المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الثانيالشيعة الإثنا عشرية والقرآن الكريم - الرد على الدكتور عبد الواحد وافي في كتابه بين الشيعة وأهل السنة

[إحسان إلهي ظهير]

الفصل: ‌الباب الثانيالشيعة الإثنا عشرية والقرآن الكريم

‌الباب الثاني

الشيعة الإثنا عشرية والقرآن الكريم

الخلاف الذي يقع بين الناس ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

خلاف منشؤه الاختلاف في الفهم، يفهم شخص من عبارة أو كلمة مفهوماً. ويفهم منها الثاني مفهوماً آخر.

والثاني منشؤه الجهل: إنسان يعلم شيئاً ويعرفه، وآخر يجهله ولا يعرفه.

ثالثاً: اختلاف مبني على العناد بقطع النظر عن علم واحد وجهل آخر. أو عن الخطأ في فهم عبارة أو كلمة أو تعبير.

فهذه هي الأقسام الثلاثة للخلاف الذي يقع فيه الناس.

وأما القسم الأول والثاني من الخلاف فيمكن رفعه ونزعه والقضاء عليه لأنه حينما يعلم الجاهل ويعرف غير العارف يرتفع الخلاف، وكذلك حينما يصح الفهم ويستقيم.

وأما الخلاف الذي منشؤه العناد فلا يمكن نزعه ورفعه لأنه مبني على المكابرة والإنكار، والمنكر لا يمكن أن يحاج بشيء ولا يحصل منه على نتيجة. لأنه ليس له قواعد وأسس يرجع إليها وقت الخلاف والنزاع بخلاف الأول والثاني فإنه يرجع وقت الخلاف إلى القواعد الثابتة والأسس الراسخة. وعلى ذلك فالخلاف الموجود بين مختلف طوائف المسلمين وفرقهم يرجع سببه إما إلى القسم الأول أو إلى القسم الثاني ولكن لاعتراف الجميع بالقواعد الثابتة والأسس المعتمدة يرتفع الخلاف ويزول النزاع، ويرجى بذلك أن يأتي يوم تذوب فيه الجماعات المختلفة والطوائف المتعددة. لأنه إذا ما رجع أصحاب الفكر وأهل البصيرة من كل طائفة إلى الأسس الأصلية والقواعد الأساسية انتهت الحزبية وقضي على التعدد والتفرق. وبهذا أمروا في كتاب الله عز وجل:

ص: 67

{يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً} (1).

وأما الخلاف الذي بينهم وبين غيرهم فلا يمكن رفعه وحله لأنه مبني على الإنكار والمكابرة، إنكار المبادئ والأسس ومكابرة الحق وبطره ورفضه وإبطاله.

وهناك من فرقوا كلمة المسلمين، وشقوا عصا طاعة جماعتهم، وخالفوا عن كلمتهم، ومزقوا جمعهم، وأنشئوا جماعات ورسخوا في قلوبهم وعقولهم الآراء والعقائد التي لا تمت إلى الإسلام بصلة وهؤلاء لا يمكن دمج عقائدهم مع عقائد المسلمين، حيث وضعوا مخططاً يشتمل على الإنكار المحض، والمكابرة الصرفة، وعلى عدم الاعتماد على القرآن، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم لأنه مع الإقرار بهذين الأصلين يمكن أن تتأتى الوحدة ويحصل الاتفاق، ولكن عند افتقادهم وإنكارهما لا يمكن أن تحصل وحدة في زمن من الأزمان أو يوم من الأيام، فأبعد رؤساء الشيعة اتباعهم عن المسلمين إلى حد أن جعلوا في مخالفتهم، الحق، كما مر بيانه سابقاً.

وبعد هذا كله كيف يتصور أن يحصل الوئام، ويتأتى الوفاق والخلافات الموجودة بين أهل السنة والشيعة خلافات لا يمكن نزعها، ولا يحتمل رفعها.

ونتساءل: على أي شيء تعرض معتقداتهم؟ أعلى كتاب الله؟ هم لا يؤمنون به، أم على سنة رسول الله؟ هم لا يعتقدونها، لأن القرآن الموجود بأيدي الناس هو من جمع وترتيب وتأليف أبي بكر وعمر وعثمان، أعداء عليّ وأهل بيته، وغاصبي الخلافة، وظالمي أهل البيت - حسب زعم القوم - فكيف يؤتمن اللذين غصبوا حق علي وأولاده؟.

(1) سورة النساء الآية59

ص: 68

ألم يحذفوا من القرآن ما كان لإثبات أحقية علي بالخلافة وأولاده بعده، وما كان له من فضائل ومناقب ومحامد؟.

بل كيف نصدق أنهم لم يحذفوا من القرآن ما نزل في مساوئهم، وبيان نفاقهم وفسادهم - عياذاً بالله - والطعن فيهم والتعريض بهم؟ فالقرآن والحال هذه غير مصون من تلاعبهم، وغير محفوظ، إذاً فلا يعتمد عليه ولا يوثق فيه. ومن كان هذا شأنه أي لم يسلم من الحذف والتغيير بأيدي المخالفين كيف يرجع إليه لرفع المنازعات وحل الخلافات، ومع أولئك المخالفين؟!.

هذا في القرآن، وأما السنة فهي منقولة مروية من أناس ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم عياذاً بالله - وغيروا أحكامه، وبدلوا تعاليمه، ونبذوا إرشاداته وراء أظهرهم، ونكثوا بيعته ونقضوا ميثاقه الذي أخذه عليهم، والذين ظلموا أهل بيته، وآذوا ابنته واضطهدوا وصيه، وطردوا خليفته، واغتصبوا ماله وانتهكوا حرمته، وحرموا أهله من إرثه، واقتحموا عليهم بيتهم، وضربوا بضعته ولحمه ودمه - إلى غير ذلك من الأباطيل والأضاليل - فمن كان هذا شأنهم فكيف يوثق بهم، ويعتمد على رواياتهم التي ينقلونها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

ولذلك تراهم لا يلجئون إلى كتاب الله، وإلى سنة نبينا عليه الصلاة والسلام عند الاحتجاج واللجاج، بل يلجئون إلى أساطير وقصص اخترعوها واختلقوها لإحقاق باطلهم وإبطال الحق، ونسبوها إلى أهل علي رضي الله عنه، وهم منها براء.

والنتيجة إنكار القرآن الموجود بأيدي الناس وسنة النبي الثابتة، أو بتعبير أصح منه: اعتقاد التحريف في القرآن بأنه غيّر وبدّل، وكذلك السنة النبوية، إنها منقولة بطريق المغيرين والمبدلين والمرتدين.

تلك بعض أسس المذهب الاثنى عشرية وبدون ذلك لا يثبت مذهبهم.

ولأجل ذلك قال السيد هاشم البحراني المفسر الشيعي الكبير في مقدمة تفسيره "البرهان":

ص: 69

وعندي في وضوح صحة هذا القول (بتحريف القرآن وتغييره) بعد تتبع الأخبار وتفحص الآثار بحيث يمكن الحكم بكونه من ضروريات مذهب التشيع، وإنه من أكبر مقاصد غصب الخلافة فتدبر" (1).

ومثل هذا ما نقله النوري عن خاتمة محدثي الشيعة ملا باقر الملجسي، وزاد بعد سرد رواية تنص على تغيير القرآن وتحريفه قوله:

"لا يخفى أن هذا الخبر وكثيراً من الأخبار صريحة في نقص القرآن وتغييره، متواترة معنى، وطرح جميعها يوجب رفع الاعتماد عن الأخبار رأساً، بل أظن أن الأخبار في هذا الباب لا تقصر عن أخبار الإمامة، فكيف يثبتونها بالخبر"(2).

وبذلك قال المحدث الشيعي المشهور نعمت الله الجزائري رداً على من يقول بعدم التحريف في القرآن:

"إن تسليم تواتره عن الوحي الإلهي، وكون الكل قد نزل به الروح الأمين يفضي إلى طرح الأخبار المستفيضة، بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن كلاماً ومادة وإعراباً، مع أن أصحابنا قد أطبقوا على صحتها والتصديق بها"(3).

إن الأخبار الدالة على هذا (التحريف) تزيد على ألفي حديث وادعى استفاضتها جماعة كالمفيد والمحقق الداماد والعلامة المجلسي وغيره، بل الشيخ (الطوسي) أيضاً صرح في (التبيان) بكثرتها، بل ادعى تواترها جماعة" (4).

وأما الطبرسي فقال:

واعلم أن تلك الأخبار منقولة من الكتب المعتبرة التي عليها معول أصحابنا في إثبات الأحكام الشرعية والآثار النبوية" (5).

(1) البرهان في تفسير القرآن، مقدمة الفصل الرابع ص49 ط إيران

(2)

مرآة العقول للملا باقر المجلسي باب إن القرآن كله لم يجمعه إلا الأئمة عليهم السلام نقلاً عن فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب للنوري الطبرسي الشيعي ص253

(3)

الأنوار النعمانية للجزائري ج2 ص357 طبعة جديدة

(4)

أيضاً نقلاً عن فصل الخطاب للنوري الطبرسي ص251

(5)

فصل الخطاب ص252

ص: 70

وقال خاتمة محدثي القوم الملا باقر المجلسي في كتابه "حياة القلوب" إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلن يوم الغدير:

إن علي بن أبي طالب ولي ووصي وخليفتي من بعدي، ولكن أصحابه عملوا عمل قوم موسى فاتبعوا عجل هذه الأمة وسامريها أعني أبا بكر وعمر .. فغصب المنافقون خلافته، خلافة رسول الله من خليفته، وتجاوزوا إلى خليفة الله أي كتاب الله، فحرفوه، وغيروه، وعملوا به ما أرادوه" (1).

ومثل هذا كثير، ومن أراد الاستزادة في معرفة أقوال أئمة القوم وأعلامهم في هذا الباب، فليرجع إلى كتابنا (الشيعة والقرآن) حيث قد فصلنا القول فيه، وبينا هنالك أن أمر تحريف الصحابة للقرآن عقيدة عند الشيعة متواترة منقولة من سلفهم غير الصالح إلى خلفهم في جميع العصور والأدوار، وإنها لعقيدة القوم أجمعهم بلا استثناء، اللهم إلا من تظاهر بعدم القول بالتحريف تقية وتهرباً من إيرادات المعترضين وأدلة اعتراضاتهم.

