الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما الذين قالوا بجواز الاحتفال بالمولد وقالوا إنها بدعة حسنة فهم محجوجون بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» وفي رواية: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» ومحجوجون أيضًا بتحذير النبي صلى الله عليه وسلم من المحدثات ونصه على إنها شر وضلالة وأنها في النار، ولا قول لأحد مع النبي صلى الله عليه وسلم.
فصل: وأما المقام الثاني وهو
ما يتعلق بسياقة النساء للسيارات
فقد كثر الخوض والجدال فيه من ذوي القلوب المريضة وأدعياء الأدب والثقافة وأكثروا من الدعاوي الباطلة في معارضة القائلين بمنع النساء من السفور وسياقة السيارات وغير ذلك من أسباب الشر والفساد وقد قال الله تعالى: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} .
ومن هذا الباب قول يوسف بن هاشم الرفاعي في سياقة النساء للسيارات إنه جائز ومباح، قال وباب سد الذرائع في هذه المسألة تجاوزه الوقت.
كذا قال الرفاعي ولم يأت بدليل على ما ادعاه من الجواز والإباحة وتجاوز الوقت لباب سد الذرائع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:«لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم» رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما وقال الشاعر:
والدعاوي ما لم يقيموا عليها
…
بينات أبناؤها أدعياء
والجواب عن دعاوي الرفاعي من وجوه:
أحدها: أن يقال إن المرأة عورة بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سيتي في حديث ابن مسعود رضي الله عنه والعورة يجب سترها ولا يجب كشفها إلا لمن يباح لهم النظر إليه، وسياقة المرأة للسيارة يستدعي كشف الوجه واليدين منها عند الرجال الأجانب وذلك غير جائز كما سيأتي بيان ذلك قريبًا إن شاء الله تعالى.
الوجه الثاني: أن يقال إن المرأة إذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان كما سيأتي النص على ذلك في حديث ابن مسعود رضي الله عنه، ومعناه أن الشيطان يتعرض لها بالفتنة فيفتنها بالرجال ويفتن الرجال بها، وسياقة المرأة للسيارة وذهابها حيث شاءت من البلد وخارج البلد فيه أعظم تعريض للفتنة، وما كان سببًا للفتنة فإنه يجب المنع منه، وقد روى الطبراني في الكبير عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، أنه قال:«إنما النساء عورة وإن المرأة لتخرج من بيتها وما بها بأس فيستشرفها الشيطان، فيقول إنك لا تمرين بأحد إلا أعجبته، وإن المرأة لتلبس ثيابها فيقال أين تريدين فتقول أعود مريضًا أو أشهد جنازة أو أصلي في مسجد وما عبدت امرأة ربها مثل أن تعبده في بيتها» قال المنذري: إسناده حسن وقال الهيثمي: رجاله ثقات.
الوجه الثالث: إن النبي صلى الله عليه وسلم رغب المرأة في لزوم بيتها فقال فيما رواه عنه ابن مسعود، رضي الله عنه: «المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وإنها أقرب ما تكون إلى الله وهي في
قعر بيتها» رواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والطبراني في الكبير والأوسط، وروى الترمذي أوله وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى وفي ترغيب النبي صلى الله عليه وسلم المرأة في لزوم بيتها دليل على أنه ينبغي لها أن تقلل الخروج من بيتها فلا تخرج منه إلا لحاجة لا بد منها وسياقة المرأة للسيارة تستدعي كثرة خروجها من بيتها وهو مخالف لما رغبها فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الوجه الرابع: أن يقال إن سياقة النساء للسيارات تكون في الغالب وسيلة إلى أشياء محرمة، وما كان وسيلة إلى شيء محرم فهو محرم لأن الوسائل لها حكم الغايات والمقاصد، فمن ذلك كشف الوجوه عند الرجال الأجانب وهو من أعظم أسباب الفتنة ولا سيما إذا كانت المرأة شابة وجميلة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء» رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم وابن ماجه من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما ورواه مسلم أيضًا والترمذي من حديث أسامة بن زيد وسعيد بن عمرو بن نفيل، رضي الله عنهما، وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح، وروى الإمام أحمد ومسلم أيضًا عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء» وروى الترمذي بعضه في حديث طويل، ورواه ابن ماجه مختصرًا أيضًا وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح.
