الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإمام أحمد ومسلم وأهل السنن وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، قال النووي: سواء كان ذلك الهدى أو الضلالة هو الذي ابتدأه أم كان مسبوقًا إليه انتهى، فليحذر ابن علوي ومن قلده وسار على طريقته في تأييد بدعة المولد والذب عنها أن يكون لهم نصيب وافر مما جاء في الآية والحديث.
فصل: قال صاحب المقال المنشور في مجلة «المجتمع» :
كلنا يعلم مدى محبة المسلمين لنبينا محمد ومدى تعظيمنا وتوقيرنا له، صلى الله عليه وآله وسلم، ومن هنا أتى احتفالنا به.
والجواب عن هذا من وجهين أحدهما: أن يقال إن محبة النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه وتوقيره لا يكون بمخالفة هديه صلى الله عليه وسلم والابتداع في الدين الذي قد أكمله الله له ولأمته، وإنما تكون محبته وتعظيمه وتوقيره بلزوم طاعته واتباع أمره والأخذ بهديه الذي هو خير الهدي والعض على سنته بالنواجذ وإحيائها بالقول والفعل واجتناب سائر المحدثات التي حذر منها وأخبر أنها شر وضلالة وأنها في النار، وهذه الطريقة هي التي كان عليها السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، وقد قال الله تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} وقال تعالى: {فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} وقال تعالى: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} وقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ} وفي الصحيحين ومسند الإمام أحمد
وسنن النسائي عن أنس بن مالك، رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«من رغب عن سنتي فليس مني» وروى الإمام أحمد أيضًا عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله إسناده صحيح على شرط الشيخين.
وروي الإمام أحمد أيضًا والبخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» وفي رواية لأحمد ومسلم والبخاري تعليقًا مجزومًا به «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» وروى عبد الله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به» قال النووي في الأربعين: له حديث صحيح رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح.
الوجه الثاني: أن يقال إن الصحابة رضي الله عنهم كانوا أشد الأمة محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وأشدهم تعظيمًا له وكانوا أحرص على الخير ممن جاء بعدهم ومع هذا فإنهم لم يكونوا يحتفلون بالمولد ويتخذونه عيدًا، ولو كان في ذلك أدنى شيء من الفضل والمحبة للنبي صلى الله عليه وسلم والتعظيم له لكان الصحابة رضي الله عنهم أحرص عليه وأسبق إليه من غيرهم وعلى هذا فهل يقول صاحب المقال وأمثاله من المفتونين ببدعة المولد أنهم أشد محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمًا له من أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر الصحابة، رضي الله عنهم أم يعترفون للخلفاء الراشدين وسائر الصحابة، رضي الله عنهم بفضل المحبة للنبي صلى الله عليه وسلم والتعظيم له فإن قالوا بالأول فكل
عاقل يعلم أن ذلك حمق وسوء أدب مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن اعترفوا للصحابة رضي الله عنهم بفضل المحبة للنبي صلى الله عليه وسلم والتعظيم له، قيل لهم ينبغي أن يسعكم ما وسعهم من ترك الاحتفال بالمولد واتخاذه عيدًا؛ لأن ذلك من الشرع الذي لم يأذن به الله ولم يكن من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من عمل أصحابه، رضي الله عنهم ومن لم يتسع له في المولد وغيره ما اتسع للصحابة، رضي الله عنهم فلا وسع الله عليه في الدنيا ولا في الآخرة.
وقد رأيت لرشيد رضا كلامًا حسنًا يرد به على الذين يعظمون رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمور المحدثة فأحببت أن أذكره ههنا لما فيه من الرد على الذين يزعمون أن الاحتفال بالمولد النبوي فيه تعظيم للنبي صلى الله عليه وسلم قال في كتابه «ذكرى المولد النبوي» إن من طباع البشر أن يبالغوا في مظاهر تعظيم أئمة الدين والدنيا في طور ضعفهم (1) في أمر الدين أو الدنيا لأن هذا التعظيم لا مشقة فيه على النفس فيجعلونه بدلا مما يجب عليهم من الأعمال الشاقة التي يقوم بها أمر لدين والدنيا وإنما التعظيم الحقيقي بطاعة المعظم والنصح له والقيام بالأعمال التي يقوم بها أمره ويعتز دينه إن كان رسولا وملكه إن كان ملكًا، وقد كان السلف الصالح أشد ممن بعدهم تعظيمًا للنبي صلى الله عليه وسلم وناهيك ببذلك أموالهم وأنفسهم في هذا لسبيل ولكنهم دون أهل هذه القرون التي ضاع فيها الدين في مظاهر التعظيم للساني، ولا شك أن الرسول الأعظم
(1) أي ضعف البشر.
- صلى الله عليه وسلم
أحق الخلق بكل تعظيم وليس من تعظيمه أن نبتدع في دينه بزيادة أو نقص أو تبديل أو تغيير لأجل تعظيمه به وإن كان بحسن نية فإن حسن النية لا يبيح الابتداع في الدين وقد كان جل ما أحدث أهل الملل قبلنا من التغيير في دينهم عن حسن نية وما زالوا يبتدعون بقصد التعظيم وحسن النية حتى صارت ديانتهم غير ما جاءت به رسلهم، ولو تساهل سلفنا الصالح كما تساهلوا وكما تساهل الخلف الذين اتبعوا سننهم شبرا بشبر وذراعًا بذراع لضاع أصل ديننا أيضًا، ولكن السلف الصالح حفظوا لنا الأصل فعلينا أن نرجع إليه ونعض عليه بالنواجذ انتهى كلامه ولقد أجاد فيه وأفاد رحمه الله.
وأما قول الكاتب المجهول وإن كان هناك أناس لا يحبون الاحتفال بالمولد فإنهم لا يستطيعون الإنكار على من يحتفل له طالما أن هناك علماء أجلاء خدموا العلم وبينوا الحق ومنهم الإمام ابن حجر والإمام السيوطي والإمام ابن كثير والشيخ ملا علي قاري والإمام العراقي وغيرهم كثير جوزوا ذلك.
فجوابه من وجوه أحدها: أن يقال ما ادعاه الكاتب المجهول في قوله إن الذين لا يحبون الاحتفال بالمولد لا يستطيعون الإنكار على من يحتفل به فهي دعوى مبنية على الظن والتوهم، وكيف لا يستطيع أهل الحق أن ينكروا على أهل الباطل الذين ابتدعوا في الدين واتخذوا عيدًا لم يأذن به الله ولم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه رضي الله عنهم ولا التابعون وتابعوهم بإحسان، بل الإنكار على المبتدعين لعيد المولد مستطاع ومحفوف بالأدلة الكثيرة من
الكتاب والسنة، وقد ذكرتها في أول الكتاب فلتراجع (1) ولتراجع أيضًا أقوال العلماء الذين كتبوا في إنكار بدعة المولد ففيها أبلغ رد على دعوى الكاتب المجهول وقد تقدم إيرادها قريبًا (2).
الوجه الثاني: أن يُقال إن تجويز بعض العلماء لبدعة المولد معدود من أخطائهم وزلاتهم وقد ورد التحذير من تتبع أخطاء العلماء وزلاتهم وبيان أنها من هوادم الإسلام، وقد ذكرت الأحاديث الواردة في ذلك في أول الكتاب فلتراجع (3) ففيها أبلغ رد على من تتبع أخطاء العلماء وزلاتهم وجادل بها ليدحض الحق ويؤيد الباطل كما قد فعل ذلك الرفاعي والكاتب المجهول وأمثالهما من أنصار الباطل.
الوجه الثالث: أن أقول إني لم أر في شيء من كتب ابن كثير، رحمه الله تعالى، أنه كان يقول بجواز بدعة المولد وإنما ذكر الآثار الواردة في الحمل بالنبي، صلى الله عليه وسلم وولادته ورضاعه وتربيته وما كان بعد ذلك من أحواله، ذكر ذلك مبسوطًا في كتابه "البداية والنهاية" وقد رأيت له جزءًا في المولد ذكر فيه ما ذكره في "البداية والنهاية" ولم يتعرض فيه للاحتفال بالمولد فضلا عن أن يقول بجوازه فالواجب على الكاتب وعلى غيره من الكتاب أن يتثبتوا فيما ينقلونه عن العلماء فلا يذكرون عنهم إلا ما رأوه ثابتًا في كتبهم أو ما نقله العلماء الأمناء عنهم.
(1) ص (6 - 12).
(2)
ص (144 - 169).
(3)
ص (22).
الوجه الرابع: أن يُقال إن القائلين بجواز الاحتفال بالمولد محجوجون بالنصوص الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في التحذير من محدثات الأمور والنص على أنها شر وضلالة وأنها في النار والأمر بردها ورد الأعمال التي ليست من أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِينًا} قال مجاهد رحمه الله تعالى: ليس أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي، صلى الله عليه وسلم رواه البخاري في جزء رفع اليدين بإسناد صحيح.
وأما قول الكاتب المجهول إن المولد النبوي أو الاحتفال به لم يكن في عهده، صلى الله عليه وسلم فهو بدعة ولكنها حسنة لاندراجها تحت الأدلة الشرعية والقواعد الكلية فهي بدعة باعتبار هيئتها الاجتماعية لا باعتبار أفرادها لوجود أفرادها في العهد النبوي كما ستعلمه بعد قليل من وجوه الاستحسان.
فجوابه من وجوه أحدها: أن يُقال هذا هو كلام محمد بن علوي المالكي في صفحة 268 من كتابه المسمى "بالذخائر المحمدية"، وهو الخامس من أدلته الوهمية على جواز الاحتفال بالمولد النبوي.
الوجه الثاني: أن يُقال إن الكاتب المجهول قد اعترف تبعًا لابن علوي أن الاحتفال بالمولد النبوي لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأنه بدعة وفي هذا الاعتراف أبلغ رد عليهما؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد حذر أمته من محدثات الأمور على
وجه العموم وبالغ في التحذير وأمر برد المحدثات والأعمال التي ليس عليها أمره والأمر بذلك يعم البدع كلها كما هو ظاهر النص.
الوجه الثالث: أن يُقال ما زعمه الكاتب المجهول تبعًا لابن علوي أن الاحتفال بالمولد النبوي بدعة حسنة وأنها تندرج تحت الأدلة الشرعية والقواعد الكلية فهو زعم باطل مردود بالنص الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار» وبقوله صلى الله عليه وسلم «وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة» وبقوله صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» وفي رواية: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» وقد ذكرت هذه الأحاديث معزوة إلى مخرجيها في أول الكتاب فلتراجع (1) ففيها أبلغ رد على الكاتب المجهول وابن علوي وعلى غيرهما ممن ادعى أن بدعة المولد بدعة حسنة وأنها تندرج تحت الأدلة الشرعية والقواعد الكلية.
وأما دعوى الكاتب المجهول وابن علوي أن أفراد بدعة المولد موجودة في العهد النبوي.
فجوابه أن يُقال هذه الدعوى باطلة مردودة لأن أعظم أفرد بدعة المولد هو الاجتماع لها في ليلة مخصوصة من شهر ربيع الأول واتخاذ تلك الليلة عيدًا يعود في كل عام، وإظهار الفرح والسرور في تلك الليلة كما يفعل الناس في عيدي الفطر والأضحى أو أعظم،
(1) ص (10، 11).
وقراءة الآثار الواردة في المولد والشمائل والمعجزات والسيرة في تلك الليلة بخصوصها، وإنشاد المدائح التي قد قيلت في النبي صلى الله عليه وسلم وعمل الأطعمة في تلك الليلة، وهذه الأمور لم تكن تفعل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عهد أصحابه، رضي الله عنهم ولا في عهد التابعين ولا في القرون الثلاثة المفضلة، وأول من أحدث ذلك سلطان إربل الملك المظفر في آخر القرن السادس وفي أول القرن السابع:
وكل خير في اتباع من سلف
…
وكل شر في ابتداع من خلف
وأما الأدلة التي استدل بها الكاتب المجهول على جواز الاحتفال بالمولد فهي ستة عشر دليلاً وكلها مأخوذة من كلام ابن علوي المالكي وهذا يقوي الظن بأنه هو صاحب المقال المنشور في مجلة المجتمع الكويتية، وسأذكر أدلته وأذكر مواضعها في كتاب ابن علوي إن شاء الله تعالى.
قال الكاتب المجهول: الأول أن الاحتفال بالمولد النبوي يعبر عن البهجة والسرور والفرح وقد انتفع به الكافر كما جاء في صحيح البخاري بأنه يخفف عن أبي لهب كل يوم الاثنين بسبب عتقه لثويبة جاريته لما فرحته وبشرته بولادة محمد صلى الله عليه وسلم.
والجواب: أن يُقال هذا الكلام منقول من كلام محمد بن علوي المالكي وهو في صفحة 267 من كتاب المسمى «بالذخائر المحمدية»
وقد ذكره يوسف الرفاعي في أدلته على جواز الاحتفال بالمولد وتقدم الجواب عنه فليراجع (1).
