المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل: والمنكرون لبدعة المولد كثيرون - الرد القوي على الرفاعي والمجهول وابن علوي وبيان أخطائهم في المولد النبوي

[حمود بن عبد الله التويجري]

الفصل: ‌فصل: والمنكرون لبدعة المولد كثيرون

وقد أنكر الصحابة رضي الله عنهم على الخوارج وقاتلهم علي رضي الله عنه ومن معه، وأنكر الصحابة على الغلاة من الروافض وعلى القدرية، وقد تقدم كل هذا فليراجع (1) ففيه مع ما تقدم قبله من الأحاديث المرفوعة أبلغ رد على من نصب نفسه لتأييد بدعة المولد والذب عنها وزعم أن التسامح الديني هو سمة ديننا الحنيف.

الوجه الثالث: أن يُقال إن التسامح في المجادلة والمخاطبة والمناقشة مع المسلمين إنما تكون مع الجاهل منهم إذا وقع منه ما لا يجوز من قول أو فعل فيوعظ بلطف ولين فإن أصر بعد العلم عومل بما يستحقه من هجر أو تأديب، وأما غير الجاهل ممن يكابر في رد الحق أو يجادل في نصر الباطل فإنه يقابل بالشدة ويعامل بما يمنعه ويردعه وأما غير المسلمين فمن رجي إسلامهم فإنهم يجادلون بالتي هي أحسن، ومن لم يرج إسلامهم فإنهم يقاتلون إن أمكن قتالهم والله أعلم.

‌فصل: والمنكرون لبدعة المولد كثيرون

،

ومنهم شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية، رحمه الله تعالى في كتابه «اقتضاء الصراط المستقيم» فقد بسط القول في ذم أعياد المشركين من أهل الكتاب والأعاجم وغيرهم ثم قال بعد ذلك: ومن المنكرات في هذا الباب سائر الأعياد والمواسم المبتدعة فإنها من المنكرات المكروهات سواء بلغت الكراهة التحريم أو لم تبلغه وذلك أن أعياد أهل الكتاب

(1) ص (36 - 39، 45، 46، 110 - 120).

ص: 144

والأعاجم نهي عنها لسببين أحدهما: أن فيها مشبهة للكفار والثاني: أنها من البدع، فما أحدث من المواسم والأعياد فهو منكر وإن لم يكن فيه مشابهة لأهل الكتاب لوجهين:

أحدهما: أن ذلك داخل في مسمى البدع والمحدثات فيدخل فيما رواه مسلم في صحيحه عن جابر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم ويقول: «أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة» وفي رواية للنسائي «وكل ضلالة في النار» وفيما رواه أيضًا في الصحيح عن عائشة، رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» وفي لفظ في الصحيحين «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» وفي الحديث الصحيح الذي رواه أهل السنن عن العرباض بن سارية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة» وهذه قاعدة قد دلت عليها السنة والإجماع مع ما في كتاب الله من الدلالة عليها أيضًا قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} فمن ندب إلى شيء يتقرب به إلى الله أو أوجبه بقوله أو فعله من غير أن يشرعه الله فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله، ومن اتبعه في ذلك فقد اتخذه شريكًا لله شرع له من الدين ما لم يأذن به الله، وقد قال سبحانه: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا

ص: 145

لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} قال عدي بن حاتم للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله ما عبدوهم قال: «ما عبدوهم ولكن أحلوا لهم الحرام فأطاعوهم وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم» فمن أطاع أحدًا في دين لم يأذن به الله من تحليل أو تحريم أو استحباب أو إيجاب فقد

لحقه من هذا الذم نصيب، ويلحق الذم من يبين له الحق فيتركه أو من قصر في طلبه حتى لم يتبين له أو أعرض عن طلب معرفته لهوى أو لكسل أو نحو ذلك. قال والأصل في العبادات أن لا يشرع منها إلا ما شرعه الله، وهذه المواسم المحدثة إنما نهي عنها لما حدث فيها من الدين الذي يتقرب به، قال واعلم أن هذه القاعدة وهي الاستدلال بكون الشيء بدعة على كراهته قاعدة عظيمة ثم ذكر الشيخ رحمه الله تعالى بعد كلام طويل أن العيد يكون اسمًا لنفس المكان ولنفس الزمان ولنفس الاجتماع، قال وهذه الثلاثة قد أحدث منها أشياء.

أما الزمان فثلاثة أنواع ويدخل فيها بعض بدع أعياد المكان والأفعال أحدها يوم لم تعظمه الشريعة أصلاً ولم يكن له ذكر في وقت السلف ولا جري فيه ما يوجب تعظيمه مثل أول خميس من رجب وليلة تلك الجمعة التي تسمى الرغائب، فإن تعظيم هذا اليوم والليلة إنما حدث في الإسلام بعد المائة الرابعة وروي فيه حديث موضوع باتفاق العلماء مضمونة فضيلة صيام ذلك اليوم وفعل هذه الصلاة المسماة عند الجاهلين بصلاة الرغائب، والصواب الذي عليه المحققون من أهل العلم النهي عن إفراد هذا اليوم بالصوم وعن هذه الصلاة المحدثة وعن كل ما فيه تعظيم لهذا اليوم من صنعة الأطعمة وإظهار الزينة ونحو ذلك حتى يكون هذا اليوم بمنزلة غيره من بقية الأيام وحتى لا يكون له مزية أصلاً.

