولتأخذنّ على يد السفيه، ولتأطرنه على الحق أطراً، أو ليضربنّ الله

ص: 68

بقلوب بعضكم على بعض، ثم يلعنكم كما لعنهم ".

وذكر ابن أبي الدنيا عن إبراهيم بن عمرو الصنعاني قال: "أوحى الله عز وجل إلى يوشع بن نون: إني مهلك من قومك أربعين ألفاً من خيارهم، وستين ألفاً من شرارهم، قال: يا رب، هؤلاء الأشرار، فما بال الأخيار؟ قال: إنهم لم يغضبوا لغضبي، وكانوا يواكلونهم ويشاربونهم".

وذكر أيضاً، من حديث ابن عمر:" لينقضنّ الإسلام عروة عروة، حتى لا يقال: الله الله. لتأمرنّ بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر، أو ليسلطنّ الله عليكم شراركم، فيسومونكم سوء العذاب، ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم. ولتأمرنّ بالمعروف، ولتنهونّ عن المنكر، أو ليبعثنّ الله عليكم من لا يرحم صغيركم، ولا يوقر كبيركم". وفي المسند مرفوعاً: "يا أيها الناس، إن الله يقول: مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، قبل أن تدعوني فلا أجيبكم، وتستنصروني فلا أنصركم، وتسألوني فلا أعطيكم "1. وفي حديث ابن عباس: " وما ترك قوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلا لم ترفع أعمالهم، ولم يسمع دعاؤهم "، رواه الطبراني.

وذكر الإمام أحمد، رحمه الله، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "يوشك القرى أن تخرب وهي عامرة، قالوا: كيف تخرب وهي عامرة؟ قال: إذا علا فجارها

1 أحمد (6/158) .

ص: 69