الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومجموعات؟ ألم يقدم هؤلاء للغة والأمة والتراث خدمات جليلة فيما كانوا يرمون إليه من أهداف تعليمية يتمنون أن ينشأ عليها شداة الأدب في عصر تشعبت فيه آثار الشعوبية وفشا فيه أثر اللحن. ثم إن كان هذا يصدق في العصر العباسي الأول أفلا يصدق على أبناء العربية اليوم؟ في زمن أصبحت اللغة العربية تزاحمها اللهجات المحلية والعامية والركاكة والأساليب المستهجنة؟.
إن الحفاظ على اللغة بما فيها من تراكيب ودلالات يقع على عاتق أبنائها. فهي من مسئوليتهم القومية والدينية والحضارية قبل أن تكون تراكيب وقوالب، فإذا شاءوا أن يقفوا وراء هذه اللغة أبقوا فيها الحياة. أليس المعوّل عليه في هذه التعابير هو أن تعيش في أنفس قائليها كما قال أحد الباحثين؟ 1.
1 د. زكي مبارك، النثر الفني في القرن الرابع الجزء الأول ص 110.
الاشتقاق:
عندما أراد الراغب أن يشرح في (مفردات ألفاظ القران) ، مادة (حسن) ومشتقاتها عرّف الحسن بالبهجة المرغوبة. وبعد هذا التعريف العام (للحسن) شرع في توضيح المعنى الخاص لكل المواد المشتقة من الحسن مثل الحسنة والحسَن والحسنى وأحسن والحسنيين والإحسان.
وبهذا ترى أن الراغب قد تأثر بابن دريد في (جمهرة اللغة) في الأخذ بنظرية الاشتقاق، وحينما توقف عند المعنى العام لأصل المشتقات، حيث تلتقي جميعها. وبعد أن شرح المعنى العام مضى يوضح ما تختص سائر مفرداته.
يقول ابن جني في تعريف هذا اللون من الاشتقاق، ويسميه الاشتقاق الصغير:
"فالصغير ما في أيدي الناس وكتبهم، كأن تأخذ أصلاً من الأصول فتقرأه فتجمع بين معانيه وإن اختلفت صيغه ومبانيه، وذلك كتركيب (سَلِمَ) فإنك تأخذ من معنى السلامة في تعريفه نحو سلم ويسلم ويسالم وسلمان وسلمى والسلامة والسليم: اللديغ أطلق عليه تفاؤلاً بالسلامة"1.
ومثله قد انطلق الراغب من معنى (الحسن) الذي هو الابتهاج والرغبة، ليحدد بعد هذا المعنى العام المعاني الخاصة في الحسنة والحَسَن والحسنى..... الخ تبعاً لما تضيفه أوزانها الصرفية على المعنى الأساسي.
1 عن كتاب (فقه اللغة) د. طه عبد الحمد طه، مطبعة دار التأليف، مصر، 1970، 2/152.
ويبدو أن أبا القاسم الراغب قد عرف أيضا لونا آخر من ألوان الاشتقاق:
ولتوضيح ما نقول نوضح أولاً هذه الألوان المختلفة في الاشتقاق.
فالاشتقاق "هو أخذ كلمة من كلمة أو أكثر مع تناسب بينهما فاللفظ والمعنى"1، وأشمل تقسيم لأنواع الاشتقاق ما قسمه أحد الباحثين وهو:
1-
الاشتقاق الصغير، ومنه المشتقات السبع المشهورة: كاسم الفاعل، اسم المفعول واسم المرة، والهيئة، والزمان، والمكان، واسم التفضيل.
2-
الاشتقاق الكبير، وهو انتزاع كلمة من أخرى بتغيير في بعض أحرفها مع تشابه بينهما في المعنى، واتفاق الأحرف الثابتة وفي مخارج الحروف المتغيرة، وذلك نحو جثا وحذا، وبعثر وبحثر.
3-
الاشتقاق الكُبار، وهو ما أسماه ابن جني الكبير أو الأكبر مثل ملك وتقلباتها.
4-
الاشتقاق الكبّار، بتشديد الباء، وهو المعروف عند اللغويين بالنحت كالدَمْعَزة من دام عزّك2.
وعن الاشتقاق الكُبار يقول ابن جني:
"وأما الاشتقاق الأكبر: فهو أن تأخذ أصلاً من الأصول الثلاثية فتعقد عليه وعلى تقاليبه الستة معنى واحداً، تجتمع التراكيب الستة وما يتصرف من كل واحد منها عليه، فإن تباعد شيء من ذلك عنه رد بلطف الصنعة والتأويل إليه، كما يفعل الاشتقاقيون ذلك في التركيب الواحد (مثل أصل كلم الذي يؤخذ منه كمل وملك وكلم ولمك) "3.
ويمثل هذا اللغوي الكبير على ما يقول بمادة (جَبَر) التي تعني أصلاً القوة والشدة وما يظل قريباً من معناها هذا من تقاليبها الستة: الجبر والبرج والجراب والمجرّب.
وهذا اللون من الاشتقاق الذي شهر به ابن جني وأستاذه أبو علي الفارسي، والذي يقول أحد الباحثين إنه يدل على تطور لغوي جيد، هو الذي قلنا إن الراغب قد عرفه.
ففي مادة (فكر) في المفردات يقول:
1 المرجع السابق والصفحة.
2 المرجع السابق والصفحة وهو يعني (بأحد الباحثين) الدكتور عبد الله أمين.
3 المرجع السابق.
"رجل فكّير كثير الفكرة: قال بعض الأدباء: الفكر مقلوب عن الفرك لكن يستعمل الفكر في المعاني، وهو ترك الأمور وبحثها طلبا للوصول إلى حقيقتها".
وفي مادة (وجه) يقول الراغب: "وقال بعضهم: الجاه مقلوب عن الوجه".
وفي مادة فسر يقول الراغب:
"الفَسْر والسَفْر يتقارب معناهما كتقارب لفظيهما، لكن جعل الفسر لإظهار المعنى المعقول ومنه قيل لما ينبئ عن البول تفسره وسمي بها قارورة الماء، وجعل السفر لإبراز الأعيان للأبصار. فقيل سفرت المرأة عن وجهها وأسفر الصبح".
نلاحظ في هذا النص قوله عن (الفسر والسفر يتقارب معناهما لتقارب لفظيهما) وهو ما يريده الاشتقاقيون بالاشتقاق الكبير.
وننظر في مثال آخر وهو يعرض لأنواع الأكل، وقد عرضنا له من قبل أيضاً، يقول:"القرم أكل الصبي، والخضد للبقل، والخضم للرطب، والقضم لليابس، والقطم بأطراف الأسنان كالرمان، والكشم والكشذ لنحو القثاء، والمسغ والمسع كالبطيخ".
ألا نلاحظ علاقة لفظية ومعنوية بين الخضد والخضم، وبين الخضم والقضم والقطم، وبين الكشذ والكشم، وبين المسغ والمسع؟ إنني أحسب أن الراغب لم يرتب هذه الأزواج اللفظية وهذه المفردات المتقاربة الألفاظ والمباني عبثاً، وما أحسبه حينما قال (أحد الأدباء) ألا يعني في العلاقة بين فكر وفرك، إلا أحد اثنين هما ابن جني وأبي علي الفارسي.
ولا حاجة بنا إلى أن نمثل على أثر الاشتقاق في تنمية ألفاظ اللغة على مر العصور، وعلى أثر الراغب الأصفهاني في هذه التنمية.