وقال الكاتب المجهول: الثاني: أن المولد الشريف يبعث على الصلاة والسلام المطلوبين بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} وما كان يبعث على المطلوب شرعًا فهو مطلوب شرعًا.
والجواب: أن يُقال هذا الكلام منقول بالنص من كلام محمد بن علوي المالكي وهو في صفحة 269 من كتابه المسمى "بالذخائر المحمدية" وقد ذكره يوسف الرفاعي في أدلته على جواز الاحتفال بالمولد وتقدم الجواب عنه فليراجع (2).
وقال الكاتب المجهول: الثالث: أن المولد النبوي يشتمل على مولده الشريف ومعجزاته وسيرته والتعريف به وكلنا مأمورون بمعرفته والاقتداء به والتأسي بأعماله والإيمان بمعجزاته والتصديق بآياته، وكتب المولد تؤدي هذا المعنى تمامًا.
والجواب: أن يُقال هذا الكلام منقول من كلام محمد بن علوي المالكي وهو في ص269 من كتابه المسمى "بالذخائر المحمدية" وقد ذكره يوسف الرفاعي في أدلته على جواز الاحتفال بالمولد وتقدم الجواب عنه فليراجع (3).
(1) ص (55 - 61).
(2)
ص (69 - 71).
(3)
ص (71 - 76).
وقال الكاتب المجهول: الرابع: أنه صلى الله عليه وسلم كان يعظم يوم مولده ويشكر الله تعالى فيه على نعمته وفضله، وكان تعبيره صلى الله عليه وسلم بالصيام فقد جاء في صحيح مسلم كتاب الصيام عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم الاثنين فقال:«فيه ولدت وفيه أنزل عليه» وهذا يدل على أن معنى الاحتفال موجود.
والجواب: أن يُقال هذا الكلام ملخص من كلام محمد بن علوي المالكي وهو في صلى الله عليه وسلم 267 من كتابه المسمى "بالذخائر المحمدية" وقد ذكره يوسف الرفاعي في أدلته على جواز الاحتفال بالمولد وتقدم الجواب عنه فليراجع (1).
وقال الكاتب المجهول: الخامس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلاحظ ارتباط الزمان بالحوادث العظيمة ودليل ذلك أنه صلى الله عليه وسلم لما وصل المدينة ورأى اليهود يصومون يوم عاشوراء سأل عن ذلك فقيل له إنهم يصومونه لأن الله نجى نبيهم وأغرق عدوهم فهم يصومونه شكرًا لله على هذه النعمة فقال عليه الصلاة والسلام: «نحن أولى بموسى منكم» فصامه وأمر بصيامه.
والجواب أن يقال هذا الكلام ملخص من كلام محمد بن علوي المالكي وهو في صلى الله عليه وسلم 268 من كتابه المسمى "بالذخائر المحمدية" وقد ذكره يوسف الرفاعي في أدلته على جواز الاحتفال بالمولد وتقدم الجواب عنه فليراجع (2).
(1) ص (61 - 64).
(2)
ص (67 - 69).
وقال الكاتب المجهول: السادس: مدحه بالقصائد كان يفعل أمامه، صلى الله عليه وسلم ويكافئ الشعراء على ذلك فكيف بمن جمع شمائله الشريفة.
والجواب أن يُقال هذا الكلام ملخص من كلام محمد بن علوي المالكي وهو في ص269 من كتابه المسمى "بالذخائر المحمدية" وقد ذكره يوسف الرفاعي في أدلته على جواز الاحتفال بالمولد وتقدم الجواب عنه فليراجع (1).
وقال الكاتب المجهول السابع: أن تعظيم الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم مطلوب ومشروع والفرح بيوم مولده من أفضل وأظهر مظاهر الابتهاج والسرور والشكر لله.
والجواب عن هذا من وجوه أحدها: أن يُقال هذا الكلام ملخص من كلام محمد بن علوي المالكي وهو في ص (270) من كتابه المسمى "بالذخائر المحمدية".
الوجه الثاني: أن يُقال إن تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم واجب في جميع الأوقات على ممر الأزمان ومن لم يعظم النبي صلى الله عليه وسلم إلا في ليلة مولده فقد بخسه حقه، وكذلك الفرح والسرور والابتهاج بإيجاد النبي صلى الله عليه وسلم وبعثته وكوننا من أمته والشكر لله على ذلك يجب أن يكون على الدوام، ومن لم يكن فرحه وابتهاجه وسروره بالنبي صلى الله عليه وسلم إلا في ليلة المولد فقد بخسه حقه.
(1) ص 55 - 61.
الوجه الثالث: أن يُقال إن تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم لا يكون بفعل البدع التي حذر منها وأخبر أنها شر وضلالة وأنها في النار، وإنما يكون تعظيمه بطاعته واتباع هديه والتمسك بسنته وإحياء ما أميت منها ونشر ما بعثه الله به من الهدى ودين الحق والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان، وهذه هي طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان فمن سلك سبيلهم فهو من المعظمين للنبي صلى الله عليه وسلم ومن خالفها وسلك سبيلاً من سبل أهل البدع فهو في الحقيقة معظم للبدع وأهل البدع وليس معظمًا للنبي صلى الله عليه وسلم، وإن زعم أنه معظم له وهل يقول عاقل إن تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم يكون بفعل المحدثات التي قد حذر منها غاية التحذير؟ وأمر بردها وأخبر أنها شر وضلالة وأنها في النار، كلا لا يقول ذلك من له أدنى مسكة من عقل.
الوجه الرابع: أن يُقال إن تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم لا يجتمع مع مخالفة أمره وارتكاب نهيه، فمن عظم النبي صلى الله عليه وسلم بشيء من البدع فتعظيمه له أشبه بالسخرية والاستهزاء منه بالتعظيم وقد تقدم قريبًا (1) ما ذكره الشقيري في كتابه المسمى "بالسنن والمبتدعات" عن ذوي العمائم وغيرهم من أشباه الأنعام من أنواع المنكرات والسخافات التي يفعلونها في بدعة المولد، فهل يقول عاقل أن تلك المخازي من التعظيم للنبي صلى الله عليه وسلم كلا لا يقول ذلك من له أدنى مسكة من عقل.
(1) ص (166ـ 167).
وقال الكاتب المجهول: الثامن يؤخذ من قوله صلى الله عليه وسلم في فضل يوم الجمعة وما فيه من المزايا وإنه فيه ولد آدم فكيف باليوم الذي ولد فيه، صلوات الله وسلامه عليه، ولا يختص هذا التعظيم بذلك اليوم بعينه، بل يكون له خصوصا ولنوعه عمومًا مهما تكرر كما هو الحال في يوم الجمعة.
والجواب: أن يُقال هذا الكلام ملخص من كلام محمد بن علوي المالكي وهو في ص (270) من كتابه المسمى "بالذخائر المحمدية" وقد ذكره يوسف الرفاعي في أدلته على جواز الاحتفال بالمولد وتقدم الجواب عنه مع التنبيه على قول ابن علوي والرفاعي "وفيه ولد آدم" فليراجع ما تقدم (1).
وقال الكاتب المجهول التاسع: قال تعالى: {وَكُلاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} يظهر لنا من الآية أن الحكمة من قص أنباء الرسل تثبيت فؤاد المصطفى صلى الله عليه وسلم ونحن اليوم أحوج إلى تثبيت أفئدتنا بأنبائه وأخباره وذكره.
والجواب: أن يُقال هذا الكلام ملخص من كلام محمد بن علوي لمالكي وهو في صفحة (271) من كتابه المسمى "بالذخائر المحمدية" وقد ذكره يوسف الرفاعي في أدلته على جواز الاحتفال بالمولد وتقدم الجواب عنه فليراجع (2).
وقال الكاتب المجهول: العاشر المولد النبوي ما هو إلا اجتماع
(1) ص (80 - 83).
(2)
ص (104، 105).
ذكر وصدقة ومدح وتعظيم للجناب النبوي وهذه الأمور مطلوبة شرعًا وممدوحة.
والجواب: عن هذا من وجهين أحدهما: أن يُقال هذا الكلام ملخص من كلام محمد بن علوي المالكي وهو في ص (271) من كتاب المسمى "بالذخائر المحمدية".
الوجه الثاني: أن يُقال إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع الاجتماع للذكر في ليلة المولد ولم يشرع الصدقة والمدح والتعظيم لجنابه في ليلة المولد خاصة وقد قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ} وفي الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» وفي رواية «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» وفي هذه الآية والحديث دليل على أنه لا يجوز تخصيص ليلة المولد بشيء من الأعمال التي ذكرها الكاتب لأن تخصيصها بهذه الأعمال بدعة والنبي صلى الله عليه وسلم قد حذر من البدع وأخبر أنها شر وضلالة.
وقال الكاتب المجهول: الحادي عشر: أن المولد أمر استحسنه العلماء والمسلمون في سائر البلاد وجري به العمل في كل صقع فهو مطلوب شرعًا للقاعدة المأخوذة من حديث ابن مسعود الموقوف (ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن وما رآه المسلمون قبيحًا فهو عند الله قبيح) أخرجه الإمام أحمد.
والجواب: أن يقال هذا الكلام منقول بالنص من كلام محمد بن علوي المالكي وهو في ص (270) - (271) من كتابه المسمى "بالذخائر
المحمدية" وقد ذكره يوسف الرفاعي في أدلته على جواز الاحتفال بالمولد وتقدم الجواب عنه فليراجع (1).
وقال الكاتب المجهول: الثاني عشر: ليس كل ما لم يفعله السلف ولم يكن في الصدر الأول بدعة منكرة سيئة يحرم فعلها ويجب الإنكار عليها، بل يجب أن يعرض ما أحدث على أدلة الشرع فما اشتمل على مصلحة فهو واجب أو على محرم فهو محرم أو على مكروه فهو مكروه أو على مباح فهو مباح أو على مندوب فهو مندوب، والعلماء قسموا البدعة إلى خمسة أقسام وهي ما ذكرناه آنفًا وممن قسم البدعة من العلماء الإمام العز ابن عبد السلام والإمام النووي وابن الأثير.
والجواب أن يُقال هذا الكلام ملخص من كلام محمد بن علوي المالكي وهو في صفحة (271)، (273) من كتابه المسمى "بالذخائر المحمدية" وقد ذكره يوسف الرفاعي في أدلته على جواز الاحتفال بالمولد وزاد عليه وقد تقدم الجواب عنه فليراجع (2).
وقال الكاتب المجهول: الثالث عشر: ليست كل بدعة محرمة ولو كانت كذلك لحرم جمع القرآن وكتبه في المصاحف خوفًا على ضياعه بموت الصحابة القراء رضي الله عنهم ولحرم جمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس على إمام واحد في صالة القيام مع قوله "نعمت البدعة ولهذا قيد العلماء حديث كل بدعة ضلالة بالبدعة السيئة وعصرنا الراهن مملوء بأمور كثيرة لم يفعلها السلف كجمع الناس على إمام واحد في صلاة التهجد وختم المصحف ودعاء
(1) ص (88 - 100).
(2)
ص (105 - 122).
ختم القرآن والمناداة لصلاة القيام، فهل كل هذه الأمور بدعة مع أن لها فضائل جمة كما لا يخفى.
والجواب أن يُقال هذا الكلام بعضه منقول من كلام محمد بن علوي المالكي وهو في ص (272) من كتابه المسمى "بالذخائر المحمدية" وبعضه منقول من كلام يوسف بن هاشم الرفاعي الذي نشره في عدد ((4870)) من جريدة السياسة الكويتية وقد ذكر يوسف كلام ابن علوي أيضًا وتقدم الجواب عن ذلك كله فليراجع (1).
وقال الكاتب المجهول: الرابع عشر: قال إمامنا الشافعي رحمه الله، ما أحدث وخالف كتابًا أو سنة أو إجماعًا أو أثرًا فهو البدعة الضالة، وما أحدث من الخير ولم يخالف شيئًا من ذلك فهو المحمود.
والجواب أن يُقال: هذا الكلام منقول بالنص من كلام محمد بن علوي المالكي وهو في ص (273) من كتابه المسمى "بالذخائر المحمدية" وقد ذكره يوسف الرفاعي في أدلته على جواز الاحتفال بالمولد وتقدم الجواب عنه فليراجع (2).
وقال الكاتب المجهول: الخامس عشر: كل ما تشمله الأدلة الشرعية ولم يقصد بإحداثه مخالفة الشريعة ولم يشتمل على منكر فهو من الدين وقد سمي الشارع بدعة الهدي سنة ووعد فاعلها أجرًا فقال عليه الصلاة والسلام: «من سن في الإسلام سنة حسنة فعمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيء» .
(1) ص (47 - 54) وص (133 - 141).
(2)
ص (44 - 47).
والجواب عن هذا من وجوه أحدها: أن يُقال هذا الكلام منقول بالنص من كلام محمد بن علوي المالكي وهو في ص (273) من كتابه المسمى "بالذخائر المحمدية".
الوجه الثاني: أن يُقال إن الاحتفال بالمولد النبوي لم يشمله شيء من الأدلة الدالة على الجواز وإنما شملته الأدلة الدالة على المنع من البدع والتحذير منها، وقد تقدم ذكرها في أول الكتاب فلتراجع (1).