ص: 146

النوع الثاني: ما جرى فيه حادثة كما كان يجري في غيره من غير أن يوجب ذلك جعله موسمًا ولا كان السلف يعظمونه كثامن عشر ذي الحجة الذي خطب فيه النبي صلى الله عليه وسلم بغدير خم مرجعه من حجة الوداع، ثم ذكر الشيخ أن اتخاذ هذا اليوم عيدًا محدث لا أصل له فلم يكن في السلف لا من أهل البيت ولا من غيرهم من اتخذ ذلك عيدً حتى يحدث فيه أعمالاً إذ الأعياد شريعة من الشرائع، فيجب فيها الاتباع لا الابتداع وللنبي صلى الله عليه وسلم خطب وعهود ووقائع في أيام معددة مثل يوم بدر وحنين والخندق وفتح مكة ووقت هجرته ودخول المدينة وخطب له متعددة يذكر فيها قواعد الدين، ثم لم يوجب ذلك أن يتخذ مثال تلك الأيام أعيادًا وإنما يفعل مثل هذا النصارى الذين يتخذون أمثل أيام حوادث عيسى عليه السلام أعيادًا واليهود، وإنما العيد شريعة فما شرعه الله اتبع وإلا لم يحدث في الدين ما ليس منه وكذلك ما يحدثه بعض الناس إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمًا والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد، لا على البدع من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيدًا مع اختلاف الناس في مولده، فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضي له وعدم المانع، ولو كان هذا خيرًا محضًا أو راجحًا لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمًا له منا وهم على الخير أحرص وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره وإحياء سنته باطنًا وظاهرا، ونشر ما بعث به والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان فإن هذه هي طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، وأكثر هؤلاء الذين تجدونهم

ص: 147

حرصاء على أمثال هذه البدع مع ما لهم فيها من حسن القصد والاجتهاد الذي يرجى لهم به المثوبة تجدونهم فاترين في أمر الرسول عما أمروا بالنشاط فيه، وإنما هم بمنزلة من يحلي المصحف ولا يقرأ فيه أو يقرأ فيه ولا يتبعه، وبمنزلة من يزخرف المسجد ولا يصلي فيه أو يصلي فيه قليلا، وبمنزلة من يتخذ المسابح والسجادات المزخرفة وأمثال هذه الزخارف الظاهرة التي لم تشرع ويصحبها من الرياء والكبر والاشتغال عن المشروع ما يفسد حال صاحبها إلى أن قال: فتعظيم المولد واتخاذه موسمًا قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه أجر عظيم لحسن قصده وتعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما قدمته لك، أنه يحسن من بعض الناس ما يستقبح من المؤمن المسدد انتهى المقصود من كلامه ملخصا.

وقد علق الشيخ حامد الفقي رحمه الله تعالى على موضعين من كلام شيخ الإسلام أبي العباس ابن تيمية، رحمه الله تعالى أولهما قوله: عن الذين يتخذون المولد محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمًا له والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد، قال الشيخ حامد الفقي كيف يكون لهم ثواب على هذا وهم مخالفون لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهدي أصحابه، فإن قيل لأنهم اجتهدوا فأخطئوا فنقول أي اجتهاد في هذا، وهل تركت نصوص العبادات مجالاً للاجتهاد؟، والأمر فيه واضح كل الوضوح، وما هو إلا غلبة الجاهلية وتحكم الأهواء حملت الناس على الإعراض عن هدي رسول صلى الله عليه وسلم إلى دين اليهود والنصارى والوثنين فعليهم ما يسحقونه من لعنة الله وغضبه، وهل تكون محبة وتعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإعراض عن هديه وكرهه وكراهية ما جاء به من الحق لصلاح الناس من عند ربه والمسارعة إلى

ص: 148

الوثنية واليهودية والنصرانية، ومن هم أولئك الذين أحيوا تلك الأعياد الوثنية هل هم مالك، أو الشافعي، أو أحمد، وأبو حنيفة، أو السفيانان، أو غيرهم من أئمة الهدي رضي الله عنهم حتى يعتذر لهم ولأخطائهم كلا بل ما أحدث هذه الأعياد الشركية إلا العبيديون الذين أجمعت الأمة على زندقتهم، وأنهم كانوا أكفر من اليهود والنصارى وأنهم كانوا وبالا على المسلمين وعلى أيديهم وبدسائسهم وما نفثوا في الأمة من سموم الصوفية الخبيثة، انحرف المسلمون عن الصراط المستقيم حتى كانوا مع المغضوب عليهم والضالين وكلام شيخ الإسلام نفسه يدل على خلاف ما يقول من إثابتهم؛ لأن حب الرسول وتعظيمه الواجب على كل مسلم إنما هو باتباع ما جاء به من عند الله كما قال الله تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} .

الموضع الثاني: قوله وكثر هؤلاء الذين تجدونهم حرصاء على أمثال هذه البدع مع ما لهم فيها من حسن القصد الذي يرجى لهم به المثوبة إلى آخر كلامه الذي تقدم ذكره، قال الشيخ حامد الفقي: فكيف مع هذا يرجى لهم ثواب أو تقبل منهم دعوى حسن قصد، وهل الأعمال الظاهرة إلا عناوين للمقاصد والنوايا وإذا كان لهؤلاء ثواب على بدعتهم فليكن لليهود والنصارى وكل كافر إذا ثواب على ما يأتون من الكفر والوثنية لأنهم يقسمون جهد أيمانهم أنهم لا يقصدون به إلا الإحسان والتوفيق انتهى كلام الشيخ حامد الفقي.

قلت: ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله تعالى عن الذين يتخذون المولد عيدًا أن الله تعالى قد يثيبهم، وقوله أيضًا: أنه يرجى لهم

ص: 149

المثوبة على حسن القصد والاجتهاد، وقوله أيضًا: إن تعظيم المولد واتخاذه موسمًا قد يفعله بعض الناس ويكون فيه أجر عظيم، كل هذا فيه نظر وقد تتقدم حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومسّاكم ويقول: «أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة» رواه الإمام أحمد ومسلم وابن ماجه والدارمي ورواه النسائي ولفظه: «إن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار» وفي النص على أن شر الأمور محدثاتها وأن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار أوضح دليل على أنه لا ثواب ولا أجر للذين يأخذون المولد عيدًا بل فيه دليل على الوعيد الشديد لهم؛ لأنهم قد فعلوا شرًا وضلالة وقد قال صلى الله عليه وسلم: «وكل ضلالة في النار» .

وأيضًا فإن الله تعالى قال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وفي هذه الآية تهديد شديد ووعيد أكيد لمن خالف أمر الرسول صلى الله عليه وسلم قال ابن كثير رحمه الله تعالى: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم هو سبيله ومنهاجه وطريقته وسنته وشريعته فتوزن الأقوال والأعمال بأقواله وأعماله، فما وافق ذلك قبل وما خالفه فهو مردود على قائله وفاعله كائنًا من كان انتهى.