وقد تضافرت الأدلة من الكتاب والسنة على مشروعية التستر
للنساء في جميع أبدانهن إذا كن بحضرة الرجال الأجانب، وجاء عن الصحابة رضي الله عنهم آثار كثيرة في ذلك وحكى بعض العلماء الإجماع على ذلك كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى فأما الأدلة من الكتاب ففي ثلاث آيات منه: إحداهن قول الله تعالى في سورة الأحزاب {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} قال الجوهري: الجلباب الملحفة وقال ابن حزم الجلباب في لغة العرب التي خاطبنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو ما غطى جميع الجسم لا بعضه، وقال ابن الأثير: الجلباب ما يتغطى به الإنسان كله من ثوب أو إزار، وقال البغوي: هو الملاءة التي تشتمل بها المرأة فوق الدرع والخمار، وقال ابن كثير في تفسيره: هو الرداء فوق الخمار قاله ابن مسعود وعبيدة وقتادة والحسن البصري وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وعطاء الخراساني وغير واحد.
وروى ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس، رضي الله عنهما في هذه الآية قال أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رءوسهن بالجلابيب ويبدين عينًا واحدة، وروى الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن سيرين قال: سألت عبيدة السلماني عن قول الله عز وجل {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} فرفع ملحفة كانت عليه فتقنع بها وغطى رأسه كله حتى بلغ الحاجبين وغطى وجهه وأخرج عينه اليسرى.
وقال الواحدي قال المفسرون: يغطين وجوههن ورؤوسهن إلا
عينًا واحدة فيعلم أنهن حرائر فلا يعرض لهن بأذى وبه قال ابن عباس رضي الله عنهما.
وقال الزمخشري في الكشاف: ومعنى {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} يرخينها عليهن ويغطين بها وجوههن وأعطافهن، يقال إذا زل الثوب عن وجه المرأة أدنى ثوبك على وجهك وذلك أن النساء كن في أول الإسلام على هجيراهن في الجاهلية متبذلات تبرز المرأة في درع وخمار لا فصل بين الحرة والأمة وكان الفتيان وأهل الشطارة يتعرضون إذا خرجن بالليل إلى مقاضي حوائجهن في النخيل والغيطان للإماء وربما تعرضوا للحرة بعلة الأمة يقولون حسبناها أمة فأمرن أن يخالفن بزيهن عن زي الإماء بلبس الأردية والملاحف وستر الرءوس والوجوه ليحتشمن ويهبن فلا يطمع فيهن طامع وذلك قوله:{ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ} أي أولى وأجدر بأن يعرفن فلا يتعرض لهن ولا يلقين ما يكرهن انتهى.
وقال أبو حيان في تفسيره: كان دأب الجاهلية أن تخرج الحرة والأمة مكشوفتي الوجه في درع وخمار وكان الزناة يتعرضون إذا خرجن بالليل لقضاء حوائجهن في النخيل والغيطان للإماء وربما تعرضوا للحرة بعلة الأمة يقولون حسبناها أمة فأمرن أن يخالفن بزيهن عن زي الإماء بلبس الأردية والملاحف وستر الرءوس والوجوه ليحتشمن ويهبن فلا يطمع فيهن، وقال السدي تغطى إحدى عينيها وجبهتها والشق الآخر إلا العين، وكذا عادة بلاد الأندلس لا يظهر من المرأة إلا عينها الواحدة، والظاهر أن قوله ونساء المؤمنين يشمل الحرائر والإماء لأن الفتنة بالإماء أكثر لكثرة تصرفهن بخلاف الحرائر فيحتاج إخراجهن من عموم النساء إلى دليل واضح و "من" في جلابيبهن للتبعيض