الوجه الثالث: أن يُقال إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أنكر على الرجلين اللذين قال أحدهما أما أنا فأصلي الليل أبدًا وقال الآخر أنا أصوم ولا أفطر، وأنكر أيضًا على عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما لما كان يقوم الليل ولا ينام ويصوم ولا يفطر وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أفعال هؤلاء من الرغبة عن سنته مع أنهم لم يقصدوا مخالفة الشريعة ولم تشتمل أفعالهم على منكر ومع هذا فلم يقرهم النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعتبر أفعالهم من الدين، وفي هذا أبلغ رد على القول الباطل الذي قرره الكاتب المجهول وابن علوي.
الوجه الرابع: أن يُقال إن الكاتب المجهول وابن علوي قد تقولا على النبي صلى الله عليه وسلم حيث زعما أنه سمى بدعة الهدى سنة ووعد فاعلها أجرًا ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمى شيئًا من البدع باسم السنة إلا مع التقييد بأنها سنة
(1) ص (6 - 13).
سيئة أو سنة شر، وفي الحديث الذي ذكره الكاتب المجهول وابن علوي كفاية في الرد عليهما فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه:«من سن في الإسلام سنة حسنة» ولم يقل من ابتدع بدعة هدى.
وأيضًا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد حذر من البدع على وجه العموم وأخبر أنها شر وضلالة ولم يستثن منها شيئًا وفي هذا أبلغ رد على قول الكاتب المجهول وابن علوي أن الشارع سمى بدعة الهدى سنة.
الوجه الخامس: قال الشاطبي في كتاب "الاعتصام" ذم البدع والمحدثات عام لا يخص محدثة دون غيرها ثم ذكر أن الأدلة حجة في عموم الذم من أوجه:
أحدها: أنها جاءت مطلقة عامة لم يقع فيها استثناء البتة ولم يأت فيها ما يقتضي أن منها ما هو هدي ولا جاء فيها كل بدعة ضلالة إلا كذا وكذا ولا شيء من هذه المعاني، فلو كان هنا محدثة يقتضي النظر الشرعي فيها الاستحسان أو أنها لاحقة بالمشروعات لذكر ذلك في آية أو حديث، لكنه لا يوجد فدل على أن الأدلة بأسرها على حقيقة ظاهرها من الكلية التي لا يتخلف عن مقتضاها فرد من الأفراد.
والثاني: أنه قد ثبت في الأصول العلمية أن كل قاعدة كلية أو دليل شرعي كلي إذا تكررت في مواضع كثيرة وأتي بها شواهد على معان أصولية أو فروعية ولم يقترن بها تقييد ولا تخصيص مع تكرره وإعادة تقررها فذلك دليل على بقائها على مقتضى لفظها من العموم وما نحن بصدده من هذا القبيل إذ جاء في الأحاديث المتعددة والمتكررة في أوقات شتى وبحسب الأحوال مختلفة أن كل بدعة ضلالة وأن كل
محدثة بدعة، وما كان نحو ذلك من العبارات الدالة على أن البدع مذمومة ولم يأت في آية ولا حديث تقييد ولا تخصيص ولا ما يفهم منه خلاف ظاهر الكلية فيها، فدل دلالة واضحة على أنها على عمومها وإطلاقها.
والثالث: إجماع السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن يليهم على ذمها وتقبيحها والهروب عنها وعمن اتسم بشيء منها ولم يقع منهم في ذلك توقف ولا مثنوية فهو بحسب الاستقراء إجماع ثابت فدل على أن كل بدعة ليست بحق بل هي من الباطل إلى أن قال: ولما ثبت ذمها ثبت ذم صاحبها لأنها ليست بمذمومة من حيث تصورها فقط، بل من حيث اتصف بها المتصف، فهو إذا المذموم على الحقيقة، والذم خاصة التأثيم، فالمبتدع مذموم آثم وذلك على الإطلاق والعموم انتهى.
الوجه السادس: قال صاحب تحفة الأحوذي في قوله: «من سن في الإسلام سنة حسنة» أي أتى بطريقة مرضية يشهد لها أصل من أصول الدين «ومن سن سنة شر» وفي رواية مسلم «ومن سن في الإسلام سنة سيئة» أي طريقة غير مرضية لا يشهد لها أصل من أصول الدين انتهى.
قلت: والاحتفال بالمولد النبوي لم يشهد له شيء من أصول الدين بالجواز وإنما تشهد أصول الدين بعدم جوازه، وبيان ذلك من وجوه أحدها: أن الاحتفال بالمولد النبوي لم يكن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ولا من عمل أصحابه رضي الله عنهم وإنما هو من هدي سلطان إربل وقد قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ} والتأسي
برسول الله صلى الله عليه وسلم واتباع هديه من أعظم أصول الدين كما أن التأسي بغيره من أعظم أصول الشر والفساد قال الله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} وقال الله تعالى: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا} .
الوجه الثاني: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» .
وفي رواية: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» وهذا الحديث من جوامع الكلم وهو أصل من أصول الدين فيدخل في عمومه جميع المحدثات والأعمال التي ليس عليها أمر النبي صلى الله عليه وسلم ومنها الاحتفال بالمولد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر به ولم يفعله ولم يفعله أصحابه رضي الله عنهم وإنما حدث بعد النبي صلى الله عليه وسلم بنحو من ست مائة سنة، وقد قال الشاطبي في كتاب «الاعتصام» هذا الحديث عده العلماء ثلث الإسلام لأنه جمع وجوه المخالفة لأمره عليه السلام، ويستوي في ذلك، ما كان بدعة أو معصية انتهى.
الوجه الثالث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من رغب عن سنتي فليس مني» وقد كانت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة مولده لا تختلف عن سنته في غيرها من الليالي ولم يكن يحتفل بها ويتخذها عيدًا ولا كان يخصها بشيء من الأعمال دون غيرها من الليالي، فمن رغب عن سنته صلى الله عليه وسلم في ليلة المولد فهو داخل في عموم قوله:«من رغب عن سنتي فليس مني» .
الوجه الرابع: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة» .
قال الحافظ ابن رجب، رحمه الله تعالى قوله صلى الله عليه وسلم:«كل بدعة ضلالة» من جوامع الكلم لا يخرج عنه شيء وهو أصل عظيم من أصول الدين وهو شبيه بقوله صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» فكل من أحدث شيئًا ونسبه إلى الدين ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه فهو ضلالة، والدين بريء منه انتهى.
قلت: ومن ذلك الاحتفال بالمولد النبوي فقد أحدثه سلطان إربل بعد زمان النبي صلى الله عليه وسلم بنحو من ست مائة سنة وجعله مضاهيا لعيدي الفطر والأضحى، ولا شك أنه من المحدثات التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر أنها شر وضلالة ومع هذا فقد زعم ابن علوي والرفاعي والكاتب المجهول أنه مطلوب شرعًا، وزعم ابن علوي والرفاعي أيضا أن الاحتفال بالمولد مشروع في الإسلام، هكذا قالوا وتجرءوا على الشريعة، حيث ألصقوا بها ما ليس منها ونسبوا إلى الدين ما هو بريء منه، وقد وصفوا بدعة المولد بأنها بدعة حسنة ووصفها الرفاعي أيضًا بأنها سنة مباركة وبدعة حسنة محمودة وهذه الصفات لا تنطبق عليها وإنما ينطبق عليه ما جاء في الحديث الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار» .
الوجه الخامس: أن الله تعالى شرع لهذه الأمة على لسان نبيها
- صلى الله عليه وسلم، سبعة أعياد في سبعة أيام وهي يوم الجمعة ويوم الفطر ويوم الأضحى ويوم عرفة وأيام التشريق، فمن زاد على هذه الأعياد السبعة عيدًا غيرها فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله، والاحتفال بالمولد النبوي من الأعياد الزائدة على الأعياد المشروعة فيدخل في عموم قول الله تعالى:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَاذَنْ بِهِ اللَّهُ} .
الوجه السادس: قال رشيد رضا في ص (93) من الجزء الأول من فتاويه، وأما السنة الحسنة والسنة السيئة في الحديث الآخر أي في قوله صلى الله عليه وسلم «من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها» فهي تشمل كل ما يخترعه الناس من طرق المنافع والمرافق الدنيوية أو طرق المضار والشرور فمن اخترع طريقة نافعة كان مأجورًا عند الله تعالى ما عمل الناس بسنته وله مثل أجر كل عامل به لأنه السبب فيه، وكذلك حكم مخترعي طرائق الشرور والمضار كالضرائب والغرامات والفواحش عليهم وزرها ما عمل الناس بها وقولهم بدعة حسنة وبدعة سيئة يصح في البدعة اللغوية أو الدنيوية، ومن قال من العلماء إن البدعة لا تكون إلا سيئة أراد البدعة الشرعية أي الابتداع في الدين. وقد ذكر نحو هذا ابن حجر في الفتاوى الحديثية، انتهى.
وقال الكاتب المجهول: السادس عشر: كل ما ذكر آنفًا إنما هو في المولد الذي خلا من المنكرات المذمومة التي يجب الإنكار عليها أما إذا كان هناك اختلاط أو ارتكاب محرمات فهذا ولا شك محرم شرعًا أي إنه خرج عن نطاق البدع إلى التحريم.
والجواب: عن هذا من وجهين أحدهما: أن يقال هذا الكلام ملخص من كلام محمد بن علوي المالكي وهو في ص (274) من كتاب المسمى "بالذخائر المحمدية" وقد غير الكاتب المجهول في آخره بعض التغيير.
الوجه الثاني: أن يُقال إن الاحتفال بالمولد منكر وإن لم يكن فيه اختلاط ولا غيره من المحرمات لأنه لم يكن من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من عمل الصحابة رضي الله عنهم ولا من عمل التابعين وتابعيهم بإحسان، وإنما هو من البدع التي أحدثت في الإسلام وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من المحدثات على وجه العموم وأخبر أنها شر وضلالة وإنها في النار وأمر بردها من غير استثناء شيء منها فقال صلى الله عليه وسلم:«من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» أي مردود. فالمحتفلون بالمولد قد خالفوا هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وخالفوا ما كان عليه سلف الأمة وأئمتها ومن خالف هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم واتبع غير سبيل المؤمنين فهو على خطر عظيم؛ لأن الله تعالى يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ويقول تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} ويقول تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} .
وإذا اشتمل الاحتفال بالمولد على شيء من المنكرات كان أعظم لخطره وأشد في تحريمه، وقد ذكر ابن الحاج في كتابه المسمى «بالمدخل»
والشقيري في كتابه المسمى "بالسنن والمبتدعات" أشياء كثيرة من العظائم والمهازل التي تفعل في بدعة المولد ومن له عقل وإيمان لا يرضى بشيء منها.
وأما قول الكاتب المجهول والآن نذكر رأي علمائنا الأجلاء والأئمة الأعلام الذين قالوا رأيهم صراحة في الاحتفال بالمولد النبوي وسأذكر كتبهم المؤلفة في هذا الشأن وذلك للرجوع إليها والتأكد من حكم الاحتفال به صلى الله عليه وسلم.
فجوابه من وجوه أحدها: أن يُقال إن الأحكام الشرعية لا تؤخذ من آراء العلماء وإنما تؤخذ من الكتاب والسنة والإجماع وقد ذكرت في أول الكتاب جملة من أدلة الكتاب والسنة على المنع من بدعة المولد فلتراجع ففيها أبلغ رد على الكاتب المجهول وعلى أمثاله من المتكلفين الذين يعتمدون على الآراء في تأييد بدعة المولد ويعرضون عن أدلة الكتاب والسنة على ذم البدع والتحذير منها على وجه العموم.
الوجه الثاني: أن يقال إن الله تعالى قد أمر المؤمنين بالرد إلى كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَاوِيلاً} .
قال مجاهد وغير واحد من السلف في قوله: {فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} أي إلى كتاب الله وسنة رسوله وقال البغوي: أي إلى كتاب الله وإلى رسوله ما دام حيًا وبعد وفاته إلى
سنته قال والرد إلى الكتاب والسنة واجب إن وجد فيهما فإن لم يوجد فسبيله الاجتهاد انتهى.
قلت: وحكم الاحتفال بالمولد موجود في الكتاب والسنة فلا يعدل عنهما إلى كتب الناس وآرائهم وقد ذكرت جملة من أدلة الكتاب والسنة على المنع من بدعة المولد وغيرها من البدع فلتراجع في أول الكتاب (1).
الوجه الثالث: أن يقال إن الكاتب المجهول قد جمع بين أربعة أمور خطيرة، أحدها: أنه قد قضي ما ليس له به علم وذلك في جميع الأدلة التي استدل بها على جواز الاحتفال بالمولد وتحسين بدعته.
ثانيها: مصادمته للكتاب والسنة بالآراء والأقوال التي ما أنزل الله بها من سلطان.