قلت: ولا يخفى ما في اتخاذ المولد عيدًا من الزيادة على ما شرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من الأعياد وما في ذلك من مخالفة

ص: 150

الأمر الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، وارتكاب ما حذر النبي صلى الله عليه وسلم منه حيث قال:«وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة» وقال أيضًا: «وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار» وعلى هذا فالذين يتخذون المولد عيدًا ليسوا من الذين ترجى لهم المثوبة على هذه البدعة وإنما هم من الذين تخشى عليهم العقوبة على مخالفتهم للأمر الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم.

وأيضًا فإن الله تعالى قال: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} وفي هذه الآية وعيد شديد لمن خالف أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وارتكب نهيه، ومن ذلك اتخاذ المولد عيدًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر به ولم يكن من هديه ولا من عمل أصحابه رضي الله عنهم وإنما هو نوع من أنواع المحدثات التي حذر منها وأخبر أنها شر وضلالة، وما كان بهذه المثابة فإنه لا يرجى لفاعليه مثوبة وإنما تخشى عليهم العقوبة.

وقد تقدم (1) ما قرره شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى من أن العبادات مبناها على الشرع والاتباع لا على الهوى والابتداع، وأن الإسلام مبني على أصلين:

أحدهما: أن لا نعبد إلا الله.

والثاني: أن نعبده بما شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم لا نعبده بالأهواء والبدع وأنه ليس لأحد أن يعبد الله إلا بما شرعه على

(1) ص (73 - 75).

ص: 151

لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من واجب ومستحب، ولا يعبده بالأمور المبتدعة، وأنه لا ينبغي لأحد أن يخرج عما مضت به السنة وجاءت به الشريعة ودل عليه الكتاب والسنة وكان عليه سلف الأمة، وأن من خرج عما أمره به الرسول من الشريعة وتعبد بالبدعة فلم يحقق شهادة أن محمدًا رسول الله، وما ذكره عن الفضيل بن عياض أنه قال: إن العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يقبل، وإذ كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يقبل حتى يكون خالصًا صوابًا. والخالص: أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة وذلك تحقيق قوله تعالى:{فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} فليراجع كلامه ففي كل جملة منه رد على الذين يتخذون المولد عيدًا، ورد أيضًا لقوله عن الذين يتخذون المولد عيدًا أن الله قد يثيبهم ولقوله أيضًا أنه يرجى لهم المثوبة على حسن القصد والاجتهاد ولقوله أيضًا أن تعظيم المولد واتخاذه موسمًا قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه أجر عظيم فكلام الشيخ رحمه الله تعالى في هذه الجمل الثلاث مردود بكلامه الذي تقدم ذكره في أثناء الكتاب (1) ومردود أيضًا بقوله في كلامه الذي تقدم ذكره قريبًا (2) أن سائر الأعياد والمواسم المبتدعة من المنكرات المكروهات سواء بلغت الكراهة التحريم أو لم تبلغه، وبقوله أيضًا: إن ما أحدث من المواسم والأعياد فهو منكر وإن لم يكن فيه مشابهة لأهل الكتاب.

وبقوله أيضًا: إن من ندب إلى شيء يتقرب به إلى الله أو أوجبه بقوله أو فعله من غير أن يشرعه الله فقد شرع من الدين ما لم يأذن به

(1) ص (73 - 75).

(2)

ص (144، 145).

ص: 152

الله، ومن اتبعه في ذلك فقد اتخذه شريكًا لله شرع له من الدين ما لم يأذن به الله، وبقوله إن من أطاع أحدًا في دين لم يأذن به الله من تحليل أو تحريم أو استحباب أو إيجاب فقد لحقه من الذم نصيب، فلتتأمل هذه الجمل من كلام شيخ الإسلام أبي العباس، رحمه الله تعالى ففيها رد لما جاء في كلامه من رجاء المثوبة والأجر العظيم للذين يخذون المولد عيدًا ويعظمونه وكيف ترجى المثوبة والأجر العظيم للذين لم يحققوا شهادة أن محمدًا رسول الله وكان عملهم مخالفًا لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه الصحابة والتابعون وتابعوهم بإحسان هذا بعيد جدًا والله أعلم.

وقد ذكر الشاطبي في كتاب «الاعتصام» ما جاء في المبسوطة عن يحيى بن يحيى أنه ذكر الأعراف وأهله فتوجع واسترجع، ثم قال: قوم أرادوا وجهًا من الخير فلم يصيبوه فقيل له: يا أبا محمد أفيرجى لهم مع ذلك لسعيهم ثواب فقال ليس في خلاف السنة رجاء ثواب انتهى، وفيه رد لما جاء في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.

وقال شيخ الإسلام أبو العباس أيضًا في جواب له في صفحة 298 من المجلد الخامس والعشرين من مجموع الفتاوى، وأما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال إنها ليلة المولد أو بعض ليالي رجب أو ثامن عشر ذي الحجة أو أول جمعة من رجب أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف ولم يفعلوها انتهى.

ومن المنكرين لبدعة المولد من أكابر العلماء المحققين إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي رحمه الله تعالى فقد ذكر بعض

ص: 153

أنواع البدع في أول كتابه «الاعتصام» وعد منها اتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيدًا وكلامه في ذم المولد في صفحة 34 من الجزء الأول المطبوع في مطبعة المنار بمصر سنة 1331 هـ.

ومنهم أبو عبد الله ابن الحاج في كتابه «المدخل» فقد قال فيه «فصل في المولد» ومن جملة ما أحدثوه من البدع مع اعتقادهم أن ذلك من أكبر العبادات وإظهار الشعائر ما يفعلونه في شهر ربيع الأول من المولد، وقد احتوى على بدع ومحرمات جمة، فمن ذلك استعمالهم الأغاني ومعهم آلات الطرب من الطار المصرصر والشبابة وغير ذلك مما جعلوه آلة للسماع، ومضوا في ذلك على العوائد الذميمة في كونهم يشتغلون في أكثر الأزمنة التي فضلها الله تعالى وعظمها ببدع ومحرمات ولا شك أن السماع في غير هذه الليلة فيه ما فيه فكيف به إذا انضم إلى فضيلة هذا الشهر العظيم الذي فضله الله تعالى وفضلنا فيه بهذا النبي صلى الله عليه وسلم الكريم على ربه عز وجل وقد نقل ابن الصلاح رحمه الله تعالى أن الإجماع منعقد على أن آلات الطرب إذا اجتمعت فهي محرمة، ومذهب مالك أن الطار الذي فيه الصراصر محرم، وكذلك الشبابة، ويجوز الغربال لإظهار النكاح فآلة الطرب والسماع أي نسبة بينها وبني تعظيم هذا الشهر الكريم الذي من الله تعالى علينا فيه بسيد الأولين والآخرين، ثم أطال الكلام في ذكر المولد وصرح في عدة مواضع من كلامه أنه بدعة وأطال الكلام أيضًا في ذكر ما يفعل فيه من أنواع المنكرات من الغناء والرقص واستعمال آلات اللهو والطرب واختلاط الرجال والنساء وغير ذلك من المنكرات التي ذكرها وبالغ في ذمها والتحذير منها إلى أن قال: ألا ترى أنهم لما خالفوا السنة المطهرة وفعلوا المولد