ومن الغرائب أن المتظاهرين هؤلاء لم يزد عددهم أيضاً على الأربعة، من بين المتقدمين، كما ذكرهم محدثو الشيعة، ومفسروهم في كتبهم، وهم، ابن بابويه القمي الملقب بالصدوق وأستاذ الفقيه محمد بن النعمان العكبري البغدادي الملقب بالمفيد المتوفى سنة 381هـ. والسيد المرتضى الملقب بعلم الهدى المتوفى سنة 436هـ، وأبو جعفر الطوسي تلميذ الشيخ المفيد المتوفى سنة 460هـ. وأبو علي الطبرسي المتوفى سنة 548هـ.

فهؤلاء الأربعة من المتقدمين الذين تظاهروا بعدم اعتقاد التحريف في القرآن لا خامس لهم إطلاقاً من بين متقدمي الشيعة من مفسرين ومحدثيهم وفقهائهم. وبذلك صرح المحدث الغوري الطبرسي أن القائلين بعدم التحريف:

"هو الصدوق في عقائده، والسيد المرتضى، وشيخ الطائفة (الطوسي)

(1) حياة القلوب للمجلسي الفارسي ص554 وما بعده - ط إيران

ص: 71

ولم يعرف من القدماء موافق لهم .. وممن صرح بهذا القول أبو علي الطبرسي .. وإلى طبقته لم يعرف الخلاف صريحاً إلا من هؤلاء المشائخ الأربعة" (1).

وإن هؤلاء الأربعة لم يلجئوا إلى التظاهر بإنكار هذه العقيدة التي عليها أساس المذهب الشيعي وبناؤه إلا خداعاً ومكراً، وتقية وكذباً كما أثبتناه في كتابنا (الشيعة والقرآن) بالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة والحجج اللامعة، ومن كتب الأربعة أنفسهم، وكما صرح بذلك علماء الشيعة أنفسهم، فها هو المحدث الشيعي المشهور السيد نعمت الله الجزائري يقول بعد إثبات التحريف في القرآن بالأخبار المستفيضة والمتواترة:

نعم! قد خالف فيها المرتضى والصدوق والشيخ الطبرسي، وحكموا بأن ما بين دفتي هذا المصحف هو القرآن المنزل لا غير، ولم يقع فيه تغيير ولا تبديل .. والظاهر أن هذا القول إنما صدر منهم لأجل مصالح كثيرة، منها: سد باب الطعن عليها بأنه إذا جاز هذا في القرآن فكيف جاز العمل بقواعده وأحكامه مع جواز لحوق التحريف لها، وسيأتي الجواب عن هذا كيف وهؤلاء الأعلام رووا في مؤلفاتهم أخباراً كثيرة تشتمل على وقوع تلك الأمور في القرآن (2) وإن الآية هكذا أنزلت ثم غيرت .. وإنه قد استفاض في الأخبار أن القرآن كما أنزل لم يؤلفه إلا أمير المؤمنين عليه السلام بوصية من النبي صلى الله عليه وسلم، فبقي بعد موته ستة أشهر مشتغلاً بجمعه، فلما جمعه كما أنزل، أتى به إلى المتخلفين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: هذا كتاب الله كما أنزل، فقال له عمر بن الخطاب: لا حاجة بنا إليك ولا إلى قرآنك؛ عندنا قرآن كتبه عثمان،

(1) فصل الخطاب ص33، 34

(2)

وقد أثبتنا بفضل الله وتوفيقه من كتب هؤلاء أنفسهم في كتابنا (الشيعة والقرآن) أنهم يعتقدون التحريف في القرآن أيضاً حيث يسوقون روايات عديدة تدل عليه، ولا يسوقونها فحسب، بل يستدلون بها ويبنون عليها الأحكام ويستنبطون منها المسائل، فارجع إليه فإنه نفيس

ص: 72

فقال لهم علي عليه السلام: لن تروه بعد هذا اليوم، ولا يراه أحد حتى يظهر ولدي المهدي عليه السلام، وفي ذلك القرآن زيادات كثيرة، وهو خال من التحريف، وذلك أن عثمان قد كان من كتاب الوحي لمصلحة رآها صلى الله عليه وسلم، وهي ألا يكذبون في أمر القرآن، بأن يقولوا: إنه مفترى، أو إنه لم ينزل به الروح الأمين، كما قاله أسلافهم، بل قالوه هم أيضاً، وكذلك جعل معاوية من الكتّاب قبل موته بستة أشهر لمثل هذه المصلحة أيضاً، وعثمان وأضرابه ما كانوا يحضرون إلا في المسجد مع جماعة الناس، فما يكتبون إلا ما نزل به جبريل عليه السلام بين الملأ.

أما الذي كان يأتي به داخل بيته صلى الله عليه وسلم فلم يكن يكتبه إلا أمير المؤمنين عليه السلام، لأن له المحرمية دخولاً وخروجاً، فكان يتفرد بكتابة مثل هذا، وهذا القرآن الموجود الآن في أيدي الناس هو خط عثمان، وسموه الإمام وأحرقوا ما ساه أو أخفوه، وبعثوا به زمن تخلفه (توليه الخلافة) إلى القطار والأمصار. ومن ثم ترى قواعد خطه تخالف قواعد العربية مثل كتابة الألف بعد واو المفرد وعدمها بعد واو الجمع وغير ذلك، وسموه رسم الخط القرآني ولم يعلموا أنه من عدم إطلاع عثمان على قواعد العربية والخط.

وقد أرسل عمر بن الخطاب زمن تخلفه إلى علي عليه السلام بأن يبعث له القرآن الأصلي الذي كان ألفه، وكان عليه السلام يعلم أنه طلبه لأجل أن يحرقه كقرآن ابن مسعود أو يخفيه عنده حتى يقول الناس: إن القرآن هو هذا الكتاب الذي كتبه عثمان لا غير، فلم يبعث به إليه وهو الآن موجود عند مولانا المهدي عليه السلام مع الكتب السماوية ومواريث الأنبياء، ولما جلس أمير المؤمنين عليه السلام على سرير الخلافة لم يتمكن من إظهار ذلك القرآن، وإخفاؤه هذا راجع لما فيه من إظهار الشنعة على من سبقه، كما لم يقدر على النهي عن صلاة الضحى، وكما لم يقدر على إجراء المتمتعين، متعة الحج ومتعة النساء، حتى قال عليه السلام: لولا ما سبقني بنو الخطاب ما زنى إلا شفاً، يعني إلا جماعة قليلة، لإباحة المتعة، وكما لم يقدر على عزل شريح عن القضاء ومعاوية عن الإمارة" (1).

(1) الأنوار النعمانية لنعمت الله الجزائري ج2 ص357 وما بعد

ص: 73

وبمثل ذلك ذكر علامة الشيعة في الهند السيد محمد اللكنوي، رداً على من قال بعدم التحريف في القرآن، وهذه هي عبارته:

"أما ادعاء عدم التحريف في القرآن الموجود بأيدي الناس فهو محل النظر، بل هو ظاهر الفساد، لأن الروايات التي بلغت حد التواتر تدل على أن علي بن أبي طالب هو الذي اشتغل بالقرآن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وإلا فتبقى هذه الروايات لغواً محضاً، لا قيمة لها. وهذا مع أن الروايات قد كثرت عن المعصومين أن القرآن الحقيقي مخزون مودع مودع عند صاحب العصر عليه الصلاة والسلام"(1).

ومثل هذا لكثير.

ومن الغرائب أن السيد الدكتور وافي، الذي لا يعرف عن عقائد الشيعة شيئاً، أو يعرف ويتجاهل، كيف استساغ أن يرد على من يتهم الشيعة باعتقادهم التحريف في القرآن الموجود بأيدي الناس، والمضمون حفظه وسلامته من أي تغيير وتبديل، وصيانته من نقص وزيادة من قبل الله عز وجل؟ كيف يجيز لنفسه أن يرد على من يقول في الشيعة: بأنهم لا يؤمنون بهذا الكتاب؟ بل يعتقدون وقوع التغيير والتبديل والتحريف فيه؟ ولا يقولونه من عند أنفسهم، بل يعتقدون وقوع التغيير والتبديل والتحريف فيه؟ ولا يقولونه من عند أنفسهم، بل بنقل الروايات الكثيرة الكثيرة، التي بلغت حد الاستفاضة والتواتر، وكلها منقولة من أئمتهم حسب زعمهم برواية الثقات عن الثقات، والعدول عن العدول، في صحاحهم وكتب الحديث التي تعد من الأصول، وكذلك في كتب التفسير والفقه، وحتى كتب العقائد؟!

ومن أين له أن يختلق لهم الأعذار التي لم يعتذر بها الشيعة أنفسهم، بنقل آراء الآحاد منهم، وفي النقل خيانة أيضاً - حسبنا الله -؟ وما كان في ظني أن أمثال الدكتور يأتون بها، ولولا لعبة واضحة لعب بها السيد الدكتور في كتيبه ما استعملت في حقه هذه الكلمات غير المناسبة، في شأنه ومقامه، ولكن على أي شيء أحمل كلامه في الدفاع عن الشيعة حول اعتقادهم في القرآن؟!

(1) ضرب حيدري ج2 ص78 - ط الهند

ص: 74

"وقد تصدى كثير من الشيعة الجعفرية أنفسهم للرد على هذه الأخبار الكاذبة وبيان بطلانها، وبطلان نسبتها إلى أئمتهم، وأنها ليست من مذهبهم في شيء"(1).

ولم يستطع بعد هذا الادعاء العريض أن يبرهن على ذلك بالدليل، ويستدل بالحجة، ويستند ولو برواية واحدة عن أئمة القوم؟؟ وأنى له هذا؟ فقد عجز عنه الشيعة قاطبة بأن يأتوا برواية واحدة عن أئمتهم المعصومين بطرقهم أنفسهم تنص وتدل على أن القرآن الموجود بأيدي الناس هو قرآن كامل سالم من لحوق أي تغيير وتحريف فيه!.