ثالثها: إلصاقه بالشريعة ما ليس منها وذلك في زعمه أن الاحتفال بالمولد مطلوب شرعًا ومن بلغت به الجراءة إلى هذه الغاية السيئة فإنه يخشى عليه أن يكون ممن عناهم الله تعالى بقوله: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَاذَنْ بِهِ اللَّهُ} وقد اشترك في هذه الأمور الثلاثة كل من الرفاعي والكاتب المجهول وابن علوي.
رابعها: تقوله على بعض العلماء الذين قال عنهم أنهم يؤيدون بدعة المولد وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى.
الوجه الرابع: أن يقال إذا كان الاحتفال بالمولد مطلوبًا شرعًا على حد زعم الكاتب المجهول وأمثاله من المتكلفين كابن علوي والرفاعي فلم لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، رضي الله عنهم مع أنه لم يكن هناك مانع يمنعهم من فعله فهل
(1) ص6 - 13.
يظن الكاتب المجهول وغيره من المتكلفين أن الذين يحتفلون بالمولد كانوا أتقى لله تعالى من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وأحرص على الخير منهم أم يظنون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحبه كانوا يتهاونون ببعض الأمور المطلوبة شرعًا ويتركونها عمدًا ولا يبالون بتركها، فالكاتب المجهول وابن علوي والرفاعي بين أمرين لا بد لهم من أحدهما. إما أن يظنوا ظنون السوء برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، وإما أن يرجعوا عن زعمهم أن الاحتفال بالمولد مطلوب شرعًا ولا يحرفوا كلام ابن مسعود رضي الله عنه عن مواضعه ولا يتأولوه على غير تأويله.
وأما قول الكاتب المجهول: رأي الإمام الشيخ ابن تيمية في المولد النبوي (يقول في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم، فتعظيم المولد واتخاذه موسمًا قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه أجر عظيم لحسن قصده وتعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما قدمته لك أنه يحسن من بعض الناس ما يستقبح من المؤمن المسدد.
فجوابه أن يقال: إن الكاتب المجهول قد سلك فيما نقله عن شيخ الإسلام أبي العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى مسلك التلبيس والتضليل فأوهم من لا علم عندهم أن شيخ الإسلام رحمه الله تعالى يرى جواز الاحتفال بالمولد والواقع في الحقيقة أن شيخ الإسلام رحمه الله تعالى يرى خلاف ذلك وقد ذكرت كلامه في ذلك قريبًا مع التنبيه على ما وقع فيه من العبارات الموهمة وهي التي قد تعلق بها الكاتب المجهول وغيره من المفتونين ببدعة المولد. فليراجع
كلامه (1) مع التنبيه على ما وقع فيه من العبارات الموهمة وليراجع (2) أيضًا ما نقلته عنه من التصريح بأن اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال إنها ليلة المولد أنها من البدع التي لم يسحبها السلف ولم يفعلوها.
وقال الكاتب المجهول الإمام السيوطي ألف كتابًا في المولد النبوي سماه "حسن المقصد في عمل المولد" وكتابه "الحاوي للفتاوي" يبين في أحد فصول الكتاب حكم الاحتفال بالمولد النبوي ويرد فيه على من قال بأن المولد بدعة مذمومة.
الإمام الحافظ ابن كثير (777) - (842) هـ ألف في المولد النبوي كتبًا عدة ذكر صاحب كشف الظنون في أسامي الكتب والفنون (319) أن الحافظ ابن كثير قد صنف في المولد الشريف أجزاء عديدة، منها "جامع الآثار في مولد النبي المختار" في ثلاث مجلدات و"اللفظ الرائق في مولد خير الخلائق" وهو مختصر وقال ابن فهد إن لابن كثير كتابًا يسمى "مورد الصادي في مولد الهادي".
ومنهم الإمام الحافظ العراقي، صنف هذا الإمام كتابًا في المولد الشريف سماه "المورد الهني في المولد السني".
ومنهم الإمام الحافظ السخاوي له كتاب في المولد يسمى "التبر المسبوك في ذيل السلوك".
(1) ص144 - 153.
(2)
ص153.
ومنهم الإمام ملا علي قاري له كتاب في المولد سماه "المورد الروي في المولد النبوي"
والجواب أن يقال أما الحافظ ابن كثير، رحمه الله تعالى، فإنه قد ذكر الآثار الواردة في المولد النبوي في كتابه «البداية والنهاية» ولم يتعرض لذكر الاحتفال بالمولد إلا في ترجمة سلطان إربل الملك المظفر فإنه ذكر عنه أنه كان يعمل المولد في ربيع الأول ويحتفل به احتفالا هائلا، ولم يصرح بجواز ذلك ولا عدم جوازه، ولابن كثير أيضًا رسالة في المولد مختصرة ذكر فيها الآثار الواردة فيه ولم يتعرض فيها لذكر الاحتفال به.
وقد أخطأ الكاتب المجهول عدة أخطاء فيما ذكره عن ابن كثير الأول زعمه أنه من الذين قالوا رأيهم صراحة في لاحتفال بالمولد النبوي الثاني زعمه أن ابن كثير قد ولد في سنة سبع وسبعين وسبع مائة وأنه توفي في سنة اثنتين وأربعين وثمان مائة من الهجرة، الثالث زعمه أنه قد ألف في المولد النبوي كتبًا عدة الرابع ما ذكره عن صاحب كشف الظنون أنه ذكر عن الحافظ ابن كثير أنه قد صنف في المولد أجزاء عديدة منها «جامع الآثار في مولد النبي المختار» في ثلاث مجلدات و «اللفظ الرائق في مولد خير الخلائق» وهو مختصر الخمس ما ذكره عن ابن فهد أنه قال إن لابن كثير كتابًا يسمى "مورد الصادي في مولد الهادي"
والجواب عن هذه الأخطاء أن أقول. أما زعم الكاتب المجهول أن ابن كثير قد قال رأيه صراحة في الاحتفال بالمولد النبوي، فهو من أوهامه وتقوله على ابن كثير، وأما زعمه أن ابن كثير قد ولد في سنة
سبع وسبعين وسبع مائة وأنه توفي في سنة اثنتين وأربعين وثمان مائة فهو خطأ واضح.
والصواب: أنه قد ولد في سنة إحدى وسبع مائة من الهجرة وتوفي في سنة أربع وسبعين وسبع مائة وأما زعمه أن ابن كثير قد ألف في المولد النبوي كتبًا عدة، فهو قول لا صحة له وإنما ألف في المولد رسالة مختصرة وذكر الآثار الواردة فيه أيضًا في كتابه «البداية والنهاية» ولم يتعرض في الرسالة ولا في "البداية والنهاية" لحكم الاحتفال بالمولد وأما زعمه أن صاحب "كشف الظنون" ذكر عن الحافظ ابن كثير أنه صنف في المولد أجزاء عديدة منها «جامع الآثار في مولد النبي المختار» في ثلاث مجلدات و «اللفظ الرائق في مولد خير الخلائق» فهو من أوهامه على صاحب «كشف الظنون» والذي ذكره صاحب «كشف الظنون» أن هذين الكتابين للحافظ شمس الدين محمد بن ناصر الدين الدمشقي. وذكر صاحب «كشف الظنون» أيضًا عن الحافظ السخاوي أنه ذكر في "الضوء اللامع" جماعة ممن ألف في مولد النبي صلى الله عليه وسلم منهم الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي له فيه «جامع الآثار في مولد النبي المختار» في ثلاث مجلدات و «المورد الصادي في مولد الهادي» في كراسة و «اللفظ الرائق في مولد خير الخلائق» وهو أخصر من الذي قبله.
وأما زعمه أن ابن فهد قال: إن لابن كثير كتابًا يسمى «مورد الصادي في مولد الهادي» فهو من أوهامه على ابن فهد. والذي ذكره ابن فهد في كتابه «لحظ الألحاظ» بذيل طبقات الحفاظ أن «مورد الصادي في مولد الهادي» للحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي، وذكر أيضًا أنه صنف في المولد النبوي ثلاثة أسفار، وذكر أيضًا من مصنفاته «اللفظ الرائق في مولد خير الخلائق» وهذا يوافق ما ذكره صاحب «كشف
الظنون» وهذه المؤلفات لم أر شيئًا منها فلا أدري هل كان ابن ناصر الدين يقول بجواز الاحتفال بالمولد أم أنه قد مشي على طريقة ابن كثير في جمع الآثار الواردة في لمولد من غير تعرض لحكم الاحتفال به هل هو جائز أم غير جائز؟ ، وكذلك الحافظ العراقي لا أدري هل كان يقول بجواز الاحتفال بالمولد أم لا؟ فإني لم أر كتابه في المولد.
وأما السيوطي فقد صرح بتحسين بدعة المولد، وكذلك السخاوي وملا علي قاري قد نقل عنهما القول بتحسين بدعة المولد وهؤلاء ومثالهم محجوجون بالنصوص الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في التحذير من المحدثات على وجه العموم وأنها شر وضلالة وأنها في النار، وبقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته:«من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» وفي رواية «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» وقد ذكرت الأحاديث الواردة في ذلك في أول الكتاب فلتراجع ففيها أبلغ رد على الذين أجازوا بدعة المولد واستحسنوها وقد قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِينًا} وقال تعالى: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} وقال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي يأمر الله فيها بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه والتي يحذر الله فيها من
معصية الرسول صلى الله عليه وسلم ومخالفته وقد ذكرت جملة من أقوال العلماء الذين ذموا بدعة المولد ونهوا عنها فلتراجع أقوالهم ففيها أبلغ رد على الذين أجازوا بدعة المولد واستحسنوها.
فصل
وعند مقاربة الانتهاء من الرد على الكاتب المجهول الذي نشر مقاله في مجلة المجتمع الكويتية وقفت على رسالة في المولد لمحمد بن علوي المالكي سماها "حول الاحتفال بالمولد النبوي" لم يبدأ فيها ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ولا بالحمد لله فكانت لذلك بتراء جذماء قطعاء، والدليل على ذلك ما رواه الإمام أحمد بإسناد حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل كلام أو أمر ذي بال لا يفتح بذكر الله عز وجل فهو أبتر أو قال أقطع» ورواه أبو داود ولفظه: «كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم» ورواه ابن حبان في صحيحه ولفظه «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله أقطع» ورواه ابن ماجه بنحوه قال السندي: الحديث قد حسنه ابن الصلاح والنووي.
وروى الطبراني في الكبير عن كعب بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله أجذم أو أقطع» قال الخطابي: قوله «أجذم» معناه المنقطع الأبتر الذي لا نظام فيه انتهى.
وقال ابن علوي في صلى الله عليه وسلم إنه يقول بجواز الاحتفال بالمولد.
والجواب أن يقال هذا القول مردود على قائله لمصادمته للنصوص الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في التحذير من
البدع والأمر بردها وقد تقدم ذكرها في أول الكتاب فلتراجع ففيها أبلغ رد على ابن علوي وعلى كل من جاز شيئًا من البدع.
وقال ابن علوي في ص (4) أيضًا إننا لا نقول بسنية الاحتفال بالمولد المذكور في ليلة مخصوصة، بل من اعتقد ذلك فقد ابتدع في الدين لأن ذكره صلى الله عليه وسلم والتعلق به يجب أن يكون في كل حين.
والجواب أن يقال إن هذه الجملة من كلام ابن علوي قد اشتملت على أمرين عظيمين مع ما فيها من التناقض الأمر الأول: زعمه أن الاحتفال بالمولد سنة، فجعل البدعة التي أحدثها سلطان إربل من السنة وهذا من الاستدراك على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم لن الله تعالى يقول {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} ومن زعم أن الاحتفال بالمولد سنة فقد جعله من مكملات الدين ويلزم على قوله أن يكون الدين ناقصًا إلى أكمله سلطان إربل بعيد المولد الذي قد أحدثه وسن الاحتفال به وما الاستدراك على النبي صلى الله عليه وسلم فلأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما حث على الأخذ بسنته وسنة الخلفاء الراشدين المهديين لا غير فما ما سوى ذلك من المحدثات في لدين فقد حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم غاية التحذير وأمر بردها وأخبر أنها شر وضلالة وأنها في النار، وما كان الأمر فيه هكذا فلا يقول عاقل إنه من السنة، ومن كابر وزعم أنه من السنة فلازم قوله أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد قصر في البيان والتبليغ حيث ترك سنة سلطان إربل في المولد فلم يذكرها ولم يأمر بالأخذ بها مع سنته وسنة الخلفاء الراشدين.
الأمر الثاني: قوله إنه يجب التعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم في كل حين وهذه لكلمة من الشرك بالله تعالى لأن التعلق إنما يكون بالله وحده فهو الذي يتعلق به جميع الخلائق في جلب النفع ودفع الضر وقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا} وقال تعالى: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} وفي هذه الآية والآية قبلها أبلغ رد على ابن علوي وعلى غيره ممن يتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم ويرجو الإمداد منه كما سيأتي ذلك في كلام ابن علوي وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعًا ولا ضرًا فماذا يستفيد المتعلقون به والراجون للإمدادات منه؟.