ص: 154

لم يقتصروا على فعله، بل زادوا عليه ما تقدم ذكره من الأباطيل المتعددة فالسعيد من شد يده على امتثال الكتاب والسنة والطريق الموصلة إلى ذلك وهي اتباع السلف الماضين؛ لأنهم أعلم بالسنة منا إذ هم أعرف بالمقال وأفقه بالحال، وكذلك الاقتداء بمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وليحذر من عوائد أهل لوقت وممن يفعل العوائد الرديئة وهذه المفاسد مركبة على فعل المولد إذا عمل بالسماع فإن خلا منه وعمل طعامًا فقط ونوى به المولد ودعا إليه الإخوان وسلم من كل ما تقدم ذكره فهو بدعة بنفس نيته فقط، إذ أن ذلك زيادة في الدين وليس من عمل السلف الماضين، واتباع السلف أولى بل وجب من أن يزيد نية مخالفة لما كانوا عليه لأنهم أشد الناس اتباعًا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمًا له ولسنته صلى الله عليه وسلم ولهم قدم السبق في المبادرة إلى ذلك، ولم ينقل عن أحد منهم أنه نوى المولد ونحن لهم تبع فيسعنا ما وسعهم إلى أن قال: ثم انظر رحمنا الله وإياك إلى مخالفة السنة ما أشنعها، ألا ترى أنهم لما ابتدعوا فعل المولد على ما تقدم تشوفت نفوس النساء لفعل ذلك.

وقد تقدم ما في مولد الرجال من البدع والمخالفة للسلف الماضين فكيف إذا فعله النساء لا جرم أنهن لما فعلنه ظهرت فيه عورات جمة ومفاسد عديدة، ثم ذكر بعض لمفاسد التي تقع في المولد الذي تفعله النساء إلى أن قال: وقد تقدم أن خروج المرأة لا يكون إلا لضرورة شرعية، وخروجها للمولد ليس لضرورة شرعية بل للبدع والمناكر والمحرمات، قال: ثم العجب العجيب كيف يعملون المولد بالأغاني والفرح والسرور لأجل مولده، عليه الصلاة والسلام في هذا الشهر الكريم، وهو عليه الصلاة والسلام انتقل فيه إلى

ص: 155

كرامة ربه عز وجل وفجعت الأمة فيه وأصيبت بمصاب عظيم لا يعدل ذلك غيرها من المصائب أبدًا، فعلى هذا كان يتعين البكاء والحزن الكثير لما أصيب به، فانظر في هذا الشهر الكريم كيف يلعبون فيه ويرقصون ولا يبكون ولا يحزنون، ولو فعلوا ذلك لكان أقرب إلى الحال، مع أنهم لو فعلوا ذلك والتزموه لكان أيضًا بدعة، ولو قال قائل أنا أعمل المولد للفرح والسرور لولادته صلى الله عليه وسلم ثم أعمل يومًا آخر للمأتم والحزن والبكاء عليه. فالجواب أنه قد تقدم أن من عمل طعامًا بنية المولد ليس إلا، وجمع له الإخوان فإن ذلك بدعة فكيف إذا كرر ذلك مرتين مرة للفرح ومرة للحزن فتزيد البدع ويكثر اللوم عليه من جهة الشرع؟، انتهى المقصود من كلامه ملخصا وفيه رد على ما زعمه الرفاعي تقليدًا للسيوطي، حيث أوهم من لا علم عندهم أن كلام ابن الحاج على عمل لمولد حاصله مدح ما كان فيه من إظهار شعار وشكر، والواقع في الحقيقة بخلاف ما زعمه السيوطي ومن قلده فإن ابن الحاج قد صرح في عدة مواضع من كلامه أن عمل المولد من البدع، وصرح أيضًا أنه زيادة في الدين وليس من عمل السلف الماضين.

وقد جاء في أول كلام ابن الحاج في ذم المولد جملة ينبغي التنبيه عليها وهي قوله: «فكان يجب أن يزاد فيه أي في شهر ربيع الأول من العبادات والخير شكرًا للمولى سبحانه وتعالى على ما أولانا من هذه النعم العظيمة، وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يزد فيه على غيره من الشهور شيئا من العبادات وما ذاك إلا لرحمته، صلى الله عليه وسلم بأمته ورفقه بهم لأنه عليه الصلاة والسلام كان يترك العمل خشية أن يفرض على أمته رحمة منه بهم، لكن أشار

ص: 156

عليه الصلاة والسلام إلى فضيلة هذا الشهر العظيم بقوله عليه الصلاة والسلام: «ذلك يوم ولدت فيه» فتشريف هذا اليوم متضمن لتشريف هذا الشهر الذي ولد فيه فينبغي أن نحترمه حق الاحترام ونفضله بما فضل الله به الأشهر الفاضلة إلى أن قال: فإن قال قائل قد التزم عليه الصلاة والسلام ما التزمه في الأوقات الفاضلة مما قد علم ولم يلتزم في هذا الشهر ما التزمه في غيره، فالجواب إن المعنى الذي لأجله لم يلتزم عليه الصلاة والسلام شيئًا في هذا الشهر الشريف إنما هو ما قد علم من عادته الكريمة في كونه عليه الصلاة والسلام يريد الخفيف عن أمته - إلى أن قال- فتعظيم هذا الشهر الشريف إنما يكون بزيادة الأعمال الزاكيات فيه والصدقات إلى غير ذلك من القربات انتهى.