نعم! قد ذكر السيد الدكتور بعد هذا الادعاء الفارغ بأنه جاء في تفسير الصافي:

"وأما الشيخ أبو علي الطوسي فإنه قال في مجمع البيان: أما الزيادة فيه فمجمع على بطلانها، وأما النقصان والتغيير فقد روى عن جماعة من أصحابنا وجمع من حشوية العامة، والصحيح من مذهبنا خلافه .. إلخ"(2).

وأغرب ما يكون في الأمر هو تحمس الدكتور في الدفاع عن الشيعة حيث أنه عقب بعد هذه العبارة الطويلة ما نصه:

وجاء في كتاب مجمع البيان (للطوسي)

وأما الكلام في زيادته .. إلخ (3).

يعني أعاد نفس الكلام الذي ذكره مقدماً، وعن نفس الرجل ونفس الكتاب بفرق أنه أولاً نقل كلامه من تفسير الصافي بواسطة، ثم عنه بلا واسطة، وبنفس المعنى والمفهوم، فلا ندري ما فائدة التكرار؟ أيكون لحاجة في نفس يعقوب قضاها؟ ..

أم لماذا؟ ..

(1) بين الشيعة وأهل السنة للدكتور وافي ص38

(2)

بين الشيعة وأهل السنة ص38، 39

(3)

بين الشيعة وأهل السنة ص38، 39

ص: 75

والظاهر أنه أورد هذا لافتقاره وإفلاسه بأن يجد دليلاً على ما ادعاه، وبرهاناً على دعواه، "إن كثيراً من الشيعة أنفسهم تصدى لرد هذه الأخبار الكاذبة وبيان بطلانها".

فمن هم الكثيرون يا ترى؟

فاضطر لأن يعدد الواحد ويذكر عبارة واحدة عن كتابين مختلفين والصادرة عن شخص واحد.

فهل هناك خطأ أكبر من هذا الخطأ؟

نعم! هنالك، حيث ادعى أن كثيراً من أئمة الشيعة أنفسهم ردوا هذا الاعتقاد، ولقد أوهم بأن صاحب تفسير الصافي وصاحب مجمع البيان أبا علي الطوسي من أئمة الشيعة، وليس الأمر كذلك إطلاقاً، لأن كلاً منهما ليس بإمام.

ثم خطأ آخر هو أنه أوهم بنقل هذه العبارة عن الصافي؛ أن صاحبه أي السيد المحسن الملقب بالفيض الكاشاني يعتقد بهذا الاعتقاد حسب ما ينقل عن أبي علي الطوسي، مع أن الكاشاني في تفسيره لم ينقل كلام الطوسي إلا للرد عليه والجواب على مقولاته، وبين اعتقاده واضحاً صريحاً مثل الآخرين من مفسري الشيعة ومحدثيهم وفقهائهم ومتكلميهم، ولذلك قال بعد نقل كلامه:

أقول لقائل أن يقول: كما أن الدواعي كانت متوفرة على نقل القرآن وحراسته من المؤمنين، كذلك كانت متوفرة على تغييره من المنافقين المبدلين للوصية، المغيرين للخلافة لتضمنه ما يضاد رأيهم وهواهم، والتغيير فيه إن وقع فإنما وقع قبل انتشاره في البلدان واستقراره على ما هو عليه الآن، والضبط الشديد إنما كان بعد ذلك، فلا تنافي بينهما، بل لقائل أن يقول:

إنه ما تغير في نفسه، وإنما التغيير في كتابتهم إياه، وتلفظهم به، فإنهم ما حرفوا إلا عند نسخهم من الأصل، وبقي الأصل على ما هو عليه عند أهله وهم العلماء به. فما هو عند العلماء به ليس بمحرف، وإنما المحرف ما أظهروه لأتباعهم.

ص: 76

وأما كونه مجموعاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم على ما هو عليه الآن فلم يثبت، وكيف كان مجموعاً وإنما كان ينزل نجوماً؟ وكان لا يتم إلا بتمام عمره؟ وأما درسه وختمه فإنما كانوا يدرسون ويختمون ما كان عندهم منه لإتمامه" (1).

وأطراف من هذا كله أن السيد الدكتور نقل عن أحد المحامين ببغداد الأستاذ الفكيكي أنه قال: إن الأخبار الواردة في نقصه وتحريفه ضعيفة شاذة، وأن مشائخ فقهاء الإمامية ضربوا بها عرض الجدار، بل لقد كفروا من دعاها" (2).

ولا أدري ولست إخال أدري

أقوم آل حصن أم نساء؟

من يسأل الدكتور الناقل المحض بدون تدبر وتعقل: هل هذه هي الأدلة على ثبوت دعواه بأن أئمة الشيعة ردوا هذه الأخبار الكاذبة وبينوا بطلانها؟ ولم يستطع سيادة الدكتور في كتيبه كله أن ينقل تضعيف هذه الأخبار إلا من محام ببغداد لا نعرف من هو، وما مقامه في العلم ومكانته لدى الشيعة؟

ثم إن هذا المحامي أيضاً لم يضعف الروايات ولم يين شذوذها بطريقة علمية معروفة، بل ادعى أن مشائخ فقهاء الإمامية ضربوا بها عرض الجدار.

فمن هم أولئك المشائخ؟، وفي أي عصر كانوا؟ وبأي دليل قالوا؟ وأين وجدوا .. في أي أرض وفي أي قطر؟ وفي أي كتاب وأية صحيفة؟

دعوى بلا بينة، وكلام بلا برهان.

وزاد الطين بلة أن المحامي المذكور، ذكر كما نقل عنه الدكتور بخط مكبر جداً، بل لقد كفروا من ادعاها (3).

وإن كان الأمر كذلك فمن كان من أعيان الشيعة وعلمائها مسلماً .. بالله خبروا! أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني، صاحب كتاب الكافي، إمام محدثي الشيعة وعمدتهم في الحديث، أم أستاذه علي بن إبراهيم القمي، صاحب تفسير القمي شيخ مشائخ الشيعة في التفسير وشيخ الكليني أيضاً، أم محمد بن مسعود العياشي، عين عيون الطائفة الشيعية، وصاحب أقدم

(1) تفسير الصافي لفيض الكاشاني ج1 ص35، 36، المقدمة السادسة -ط إيران

(2)

بين الشيعة وأهل السنة ص40

(3)

انظر: صفحة 40 من كتيبه

ص: 77

تفسير شيعي، أم محمد بن الحسن الصغار، صحابي الحسن العسكري الإمام المعصوم عندهم، وأستاذ الكليني أيضاً، أم فرات بن إبراهيم الكوفي، المفسر الشيعي القديم، وأستاذ والد ابن بابويه القمي، وشيخ شيخه، أم محمد بن النعمان الملقب بالشيخ المفيد، أستاذ شيخ الطائفة الطوسي، أم محمد بن إبراهيم النعماني، تلمي الكليني وصاحب كتاب الغيبة، أم المفسر محمد بن العباس الماهيار، أم شيخ المتكلمين أبو سهل إسماعيل بن علي، أم الفيلسوف أبو محمد حسن بن موسى، أم الشيخ الجليل إسحاق بن إبراهيم، أم إسحاق الكاتب، أم رئيس الشيعة الذي ربما قيل بعصمته أبو القاسم حسين بن روح السفير الثالث بين الشيعة والغائب، أم شيخ الأقدمين فضل بن زاذان، أم محمد بن الحسن الشيباني الشيعي صاحب تفسير نهج البيان، أم محمد بن خالد البرقي، أم علي بن الحسن الفضال، أم محمد بن الحسن الصيرفي، أم أحمد بن محمد السيار من المتقدمين؟!

ومن المتأخرين الكثيرون ممن لا يعدون ولا يحصون من مفسري الشيعة، ومحدثيهم، وفقهائهم، ومتكلميهم، ممن ذكرنا أسماء الكثيرين منهم في كتابنا (الشيعة والقرآن).

وهؤلاء هم عمدة مذهب الشيعة وقدوتهم، نواب أئمتهم المعصومين، ومبلغو أخبارهم، وحفظة أحاديثهم، ونقلة آثارهم، وكلهم صرحوا بالتحريف والتبديل والتغيير في القرآن بدون إبهام ولا غموض. وقد صنف بعض منهم كتباً مستقلة، وألف البعض الآخر أجزاء منفصلة لبيان عقيدة الشيعة في القرآن وإثبات التبديل والتغيير فيه.

فإن كان هؤلاء كلهم كفرة، فمن كان من القوم مسلم؟!

ولا يهمنا ذلك ونحن نعلن على ملأ الأشهاد بأن الشيعة لو أعلنوا بهذا الاعتقاد، ووافق علماؤهم على هذا القول بأن كل من يقول بالتحريف والتغيير في القرآن أو يعتقد الحذف والنقص فيه فهو كافر، أياً من كان، فنحن نوافقهم على ذلك، ونهنئهم ونبارك لهم بأن الله هداهم إلى سواء السبيل، فليعملوا مع أولئك الأعلام معاملة ما يقرون ويعلنون، ويرموا كتبهم في النار، ويتبرءوا منهم ومن كتبهم، ونحن نتبرأ مما قلناه عنهم، ومما نقوله، ونتوب إلى الله ونستغفره.

ص: 78

فهل من مقدم يقدم؟ وهل من مجيب يجيب؟ وهل من سامع يسمع ويستجيب؟ {وما أنت بمسمع من في القبور} .

ما كل ما يتمنى المرء يدركه

تجري الرياح بما لا تشتهي السفن

ثم إن الدكتور وافي لا يدري بأن هذا القول - أي القول بتحريف القرآن وتغييره وتبديله - ليس بقول شاذ، بل هو القول المعمول به في جميع الأجيال الشيعية وعند جميع الطبقات قديماً وحديثاً، وهو مبني على أقوال المعصومين حسب زعم القوم، وهم الحجة عندهم لا غيرهم؛ لأنهم لا يعتقدون العصمة في غيرهم ومن سواهم، ولم يخرج عن هذا الاعتقاد إلا من شذ وند، ولم يخرج هؤلاء الآحاد الشذاذ إلا تهرباً من العار الذي لحقهم، والفضيحة التي لزمتهم، ولم يكن رأيهم مبنياً على أصول شيعية ولا مستنبطاً من أقول المعصومين.