وأما التناقض في كلام ابن علوي ففي زعمه أن الاحتفال بالمولد سنة، ثم نقض ذلك في الخامس من أدلته على جواز الاحتفال بالمولد فصرح فيه أن الاحتفال بالمولد بدعة قال ولكنها حسنة، وكما أن الجملة الأولى من كلام ابن علوي تستلزم الاستدراك على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، فالجملة الثانية من كلامه تستلزم مناقضة النصوص الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذم البدع والتحذير منها والأمر بردها، وقد ذكرتها في أول الكتاب فلتراجع (1) وليراجع أيضًا (2) ما نقله الشاطبي عن ابن الماجشون قال: سمعت مالكًا يقول من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم خان الرسالة لأن الله يقول {الْيَوْمَ
(1) ص: (10، 11).
(2)
ص (15).
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} فما لم يكن يومئذ دينًا فلا يكون اليوم دينًا انتهى.
فليتأمل ابن علوي كلام إمام المذهب الذي ينتمي إليه ولا ينس قول الله تعالى: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} . وفي ص (4) زعم ابن علوي أن الاجتماعات يعني في المولد وسيلة للدعوة إلى الله.
والجواب أن يقال: هذا من مغالطات ابن علوي وتأييده لبدعة المولد بما لا حقيقة له في الواقع، والذي يعرفه أهل العلم عن الاجتماعات في المولد أنها وسيلة إلى الافتتان ببدعة المولد واستحسانها وعدم المبالاة بتحذير النبي صلى الله عليه وسلم من المحدثات وأمره بردها، فهذا هو الذي يشهد به الواقع من حال الذين يحتفلون بالمولد من العوام وأشباه العوام من الذين ينتسبون إلى العلم وليسوا من أهله، وهي أيضًا وسيلة إلى فتن ومفاسد كثيرة، وقد ذكر ابن الحاج في كتابه المسمى "بالمدخل" والشقيري في كتابه المسمى "بالسنن والمبتدعات" كثيرًا من المنكرات التي تفعل في بدعة المولد، وقد ذكرت كلامهما في ذلك قريبًا فليراجع ففيه أبلغ رد على المغالطة التي موه بها ابن علوي على من لا علم عندهم بمفاسد الاحتفال بالمولد.
وفي آخر ص (5) إلى أثناء صفحة (19) ذكر ابن علوي أدلة على جواز الاحتفال بالمولد وهي عشرون دليلا وقد ذكرها في كتابه المسمى «بالذخائر المحمدية» وهي في ص (267) إلى صفحة (274)
وقد اعتمد عليها يوسف بن هاشم الرفاعي ونقل أكثرها في مقاله المنشور في عددين من جريدة السياسة الكويتية واعتمد عليها أيضًا صاحب لمقال المنشور في مجلة المجتمع الكويتية فنقل أكثرها، وقد تقدم الرد على كل من المقالين في هذا الكتاب ولله الحمد، وفي ضمن الرد على المقالين رد على ابن علوي أيضًا إلا أن يكون في مقاله زيادة تحتاج إلى التنبيه فسوف أنبه عليها إن شاء الله تعالى.
وفي آخر ص (9) وأول ص (10) قال ابن علوي فكم للصلاة عليه أي على النبي صلى الله عليه وسلم من فوائد نبوية وإمدادات محمدية يسجد القلم في محراب البيان عاجزًا من تعداد آثارها ومظاهر أنوارها.
قلت: وهذه الجملة من كلام ابن علوي مذكورة في ص (269) من كتابه المسمى "بالذخائر المحمدية".
والجواب أن يقال هذه لجملة مشتملة على الشرك بالله تعالى لأن الله تعالى هو الذي يتفضل على من شاء من عباده بالهداية والتوفيق والإمداد بأنواع الخير قال الله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ * ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ * لِيَكْفُرُوا بِمَا آَتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} وقال تعالى: {كُلاً نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا * انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً} .
وقال تعالى مخبرًا عن خليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه قال لقومه: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ *
وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ} وقال تعالى مخبرًا عن نوح عليه الصلاة والسلام أنه قال لقومه {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} ، وقال تعالى مخبرًا عن هود عليه الصلاة والسلام أنه قال لقومه:{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ * أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ * وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} وقال تعالى: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ} وقال تعالى مخبرًا عن أهل الجنة {وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} فأما النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعًا ولا ضرًا كما قال تعالى: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} وقال تعالى: {قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا} وقال تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} وقال تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} وقال تعالى: {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ} .
وإذا علم هذا فليعلم أيضًا أن الفوائد والإمدادات التي ترجى من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إنما ترجى من الله وحده لا شريك له فهو الذي يجزي من صلى على نبيه صلى الله عليه وسلم خير الجزاء ويصلي عليه بكل صلاة عشر صلوات ويسلم عليه بكل تسليمة عشر تسليمات ويكتب له عشر حسنات ويمحو عنه عشر سيئات ويرفع له عشر درجات وقد جاء في ذلك أحاديث صحيحة وليس هذا موضع ذكرها.
وقال ابن علوي في ص (10) الثامن: التعرض لمكافأته بأداء
بعض ما يجب له علينا ببيان أوصافه الكاملة وأخلاقه الفاضلة.
قلت: هذه الجملة من كلام ابن علوي مذكورة في صفحة
…
(269) من كتابه المسمى "بالذخائر المحمدية"
والجواب أن يقال إن حق النبي صلى الله عليه وسلم على المؤمنين أعظم من حقوق آبائهم وأمهاتهم عليهم، وقد روى الإمام أحمد ومسلم وأهل السنن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يجزي ولد، والدًا إلا أن يجده مملوكًا فيشتريه فيعتقه» قال النووي في شرح مسلم يجزي يفتح لأوله أي لا يكافئه بإحسانه وقضاء حقه إلا أن يعتقه انتهى.
وإذا كان الولد لا يكافئ إحسان والده عليه ولا يقضي حقه إلا بالعتق إذا وجده مملوكًا فلا ينبغي لأحد منا أن يتوهم أنه يقدر على مكافأة النبي صلى الله عليه وسلم وإنما الله تعالى هو الذي يكافئه عنا، وحسبنا أن نحرص على طاعته واتباع هديه والتمسك بسنته ورد ما خالفها من البدع والضلالات وينبغي أيضًا أن نحرص على الإكثار من الصلاة والسلام عليه في كل وقت وحين ولا نجعل ذلك من خصائص ليلة المولد فإن ذلك بخس لحقه صلى الله عليه وسلم مع ما فيه من ارتكاب نهيه عن المحدثات ومخالفة أمره بردها.
وفي أثناء ص (19) إلى آخر ص (21) نقل ابن علوي جملا من كلام شيخ الإسلام أبي العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم" وهي العبارات الموهمة التي إذا سمعها من لا علم عنده ظن أن شيخ الإسلام رحمه الله تعالى يرى جواز الاحتفال بالمولد، مع أنه قد صرح إن الاحتفال بالمولد بدعة، وقد ذكر
الكاتب المجهول الذي نشرت مقالته في مجلة المجتمع الكويتية بعض ما ذكره ابن علوي عن شيخ الإسلام رحمه الله تعالى وتقدم الرد عليه قريبًا فليراجع (1) ففيه رد على ابن علوي أيضًا.
وذكر ابن علوي في ص (22) مفهوم المولد في نظره، ثم قال: فلو اجتمعنا على شيء من المدائح التي فيها ذكر الحبيب صلى الله عليه وسلم وفضله وجهاده وخصائصه ولم نقرأ قصة المولد النبوي التي تعارف الناس على قراءتها واصطلحوا عليها، ثم استمعنا إلى ما يلقيه المتحدثون من مواعظ وإرشادات وإلى ما يتلوه القارئ من آيات أقول لو فعلنا ذلك فإن ذلك داخل تحت المولد النبوي الشريف ويحقق به معنى الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، وأظن أن هذا المعنى لا يختلف عليه اثنان ولا ينتطح فيه عنزان.
والجواب أن يقال إن تخصيص ليلة المولد بالاجتماع على سماع المدائح التي ذكر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك ولم يأمر به أمته ولم يفعله الصحابة ولا التابعون وتابعوهم بإحسان ولو كان ذلك خيرًا لسبقوا إليه وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم أمته على الأخذ بسنته وسنة الخلفاء الراشدين المهديين وأمرهم بالتمسك بها والعض عليها بالنواجذ وحذرهم من محدثات الأمور وبالغ في التحذير وأخبرهم أن شر الأمور محدثاتها وأن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، وأمرهم برد المحدثات والأعمال التي ليس عليها أمره، وقد ذكرت الأحاديث الواردة في ذلك في أول الكتاب فلتراجع ففيها أبلغ
(1) ص (196، 197).
رد على ما قرره ابن علوي في هذه الجملة من كلامه وظن أنه لا يختلف عليه اثنان، وهذا الظن مردود بقول النبي صلى الله عليه وسلم «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث» متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وفي ص (24) إلى آخر ص (31) ذكر ابن علوي ما يفعله المفتونون ببدعة المولد من القيام عند ذكر ولادة النبي صلى الله عليه وسلم ورد على الذين يظنون أن الناس يقومون معتقدين أن النبي صلى الله عليه وسلم يدخل إلى المجلس في تلك اللحظة بجسده الشريف، وقد تبرأ ابن علوي من هذا الظن ورد على الذين يعتقدونه ثم نقض بعض ما تبرأ منه فزعم في آخر ص (25) أن روح النبي صلى الله عليه وسلم جوالة سياحة في ملكوت الله ويمكن أن تحضر مجالس الخير ومشاهد النور والعلم وقرر نحو ذلك في ص (31).
والجواب: أن يقال أما القيام في الاحتفال بالمولد النبوي عند ذكر ولادة النبي صلى الله عليه وسلم وخروجه إلى الدنيا فهو من المحدثات الداخلة في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم «وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار» وفي قوله صلى الله عليه وسلم أيضًا: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القيام له وأخبر أن ذلك من فعل الأعاجم قال أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم متوكئًا على عصا فقمنا إليه فقال: «لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضها بعضًا» رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه وقال المنذري في
«الترغيب والترهيب» إسناده حسن، وروى البخاري في "الأدب المفرد" بإسناد صحيح على شرط مسلم عن أنس رضي الله عنه قال:«ما كان شخص أحب إليهم من النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك» ورواه الإمام أحمد والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد كره القيام له ونهى عنه وأخبر أنه من فعل الأعاجم فكيف بالقيام عند ذكر ولادته وخروجه إلى الدنيا، فهذا أولى بالنهي لجمعه بين البدعة والتشبه بالأعاجم وقد تقدم كلام رشيد رضا في هذا القيام المبتدع وتصريحه أنه من جملة البدع وما نقله عن ابن حجر المكي من التصريح بأنه بدعة فليراجع ما تقدم عنها (1).
وأما قول ابن علوي في ص (25) أن روح النبي صلى الله عليه وسلم جوالة سياحة في ملكوت الله.
فجوابه أن يقال إثبات مثل هذا يحتاج إلى دليل من الكتاب أو السنة ولا دليل على ذلك، فأما التخرص واتباع الظن فليس بدليل لقول الله تعالى:{وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} وفي الحديث الصحيح: «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث» متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وأما قوله في ص (25)، ص (26) ويمكن أن تحضر مجالس الخير ومشاهدة النور والعلم، وكذلك أرواح خلص المؤمنين من أتباعه.
(1) ص (164، 165).
فجوابه أن يقال هذا من شطحات الصوفية وأتباعهم من ذوي الجهل المركب. والعاقل ينزه نفسه عن الإصغاء إلى هذه الشطحات والدعاوي الباطلة، وقد قال الله تعالى:{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} فالأنفس المرسلة هي أنفس الأحياء وهي التي تجول مع أصحابها فيما شاءوا من الأرض، وأما الأنفس التي قد أمسكها الله تعالى وهي أنفس الموتى فهذه لا يعلم بحالها إلا الله تعالى، ومن زعم أنها أو بعضها يجول ويسبح في ملكوت الله تعالى فقد تكلف ما لا علم له به وقد قال الله تعالى:{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً} .
وفي ص (26) شرع ابن علوي يوجه القيام عند ذكر ولادة النبي صلى الله عليه وسلم بتوجيهات باطلة، وذكر في ص (27) أنه قد استحسنه من استحسنه من أهل العلم. ونقل عن البرزنجي ما ذكره عن بعضهم من استحسان القيام وأن أهل العلم والفضل والتقي قد سنوه إلى أن قال في آخر ص (28) أن من لم يقم قد يفسر موقفه ذلك بسوء الأدب أو قلة الذوق أو جمود الإحساس.
والجواب: أن يقال كل ما ذكره ابن علوي في الصفحات الثلاث وما نقله عن البرزنجي فهو مردود بقول النبي صلى الله عليه وسلم «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» وفي رواية «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» أي مردود وبقوله أيضًا: «وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة» وبقوله أيضًا: «وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار» فهذه الأحاديث الصحيحة تقضي على كل ما جاء في
كلام ابن علوي والبرزنجي من التوجيه والترغيب في بدعة القيام عند ذكر ولادة النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِينًا} .
