الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلننظر في تناوله لكلمة (الإبداع) في أحد هذه المصنفات1: "فالإبداع هو إيجاد الشيء دفعة لا عن موجود ولا ترتيب ولا عن نقص إلى كمال، وليس ذلك إلا للباري تعالى، وإن كانت العرب تستعمل الإبداع فيمن يحفر بئراً في مكان لم يحفر فيه قبل".
إنه يعيد المادة إلى معناها اللغوي المادي، وفي مصنف آخر2 يقفنا على مراحل الكلام بدقة الخبير:
"إعلم أن المعنى إذا كان في النفس فعلْم، وإذا انتهى إلى الفكر فروية، وإذا جرى به اللسان فكلام، وإذا كتب باليد فكتابة، فهو بالذات شيء، وتختلف عليه الأسامي بحسب اختلاف الأحوال به، وذلك كما أن القطن مادام بحالته قطن، فإذا غزل فهو غزل، فإذا نسج فثوب، فإذا خيط فقميص أو جُبّة"
إنه يبين لنا (حدود) هذه الكلمات التي عندما تنتهي تبدأ حدود كلمة أخرى. وقد سوغ هذا التقسيم بأن الأسماء تختلف باختلاف الأحوال، ووضحه بمثال القطن الذي يشبه حالات المادة الواحدة الثلاث بين الصلابة والسيولة والغازية.
وفي أثر ثالث للراغب نجد الكثير مما يدل على تسخير اللغة لفهم المتشابه من آي القرآن الكريم وما بينها من الفروق الدقيقة التي تغمض لدى الكثيرين، ونعني مخطوطة (درة التأويل في متشابه التنزيل) التي يتحدث عنها في جهود الراغب في التفسير.
1 الذريعة إلى مكارم الشريعة، ص219.
2 مخطوطة تحقيق البيان، الورقة رقم9.
قضايا لغوية
الترادف
…
قضايا لغوية:
ويمكن للباحث أن يستخرج رأي الراغب في مجموعة من القضايا اللغوية التي تهم الباحثين اليوم.
الترادف:
لقد أكثر الراغب من حشد أسر الألفاظ اللغوية من أفعال وأسماء وتراكيب، كما رأينا في محاضرات الأدباء ومجمع البلاغة، بدوافع تعليمية كانت تحفزه إلى جمعها بعضها إلى جانب بعض ليفيد منها المتعلمون من أبناء عصره. وكان يجمع في الأسرة الواحدة المفردات التي تتقارب معانيها وتتباين موادها اللغوية. وهذا يحملنا على التساؤل عن موقف هذا اللغوي من الترادف في اللغة هل كان ممن يراه ويثبته أم من الذين يرون فيه رأيا آخر؟
للإجابة عن هذا السؤال نستذكر المثال الذي ساقه لنا قبل قليل عن مراحل الكلام، حيث قال:"إذا كان المعنى في النفس فهو علم، فإذا خرج إلى الفكر فهو روية، وإذا جرى به اللسان فهو كلام، وإن كتب باليد فكتابة"؛ فإن بين العلم والروية، وبين الكلام والكتابة ما قد وضحه من فرق وحدده، وهو فرق في الدرجة أو الحالة، كما بين القطن في حالاته المختلفة من فروق. ولنتأمل قوله:" تختلف عليه الأسامي بحسب اختلاف الأحوال به" أي أن بينها من الفرق الدقيق الذي لا يوجده إلا اختلاف الحالات.
كذلك نستذكر سخريته ممن يظنون أنهم إذا فسروا قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} : بالشكر لله، فقد فسروا القرآن، حيث قال في المكان نفسه إنه يريد أن يبين أن قوله تعالى {لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} ، وقوله:{لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} ، وقوله:{أَفَلا تَعْقِلُونَ} مختلف بعضه عن بعض اختلاف ما بين أولي الأبصار وأولي الألباب وأولي النهى1.
أليس يدل هذا على أنه يصر على أن فروقا لا بد قائمة بين هذه المفردات التي يحسب المتسرع أنها واحدة في معانيها؟ ومع ذلك فإننا نبحث عن أمثلة مما طرحه من المجموعات اللغوية.
إنه مثلاً يفرق بين مقامات الكلام على النحو التالي، فيقول:" منابر الخطباء، ومقامات الشعراء، ومجالس الفقهاء ومقرأة القرآن ومدرسة العلماء ومجمع الأشهار ومجامع القصاص وحلق أهل الذكر ومهبط الوحي ومعدن التلاوة"2، إنه هنا وضح لنا الفرق في هذه المقامات العلمية عن طريق إضافتها لما هي مشهورة به، ولولا هذا التوضيح بهذه الإضافة لانبهم علينا الفرق بين المجالس والمدارس والمجامع.
ويقول في مثال ثان عن (الدَرْس) : "القراءة للتحفظ، ونحوه التلقين والمطارحة، والإلقاء للتعليم، والتقطيع للعروض، والتلاوة للقرآن، والإنشاد للأشعار وكذلك الرواية، والرواية للحديث، وكذلك السرد، والهذّ إجادة القراءة، والإملاء فيما يكتب، والتفسير والتأويل للغريب، والتعبير للرؤيا، والحل للمشكل"3.
إنه يقفنا بدقة الخبير اللغوي على مدى ما بين هذه المفردات المتقاربة المعاني المتباينة المباني من فروق دلالية لئلا يظن الظانون أن الواحدة منها تجوز في مكان الأخرى. إنه
1 مقدمة مفردات ألفاظ القرآن، للراغب.
2 مجمع البلاغة ص71.
3 مجمع البلاغة ص77.