والجواب: أن يُقال أما زعمه أنه يجب أن يزد في شهر ربيع الأول من العبادات والخير فهو مردود بقوله: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزد فيه على غيره من الشهور شيئًا من العبادات، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يزد فيه على غيره من الشهور شيئًا من العبادات فلا يجوز لأحد أن يزيد فيه شيئًا لأن العبادات مبناها على الشرع والاتباع لا على الهوى والابتداع،

وقد قال الله تعالى: {فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} ، وقال تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ} وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من رغب عن سنتي فليس مني» وقال صلى الله عليه وسلم «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» وقال - صلى

ص: 157

الله عليه وسلم -:

«لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به» (1).

وأما قوله إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزد فيه على غيره من الشهور شيئًا من العبادات رحمة بأمته ورفقًا بهم.

فجوابه أن يقال إنه يجب على كل أحد أن يتبع هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يزيد عليه فإن الزيادة على هديه شر وضلالة كما جاء في الحديث الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: «وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة» .

وقال أيضًا: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة» .

وأما قوله أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى فضيلة شهر ربيع الأول بقوله للسائل الذي سأله عن صوم يوم الاثنين فقال: «ذلك يوم ولدت فيه» .

فجوابه أن يُقال إنه لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على فضيلة شهر ربيع الأول وإنما جاء عنه الترغيب في صيام يوم الاثنين من كل أسبوع في السنة كلها كما جاء عنه الترغيب في صيام يوم الخميس أيضًا، وقد علل صيامهما بأنهما يومان تعرض فيهما الأعمال على الله تعالى وأنه يحب أن يعرض عمله وهو صائم. وقد

(1) قد تقدم إيراد هذه الأحاديث في ص (11، 27، 79/ 80).

ص: 158

ذكرت الوارد في ذلك في أول الكتاب فليراجع (1) ففيه أبلغ رد على من توهم أن ترغيب النبي صلى الله عليه وسلم في صيام يوم الاثنين إنما أراد به الإشارة إلى فضيلة شهر ربيع الأول ولو كان الأمر على ما توهمه هذا القائل لكان الترغيب في صوم يوم الاثنين مقصورا على أيام الاثنين التي تكون في شهر ربيع الأول دون غيره من سائر الشهور.

وأما قوله: فينبغي أن نحترمه حق الاحترام ونفضله بما فضل الله به الأشهر الفاضلة.

فجوابه: أن يُقل إن الله تعالى قد نوه في كتابه العزيز بذكر شهر رمضان وأشهر الحج وعشر ذي الحجة ويوم الحج الأكبر وأيام التشريق والأشهر الحرم، ولم يذكر غيرها من الشهور، وعلى هذا فلا ينبغي أن يسوى في التفضيل بين ما نوه الله بذكره من الشهور والأيام وبين ما لم يذكر في القرآن فإن هذا من الجمع بين ما فرق الله بينه.

وأما قوله: إن المعنى الذي لأجله لم يلتزم عليه الصلاة والسلام في شهر ربيع الأول ما التزمه في غيره إنما هو ما قد علم من عادته في كونه عليه الصلاة والسلام يريد التخفيف عن أمته.

فجوابه: أن يُقال ليست إرادة النبي صلى الله عليه وسلم التخفيف على الأمة خاصة بشهر ربيع الأول وإنما هي عامة في جميع الأشهر، ولم يأت عنه صلى الله عليه وسلم ما يدل على أنه كان

(1) ص62/ 63.

ص: 159

يريد الإكثار من العمل في شهر ربيع الأول وأنه ترك ذلك قصدًا للتخفيف على الأمة وإنما هذا من التوهمات التي لم تستند إلى دليل.

وأما قوله فتعظيم هذا الشهر إنما يكون بزيادة الأعمال الزاكيات فيه والصدقات إلى غير ذلك من القربات.

فجوابه أن أقول قد ذكرت قريبًا القاعدة المشهورة: وهي أن العبادات مبناها على الشرع والاتباع لا على الهوى والابتداع، وبناء على هذه القاعدة فإنه لم يقم دليل على ما ذهب إليه ابن لحاج في تعظيم شهر ربيع الأول، وما ليس عليه دليل فليس عليه تعويل، وقد كرر القول في ذم المولد وصرح في عدة مواضع من كلامه بأنه بدعة ومع هذا فقد قابل بدعة المولد ببدعة أخرى وهي الترغيب في تعظيم شهر ربيع الأول بزيادة الأعمال الزاكيات فيه والصدقات وغير ذلك من القربات، وهذه البدع كلها مردودة بقول النبي صلى الله عليه وسلم:«من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» وفي رواية «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» وبقوله أيضًا: «من رغب عن سنتي فليس مني» وبقوله أيضًا: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به» وقد تقدمت هذه الأحاديث وأشرت إلى مواضعها قريبًا.

وممن ألف في إنكار بدعة المولد وذمها تاج الدين عمر بن علي اللخمي السكندري المشهور بالفاكهاني من متأخري المالكية وقد سمي كتابه «المورد في الكلام على عمل المولد» وقال فيه بعد لخطبة ما بعد فإنه تكرر سؤال جماعة من المباركين عن الاجتماع الذي يعمله بعض الناس في شهر ربيع الأول ويسمونه المولد هل له أصل في

ص: 160

الشرع أو هو بدعة وحدث في الدين؟ وقصدوا الجواب عن ذلك فقلت وبالله التوفيق؛ لا أعلم لهذا المولد أصلاً في كتاب ولا سنة ولم ينقل عن أحد من علماء الأمة الذين هم القدوة في الدين المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بدعة أحدثها البطالون وشهوة نفس اعتنى بها الأكالون بدليل أنا إذا درنا عليه الأحكام الخمسة قلنا: إما أن يكون واجبًا أو مندوبًا أو مباحًا أو مكروهًا أو محرمًا وليس بواجب إجماعًا ولا مندوبًا؛ لأن حقيقة المندوب ما طلبه الشرع من غير ذم على تركه وهذا لم يأذن فيه الشرع ولا فعله الصحابة ولا التابعون ولا العلماء المتدينون فيما علمت، وهذا جوابي عنه بين يدي الله تعالى إن عنه سئلت ولا جائز أن يكون مباحًا لأن الابتداع في الدين ليس مباحًا بإجماع المسلمين فلم يبق إلا أن يكون مكروها أو حرامًا وحينئذ يكون الكلام فيه في فصلين والتفرقة بين حالين.