وقال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} .
وأما ما نقله ابن علوي عن البرونجي أنه قال إن أهل العلم والفضل والتقى قد سنوا القيام عند ذكر ولادة النبي صلى الله عليه وسلم.
فجوابه أن يقال لا شك إن هذه السنة من سنن الشر التي يترتب عليها عظيم الوزر لما فيها من المعارضة لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن القيام له وكراهيته لذلك كما تقدم في حديثي أبي إمامة الباهلي وأنس بن مالك رضي الله عنهما وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعمل بها بعده كتب عليه مثل وزر من عمل بها لا ينقص من أوزارهم شيء» رواه الإمام أحمد ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وعن أبي هريرة وحذيفة بن اليمان وأنس بن مالك وأبي جحيفة وعمرو بن عوف المزني وواثلة بن الأسقع رضي الله عنهم نحو ذلك، وقد ذكرت هذه الأحاديث في أول كتابي "فصل الخطاب في الرد على أبي تراب" فلتراجع هناك.
وإذا علم ما يترتب على سنن الشر من كثرة الأوزار فليعلم أيضًا أن الذين سنوا بدعة القيام عند ذكر ولادة النبي صلى الله عليه وسلم ليسوا بأهل أن يوصفوا بالعلم والفضل والتقى، وإنما يوصفون بالجهل وسوء الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم واتباع غير سبيل المؤمنين الذين كانوا لا يقومون للنبي صلى الله عليه وسلم لما يعلمون من كراهيته لذلك.
وأما قول ابن علوي إن من لم يقم قد يفسر موقفه ذلك بسوء الأدب أو قلة الذوق أو جمود الإحساس.
فجوابه أن يقال إن سوء الأدب على الحقيقة وقلة الذوق وجمود الإحساس إنما هو في استحسان البدع وتأييدها والرغبة عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومخالفة الأحاديث الثابتة عنه في ذم البدع والتحذير منها والأمر بردها ومخالفة ما كان عليه الصحابة والتابعون وتابعوهم بإحسان، فإن هؤلاء لم يكونوا يعرفون الاحتفال بالمولد فضلا عما ابتدعه الجهال فيه من القيام عند ذكر ولادة النبي صلى الله عليه وسلم وقد تقدم في حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاهم عن القيام له وقال:«لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضها بعضًا» .
وتقدم في حديث أنس رضي الله عنه: «أنهم كانوا إذا رأوا النبي صلى الله عليه وسلم لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك» فما فعله الصحابة رضي الله عنهم من ترك القيام للنبي صلى الله عليه وسلم هو الأدب الحسن الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه ورضيه لهم، وما خالفه فهو من سوء الأدب الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكرهه لأصحابه، وقد قال الله تعالى:
{وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} وقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ} وقال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} .
وبعد فهل يقول ابن علوي إن ترك الصحابة، رضي الله عنهم للقيام للنبي صلى الله عليه وسلم عند رؤيته قد يفسر بسوء الأدب أو قلة الذوق أو جمود الإحساس كما قد قال ذلك في ترك القيام عند ذكر ولادته صلى الله عليه وسلم وخروجه إلى الدنيا؟ أم ماذا يجيب به عن كلامه الذين لم يتثبت فيه ولم ينظر إلى ما يلزم عليه من معارضة نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن القيام له وكراهيته لذلك وما يلزم عليه أيضًا من الطعن في الصحابة رضي الله عنهم من أجل تركهم القيام للنبي صلى الله عليه وسلم عند رؤيته فابن علوي بين أمرين لا بد له من أحدهما: إما أن يرجع عن كلامه الذي لم يتثبت فيه وإما أن يبوء بما يلزم على كلامه من معارضة النبي صلى الله عليه وسلم والطعن في الصحابة رضي الله عنهم وما أعظم ذلك وأشد خطره.
وفي ص (29) إلى آخر ص (31) ذكر ابن علوي خمسة وجوه في استحسان القيام عند ذكر ولادة النبي صلى الله عليه وسلم الوجه الأول: أنه جرى عليه العمل في سائر الأقطار والأمصار واستحسنه العلماء شرقًا وغربًا، والقصد به تعظيم صاحب المولد الشريف صلى الله عليه وسلم وما استحسنه المسلمون فهو عند الله حسن وما استقبحوه فهو عند الله قبيح كما تقدم في الحديث.
والجواب أن يقال: أما قوله إنه جرى عليه العمل في سائر الأقطار والأمصار فهو من مجازفاته ومن أين له العلم بأن سائر أهل الأقطار والأمصار يعملون بدعة المولد وإنهم يقومون عند ذكر ولادة النبي صلى الله عليه وسلم فهذا القول مبني على اتباع الظن والقول بغير علم وقد قال الله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً} وقال تعالى: {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث» متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهذه الجزيرة العربية التي هي من أكبر الأقطار والأمصار الإسلامية لا يعرف عن أهلها الاحتفال ببدعة المولد فضلاً عن القيام الذي ابتدعه الجهال زيادة على بدعة المولد.
وأما قوله واستحسنه العلماء شرقًا وغربًا.
فجوابه أن يقال وهذا أيضًا من المجازفات المردودة فإن القيام عند ذكر ولادة النبي صلى الله عليه وسلم لم يستحسنه أحد من العلماء المعتبرين وإنما يستحسنه الجهال وأمثالهم من الذين ينتسبون إلى العلم وليسوا من أهل العلم وقد تقدم (1) عن ابن حجر المكي ورشيد رضا أنهما صرحا بأن هذا القيام بدعة.
وأما قوله والقصد به تعظيم صاحب المولد الشريف صلى الله عليه وسلم.
فجوابه من وجهين: أحدهما: أن يقال ليس في قيام الجهال عند
(1) ص (164، 165).
ذكر ولادة النبي صلى الله عليه وسلم شيء من التعظيم المشروع في حقه صلى الله عليه وسلم وإنما فيه ارتكاب نهيه صلى الله عليه وسلم عن القيام له ومضاهاة الأعاجم بالقيام الذي يقصدون به التعظيم وهو الذي تسميه العامة الاحترام، وفيه أيضًا مخالفة هديه صلى الله عليه وسلم في كراهة القيام له، وقد ذكرت قريبًا ما رواه أبو أمامة الباهلي وأنس بن مالك، رضي الله عنهما في ذلك فليراجع إلى الحديثين (1) ففيهما أبلغ رد على الذين زين لهم الشيطان أعمالهم السيئة وأوهمهم أن قيامهم المبتدع فيه تعظيم للنبي صلى الله عليه وسلم وهو بضد ذلك ولو كان في هذا القيام المبتدع أدنى شيء من التعظيم المشروع في حق النبي صلى الله عليه وسلم؛ لكان الصحابة رضي الله عنهم أسبق إليه من غيرهم فإنهم كانوا أشد الأمة تعظيمًا للنبي صلى الله عليه وسلم وأشدهم بعدًا عما كان يكرهه وينهى عنه من الأقوال والأفعال، وكذلك كان التابعون وتابعوهم بإحسان وهل يظن الذين يحتفلون بالمولد ويقومون عند ذكر ولادة النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد بلغوا في تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم غاية لم يبلغها الصحابة رضي الله عنهم ولا التابعون وتابعوهم بإحسان إنه لا يظن ذلك إنسان له أدنى مسكة من عقل.
الوجه الثاني: أن يقال إنه لا ينبغي تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم إلا بما شرعه الله تعالى في حقه من التعظيم ولا يجوز أن يعظم بالبدع ولا بما كان يكرهه وينهى عنه من القيام الذي هو من فعل الأعاجم ولا شك أن تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم
(1) ص (209، 210).
واجب على كل مؤمن، وإنما يكون ذلك بطاعة أوامره واجتناب نواهيه واتباع هديه والتمسك بسنته وإحياء ما أميت منها ونشر ما بعث به والجهاد على ذلك بحسب الاستطاعة فهذا هو الغاية في تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي كان عليه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان فمن سلك سبيلهم فقد اهتدى ومن سلك سبيلا غير سبيلهم فقد ضل وهلك قال الله تعالى:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} .
وأما قوله وما استحسنه المسلمون فهو عند الله حسن وما استقبحوه فهو عند الله قبيح كما تقدم في الحديث.
فجوابه أن يقال قد روي الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أنه قال:«إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحاب خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه فما رأى المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن وما رأوا سيئًا فهو عند الله سيئ» وما ذكرت فيما تقدم أن قول ابن مسعود رضي الله عنه فما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن، إنما أراد به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرد به من بعدهم فما رآه الصحابة رضي الله عنهم حسنًا فهو عند الله حسن وما رأوه سيئًا فهو عند الله سيئ، فأما استحسان الجهال للبدع في الدين فليس بحسن عند الله، ولا عند
المؤمنين؛ لأن البدع في الدين من عمل الشيطان وتضليله. وما كان من عمل الشيطان فهو سيئ عند الله وعند المؤمنين والدليل على أن البدع في الدين من عمل الشيطان قول الله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَاذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وقوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} .
وفي المسند بإسناد صحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطًا ثم قال هذا سبيل الله ثم خط خطوطًا عن يمينه وعن شماله ثم قال هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه، ثم قرأ {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} ورواه الحاكم في مستدركه وصححه والشاهد منه قوله في السبل إن على كل سبيل منها شيطانًا يدعو إليه والسبل هي البدع في الدين فمن دعا إلى شيء منها فلا شك أنه من إخوان الشياطين ومن استحسن شيئًا منها فهو على خطر عظيم، وقد ذكرت في أول الكتاب تشديد الإمام مالك على من يستحسن البدع في الدين فليراجع كلامه فإنه مهم جدًا» .
وقال ابن علوي في ص (29) الوجه الثاني أن القيام لأهل الفضل مشروع بالأدلة الكثيرة من السنة.
والجواب أن يقال بل القيام مكروه ومنهي عنه بالأدلة الصريحة من السنة، وسواء في ذلك القيام لأهل الفضل وغيرهم؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سيد الخلق وإمام أهل الفضل على
الإطلاق كان يكره القيام له، وقد نهى أصحابه أن يقوموا له وقال لهم:«لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضها بعضا» وهذا الحديث مروي عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، وقد تقدم ذكره قريبًا وتقدم أيضًا حديث أنس رضي الله عنه قال:«ما كان شخص أحب إليهم من النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك» وروى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي بأسانيد صحيحة عن أبي مجلز (1) قال: خرج معاوية على ابن الزبير وابن عامر فقام ابن عامر وجلس ابن الزبير فقال معاوية لابن عامر اجلس فإن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أحب أن يتمثل له الرجال قيامًا فليتبوأ مقعده من النار» وقد رواه البخاري في الأدب المفرد بإسنادين صحيحين على شرط مسلم وبوب عليه بقوله «باب قيام الرجل للرجل تعظيمًا» وبوب عليه أبو داود وعلى حديث أبي أمامة الذي تقدم ذكره بقوله باب الرجل يقوم للرجل يعظمه بذلك وبوب الترمذي على حديثي أنس ومعاوية رضي الله عنهما بقوله باب كراهية قيام الرجل للرجل.
وقد فرق النووي وغيره من العلماء بين القيام لأهل الفضل والخير وبين القيام لغيرهم فجازوه لأهل الفضل والخير ولم يجيزوه لغيرهم وهذا التفريق لا دليل عليه وفي الأحاديث التي تقدم ذكرها عن أبي أمامة وأنس ومعاوية رضي الله عنهم، أبلغ رد على من قال بهذا التفريق، وقد قال إسحاق بن إبراهيم خرج أبو عبد الله يعني
(1) بكسر الميم وسكون الجيم وفتح اللام بعدها زاي اسمه لاحق بن حميد السدوسي.
أحمد بن حنبل على قوم في المسجد فقاموا له فقال: لا تقوموا لأحد فإنه مكروه وقال أحمد أيضًا في رواية مثنى: لا يقوم أحد لأحد وقال حنبل: قلت لعمي: ترى للرجل أن يقوم للرجل إذا رآه قال لا يقوم أحد لأحد إلا الولد لوالده أو أمه، فأما لغير الوالدين فلا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
وظاهر هذه الروايات عن أحمد أنه لا فرق بين القيام لأهل الفضل والخير وبين القيام لغيرهم ودليل ذلك ما تقدم عن أبي إمامة وأنس ومعاوية رضي الله عنهم وقد روي عن الإمام مالك نحو قول الإمام أحمد. قال ابن القاسم في المدونة قيل لمالك الرجل يقوم للرجل له الفضل والفقه قال أكره ذلك ولا بأس أن يوسع له في مجلسه قال وقيام المرأة لزوجها حتى يجلس من فعل الجبابرة وربما يكون الناس ينتظرونه فإذا طلع قاموا فليس هذا من فعل أهل الإسلام.