ولذلك قال سلطان علماء الشيعة - كما يلقبونه - السيد محمد دلدار علي .. بعد ذكر كلام المرتضى في عدم التحريف في القرآن:

"فإن الحق أحق بالاتباع، ولم يكن السيد علم الهدى معصوماً حتى يكون من الواجب أن يطاع، ولو ثبت أنه يقول بعدم النقيصة مطلقاً لم يلزمنا اتباعه ولا ضير فيه"(1).

وقال المحدث النوري:

اعلم أن تلك الأخبار منقولة من الكتب المعتبرة التي عليها معول أصحابنا في إثبات الأحكام الشرعية والآثار النبوية" (2).

وقال خاتمة المحدثين لدى الشيعة الملا باقر المجلسي:

"لا يخفى أن كثيراً من الأخبار الصحيحة صريحة في نقص القرآن وتغييره، وعندي أن الأخبار في هذا الباب متواترة معنى، وطرح جميعها يوجب رفع الاعتماد عليها رأساً"(3).

(1) ضربت حيدري ج2 ص81 - ط الهند

(2)

فصل الخطاب للنوري الطبرسي ص252 - ط إيران

(3)

مرآة العقول للمجلسي نقلاً عن فصل الخطاب ص353

ص: 79

وقال الجزائري:

"إن الأخبار الدالة على هذا تزيد على ألفي حديث، وادعى استفاضتها جماعة كالمفيد والمحقق الداماد والعلامة المجلسي وغيره، بل إن الشيخ الطوسي أيضاً ذكر في التبيان كثرتها، بل ادعى تواترها جماعة"(1).

والجدير بالذكر أننا أوردنا في كتابنا (الشيعة والقرآن) أكثر من ألف حديث شيعي من مختلف الطرق ومختلف الرواة ومختلف الكتب، كلها تنص وتصرح بأن القرآن مغير ومحرف، زيد فيه ونقص منه كثير، غير ما ذكرناه في كتابنا (الشيعة والسنة). من الأسباب التي جعلت الشيعة يعتقدون هذا الاعتقاد الزائغ الخبيث بنقل روايات كثيرة كثيرة من أمهات كتب القوم.

وبعد هذا كله لا ندري كيف يجرؤ أحد ويجسر على خداع المسلمين بأن الروايات الشيعية التي تخبر وتدل على التحريف في القرآن روايات شاة وضعيفة.

فهل يحكم على المتواتر بالشذوذ والضعف؟

وأهكذا تقلب الحقائق؟ ويكذب الصدق؟

إن كنت لا تدري فتلك مصيبة

أو كنت تدري فالمصيبة أعظم!

ومع ذلك فليس من يتظاهر بإنكار التحريف في القرآن من الشيعة، ولا من يدافع عنهم بدون علم ولا هدى ولا كتاب منير من غير الشيعة، يستطيع أن يورد ولو رواية واحدة ضعيفة أو شاذة مروية عن المعصومين لدى الشيعة تنص وتصرح بأن القرآن الموجود بأيدي الناس هو المنزل من السماء، ومحفظ بحفظ الله له، غير مغير ولا مبدل فيه، لا يعتريه نقص ولا تلحقه زيادة.

فكيف يحق للشيعة والمناصرين لهم والمستميتين الدفاع عنهم والتأييد لهم، أن يقولوا: إن روايات بلغت التواتر تثبت التحريف .. هي روايات شاذة؟

(1) مرآة العقول للمجلسي نقلاً عن فصل الخطاب ص253

ص: 80

ثم من يخبر سعادة الدكتور وافي، أن الرواية لا يحكم عليها بالضعف والشذوذ إلا بمكانة الراوي الذي رواها، ومكانة الكتاب الذي وردت فيه، لا كما قاله هو:

"ولو وردت عن شيخ من شيوخهم أو في مؤلف من أمهات مراجعهم، ولو أسندها هذا الشيخ أو هذا المؤلف إلى الإمام الصادق نفسه، فمن ذلك مثلاً ما ينسبه الكليني في كتابه (الكافي) إلى الإمام الصادق من القول بأن القرآن الذي نزل به الوحي على محمد يزيد على سبعمائة وسبع وسبعين آية عن الذي نقوله، وأن الباقي مخزون عند آل البيت .. فعلى الرغم من أن راوي هذه الأقوال ومدعي نسبتها إلى الإمام الصادق هو شيخ من أكبر شيوخهم وهو أبو جعفر الكليني، والذي يعد الرواية الأول لأخبارهم، وعلى الرغم من أن الكتاب الذي وردت فيه هذه الأخبار، وهو كتاب (الكافي) هو أحد الكتب الأربعة التي يعدونها الأصول لمذهبهم، وينزله كثير منهم منزلة البخاري عند أهل السنة على الرغم من هذا كله فإنهم يحكمون ببطلان ما ورد في هذا الكتاب من أقوال عن القرآن الكريم، فلا يصح أن نحاسبهم على رأي قد حكموا هم ببطلانه ولا أن نعده من مذهبهم مهما كانت مكانة راويه عندهم ومكانة الكتاب الذي ورد فيه"(1).

وإننا لا نكثر الاستغراب حينما نسمع رأياً مثل هذا الرأي عن شيخ جاوز الثمانين من عمره، وقد أفناه في التعلم والتعليم، والدرس والتدريس - اللهم إنا نعوذ بك أن نرد إلى أرذل العمر، وعن الجهل بعد العلم.

فلعل سيادته يريد أن يبتكر مصطلحاً جديداً في الحديث لأن كل واحد سواه، ممن له إلمامة بسيطة بالمصطلح، يعرف أن الحكم على الحديث والرواية لا يكون إلا بالإسناد، فالحديث الذي رواه الثقات العدول الضباط واحداً بعد واحد يحكم عليه بالصحة، والعكس صحيح، وكذلك كل رواية وردت في البخاري أو مسلم عند السنة لا يلتفت إلى سنده حيث أن مؤلفيهما قد ألزما نفسيهما بإيراد الصحيح في كتابيهما لا غير خلافاً لمن لم يلتزم بذلك.

(1) بين الشيعة وأهل السنة ص29، 30 (م6 - بين الشيعة وأهل السنة)

ص: 81

وكذلك الكافي عند الشيعة فإن ورد حديث فيه فلا يلتفت إلى سنده ورواته، لأنه مجرد وروده في الكافي يكفي للحكم على صحته وتوثيقه، كما صرح بذلك الكثيرون من محدثي الشيعة وعلمائهم، ومنهم المحدث النوري الطبرسي في آخر كتابه الكبير (مستدرك الوسائل)(1).

هذا ولقد أكثر الشيعة الكلام في تمجيده والثناء عليه في كتب الرجال والمصطلح والشروح، وقد أوردنا بعضاً منها في كتابنا (الشيعة والقرآن).

ونكتفي بذكر عبارة واحدة عن الرجال المشهور العباس القمي، أنه قال في الكافي:

هو أجل الكتب الإسلامية وأعظم المصنفات الإمامية والذي لم يعمل للإمامية مثله، قال المولى محمد أمين الاستر آبادي في محكى فوائده: سمعنا عن مشائخنا وعلمائنا أنه لم يصنف في الإسلام كتاب يوازيه أو يدانيه" (2).

وفوق ذلك أنه موثق من قبل المعصوم - الغائب الموهوم - الذي لا يخطئ ولا يغلط" (3).

ثم لم ينفرد بسرد هذه الروايات الكليني وحده، بل شاركه في ذلك أساطين الشيعة وكبراؤهم في الحديث والتفسير والفقه والكلام قبله وبعده كما ذكرناه سابقاً، بل إن الذين تظاهروا بالإنكار أوردوا روايات التحريف كتبهم كما وضعنا النقاط على الحروف في كتابنا (الشيعة والسنة) و (الشيعة والقرآن) وعلى ذلك تناقل هذه العقيدة جيل بعد جيل من الشيعة، ولم يقتصر ذكرها في كتب الروايات بل أوردوها في كتب العقائد أيضاً، فهذا هو شيخهم المفيد، الذي يقولون فيه:

إنه أجلّ مشائخ الشيعة ورئيسهم وأستاذهم، وإنه أوثق أهل زمانه في الحديث، وإنه كان متقدماً في علم الكلام والفقه (4).

(1) مستدرك الوسائل ج3 ص532 - ط إيران

(2)

الكنى والألقاب ج3 ص98 - ط إيران

(3)

روضات الجنات ج6 ص116، مقدمة الكافي ص25

(4)

مقدمة أوائل المقالات في المذاهب والمختارات ص24، 25 - ط مكتبة الداورى - ط إيران

ص: 82

وإنه هو الذي سن طريق الكلام لمن بعده إلى اليوم (1).

وقال فيه ابن النديم الشيعي:

انتهت إليه رئاسة متكلمي الشيعة، مقدم في صناعة الكلام (2).

وإنه كان وحيد دهره في كل العلوم، انتهت إليه رئاسة الشيعة (3).

وهو تلميذ لابن بابويه القمي الملقب الصدوق وأستاذ للشريف الرضى، والشريف المرتضى الملقب بعلم الهدى، وأبي جعفر الطوسي الملقب بشيخ الطائفة (4)، والنجاشي (5).

المفيد هذا يذكر في كتابه العقائدي المشهور (أوائل المقالات في المذاهب والمختارات) عند سرد عقائد الشيعة في الرجعة، والبداء، وتحريف القرآن:

"واتفقت الإمامية على وجوب الرجعة .. واتفقوا على أن أئمة الضلال خالفوا في كثير من تأليف القرآن، وعدلوا فيه بموجب التنزيل وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأجمعت المعتزلة والخوارج والزيدية والمرجئة وأصحاب الحديث على خلاف الإمامية"(6).