أحدهما: أن يعمله رجل من عين ماله لأهله وأصحابه وعياله لا يجاوزون في ذلك الاجتماع على أكل الطعام ولا يقترفون شيئًا من الآثام وهذا الذي وصفناه بأنه بدعة مكروهة إذ لم يفعله أحد من متقدمي أهل الطاعة الذين هم فقهاء الإسلام وعلماء الأنام.

والثاني: أن تدخله الجناية وتقوى به العناية حتى يعطي أحدهم الشيء ونفسه تتبعه لا سيما إن أنصاف إلى ذلك شيء من الغناء بآلات الباطل من الدفوف والشبابات واجتماع الرجال مع الشباب المرد والنساء الفاتنات إما مختلطات بهم أو مشرفات، والرقص بالتثني والانعطاف والاستغراق في اللهو ونسيان يوم المخاف، وكذلك النساء إذا اجتمعن على انفرادهن رافعات أصواتهن بالتهنيك والتطريب في الإنشاد والخروج في التلاوة والذكر عن المشروع والأمر المعتاد وهذا لا يختلف في تحريمه اثنان إلى أن قال هذا مع أن الشهر الذي ولد

ص: 161

فيه صلى الله عليه وسلم وهو ربيع الأول هو بعينه الشهر الذي توفي فيه فليس الفرح فيه بأولى من الحزن فيه، انتهى المقصود من كلامه ملخصًا، وممن كتب في إنكار بدعة المولد أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي وشيخه بشير الدين القنوجي ذكر ذلك شمس الحق في تعليقه على "كتاب الأقضية والأحكام" من سنن الدارقطني عند الكلام على حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» قال شمس الحق ولشيخنا العلامة بشير الدين القنوجي في ذلك الباب كتاب مستقل سماه "غاية الكلام في إبطال عمل المولد والقيام".

وممن كتب في إنكار بدعة المولد وذمها رشيد رضا في صلى الله عليه وسلم 111 من الجزء السابع عشر من المنار وهو أيضًا في صلى الله عليه وسلم 1242 - 1243 من المجلد الرابع من فتاوى رشيد رضا فقد سئل عن قراءة القصص المسماة بالموالد هل هي سنة أم بدعة ومن أول من فعل ذلك فأجاب بقوله: «هذه الموالد بدعة بلا نزاع وأول من ابتدع الاجتماع لقراءة قصة المولد النبوي أحد ملوك الشراكسة بمصر» .

قلت قد جزم السيوطي في رسالته التي سماها "حسن المقصد في عمل المولد" أن أول من أحدث الاحتفال بالمولد صاحب إربل الملك المظفر أبو سعيد كوكبري بن زين الدين علي بن بكتكين وكانت وفاته في سنة ثلاثين وست مائة وقد ذكر ابن كثير وابن خلكان وغيرهما عنه أنه كان يعمل المولد في ربيع الأول.

ولرشيد رضا أيضًا جواب آخر عن بدعة المولد وهو مذكور في ص664 - 668 من الجزء التاسع والعشرين من المنار، وهو أيضًا

ص: 162

في ص2112 - 2115 من المجلد الخامس من فتاوى رشيد رضا. قال فيه سئل الحافظ ابن حجر عن الاحتفال بالمولد النبوي هل هو بدعة أم له أصل، فأجاب بقوله: أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة ولكنها مع ذلك قد اشتملت على محاسن وضدها، فمن جرد عمله في المحاسن وتجنب ضدها كان بدعة حسنة ومن لا فلا.

وأقول إن الحافظ رحمه الله تعالى حجة في النقل فقد كان أحفظ حفاظ السنة والآثار ولكنه لم يؤت ما أوتي الأئمة المجتهدون من قوة الاستنباط فحسبنا من فتواه ما تعلق بالنقل وهو أن عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من سلف الأمة الصالح من أهل القرون الثلاثة التي هي خير القرون بشهادة الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، ومن زعم بأنه يأتي في هذا الدين بخير مما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم وجرى عليه ناقلو سنته بالعمل فقد زعم أنه صلى الله عليه وسلم لم يؤد رسالة ربه كما قال الإمام مالك رحمه الله تعالى وقد أحسن صاحب عقيدة الجوهرة في قوله.

وكل خير في اتباع من سلف

وكل شر في ابتداع من خلف

وأما قول الحافظ: من عمل فيه المحاسن وتجنب ضدها كان عمله بدعة حسنة ومن لا فلا ففيه نظر، ويعني بالمحاسن قراءة القرآن وشيء من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في بدء أمره من ولادته وتربيته وبعثته والصدقات وهي مشروعة لا تعد من البدع، وإنما البدعة فيها جعل هذا الاجتماع المخصوص بالهيئة المخصوصة والوقت المخصوص، وجعله من قبيل شعائر الإسلام التي لا تثبت إلا بنص الشارع بحيث

ص: 163

يظن العوام والجاهلون بالسنن أنه من أعمال القرب المطلوبة شرعًا وهو بهذه القيود بدعة سيئة وجناية على دين الله تعالى وزيادة فيه تعد من شرع ما لم يأذن به الله، ومن الافتراء على الله والقول في دينه بغير علم فكيف إذا وصل الجهل بالناس إلى تكفير تاركه؟ كأنه من قواعد العقائد المعلومة من الدين بالضرورة، ليس يعد في هذه الحال وبين هؤلاء الجهال من أكبر كبائر البدع التي قد تقوم الأدلة على كونها من الكفر بشرطه فإن الزيادة في ضروريات الدين القطعية وشعائره، كالنقص منها يخرجه عن كونه هو الدين الذي جاء به خاتم النبيين عن الله تعالى القائل فيه {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} فهو تشريع ظاهر مخالف لنص إكمال الدين وناقض له ويقتضي أن مسلمي الصدر الأول كان دينهم ناقصًا أو كفارًا، وقد ورد أن أبا بكر وعمر وابن عباس رضي الله عنهم قد تركوا التضحية في عيد النحر لئلا يظن الناس أنها واجبة، أفلا يجب بالأولى ترك حضور هذه الحفلات المولدية وإن خلت من القبائح واشتملت على المحاسن؛ لئلا يظن العوام أنها من الفرائض التي يأثم فاعلها (1)

أو يكفر كما يقول بعض مبتدعة العلويين الجاهلين فكيف إذا كانت مشتملة على بدع ومفاسد أخرى كالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سيرته وأقواله وأفعاله كما هو المعهود في أكثر القصص المولدية التي اعتيد التغني بها في هذه الحفلات، وأما القيام عند ذكر وضع أمه له صلى الله عليه وسلم وإنشاد بعض الشعر أو الأغاني في ذلك فهو من جملة هذه البدع، وقد صرح بذلك الفقيه ابن حجر المكي الشافعي الذي يعتمد هؤلاء العلويون على كتبه في دينهم فقال عند ذكر الإنكار على من يقوم عند

(1) كذا وصوابه يأثم تاركها كما هو ظاهر السياق ..