وقال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى: أبو بكر والقاضي ومن تبعهما فرقوا بين القيام لأهل الدين وغيرهم فاستحبوا لطائفة وكرهوه لأخرى والتفريق في مثل هذا بالصفات فيه نظر قال وأما أحمد فمنع منه مطلقًا لغير الوالدين فإن النبي صلى الله عليه وسلم سيد الأئمة ولم يكونوا يقومون له فاستحباب ذلك للإمام العادل مطلقًا خطأ وقصة ابن أبي ذئب مع المنصور تقتضي ذلك، وما أراد أبو عبد الله والله أعلم إلا لغير القادم من سفر فإنه قد نص على أن القادم من السفر إذا أتاه إخوانه فقام إليهم وعانقهم فلا بأس به، وحديث سعد يخرج على هذا وسائر الأحاديث فإن القادم يتلقى لكن هذا قام فعانقهم والمعانقة لا تكون إلا بالقيام وأما
الحاضر في المصر الذي قد طالت غيبته والذي ليس من عادته المجيء إليه فمحل نظر فما الحاضر الذي يتكرر مجيئه في الأيام كإمام المسجد أو السلطان في مجلسه أو العالم في مقعده فاستحباب القيام له خطأ بل المنصوص عن أبي عبد الله هو الصواب انتهى.
وقصة ابن أبي ذئب التي أشار إليها الشيخ قد ذكرت له مع المهدي وأنه لما حج دخل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فقال المسيب بن أبي زهير لابن أبي ذئب قم هذا أمير المؤمنين فقال: ابن أبي ذئب إنما يقوم الناس لرب العالمين فقال المهدي: دعه فلقد قامت كل شعرة في رأسي، وقد ذكر هذه القصة الخطيب في تاريخه والذهبي في تذكرة الحفاظ.
وأما حديث سعد الذي أشار إليه الشيخ رحمه الله تعالى فالمراد به حديث سعد بن معاذ رضي الله عنه حين جاء ليحكم في بني قريظة فقال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار «قوموا إلى سيدكم» وسيأتي الكلام على هذا الحديث قريبًا إن شاء الله تعالى.
وإذا علم أن القيام مكروه ومنهي عنه لما فيه من التشبه بالأعاجم وأن النهي عام لأهل الفضل وغيرهم فليعلم أيضًا أن القيام عند ذكر ولادة النبي صلى الله عليه وسلم أولى بالكراهة والمنع لأنه من المحدثات التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفها بالشر والضلالة وأمر بردها.
وقد ذكرت الأحاديث في ذلك في أول الكتاب فلتراجع (1) ففيها أبلغ رد على ابن علوي وعلى غيره من
(1) ص10 - 11.
ذوي الغلو والإطراء ومجاوزة الحد فيما يزعمون أنه من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن علوي في ص (29) وص (30) الوجه الثالث ورد في الحديث المتفق عليه قوله صلى الله عليه وسلم خطابًا للأنصار قوموا لسيدكم وهذا القيام كان تعظيمًا لسيدنا سعد رضي الله عنه ولم يكن من أجل كونه مريضًا وإلا لقال قوموا إلى مريضكم ولم يقل إلى سيدكم ولم يأمر الجميع بالقيام بل كان قد أمر البعض.
والجواب: أن يقال إما أمر النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار بالقيام إلى سعد بن معاذ رضي الله عنه لينزلوه عن الحمار لأنه كان مريضًا بسبب الجرح الذي أصابه يوم الخندق، وقد جاء ذلك صريحًا في رواية عند الإمام أحمد رحمه الله تعالى رواها بإسناد حسن من طريق محمد بن عمرو بن علقمة عن أبيه عن جده علقمة بن وقاص قال أخبرتني عائشة رضي الله عنها، قالت: خرجت يوم الخندق أقفوا آثار الناس فذكر الحديث مطولا في قصة الخندق وحصار بني قريظة وفيه أن بني قريظة نزلوا على حكم سعد بن معاذ فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتي به على حمار قال: قال أبو سعيد فلما طلع على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قوموا إلى سيدكم فانزلوه» فقال عمر سيدنا الله عز وجل قال: «فانزلوه» الحديث قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري سنده حسن، وقال الهيثمي فيه محمد بن عمرو بن علقمة وهو حسن الحديث، وبقية رجاله ثقات قال الحافظ ابن حجر: وهذه الزيادة يعني قوله "فانزلوه" تخدش في الاستدلال بقصة سعد على مشروعية القيام المتنازع فيه انتهى.
قلت: وفي هذه الزيادة أبلغ رد على من استدل بقصة سعد، رضي الله عنه على جواز القيام المنهي عنه وهو ما قصد به التعظيم فأما الاستدلال بقصة سعد، رضي الله عنه على استحسان القيام عند ذكر ولادة النبي صلى الله عليه وسلم ففي غاية البعد والتكلف والتعسف ومن قياس الضلالة على الأمور الجائزة، وهذا القياس الفاسدة مردود بتحذير النبي صلى الله عليه وسلم من المحدثات وأمره بردها.
وقال ابن علوي في ص (30) الوجه الرابع كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن يقوم تعظيمًا للداخل عليه وتأليفًا كما قام لابنته فاطمة وأقرها على تعظيمها له بذلك وأمر الأنصار بقيامهم لسيدهم فدل ذلك على مشروعية القيام وهو صلى الله عليه وسلم أحق من عظم لذلك.
والجواب عن هذا من وجهين أحدهما: أن يقال بل المعروف من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يكره القيام وينهى عنه وقال: «لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضها بعضًا» .
وقد ذكرت الأحاديث الواردة في ذلك قريبًا فلتراجع فما القيام للداخل عليه فلم يرو عنه أنه كان يفعل ذلك إلا مع ابنته فاطمة رضي الله عنها كما في الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي والنسائي عن عائشة رضي الله عنها قال: «ما رأيت أحدًا كان أشبه سمتًا وهديًا ودلا برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة رضي الله عنها كانت إذا دخلت عليه قام إليها فأخذ بيدها وقبلها وأجلسها في مجلسه وكانت إذا دخل عليها قامت إليه وأخذت بيده وقبلته وأجلسته في
مجلسها» قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم إلى ابنته إذا دخلت عليه ليأخذ بيدها ويقبلها ويجلسها في مجلسه ومثل ذلك قيامها إليه إذا دخل عيها فإن المقصود منه أن تأخذ بيده وتقبله وتجلسه في مجلسها. وليس هذا من القيام المكروه وإنما هو من جنس القيام إلى القادم لتلقيه ومصافحته أو معانقته أو تقبيله أو إنزاله عن دابته كما تقدم في قصة سعد بن معاذ رضي الله عنه حين جاء للحكم في بني قريظة ومن هذا الباب ما رواه الترمذي عن عائشة رضي الله عنها، قالت:«قدم زيد بن حارثة المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي فأتاه فقرع الباب فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عريانًا يجر ثوبه والله ما رأيته عريانًا قبله ولا بعده فاعتنقه وقبله» قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
قولها عريانًا تريد أنه صلى الله عليه وسلم كان ساترًا ما بين سرته وركبته ولكن سقط رداؤه عن عاتقه فكان ما فوق سرته وما تحت ركبته عريانًا قال الطيبي وكان هذا من شدة فرحه حيث لم يتمكن من تمام التردي بالرداء حتى جره وكثيرًا ما يقع مثل هذا انتهى.
فأما ما بين السرة والركبة فإنه لم يكن يرى من النبي صلى الله عليه وسلم والدليل على ذلك ما رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم كلهم بإسناد واحد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينقل معهم الحجارة للكعبة وعليه إزاره فقال له العباس عمه: يا ابن أخي لو حللت إزارك فجعلته على منكبيك دون الحجارة قال: فحله فجعله على منكبيه فسقط مغشيًا عليه فما رئي بعد ذلك اليوم عريانًا.
ومن هذا الباب أيضًا ما رواه مالك في الموطأ عن ابن شهاب أن عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وثب إليه فرحًا وما عليه رداء حتى بايعه.
ومن هذا الباب أيضًا ما جاء في الصحيحين وغيرهما في قصة كعب بن مالك رضي الله عنه لما تاب الله عليه قال: وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد وحوله الناس فقام طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني الحديث فهذا وما أشبهه من القيام جائز كما دلت عليه هذه الأحاديث وهو قيام إلى الشخص لتلقيه وليس من القيام له لأجل تعظيمه بالقيام. والقيام إلى الشخص من فعل العرب، والقيام له أو عليه من فعل العجم. قال ابن القيم رحمه الله تعالى في «تهذيب السنن»: المذموم القيام للرجل، وأما القيام إليه للتلقي إذا قدم فلا بأس به انتهى.
الوجه الثاني: أن يقال لا يخفى ما في كلام ابن علوي من التقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث زعم أنه كان يقوم تعظيما للداخل عليه ولو كان يفعل ذلك لكان يقوم لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، ولو فعل ذلك لنقله عنه أصحابه، وما كان النبي صلى الله عليه وسلم ليفعل شيئًا كان يكرهه لنفسه وينهى عنه ويشدد فيه؛ لأن هذا من التناقض الذي ينزه عنه آحاد العقلاء فيكف بالنبي صلى الله عليه وسلم فهو أحق أن ينزه عن التناقض الذي يستلزمه كلام ابن علوي، فأما قيام
النبي صلى الله عليه وسلم إلى ابنته فاطمة رضي الله عنها وقيامه إلى زيد بن حارثة رضي الله عنه حين قدم من السفر وقيامه إلى عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه حين قدم مسلمًا فهو من القيام إلى الشخص لتلقيه وذلك جائز كما تقدم بيان ذلك في الوجه الأول وليس من القيام الذي يراد به التعظيم كما قد توهم ذلك ابن علوي.
وأما قوله وأمر الأنصار بقيامهم لسيدهم فقد تقدم الجواب عنه وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمرهم بالقيام إليه لينزلوه عن الحمار؛ لأنه كان مريضًا وفي حديث أبي سعيد الذي تقدم ذكره (1) أبلغ رد على من قال إن الأمر بالقيام إليه للتعظيم.
وأما قوله: فدل على مشروعية القيام.
فجوابه: أن يقال أما القيام الذي يراد به التعظيم فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد كرهه ونهى عنه وشدد فيه كما تقدم بيان ذلك فيما رواه أبو أمامة الباهلي وأنس ومعاوية رضي الله عنهم وأما القيام لتلقي القادم أو ليجلسه القائم إليه في مجلسه أو ليعانقه أو يقبله أو ينزله عن دابته فهذا جائز كما دلت على ذلك الأحاديث التي تقدم ذكرها في قصة فاطمة وسعد بن معاذ وزيد بن حارثة وعكرمة بن أبي جهل وليس هذا من القيام الذي يراد به التعظيم وقد تقدم بيان ذلك في الوجه الأول.
وأما قوله وهو صلى الله عليه وسلم أحق من عظم لذلك.
(1) ص 222.
فجوابه أن يقال: إن النبي قد كره القيام له ونهى أصحابه عن ذلك وقال لهم: «لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضها بعضًا» وشدد في ذلك كما تقدم في حديث معاوية، رضي الله عنه وبهذا يعلم أنه ليس في القيام للنبي صلى الله عليه وسلم تعظيم له وإنما فيه ارتكاب نهيه ومقابلته بما كان يكرهه، واستدلال ابن علوي بما ذكره في هذا الوجه على استحسان القيام عند ذكر ولادة النبي صلى الله عليه وسلم مردود بالأحاديث التي تقدم ذكرها وبقوله صلى الله عليه وسلم أيضًا:«من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» ، وهذا الحديث الصحيح ينقض كل ما لفقه ابن علوي وغيره في تأييد بدعة المولد وبدعة القيام عند ذكر ولادة النبي، صلى الله عليه وسلم ويجتث أقوالهم الباطلة من أصلها وليس لأحد قول مع النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن علوي في ص (30) الوجه الخامس قد يقال إن ذلك في حياته وحضوره، صلى الله عليه وسلم وهو في حالة المولد غير حاضر ثم أجاب ابن علوي عن ذلك بقوله في ص (31) إن قارئ المولد الشريف مستحضر له، صلى الله عليه وسلم بتشخيص ذاته الشريفة فهو عليه الصلاة والسلام قادم في العالم الجسماني من العالم النوراني من قبل هذا الوقت بزمن الولادة الشريفة وحاضر عند قول التالي فولد صلى الله عليه وسلم بحضور ظلي هو أقرب من حضوره الأصلي ويؤيد هذا الاستحضار التشخيص والحضور الروحاني أنه عليه الصلاة والسلام، متخلق بأخلاق ربه وقد قال عليه الصلاة
والسلام في الحديث القدسي (أنا جليس من ذكرني) وفي رواية (أنا مع من ذكرني) فكان مقتضى تأسيه بربه وتخلقه بأخلاقه أن يكون صلى الله عليه وسلم حاضر مع ذاكره في كل مقام يذكر فيه، بروحه الشريفة ويكون استحضار الذاكر ذلك موجبًا لزيادة تعظيمه صلى الله عليه وسلم.