هذا في التأليف أما الزيادة فيه والنقصان فقال:

"أقول: إن الأخبار د جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى من آل محمد صلى الله عليه وسلم باختلاف القرآن وما أحدثه بعض الظالمين فيه من الحذف والنقصان، فأما القول في التأليف فالموجود يقضي فيه بتقديم المتأخر وتأخير المتقدم، ومن عرف الناسخ والمنسوخ والمكي والمدني لم يرتب بما ذكرناه.

وأما النقصان فإن العقول لا تحيله ولا تمنع من وقوعه، وقد امتحنت مقالة من ادعاء وكلمت عليه المعتزلة وغيرهم فلم أظفر منهم بحجة أعتمدها

(1) أعيان الشيعة ص237 الطبعة الأولى بدمشق

(2)

الفهرست لابن النديم ص252 - ط مصر

(3)

تأسيس الشيعة العلوم للمحسن الصدر ص312 - ط العراق

(4)

وهذان أي المرتضى والطوسي هما اللذان تظاهرا بإنكار التحريف في القرآن

(5)

انظر: كتب الرجال للشيعة

(6)

أوائل المقالات ص52

ص: 83

في فساده - ثم يرد على من قال بحذف التأويل والتفسير، لا نفس القرآن - فيقول: من ادعى نقصان كلم من نفس القرآن على الحقيقة إليه أميل .. وأما الزيادة فيه فمقطوع على فسادها من وجه، ويجوز صحتها من وجه .. ولست أقطع على كون ذلك بل أميل إلى عدمه وسلامة القرآن عنه، وهذا المذهب خلاف ما سمعناه من بني نوبخت (قادة الشيعة وزعمائهم في عصرهم) رحمهم الله من الزيادة في القرآن والنقصان فيه، وقد ذهب إليه جماعة من متكلمي الإمامية وأهل الفقه منهم والاعتبار" (1).

فهذه هي عقيدة الإمامية، المثبتة في كتب العقائد أن القرآن على خلاف التنزيل، وأنه محرف منقوص، وأما الزيادة عليه .. فإليه ذهب بنو نوبخت وجماعة من متكلمي الإمامية وأهل الفقه منهم والاعتبار، كما صرح بذلك من انتهت إليه رئاسة الشيعة: شيخ علم الهدى وشيخ الطائفة الطوسي وتلميذ ابن بابويه القمي في كتابه الذي وضعه لبيان عقائد الشيعة الاثنى عشرية، بعد تصريحه بأن الأخبار قد وردت مستفيضة عن الأئمة المعصومين باختلاف القرآن، وما أحدثه بعض الظالمين من الحذف فيه والنقصان.

ولقد تناول الشيعة هذه العقيدة، وتوارثوها، خلفاً عن سلف، وأثبتوها في كتب العقائد وجعلوها من لوازم مذهب الشيعة كما صرح بذلك الكثيرون الكثيرون، منهم مفسر الشيعة الكبير السيد هاشم البحراني حيث قال:

"اعلم أن الحق الذي لا محيص عنه بحسب الأخبار المتواترة الآتية وغيرها أن هذا القرآن الذي في أيدينا قد وقع فيه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء من التغييرات، وأسقط الذين جمعوه بعده كثيراً من الكلمات والآيات، وأن القرآن .. المحفوظ عما ذكر، الموافق لما أنزله الله تعالى ما جمعه علي عليه السلام، وحفظه إلى أن وصل إلى ابنه الحسن عليه السلام، وهكذا إلى أن انتهى إلى القائم عليه السلام، وهو اليوم عنده صلوات الله عليه".

"ولهذا كما قد ورد صرحاً في حديث سنذكره أن الله عز وجل كان قد سبق في علمه الكامل صدور تلك الأفعال الشنيعة من المفسدين في الدين، إذ

(1) أوائل المقالات لمحمد بن نعمان العكبري الملقب بالمفيد ص93 وما بعدها

ص: 84

أنهم كلما اطلعوا على تصريح فيه ما يضر لهم، ويزيد في شأن علي عليه السلام وذريته الطاهرين، حاولوا إسقاط ذلك رأساً أو تغييره محرفين، فكان في مشيئته الكاملة من الطاقة الشاملة المحافظة على أوامر الإمامة والولاية، وممارسة مظاهر فضائل النبي صلى الله عليه وسلم والأئمة، بحيث تسلم من تغيير أهل التضييع والتحريف، ويبقى لأهل الحق مفادها، مع بقاء التكليف، لم يكتف بما كان مصرحاً به منهما في كتابه الشريف، بل جعل جل بيانها بحسب البطون، وعلى نهج التأويل، وفي ضمن بيان ما تدل عليه ظواهر التنزيل، وأشار إلى جمل من برهانها بطريق المجاز والتعريض، والتعبير عنها بالرموز والتورية، وسائر ما هو من هذا القبيل، حتى تتم حججه على الخلائق جميعاً، ولو بعد إسقاط المسقطين ما يدل عليها صريحاً بأحسن وجه وأجمل سبيل" البرهان، مقدمة تحت عنوان "المقدمة الثانية في بيان ما يوضح وقوع بعض تغيير في القرآن، وإنه السر في جعل الإرشاد إلى أمر الولاية والإمامة والإشارة إلى فضائل أهل البيت وفرض طاعة الأئمة بحسب بطن القرآن وتأويله ص36 - ط إيران].

ثم قال بعد نقل هذه العقيدة عن كبار القوم وذكر أسمائهم:

"وعندي يقين من وضوح صحة هذا القول (أي القول بتحريف القرآن وتغييره) بعد تتبع الأخبار، وتفحص الآثار، بحيث يمكن الحكم بكونه من ضروريات مذهب التشيع"(1).

وقال مثل ذلك الشيخ علي أصغر البروجردي من أعيان الشيعة في القرن الثالث عشر في الكتاب العقائدي:

"وواجب علينا أن نعتقد أن القرآن الأصلي لم يغير ولم يبدل وهو موجود عند إمام العصر (الغائب) عجل الله فرجه، لا عند غيره، وإن المنافقين قد غيروا وبدلوا القرآن الموجود عندهم"(2).

وبمثل ذلك كتب الملا محمد تقي الكاشاني في كتابه هداية الطالبين (3)

(1) البرهان في تفسير القرآن للسيد هاشم البحراني، الفصل الرابع من المقدمة ص49 - ط إيران

(2)

كتاب عقائد الشيعة فارسي ص27 - ط إيران

(3)

ص368 - ط إيران

ص: 85

وزين العابدين الكرماني في رسالته تذييل (1)، وأخوه في كتابه حسام الدين، وقبلهما أبوهما محمد كريم خان المتوفى سنة 1288هـ، صرح بذلك في كتابه نصرة الدين وأيضاً في كتابه إرشاد العوام الذي ألفه في العقائد، والسيد علي بن نقي الرضوى مجتهد الشيعة بالهند في كتابه إسعاف المأمول (2) وغيرهم.

هذا ولقد ذكرنا في كتابنا (الشيعة والقرآن) وقبله في (الشيعة والسنة) بأن علماء الشيعة ألفوا كتباً ورسائل مستقلة في إثبات التحريف في القرآن في كل عصر وبلد وجدوا فيه، ولا يخلو مكان أو زمان لم تصنف فيه مثل هذه الكتب كما أثبتنا أسماءهم وأسماء كتبهم في كتبنا المذكورة، ولم ينكر هذه العقيدة، من أنكر منهم، إلا مداراة للمسلمين، وتقية وخداعاً لأهل السنة، وسداً لباب المطاعن، ولم يبنوا إنكارهم هذا على رواية من أئمتهم المعصومين حيث يزعمون أن مذهبهم قائم على آرائهم وأفكارهم، ولا على أصول مطر موجود.

رغم أن القائلين بهذه المقولة، المتجاهرين بهذه العقيدة، بينوا أسباباً ألجأتهم إلى اعتناقها والاعتقاد بها. وأصول المذهب وأسسه التي وضع عليها .. تقتضي ذلك أيضاً، وساندها وناصرها رجال من الشيعة، لولاهم لما قام لديانتهم عود، ولا استقام لها عمود.

وهذا واضح وجلي، لا نظن أنه يخفى على عاقل وبصير (3)، إلا من أضله الله على علم، وختم على سمعه وقلبه، وجعل على بصره غشاوة، فمن يهديه من بعد الله؟!

(1) ص13 وما بعد - ط مطبعة سعادة بكرمان إيران

(2)

ص115 - ط مطبعة اثنا عشرى لكنؤ الهند سنة 1312هـ

(3)

نظرة على ما كتبه البهنساوي:

من الغريب والمؤسف حقاً أن بعض من ينتسب إلى العلم من أهل السنة انخدع بأباطيل الشيعة وأكاذيبهم فكيف انخدع؟، وكيف خطف بصره بريق عقائدهم المزورة الكاذبة؟، وكيف سمح له علمه قبل ضميره ودينه أن يتصدى للدفاع عنهم، وعن عقائدهم الخبيثة الملتوية، وعن آرائهم - المعوجة، وأفكارهم الزائغة عن سواء السبيل؟.

ص: 86

كيف يكتب بدون معرفة وعلم، وبدون فقه وبصيرة؟ لقد ظهر جهله الكلي بأصول مذهب الشيعة الاثنى عشرية والأسس التي قام عليها، بسبب عدم اطلاعه على كتبهم الأصلية، ومراجعهم القديمة والحديثة الأصيلة، في التفسير والحديث والفقه والكلام والتاريخ، مثل السيد الدكتور علي عبد الواحد وافي في كتابه (بين الشيعة وأهل السنة) والأستاذ سالم علي البهنساوي في كتابه (السنة المفترى عليها)، والدكتور عز الدين إبراهيم في كتابه (لا أساس للخلاف بين السنة والشيعة) وغيرهم من المخدوعين والمغترين بلا علم، وإن الله عز وجل يقول في كتابه:{ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا} (1).