ص: 164

قراءة {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ} ما نصه ونظير ذلك فعل كثير عند مولده صلى الله عليه وسلم، ووضع أمه له من القيام، وهو أيضًا بدعة لم يرد فيه شيء، على أن العوام إنما يفعلون ذلك تعظيما له صلى الله عليه وسلم فالعوام معذورون لذلك بخلاف الخواص انتهى من الفتاوى الحديثية (60).

وإنما يصح قول الحافظ ابن حجر في كون حفلة المولد بدعة حسنة بشرط خلوها من المساوئ والمعاصي المعتادة فيها إذا كان القائمون بها لا يعدونها من القرب الثابتة في الشرع بحيث يكفر تاركها أو يأثم أو يعد مرتكبًا للكراهة الشرعية، فإن البدعة التي تعتريها الأحكام الخمسة ويقال إن منها حسنة وسيئة هي البدع في العادات، وأما البدع في الدين فلا تكون إلا سيئة كما صرح به المحققون وذكر ذلك الفقيه ابن حجر الهيتمي المكي في موضعين من الفتاوى الحديثية، انتهى المقصود من كلامه.

وقد سئل رشيد رضا عن معنى البدعة والمحدثة في قول النبي صلى الله عليه وسلم «وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار» .

فأجاب بقوله: كل ما أحدثه الناس في أمر الدين ولم يأخذوه من كتاب الله أو سنة رسوله المبينة لكتابه فهو بدعة سيئة وضلالة يستحق متبعها العقوبة في النار، فقد أتم الله الدين وأكمله فمن زاد فيه كمن نقص منه كلاهما جان عليه وغير راض بما شرعه الله، وأعني بالدين هنا مسائل العقائد والعبادات والحلال والحرام دون الأحكام الدنيوية التي فوض الشرع أمرها إلى أولي الأمر ليقيسوها على الأصول العامة التي وضعها لها، ذلك أن الجزئيات لا تنحصر فيحددها الشرع، بل تختلف باختلاف العرف والزمان والمكان فمن ابتدع طريقة لتسهيل

ص: 165

التعامل أو التقاضي غير ما كان عليه السلف وكانت نافعة غير منافية للأصول الشرعية العامة كبعض نظام المحاكم الجديد كان له أجر ذلك، وأما ما يعتقد في الله واليوم الآخر وما يتقرب إلى الله تعالى به من العبادة فهو لا يختلف ولذلك لا يقبل رأي أحد فيه، بل يؤخذ كما ورد عن الشارع من غير زيادة ولا نقصان انتهى.

وممن كتب في إنكار بدعة المولد وذمها محمد بن عبد السلام خضر الشقيري في كتابه المسمى «بالسنن والمبتدعات» قال فيه «فصل» في شهر ربيع الأول وبدعة المولد فيه، لا يختص هذا الشهر بصلاة ولا ذكر ولا عبادة ولا نفقة ولا صدقة ولا هو موسم من مواسم الإسلام كالجمع والأعياد التي رسمها لنا الشارع، صلوات الله وتسليماته عليه وعلى سائر إخوانه من الأنبياء والمرسلين ففي هذا الشهر ولد صلى الله عليه وسلم وفيه توفي فلما يفرحون بميلاده ولا يحزنون لوفاته فاتخاذ مولده موسمًا والاحتفال به بدعة منكرة ضلالة لم يرد بها شرع ولا عقل، ولو كان في هذا خير فكيف يغفل عنه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر الصحابة والتابعين وتابعيهم والأئمة وأتباعهم، لا شك أنه ما أحدثه إلا المتصوفون الأكالون البطالون أصحاب البدع، وتبع الناس بعضهم بعضًا فيه إلا من عصمه الله ووفقه لفهم حقائق دين الإسلام. ثم أي فائدة تعود وأي ثواب في هذه الأموال الباهظة التي تعلق بها هذه التعاليق وتنصب بها هذه السرادقات وتضرب بها الصواريخ وأي رضا لله في اجتماع الرقاصين والرقاصات والمومسات والطبالين والزمارين واللصوص والنشالين والحاوي والقرداتي، وأي خير في اجتماع ذوي العمائم الحمراء والخضراء والصفراء والسوداء، أهل الإلحاد في أسماء الله والشخير والنخير والصفير بالغابة والدق بالبارات والكاسات والشهيق والنعيق بأح أح يا ابن المرة أم أم أن أن

ص: 166

سابينها يا رسول الله يا صاحب الفرح المداا آد يا عم يا عم، اللع اللع، كالقرود.

ما فائدة هذا كله؟ فائدته سخرية الإفرنج بنا وبديننا وأخذ صور هذه الجماعات لأهل أوروبا فيفهمون أن محمدًا صلى الله عليه وسلم حاشاه حاشه كان كذلك هو وأصحابه فإنا لله وإنا إليه راجعون، ثم هو خراب ودمار فوق ما فيه الناس من فقر وجوع وجهل وأمراض فلماذا لا تنفق هذه الأموال الطائلة في تأسيس مصانع يعمل فيها الألوف من العاطلين. أو لماذا لا تنفق هذه النفقات الباهظة في إيجاد آلات حربية تقاوم بها أعداء الإسلام والأوطان وكيف سكت العلماء على هذا البلاء والشر، بل وأقروه، ولماذا سكتت الحكومة الإسلامية على هذه المخازي وهذه النفقات التي ترفع البلاد إلى أعلى عليين، فإما أن يزيلوا هذا المنكر وإما وصمتهم بالجهالة انتهى.