والجواب أن يقال: إن كلام ابن علوي في هذا الموضع قد اشتمل على بلايا شنيعة وطامات فظيعة الأولى منها زعمه أن النبي صلى الله عليه وسلم حاضر عند قول التالي فولد صلى الله عليه وسلم بحضور ظلي هو أقرب من حضوره الأصلي.
والجواب أن يقال: هذا من الشطحات التي يتوهمها غلاة الصوفية وأتباعهم من الهمج الرعاع الذين قد لعب الشيطان بعقولهم وزين لهم أعمالهم السيئة وأوهمهم حضور الروح النبوية عند بدعهم في المولد وهؤلاء ينطبق عليهم قول الله تعالى: {إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} ، وقوله تعالى:{وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} والنبي صلى الله عليه وسلم منزه غاية التنزيه عما يتوهمه الجاهلون من حضور روحه عند بدعهم التي قد حذر منها صلى الله عليه وسلم وأمر بردها وأخبر أنها شر وضلالة.
ويقال أيضا إن الحضور الظلي تابع لحضور الذات فلا يتصور حضور ظل بدون حضور الذات التي ينبعث عنها الظل فيلزم على قول ابن علوي أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم حاضرًا عند بدعة المولد بذاته التي قد انبعث عنها الظل وقد رد ابن علوي في
ص (24)، وص (25) على الذين يظنون أن النبي صلى الله عليه وسلم يدخل إلى مجالسهم في بدعة المولد بجسده الشريف عند ذكرهم لولادته وقيامهم من أجله، وقد بالغ ابن علوي في الرد عليهم وتبرأ من هذا الظن، وصرح أنه من الجراءة على مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم والحكم على جسده الشريف بما لا يعتقده إلا ملحد مفتر وأنه افتراء محض وفيه من الجراءة والوقاحة والقباحة ما لا يصدر إلا من مبغض حاقد أو جاهل معاند. قال والنبي صلى الله عليه وسلم أعلى من ذلك وأكمل وأجل من أن يقال في حقه أنه يخرج من قبره ويحضر بجسده في مجلس كذا في ساعة كذا، هذا كلام ابن علوي وهو كلام جيد جدًا لو أنه اقتصر عليه لكنه نقضه بقوله في ص (31) إن النبي صلى الله عليه وسلم حاضر عند قول التالي فولد صلى الله عليه وسلم بحضور ظلي هو أقرب من حضوره الأصلي.
وأقول لا يخفى على عاقل أن الحضور الظلي لا يكون إلا بعد حضور الجسد الذي ينبعث عنه الظل فإذا لم يكن الجسد حاضرًا فإن الظل يكون معدومًا، وهذا معلوم بالضرورة عند كل عاقل، ومن عارض في هذا فإنما يبرهن على كثافة جهله ونقصان عقله.
الثانية: من البلايا والطامات زعمه أن النبي صلى الله عليه وسلم متخلق بأخلاق ربه، وهذه كلمة بشعة جدًا من حيث إطلاقها على الله تعالى ومن حيث إطلاقها على النبي صلى الله عليه وسلم فأما بشاعتها من حيث إطلاقها على الله تعالى فلأنه شبه الخالق بالمخلوقين ووصفه بصفاتهم وذلك في زعمه أن الرب تبارك وتعالى له أخلاق قد تخلق بها النبي صلى الله عليه وسلم والأخلاق من
صفات المخلوقين التي لا تطلق على غيرهم قال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} وقال تعالى مخبرًا عن قوم هود إنهم قالوا: {إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ} والأحاديث في مدح الأخلاق الحسنة وذم الأخلاق السيئة كثيرة جدًا قال ابن الأثير في النهاية وابن منظور في لسان العرب الخلق بضم اللام وسكونها الدين والطبع والسجية وحقيقته أنه لصورة الإنسان الباطنة وهي نفسه وأوصافها ومعانيها المختصة بها بمنزلة الخلق لصورته الظاهرة وأوصافها ومعانيها انتهى.
وإذا علم هذا فليعلم أيضا أنه لم يأت في الكتاب ولا في السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم إطلاق الأخلاق على الله تعالى ولم يأت ذلك عن أحد من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان وعلى هذا فإطلاق الأخلاق على الله تعالى بدعة وتشبيه له بخلقه والله تبارك وتعالى له الأسماء الحسنى والصفات العلى، وكما أن له ذاتًا لا تشبه ذوات المخلوقين فكذلك له صفات لا تشبه صفات المخلوقين قال الله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} وقد قال نعيم بن حماد شيخ البخاري من شبه الله بخلقه كفر ومن جحد شيئًا مما وصف الله به نفسه كفر، وهذا الذي قاله نعيم بن حماد هو مذهب هل السنة والجماعة لا خلاف بينهم في ذلك.
وأما بشاعتها من حيث إطلاقها على الرسول صلى الله عليه وسلم فلكونه قد جعله شريكًا لله في صفاته وأفعاله لأن قوله إن الرسول متخلق بأخلاق ربه معناه أنه متصف بصفاته وفاعل مثل أفعاله ويلزم على هذا التشريك والتسوية بين الله وبين رسوله صلى الله عليه وسلم أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم يخلق
ويرزق ويحيى ويميت ويدبر الأمر ويفعل كل ما هو من خصائص الرب تبارك وتعالى، وهذا أعظم من شرك أهل الجاهلية لأن أهل الجاهلية كانوا يفردون الرب تبارك وتعالى بأفعال الربوبية وإنما كانوا يشركون به في توحيد الألوهية.
الثالثة: من البلايا والطامات قوله فكان مقتضى تأسيه بربه وتخلقه بأخلاقه أن يكون صلى الله عليه وسلم حاضرًا مع ذاكره في كل مقام يذكر فيه بروحه الشريفة.
والجواب: أن يُقال إن هذه الكلمة من الشرك الأكبر لأن معنى التأسي بالغير هو الاقتداء به حتى يكون مثله ومعنى التخلق بأخلاقه هو أن يتصف بصفاته حتى يكون مثله، قال ابن منظور في لسان العرب الأسوة القدوة ويقال ائتنس به أي اقتد به وكن مثله، وذكر عن الليث أنه قال فلان يأتسي بفلان أي يرضى لنفسه ما رضيه ويقتدي به وكان في مثل حاله، والقوم أسوة في هذا الأمر أي حالهم فيه واحدة والتأسي في الأمور الأسوة وكذلك المواساة، وقال الهروي تأسى به اتبع فعله واقتدى به انتهى.
وإذا علم معنى التأسي في لغة العرب وأنه اتباع فعل الغير والاقتداء به حتى يكون مثله فليعلم أيضًا أن التأسي والاقتداء إنما يكون من المخلوقين بعضهم لبعض قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ} ، وقال تعالى:{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ} الآية إلى قوله {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ}
وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ
مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر» فأما الرب تبارك وتعالى فإنه لا يقدر أحد من المخلوقين أن يتأسى به ويقتدي به حتى يكون مثله قال الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} وقال تعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} أي هل تعلم له نظيرًا أو مثلا أو شبيهًا مأخوذ من المساماة وهي المماثلة، وقال تعالى:{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} فمن زعم أن أحدًا من المخلوقين يقدر على أن يتأسى بالله ويقتدي به حتى يكون مثله فقد جعله ندًا لله تعالى الله عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا.
وقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم ما هو دون ما زعمه ابن علوي من تأسي النبي صلى الله عليه وسلم بربه وتخلقه بخلاقه فأنكر على الذين قالوا له أنت سيدنا وأنكر على الذين قالوا له ما شاء الله وشئت فأما إنكاره على الذين قالوا له أنت سيدنا فقد رواه أبو داود بإسناد صحيح عن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه رضي الله عنه، قال انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا أنت سيدنا فقال: السيد الله تبارك وتعالى» قلنا وأفضلنا فضلا وأعظمنا طولا فقال «قولوا بقولكم أو بعض قولكم ولا يستجرينكم الشيطان» وروى الإمام أحمد بإسناد صحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلا قال يا محمد يا سيدنا وابن سيدنا ويا خيرنا وابن خيرنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا أيها الناس عليكم بتقواكم ولا يستهوينكم الشيطان أنا محمد بن عبد الله، عبد الله ورسوله والله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل» وفي رواية «قولوا بقولكم ولا يستهوينكم
الشيطان» وفي رواية: «ولا يستجرينكم الشيطان» وفي رواية قال «والله ما أحب أن ترفعوني فوق ما رفعني الله عز وجل» .
وأما إنكاره على الذين قالوا له ما شاء الله وشئت فقد رواه الإمام أحمد بأسانيد حسنة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم ما شاء الله وشئت فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أجعلتني لله عدلا، بل ما شاء الله وحده» وروى ابن ماجه بإسناد صحيح عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما أن رجلاً من المسلمين رأى في النوم أنه لقي رجلا من أهل الكتاب فقال نعم القوم أنتم لولا أنكم تشركون تقولون ما شاء الله وشاء محمد وذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أما والله إن كنت لأعرفها لكم، قولوا ما شاء الله ثم شاء محمد» ورواه أيضا بإسناد صحيح من حديث الطفيل بن سخبرة أخي عائشة لأمها عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه، ورواه الإمام أحمد بإسناد صحيح من حديث الطفيل بن سخبرة أخي عائشة لأمها بأطول من حديث حذيفة، رضي الله عنه، ورواه الدارمي في مسنده بإسناد صحيح عن الطفيل أخي عائشة رضي الله عنهما، قال: قال رجل من المشركين لرجل من المسلمين نعم القوم أنتم لولا أنكم تقولون ما شاء الله وشاء محمد فسمع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «لا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد، ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء محمد» ورواه ابن حبان في صحيحه من حديث جابر بن سمرة، رضي الله عنهما بنحو حديث الطفيل بن سخبرة رضي الله عنه.
ومن هذا الباب أيضًا ما رواه الطبراني عن عبادة بن الصامت، رضي الله عنه قال كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم منافق
يؤذي المؤمنين فقال بعضهم قوموا بنا نستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا المنافق فقال النبي صلى الله عليه وسلم «أنه لا يستغاث بي، وإنما يستغاث بالله» .
ومن هذا الباب أيضًا ما رواه الإمام أحمد والبخاري والدارمي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سمع عمر رضي الله عنه يقول على المنبر سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسوله» .
فهذا كله من حماية النبي صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك بالله تعالى، وما جاء في كلام ابن علوي من الغلو والإطراء للنبي صلى الله عليه وسلم فليس ببعيد من غلو النصارى في عيسى بن مريم وإطرائهم له.
وأما قول ابن علوي إنه صلى الله عليه وسلم يكون حاضرًا مع ذاكره في كل مقام يذكر فيه بروحه الشريفة.
فجوابه أن يقال هذا من توهمات الجهال وشطحاتهم.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام» رواه الإمام أحمد والنسائي والدارمي بأسانيد صحيحة على شرط مسلم. ورواه أيضًا ابن حبان في صحيحه وفيه رد على من توهم أن النبي صلى الله عليه وسلم يكون حاضرًا مع ذاكره في كل مقام يذكر فيه بروحه الشريفة؛ لأنه لو كان الأمر على ما زعمه هذا المتكلف القائل بغير علم لكان النبي صلى الله عليه وسلم يسمع سلام
الذين يسلمون عليه في الأقطار البعيدة والقريبة ولا يحتاج إلى التبليغ من الملائكة.
وقد نقل الشيخ سليمان بن عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمهم الله تعالى، في «شرح التوحيد» عن «الفتاوى البزازية» من كتب الحنفية أن المؤلف قال: قال علماؤنا من قال أرواح المشايخ حاضرة تعلم يكفر، قال الشيخ سليمان فإن أراد بالعلماء علماء الشريعة فهو حكاية للإجماع على كفر معتقد ذلك وإن أراد علماء الحنفية خاصة فهو حكاية لاتفاقهم على كفر معتقد ذلك انتهى.
وإذا علم ما ذكره صاحب "الفتاوى البزازية" عن العلماء فليعلم أيضًا أنه لا فرق بين من زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم يكون حاضرًا مع ذاكره في كل مقام يذكر فيه بروحه الشريفة، وبين من قال إن أرواح المشايخ حاضرة تعلم، فليتأمل ابن علوي ما ذكره صاحب "الفتاوى البرازية" عن العلماء وليراجع الحق فإن الرجوع إلى الحق خير له من التمادي في الباطل.
وفي ص (32) إلى ص (40) ذكر ابن علوي عددًا من الذين صنفوا في المولد وذكر منهم الحافظ ابن كثير، وقد ذكرت في آخر الرد على الكاتب المجهول الذي قد نشرت مقالته في مجلة المجتمع الكويتية أن ابن كثير قد ألف في المولد رسالة مختصرة وقد ذكرها ابن علوي في ص (39) وكل ما ذكره ابن كثير فيها فالظاهر أنه قد ذكره في "البداية والنهاية" ولكنه لم يتعرض في "البداية والنهاية" ولا في الرسالة لحكم الاحتفال بالمولد. وأما ابن ناصر الدين والعراقي فلا أدري هل كانا يقولان بجواز الاحتفال بالمولد أم لا فإني لم أر شيئًا مما كتباه في المولد.