وقال جل وعلا: { .. ولا تكن للخائنين خصيماً، واستغفر الله إن الله كان غفوراً رحيماً. ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خواناً أثيماً * يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطاً * ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا} (2).

ولقد بينا فيما سبق أغلوطات السيد الدكتور وفي ومغالطاته وجهله، أو تجاهله لكتب الشيعة وعقائدهم، ونريد أن نذيل بحثنا هذا بنظرة خاطفة على ما كتبه الأستاذ سالم علي البهنساوي في كتابه (السنة المفترى عليها) حيث تعرض سيادته لما كتبنا عن الشيعة وعن عقائدهم وآرائهم حول القرآن في كتابنا (الشيعة والسنة) فوقف موقف المدافع عن الشيعة، والمكذب لما قلناه عنهم جاهلاً قواعد البحث، ومبادئ الخلاف، وأصول المناقشة،

(1) سورة الإسراء الآية36

(2)

سورة النساء الآية105 إلى 109

ص: 87

كما أثبت على نفسه أنه لا يعرف عن معتقدات الشيعة وكتبهم التي تبحث فيها، كثيراً ولا قليلاً.

فإن السيد الأستاذ البهنساوي عقد فصلاً مستقلاً في كتابه بعنوان (حوار حول دعوى تحريف الشيعة للقرآن)(1)، فكتب يقول:

"لقد وجدنا بين أهل السنة ومن ينشر كتباً تتضمن أن الدعوة إلى التقريب بين السنة والشيعة يراد بها تقريب السنة إلى معتقدات الشيعة التي تزعم أن القرآن الكريم محرف، وهذه وغيرها من البدع التي تنسجها الأيدي اليهودية التي هي وراء الشيعة الإمامية".

وما جاء في هذه الكتب عن تحريف القرآن (أما الشيعة فإنهم لا يعتقدون بهذا القرآن الموجود بين أيدي الناس والمحفوظ من قبل الله العظيم .. مكابرين للحق وتاركين للصواب.

فهذا هو الاختلاف الحقيقي الأساسي بين السنة والشيعة أو بالتعبير الصحيح بين المسلمين والشيعة لأنه لا يكون الإنسان مسلماً إلا باعتقاد أن القرآن هو الذي بلغه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسلمين بأمر من الله عز وجل.

واستند هذا الكتاب وغيره إلى روايات للمحدث الشيعي الكليني في (الكافي في الأصول) واعتبره كالبخاري عند أهل الشيعة. كما نقل الكاتب هذا عن ابن بابويه القمي، ووصفه بأنه صدوق الشيعة" (2).

وبدلاً من أن يبحث في الروايات ويتحقق من نسبتها إلى الكتب التي عزونا إليها، أو نقدها نقداً علمياً معقولاً، بدل هذا كله كتب مقيماً الحجة عليه وعلى عدم علمه ومعرفته فقال:

"ولما كان البحث في كتب إخواننا الشيعة لكل من قرأ كتب إحسان

(1) صفحة 26 - ط دار البحوث العلمية الكويت الطبعة الأولى سنة 1979م

(2)

السنة المفترى عليها لسالم علي البهنساوي ص66 - ط دار البحوث العلمية سنة 1979م

ص: 88

ظهير ومحب الدين الخطيب وغيرهما ليس يسيراً فقد جمعت ما تضمنته هذه الكتب وقرنه بالمصادر والمراجع التي نقلت عنها من كتب الشيعة، وعرضت ذلك على الأخ الصديق الإمام محمد مهدي الآصفي ليبين رأي أئمتهم في هذا الموضوع" (1).

فمن كان هذا مبلغ علمه أله أن يحكم بين الناس؟ وأن يبين الحق من الباطل؟ وأن يفصل في القضية؟ أو يبدي رأيا حاسماً للنزاع بالترجيح أو التكذيب؟

وهل في العالم شخص يقر على نفسه وعلى أهله بالخطأ والغلط؟ ويعترف بقصوره وجريمته؟

وهل ذكرنا كلاماً منقولاً عن غير أئمتهم حتى يسأل شيعياً عن رأي أئمته في الموضوع؟

ثم ماذا كان رد العالم الشيعي غير الكلام الفارغ والدعوى بلا دليل أو بهان، دون التطرق إلى نقد الروايات التي أوردناها في كتابنا وأرسلها إليه الأستاذ البهنساوي حسب قوله، وبيان منطوقها ومفهومها، ودون بطلان نسبتها إلى قائليها، أو تجريح الكتب التي وردت فيها وغير ذلك من الأمور التي يتطلبها البحث العلمي والنقد الموضوعي، اللهم إلا ما ذكر عن السيد الخوئي ومحمد رضا المظفر والبلاغي وكاشف الغطاء والطباطبائي بأنهم أنكروا التحريف في القرآن (2).

والجدير بالذكر أولاً: أن هؤلاء الخمسة كلهم من المتأخرين ومن عصرنا هذا، وليسوا من العمدة في المذهب، ولا يعدون من أئمة التشيع.

ثانياً: أن بعضاً منهم كتبوا مقولاتهم هذه في كتب دعائية لم تكتب للشيعة بل كتبت لخداع المسلمين أهل السنة، ولسد باب المطاعن عليهم.

(1) السنة المفترى عليها ص67

(2)

انظر: صفحة 68 وما بعد من الكتاب المذكور

ص: 89

ثالثاً: أن جميع المذكورين ممن يدينون بدين التشيع، الدين الذي قالوا فيه نقلاً عن جعفر أنه قال:

"إنكم على دين من كتمه أعزه الله، ومن أذاعه أذله الله"(1).

و"إن تسعة أعشار الدين في التقية، ولا دين لمن لا تقية له"(2).

سوف نذكر هذا البحث في محله من هذا الكتاب إن شاء الله.

رابعاً: أن كل واحد من هؤلاء لم يفصح عن سبب اعتقاده عدم التحريف في القرآن، ولا الجواب على ما ورد عن أئمتهم وروداً مستفيضاً متواتراً.

خامساً: لم يدع واحد من هؤلاء أن مذهب التشيع مبني على آرائه وأقواله، كما لم يدع العصمة لنفسه مع إقراره وإعلانه أن مذهبه مأخوذ من أئمته المعصومين الاثنى عشر من علي وأولاده، ومبني على أقوالهم، وأفكارهم، وهذه الآراء والأفكار لم تنقل إلا من كتب الأصول الأربعة، أهمها وأجلها الكافي للكليني، والكتب الأخرى التي نقلنا منها تلك المرويات التي تدل صراحة على التحريف في القرآن.

سادساً: أن ليس أحد من هؤلاء يساوي أو يضاهي أو يداني واحداً ممن جاهر بالقول بالتحريف من المتقدمين والمتأخرين من المحدثين والمفسرين والفقهاء والمتكلمين، ولم يذكر هؤلاء الخمسة أولئك المجاهرين بالتحريف إلا بكل التعظيم والتكريم والإجلال والتفخيم وتلقيبهم إياهم بالأئمة والكبراء والزعماء والقادة، فأين الخوئي من الصفار؟ والبلاغي من الكليني؟ والطباطبائي من القمي والعياشي والفرات الكوفي؟ والمظفر وكاشف الغطاء من المفيد، والطبرسي؟ أين هؤلاء من أولئك؟

سابعاً: لم يستطع هؤلاء التقول بأنهم لم يكونوا معتقدين التحريف في القرآن.

(1) الكافي للكليني ج2 ص222 - ط إيران وج1 ص485 - ط الهند

(2)

الكافي في الأصول ج2 ص217 - ط إيران وج1 ص482 - ط الهند

ص: 90

ثامناً: لم يبنوا فساد مقولتهم وسبب ضعف أقوالهم وعلة الضعف؟.

تاسعاً: بعض هؤلاء أنفسهم أوردوا في كتبهم نفس الروايات التي تنص على التحريف في القرآن دون التعرض لها بالنقد والجرح.

عاشراً: لم يتجرأ واحد منهم على أن يكتب كتاباً أو جزءاً مستقلاً أو رسالة مستقلة لإثبات عدم التحريف في القرآن والرد على قائليه مع بيان بطلان ما ذهبوا إليه.

{تلك عشرة كاملة .. } (1)، {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد} (2).

{ .. قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب} (3).

ولو كان مجرد الإنكار يكفي فلا يلزم خصم من العالمين بشيء لأنه أنكر، ووجد من ينكر معه من جماعته اثنين أو ثلاثة، فالسني مثلاً لا يلزم بشيء ورد في الصحيحين، أو في الصحاح الأخرى غيرهما، أو المجاميع والمسانيد، ولو بطريق الثقاة الضباط العدول؛ لأنه ينكر صحته.! دون الرجوع إلى قواعد ثابتة وأسس متينة، وكذلك الشافعي والحنفي والمالكي والحنبلي، وأكثر من ذلك اليهودي والنصراني والبوذي وغيرهم، يمكن أن يتظاهر الواحد منهم بإنكار أي شيء لا يجد الجواب عنه، ويجد نفسه في مأزق ضيق حرج .. مع إقرار قادتهم وسادتهم وأئمتهم وزعمائهم وعمدائهم، وحججهم، ومع إقرارهم بمذهبهم ودياناتهم.

نعم! يمكن الإقرار بالتبرؤ من ذلك المذهب وتلك الديانة بأني لا أؤمن

(1) سورة البقرة الآية196

(2)

سورة ق~ في الآية37

(3)

سورة الزمر الآية9

ص: 91

بالمذهب الذي هذه تعليماته وإرشاداته، وتلك الديانة التي هذه آراؤها، وأفكارها وتلك قواعدها وأسسها.

فكل من ينتسب إلى أهل السنة لا يسعه إنكار ما ورد من سنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه وما كان عليه أصحابه ما دام سنياً.

وأما إذا أراد ذلك (الإنكار) فله، ولكن ليس له أن يعد نفسه من أهل السنة.

فعلى هذا ليس على الشيعة الاثنى عشرية أن ينكروا ما ثبت من عقائدهم وما تفرع وقام عليه مذهبهم ما داموا يدعون التشيع.