فلينظر العاقل إلى ما ذكره الشقيري، رحمه الله تعالى عن المفتونين ببدعة المولد من ذوي العمائم وغيرهم من العوام وأشباه الأنعام ومن هم أضل سبيلا من الأنعام، وليقابل بين ما ذكره عنهم من المنكرات التي يفعلونها في المولد وببين قول الرفاعي:«إن احتفال المسلمين بجمهوريتهم وغالبيتهم من أندونسيا حتى تركيا ومن المغرب حتى أفغانستان كل عام بهذه المناسبة الكريمة العظيمة ومشاركة الأزهر الشريف بعلمائه الأجلاء وجامعات الزيتونة والقيروان مرورًا بجامعة ديوبند الإسلامية العريقة في القارة الهندية لدليل ساطع على إجماع المسلمين عامة وخاصة على هذه السنة المباركة والبدعة الحسنة. وهذا الإجماع يعتبر إجماعًا سكوتيًا يعتد به عند فقهاء المسلمين» انتهى كلامه الذي لم يتثبت فيه ولم ينظر إلى ما يترتب عليه من تأييد بدعة

ص: 167

المولد بالباطل وإقرار ما يفعل فيها من المنكرات الشنيعة ومجاوزة الحد في وصفها بأنها سنة مباركة وبدعة حسنة، ثم إن الرفاعي لم يقف عند هذا الحد من الغلو في بدعة المولد، بل حملته جراءته على القول في دين الله بغير علم فجعل أفعال العوام وأشباههم من المنتسبين إلى العلم في المولد واحتفالهم به دليلاً ساطعًا على إجماع المسلمين عامة وخاصة على بدعة المولد، وزعم أن هذا الإجماع يعتبر إجماعا سكوتيًا يعتد به عند فقهاء المسلمين.

وأقول إن هذا الإجماع المزعوم لا وجود له إلا في ذهن الرفاعي وظنه، وهل يقول عاقل إن الأفعال السيئة التي ذكرها ابن الحاج والشقيري عن المفتونين بالمولد تعتبر دليلا ساطعًا على إجماع المسلمين عامة وخاصة على بدعة المولد، وعلى القول بأنها سنة مباركة وبدعة حسنة، وأن هذا الإجماع يعتد به عند الفقهاء، كلا لا يقول ذلك من له أدنى مسكة من عقل.

وممن كتب في إنكار بدعة المولد وذمها الشيخ الفاضل العلامة مفتي البلاد السعودية في زمانه محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ رحمهم الله تعالى وله في ذلك عدة رسائل بعضها مطول وبعضها مختصر وهي في صفحة 48 إلى آخر صفحة 95 من الجزء الثالث من مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى فلتراجع فإنها قيمة ومفيدة.

وممن كتب في إنكار بدعة المولد وذمها الشيخ الفاضل العلامة عبد الله بن محمد بن حميد رئيس مجلس القضاء الأعلى في المملكة العربية السعودية وعضو هيئة كبار العلماء أيضًا، وله في ذلك رسالة

ص: 168

لطيفة مطبوعة مع كتابه المسمى "هداية الناسك إلى أهم المناسك" فلتراجع فإنها قيمة ومفيدة.

وممن كتب في إنكار بدعة المولد وذمها الشيخ الفاضل العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رئيس إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد في المملكة العربية السعودية وعضو هيئة كبار العلماء أيضًا. وقد نشرت كتاباته في إنكار بدعة المولد وذمها في أعداد كثيرة من الصحف والمجلات في سنين كثيرة وكتاباته في هذا الموضوع وفي غيره من المواضيع كلها قيمة ومفيدة فلتراجع.

وممن كتب في إنكار بدعة المولد حامد الفقي وقد ذكرت كلامه في ذلك قريبًا فليراجع.

تنبيه ليعلم طالب العلم إن الذين ذكر عنهم التساهل في الاحتفال بالمولد قد صرحوا بأن الاحتفال بالمولد بدعة ولكنهم قالوا إنها بدعة حسنة لما يترتب عليها من الأفعال المستحسنة عندهم، وهؤلاء قد جمعوا بين حق وباطل، أما الحق فهو تصريحهم بأن الاحتفال بالمولد بدعة وهذا التصريح يلائم الأحاديث الواردة في التحذير من البدع والأمر بردها ويوافق عمومها لجميع البدع، وأما الباطل فهو دعواهم أنها بدعة حسنة، وهذه الدعوى لا دليل عليها من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قول صاحب بل هي مخالفة للأحاديث لصحيحة التي جاءت في ذم البدع والتحذير منها والأمر بردها والنص على أنها شر وضلالة وقد تقدم إيرادها في أول الكتاب فلتراجع (1).

(1) ص (148، 149)(10، 11).

ص: 169

فصل

وبعد الانتهاء من الرد على كلام الرفاعي في المولد رأيت مقالاً منشورًا في مجلة المجتمع الكويتية الصادرة في 8/ 4/ 1402 هـ عدد 559 تحت عنوان "المولد النبوي" وقد ذكر صاحب المقال في ختام مقاله أنه من البلاد السعودية ولم يذكر اسمه، وكذلك لم يذكره أصحاب المجلة وقد قابلت بين المقال وبين كلام محمد بن علوي المالكي في المولد وهو ما ذكره في كتابه المسمى «بالذخائر المحمدية» فإذا هو هو بعينه إلا أنه قد قدم فيه وأخر وزاد ونقص، وقد ذكر أصحاب المجلة أن المقال مطول وأنهم قد اختصروه، فلعل اختصارهم له هو السبب في التقديم والتأخير والنقص عما كان عليه في كتاب ابن علوي، ويحتمل أن المقال لغير ابن علوي إلا أن صاحبه قد سلبه من كلام ابن علوي وزاد فيه ونقص كما قد فعل ذلك قبله يوسف بن هاشم الرفاعي في مقاله المنشور في جريدة السياسة الكويتية، فإن الأدلة التي استدل بها على جواز الاحتفال بالمولد وتحسين هذه البدعة كلها مأخوذة من كلام محمد بن علوي، وقد نبهت على ذلك فيما مضى من الرد على الرفاعي، وبالجملة فالرفاعي وصاحب المقال المنشور في مجلة المجتمع الكويتية كل منهما عيال على ابن علوي في تأييد بدعة المولد وتحسينها، وقد قال الله تعالى:{لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من دعا إلى هدي كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا» رواه

ص: 170