الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعن ابن مسعود مرفوعاً: " مثل الذي يعين قومه على غير الحق، كمثل بعير تردى في بئر، فهو ينزع بذنبه " 1، ورواه أبو داود وابن حبان؛ قال ابن المنذر: ومعنى الحديث: أنه وقع في الإثم، وهلك البعير إذا تردى في بئر، فصار ينزع بذنبه، فلا يقدر على الخلاص. والأحاديث في ذلك كثيرة.
1 أحمد (1/401) .
فصل: في ذكر الآثار عن السلف [في تحريم موالاة المشركين]
وهي كثيرة، فنذكر منها بعضها: قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ} [سورة آل عمران آية: 118] إلى قوله: {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [سورة آل عمران آية: 119] والآية بعدها. قال ابن عباس: "في الآية رجال من المسلمين يواصلون رجالاً من اليهود، لما كان بينهم من الجوار والحلف في الجاهلية، فأنزل الله فيهم ينهاهم عن بطانتهم لخوف الفتنة عليهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً} [سورة آل عمران آية: 118] "، قال:"هم المنافقون"، رواه ابن أبي حاتم.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قيل له: إن هنا غلاماً من أهل الحيرة، حافظاً كاتباً، فلو اتخذته كاتباً، قال:"قد اتخذتُ إذاً بطانة من دون المؤمنين"، رواه ابن أبي شيبة. وعن الربيع، {لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ} ، قال: لا تستدخلوا المنافقين تتولونهم دون المؤمنين.
وفي تفسير القرطبي في الكلام على هذه الآية: نهى الله سبحانه وتعالى المؤمنين بهذه الآية أن يتخذوا من الكافرين واليهود وأهل الأهواء دخلاء وولائج، يفاوضونهم في الآراء، ويسندون إليهم أمورهم، ويقال: كل من كان على خلاف دينك ومذهبك لا ينبغي أن تخادنه، قال القائل شعراً:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه
…
فكل قرين بالمقارن يقتدي
وفي سنن أبي داود: عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل ".
وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "اعتبروا الناس بأخدانهم". ثم بين المعنى الذي لأجله ورد النهي عن المواصلة، قال:{لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً} [سورة آل عمران آية: 118] يعني: فساداً يعني: لا يتركون فسادكم.
قال: "وقد مر أبو موسى الأشعري على عمر رضي الله عنه بحساب، فدفعه إلى عمر فأعجبه، فقال لأبي موسى: أين كاتبك يقرأ هذا الكتاب على الناس؟ فقال: إنه لا يدخل المسجد; فقال: لِم، أجنب هو؟ قال: إنه نصراني; قال: فانتهره، وقال: لا تُدنهم وقد أقصاهم الله، ولا تكرمهم وقد أهانهم الله، لا تأمنهم وقد خونهم الله".
ومن كتاب الإمام محمد بن وضاح، قال: جاء في الأثر: "من جالس صاحب بدعة، فقد مشى في هدم
الإسلام"، وقال الأوزاعي: "كانت أسلافكم تشهد عليهم - أي: على أهل البدع - ألسنتهم، وتشمئز منهم قلوبهم، ويحذرون الناس بدعتهم"، وقال الحسن: "لا تجالس صاحب بدعة، فإنه يمرض قلبك"، وقال إبراهيم: "لا تجالسوا أهل البدع، ولا تكلموهم، فإني أخاف أن ترتد قلوبكم"، وروى هذه الآثار ابن وضاح.
قال شيخ الإسلام: محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله: اعلم، رحمك الله: أن كلام السلف في معاداة أهل البدع والضلالة 1، فإذا كان هذا كلام السلف، وتشديدهم في معاداة أهل الضلالات، ونهيهم عن مجالستهم، فما ظنك بمجالسة الكفار والمنافقين، وجفاة الأعراب، الذين لا يؤمنون بالله ورسوله، والسعي في مصالحهم، والذب عنهم، وتحسين حالهم؟ مع كونهم بين اثنتين، إما كافر أو منافق، ومن يهتم بمعرفة الإسلام منهم قليل، فهذا من رؤوسهم وأصحابهم، وهو معهم، يحشر يوم القيامة، قال تعالى:{احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} الآية [سورة الصافات آية: 22]، وقال تعالى:{وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} [سورة التكوير آية: 7]، وقد تقدم الحديث:" لا يحب رجل قوماً إلا حشر معهم "2.
1 في ضلالة لا تخرج عن الملة، لكنهم شددوا في ذلك، وحذروا منه لأمرين
…
إلخ. انظر صفحة: 314، 315، من القسم الأول من مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله.
2 أحمد (6/145) .