ولهم أن ينكروا كل ما يرونه مخالفاً للإسلام ومنافياً للفطرة والعقل مع ثبوته في مذهبهم ومسلكهم، وكونه من العقائد الأساسية لديانتهم ولكن مع التبرؤ من هذه الديانة الزائفة التي تشتمل على مثل تلك العقائد الفاسدة الواهية.

وإننا لنرحب بكل من يقدم على هذا، ويقول بهذا القول، ويعلن بهذا الاعتقاد، وبذلك سيرتفع الخلاف، ويحسم النزاع، ونكون عباد الله إخواناً، وإخوة في العقيدة، يؤمنون كلهم بما نزل على محمد صلوات الله وسلامه عليه، وتولى الله حفظه وصيانته من التغيير والتحريف بقوله:{إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} (1).

وبقوله جل وعلا: {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} (2).

ولقد أدرك خطر هذا الاعتقاد أي اعتقاد عدم التحريف في القرآن محدثو الشيعة ومفسروهم وأهل الكلام والفقه منهم، فلذلك قال قائلهم:

"اعلم أن تلك الأخبار منقولة من الكتب المعتبرة التي عليها معول أصحابنا في إثبات الأحكام الشرعية والآثار النبوية"(3).

و"إن الأخبار في هذا الباب متواترة معنى، وطرح جميعها يوجب رفع

(1) صورة الحجر: 9

(2)

سورة فصلت: 42

(3)

المحدث النوري الطبرسي في كتابه فصل الخطاب ص252

ص: 92

الاعتماد على الأخبار رأساً، بل ظني أن الأخبار في هذا الباب لا يقصر عن أخبار الإمامة فكيف يثبتونها بالخبر" (1).

و"إن هذه العقيدة لمن ضروريات مذهب التشيع"(2).

وإن كان من ينكر هذا الاعتقاد مع انتسابه إلى الشيعة لا ينكر إلا تقية، وقد نص على ذلك الكثيرون من علماء الشيعة، ومنهم السيد أحمد سلطان أحد أعيان القوم في الهند:

"إن علماء الشيعة الذين أنكروا التحريف في القرآن لا يحمل إنكارهم إلا على التقية"(3).

وهذه العبارة نص في المسألة.

وقبل أن ننتقل إلى موضوع آخر نريد أن نذكر ههنا أن السيد الآصفي الذي أرسل إليه السيد البهنساوي - حسب مقولته - الروايات التي أرودناها في كتابنا (الشيعة والسنة) لبيان عقيدة الشيعة في القرآن، والتي تزيد على ستين رواية لم يبين العالم الشيعي المذكور فيها رأيه حسب البحث العلمي السليم، كما لم يتكلم في قيمة الكتب التي وردت فيها هذه الروايات، وكذلك لم يستطع أن ينكر علينا قولنا بأن الكليني عند الشيعة كالبخاري عندنا، وابن بابويه القمي هو الملقب بالصدوق عند الشيعة، اللهم إلا ما ذكر عن رواية أوردناها في كتابنا عن علي بن إبراهيم القمي في تفسيره عن أبيه عن الحسين بن خالد في آية الكرسي:

إن أبا الحسن علي بن موسى الرضا - الإمام الثامن عند الشيعة- قرأ آية الكرسي هكذا: "الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم

(1) خاتمة محدثي الشيعة الملاك باقر المجلسي في كتابه مرآة العقول نقلاً عن فصل الخطاب ص353

(2)

المفسر الشيعي المشهور في مقدمة تفسيره البرهان الفصل الرابع ص52

(3)

تصحيف كاتبين ص18 - ط الهند

ص: 93

له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى عالم الغيب والشهادة، الرحمن الرحيم" (1).

فقال بعد ذكر هذه الرواية: إنها رواية غير معتبرة وضعيفة لأن الحسين بن خالد الصيرفي أحد الرواة في سلسلة الحديث لم تثبت وثاقته (2).

ويا ليته عمل هذا العمل في جميع الروايات التي أوردناها، وانتقدها انتقاداً علمياً، حتى يعلم الجميع ويعرف الكل، أن الروايات التي وردت في هذا الموضوع ضعيفة فعلاً لدى الشيعة، ومجروحة، فليس لمخالف في الرأي والعقيدة أن يلزمهم بمثل هذه الروايات الواهيات، ولكن أنى له ولغيره أن يتجرأ على هذا؟ لأن الأحاديث في هذا الموضوع جاوزت ألفي حديث وخبر.

ثم من يشجع السيد الآصفي ومن يسلك مسلكه ويطمئنهم على أن أهل السنة لا يعرفون عن رواة الشيعة شيئاً، ويجهلون كتب رجال القوم، من يضمن لهم كل هذا؟!. فلذلك ترى أنهم عند تهربهم من مثل هذه المآزق وتسللهم بعيداً عن هذه الأبحاث لا يلتجئون إلى البحث الموضوعي والنقد العلمي إلا إلى الإنكار المحض الذي لا يشبع ولا يغني من جوع.

فحمداً لله أن السيد المذكور تجاسر وأقدم على هذا حتى وجده الأستاذ البهنساوي والدكتور عز الدين إبراهيم كافياً للرد علينا وعلى محب الدين الخطيب.

لكن ما هي الحقيقة؟ وما هو الصدق؟ تعالوا انظروا معي لكي ينجلي الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون.

فالسيد الآصفي على دأب أسلافه الذين جعلوا الكذب دينه وديدنه، فإنه يدعي، نقلاً عن أحد المعاصرين، أن أحد رواة هذه الرواية، وهو

(1) تفسير القمي ج1 ص84 ط إيران

(2)

السنة المفترى عليها للبهنساوي ص73

ص: 94

الحسين بن خالد الصيرفي لم تثبت وثاقته، مع أنه من أصحاب موسى الكاظم - الإمام السابع المعصوم عند الشيعة - وعلي بن موسى الرضا - الإمام الثامن المعصوم عندهم - ولقد صرح بذلك الطوسي الملقب بشيخ الطائفة الشيعية في رجاله، فذكر أنه من أصحاب الكاظم (1)، وأنه من أصحاب الرضا (2).

وكذلك الرجالي الشيعي القديم أبو جعفر أحمد البرقي عدّه من أصحاب موسى الكاظم (3).

وكذلك الأردبيلي الحائري في كتابه (جامع الرواة)(4).

وقال فيه آية الله الزنجاني، الذي يلقبونه بالفقيه المحقق المدقق سماحة الحجة آية الله الشيخ موسى:

الحسين بن خالد الصيرفي عدّه الشيخ من أصحاب الرضا عليه السلام وقبله من أصحاب الكاظم، ثم ذكر بعض مروياته ومن روى عنه، ومن يروي عنهم، ثم قال:

وجل رواياته دالة على حسن اعتقاده، أحاديثه على كثرتها وجودتها في غاية الاستقامة، والغالب روايته عن الرضا عليه السلام، والأكثر رواية عنه علي بن معبد، لا أحسب الرجل إلا ثقة جليلاً، وأعد ما رواه في الصحيح" (5).

فهذا هو الرجل الذي قال عنه السيد الآصفي: لم تثبت وثاقته، والذي لأجله ضعف الرواية.

فماذا يقول المنصفون فيه بعد ثبوت صحابيته لإمامهم ووثاقته؟

(1) رجال الطوسي ص347 - ط قم إيران

(2)

ص373

(3)

انظر: كتاب الرجال للبرقي ص53 - ط طهران

(4)

انظر: ج1 ص238 - ط قم إيران

(5)

الجامع في الرجال ج1 ص594 - ط قم إيران سنة 1394هـ

ص: 95

زِد على ذلك أن هذه الرواية ليست بفريدة في موضوعها، بل لها شواهد ومتابعات في تفسير القمي وغير القمي.

والسيد الآصفي معذور في ذلك، حيث اختار رواية واحدة، من روايات كثيرة أوردناها من تفسير القمي في هذا الموضوع، وهذه حقيقة نقده وجرحه، وجرأته على مثل هذا الإقدام.

ثم اختار السيد المذكور رواية واحدة كذلك من الكافي للكليني، وتكلم على أحد رواتها مع أنه أئمته في الرجال ذكروا بأن ذلك الراوي وهو معلي بن محمد يعتمد عليه شاهداً، ولكي لا يطول بنا الحديث نسأله هو، وليفهم البهنساوي وغيره:

لماذا لم يتكلم على أول رواية أوردناها في كتابنا من الكليني في كافيه لإثبات عقيدة التحريف والحذف والنقصان في القرآن؟ هي رواية مشهورة معروفة، ونص في الموضوع نسوقها فيما يلي:

"عن علي بن الحكم عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (جعفر) عليه السلام قال: إن القرآن الذي جاء به جبريل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم يزيد سبعة عشر آلف آية"(1).

مع أن القرآن الموجود بأيدي الناس آياته ستة آلاف آية وكسر" (2).

فماذا يقول الآصفي ومن دونه من علماء الشيعة أجمعين في هذه الرواية ورواتها حيث أنها صريحة في معناها، واضحة في مفهومها، لا تحتمل التأويل والتفسير، وإن رواتها لمعدودون على الأنامل، معروفون مشهورون لدى الشيعة؟

أما محمد بن يعقوب الكليني فهو هو، وأما علي بن الحكم فقد كتب

(1) الكافي في الأصول للكليني، كتاب فضل القرآن ج2 ص634 - ط إيران

(2)

وقد أخطأ الدكتور وافي في هذا أيضاً حيث قال: إن الكليني ينسب إلى الإمام الصادق من القول: إن القرآن الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم يزيد سبعمائة وسبع وثلاثين آية على القرآن الذي نتلوه

ص: 96

عنه الأردبيلي الحائري بعد ما ذكر أنه هو الذي روى الرواية المذكورة في باب فضل القرآن وفي باب النوادر:

"ثقة جليل القدر"(1).

والتفرشي في كتابه نقد الرجال (2).

وأما هشام بن سالم فقد ذكره شيخ الطائفة الطوسي في أصحاب جعفر الصادق (3).

وكذلك في أصحاب موسى الكاظم (4).

وقال الرجالي الشيعي القديم النجاشي:

هشام بن سالم الجواليقي .. روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما السلام. ثقة ثقة (5).

ونقل الحائري بعد ذكر هذا كله عن شيخ الطائفة في فهرسته أنه صحيح العقيدة معروف الولاية غير مدافع (6).

وقد ذكر الكشي في مدحه روايات (7).

وأما أبو عبد الله جعفر بن الباقر فمقامه معروف لدى الشيعة حيث يعدونه معصوماً لا يخطئ. فهذه هي الرواية الأولى التي أوردناها في مبحثنا: الشيعة والقرآن: في كتابنا (الشيعة والسنة) الذي أرسله الأستاذ البهنساوي إلى السيد الآصفي، فلا ندري لماذا تخطى السيد الآصفي هذه الرواية والروايات الكثيرة الأخرى المنقولة في الكافي أيضاً إلى الرواية التي جعلها غرضاً لنقده وجرحه؟

(1) جامع الرواة ج1 ص575

(2)

ص234 - ط قم إيران

(3)

رجال الطوسي ص329

(4)

ص363

(5)

رجال النجاشي ص305 - ط قم إيران

(6)

جامع الرواة ج2 ص315

(7)

انظر لذلك: رجال الكشي ص239

ص: 97

إلا أنه لم يجد في رواة بقية الروايات من يستطيع أن يتكلم فيهم؟

وها نحن نعلن بأننا نرحب بكل عالم شيعي ينبري ويتصدى لتضعيف روايات أوردناها في كتبنا حول هذا الموضوع من أمهات كتب الشيعة وأهم مراجعهم سالكاً مسلك النقد والجرح المعروف، وملتزماً القواعد الثابتة والأسس المعروفة في هذا الشأن.

فهذه حقيقة رد الشيعة علينا، وهذه حقيقة الحوار المزعوم حول عقيدة الشيعة في القرآن.

ولو كان الأستاذ البهنساوي متحرياً عن الحق وطالباً الحقيقة لكان عليه أن يتثبت من الموضوع ويرسل بيان الآصفي إلينا قبل إدراجه في كتابه، سامحنا الله وإياه وغفر له ما بدر منه على إضلاله كثيراً من المسلمين أهل السنة.

وقبل أن نختم الكلام في هذا الموضوع نريد أن نبين شبهة أخرى يثيرها الشيعة، ويقع فيها كثير من سُذَّج أهل السنة بهذا الخصوص، وهي:

أن الشيعة لا يقرءون إلا هذا القرآن ولا يتناقلون بينهم إلا هذا نفسه، وإن كان لهم قرآن غير هذا فأين هو؟

فإن لم يكونوا يؤمنون به، ويعتقدون فيه التحريف والحذف والنقصان فلماذا يقرءونه؟

فالجواب: إن من يقول بهذا الكلام من أهل السنة لا يقوله إلا جهلاً بمعتقات الشيعة ومروياتهم ومن يقوله من الشيعة لا يقوله إلا خداعاً للمسلمين أهل السنة وتغطية للحق وتعمية للأبصار، لأن القوم نصوا على ذلك وصرحوا بأن القرآن الأصلي المحفوظ هو عند القائم من ولد علي رضي الله عنه، وأن الشيعة أمروا بقراءة هذا القرآن إلى أن يخرج القائم كما يروي الكليني في كافيه عن سالم بن سلمة أنه قال:

قرأ رجل على أبي عبد الله عليه السلام وأنا أسمع حروفاً من القرآن ليس على ما يقرأه الناس فقال أبو عبد الله عليه السلام: كفّ عن هذه القراءة

ص: 98

اقرأ كما يقرأه الناس حتى يقوم القائم، فإذا قام القائم قرأ كتاب الله عز وجل على حده وأخرج المصحف الذي كتبه علي عليه السلام، وقال: أخرجه علي عليه السلام إلى الناس حين فرغ منه وكتبه، فقال لهم: هذا كتاب الله عز وجل كما أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم، لا حاجة لنا فيه، فقال: أما والله لا ترونه بعد يومكم هذا أبداً، إنما كان علي أن أخبركم حين جمعته لتقرءوه" (1).

وروى أيضاً بسنده:

عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن محمد بن سليمان عن بعض أصحابه عن أبي الحسن عليه السلام قال: قلت له:

"جعلت فداك إنا نسمع الآيات في القرآن ليس هي عندنا كم نسمعها ولا نحسن أن نقرأها كما بلغنا عنكم، فهل نأثم؟ فقال:

لا! إقرءوها كما تعلمتم فيجيئكم من يعلمكم" (2).

وأيضاً ما رواه الطبرسي في (الاحتجاج) كذباً على أبي ذر رضي الله عنه أنه قال:

لما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع علي عليه السلام القرآن وجاء به إلى المهاجرين والأنصار وعرضه عليهم لما قد أوصاه بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما فتحه أبو بكر خرج في أول صفحة فتحها فضائح القوم، فوثب عمر فقال: يا علي! اردده فلا حاجة لنا فيه، فأخذه علي عليه السلام وانصرف، ثم أحضر زيد بن ثابت وكان قارئاً للقرآن،

(1) الكافي في الأصول ج2 ص633 - ط طهران

(2)

الكافي باب أن القرآن يرفع كما أنزل ج3 ص119 - ط طهران، وص664 - ط الهند

ص: 99

فقال له عمر: إن علياً عليه السلام جاءنا بالقرآن وفيه فضائح المهاجرين والأنصار وقد أردنا أن تؤلف لنا القرآن وتسقط منه ما كان فيه فضيحة وهتك للمهاجرين والأنصار، فأجابه زيد إلى ذلك، ثم قال: فإن أنا فرغت من القرآن على ما سألتم وأظهر علي القرآن الذي ألفه، أليس قد بطل كل ما قد عملتم؟ ثم قال عمر: فما الحيلة؟ قال زيد: أنتم أعلم بالحيلة، فقال عمر: ما الحيلة دون أن نقتله ونستريح منه؟ فدبر في قتله على يد خالد بن الوليد، فلم يقدر على ذلك، وقد مضى شرح ذلك.

فلما استخلف عمر سأل علياً أن يدفع إليهم القرآن فيحرفوه فيما بينهم، فقال: يا أبا الحسن! إن كنت جئت به إلى أبي بكر فأت به إلينا حتى نجتمع عليه، فقال علي عليه السلام: هيهات! ليس إلى ذلك سبيل، إنما جئت به إلى أبي بكر لتقوم الحجة عليكم ولا تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين، أو تقولوا ما جئتنا به، إن القرآن الذي عندي لا يمسه إلا المطهرون والأوصياء من ولدي، فقال عمر:

فهل وقت لإظهاره معلوم؟

قال علي عليه السلام: نعم! إذا قام القائم من ولدي يظهره ويحمل الناس عليه، فتجري السنة به" (1).

وعلى ذلك جعلوا من عقائدهم:

"وواجب علينا أن نعتقد أن القرآن الأصلي لم يغير ولم يبدل، وهو الموجود عند إمام العصر الغائب عجل الله فرجه لا عند غيره"(2).

وقال الكرماني:

"وقع التحريف والتصحيف والنقص في القرآن .. وأن القرآن المحفوظ

(1) الاحتجاج للطبرسي ج1 ص228، الصافي للكاشاني ج1 ص27

(2)

عقائد الشيعة الفارسي علي أصغر البروجردي ص27 - ط إيران

ص: 100

ليس إلا عند القائم .. وإن الشيعة لمجبورون على أن يقرءوا هذا القرآن تقية بأمر آل محمد عليهم السلام" (1).

وقال المفسر الفيض الكاشاني في تفسيره رداً على من يقول بعدم التحريف في القرآن:

أقول: يكفي في وجوده في كل عصر وجوده جميعاً كما أنزله الله محفوظاً عند أهله ووجود ما احتجنا إليه منه عندنا وإن لم نقدر على الباقي" (2).

وقال السيد نعمت الله الجزائري مجيباً على نفس هذه الشبهة:

فإن قلت: قد جازت القراءة في هذا القرآن مع ما لحقه من التغيير؟

قلت: قد روى في الأخبار أنهم عليهم السلام أمروا شيعتهم بقراءتهم هذا القرآن الموجود بأيدي الناس في الصلاة وغيرها والعمل بأحكامه حتى يظهر مولانا صاحب الزمان فيرتفع هذا القرآن من أيدي الناس إلى السماء ويخرج القرآن الذي ألفه أمير المؤمنين عليه السلام فيقرأ ويعمل بأحكامه .. والأخبار الواردة بهذا المضمون كثيرة جداً" (3).

وأخيراً ننقل ما ذكره المفسر الشيعي المشهور السيد هاشم البحراني المتوفى عام 1108هـ:

اعلم أن الحق الذي لا محيص عنه بحسب الأخبار المتواترة الآتية وغيرها أن هذا القرآن الذي في أيدينا قد وقع فيه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء من التغييرات، وأسقط الذي جمعوه كثيراً من الكلمات والآيات، وإن القرآن المحفوظ عما ذكر، الموافق لما أنزله الله تعالى، ما جمعه علي عليه السلام وحفظه إلى أن وصل إلى ابنه الحسن عليه السلام، وهكذا إلى أن انتهى إلى القائم عليه السلام، وهو اليوم عنده صلوات الله عليه" (4).

(1) تذييل في الرد على هاشم الشامي ص13 وما بعد-ط كرمان إيران

(2)

تفسير الصافي المقدمة السادسة ج1 ص36

(3)

الأنوار النعمانية للجزائري ج2 ص363، 364

(4)

البرهان في تفسير القرآن مقدمة ص36

ص: 101

وبعد هذا كله لا نرى أن أحداً ينطلي عليه كذب القوم أو تخفى عليه عقيدتهم الحقيقية الأصلية ونسأل الله عز وجل أن يهدينا وإياهم إلى سواء السبيل، وجعلنا وإياهم ممن يستمع القول ويتبع أحسنه ويعرف الخطأ ولا يصر عليه ولا يعاند، بل يرجع إلى الحق والصواب.

ص: 102