المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الباب الخامس الشيعة الإثنا عشرية وعقائدهم ‌ ‌الفصل الأول الرجعة من الأفكار اليهودية المدسوسة بين - الرد على الدكتور عبد الواحد وافي في كتابه بين الشيعة وأهل السنة

[إحسان إلهي ظهير]

الفصل: ‌ ‌الباب الخامس الشيعة الإثنا عشرية وعقائدهم ‌ ‌الفصل الأول الرجعة من الأفكار اليهودية المدسوسة بين

‌الباب الخامس

الشيعة الإثنا عشرية وعقائدهم

‌الفصل الأول

الرجعة

من الأفكار اليهودية المدسوسة بين المسلمين والتي تولى كبر إثمها ابن اليهودية. البار بها عبد الله بن سبأ .. فكرة الرجعة، أي رجوع الأموات قبل البعث والنشور عند ظهور القائم الشيعي المعدوم المزعوم، من أئمتهم وأتباعهم، مع أعدائهم ومخالفيهم لينتقموا منهم ويشفوا صدورهم كما ذكر المجلسي خاتمة محدثي الشيعة:

ويرجع للدنيا يوم ظهور حضرة القائم عليه السلام مَن مَحَض الإيمان محضاً أو محض الكفر محضاً، فيرجع أعداؤه لينتم منهم في هذا العالم ويشاهدون من ظهور كلمة الحق وعلو كلمة أهل البيت ما أنكروه عليهم، فتكون رجعة الكفار لينالهم عقاب شديد" (1).

وهذا الاعتقاد كاد أن يكون من المجمع عليه عند الشيعة، لا خلاف بينهم في ذلك، ولم يشذ فيه أحد ممن يعتد به ويعتمد على قوله كما ذكر الحر العاملي مستدلاً على صحة الرجعة وإمكانها ووقوعها. بإجماع جميع الشيعة الإمامية وإطباق الشيعة الاثنى عشرية على صحة اعتقاد الرجعة فلا يظهر منهم مخالف يعتد به من العلماء السابقين ولا اللاحقين، وقد علم دخول المعصوم في هذا الإجماع بورود الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الأئمة عليهم السلام، الدالة على اعتقادهم بصحة

(1) حياة القلوب للمجلس ج3 فصل 35 ص303 نقلاً عن (عقيدة الشيعة) لدونالدس ط عربي

ص: 143

الرجعة حتى إنه قد ورد ذلك عن صاحب الزمان محمد بن الحسن المهدي عليه السلام في التوقيعات الواردة عنه وغيرها مع قلة ما ورد عنه في مثل ذلك من نسبة ما ورد عن آبائه عليهم السلام" (1).

ومثل ذلك ذكره أيضاً مفسر الشيعة القديم أبو علي الطبرسي في تفسيره تحت قول الله عز وجل: {ويوم نحشر من كل أمة فوجاً ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون} واستدل بهذه الآية على صحة الرجعة من ذهب إلى ذلك من الإمامية بأن قال: إن دخول من في الكلام يوجب التبعيض، فدل ذلك على أن اليوم المشار إليه في الآية يحشر فيه قوم دون قوم، وليس ذلك صفة يوم القيامة، الذي يقول فيه سبحانه:{ .. وحشرناهم فلم نغادر منهم أحداً} .

"وقد تظاهرت الأخبار عن أئمة الهدى من آل محمد صلى الله عليه وسلم في أن الله سيعيد عند قيا المهدي قوماً ممن تقدم موتهم من أوليائه وشيعته ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته ويبتهجوا بظهور دولته، ويعيد أيضاً قوماً من أعدائه لينتقم منهم وينالوا بعض ما يستحقونه من العذاب في القتل على أيدي شيعته والذل والخزي بما يشاهدون من علو كلمته .. على أن جماعة من الإمامية تأولوا ما ورد من الأخبار في الرجعة على رجوع الدولة والأمر والنهي دون رجوع الأشخاص وإحياء الأموات، وأولوا الأخبار الواردة في ذلك لما ظنوا أن الرجعة تنافي التكليف. وليس ذلك، لأنه ليس فيها ما يلجئ إلى فعل الواجب والامتناع من القبيح والتكليف يصح معها كما يصح مع ظهور المعجزات الباهرة والآيات القاهرة كفلق البحر وقلب العصا تعباناً وما أشبه ذلك، ولأن الرجعة لم تثبت بظواهر الأخبار المنقولة فيتطرق التأويل عليها، وإنما المعول في ذلك على إجماع الشيعة الإمامية وإن كانت الأخبار تعضده وتؤيده"(2).

وقبله قال بهذا القول الشريف المرتضى الملقب عند الشعة بعلم الهدى في جواب أسئلة سئل بها عن حقيقة الرجعة فأجاب:

(1) الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة للحر العاملي صاحب (وسائل الشيعة) ص34 ط المطبعة العلمية - قم - إيران

(2)

تفسير مجمع البيان لأبي علي الطبرسي ج4 ص234، 235

ص: 144

"بأن الذي تذهب إليه الشيعة الإمامية أن الله تعالى يعيد عند ظهور المهدي قوماً ممن تقدم موته من شيعته وقوماً من أعدائه"(1).

وقبله شيخ المرتضى وإمام متكلمي الشيعة وفقهائها، محمد بن النعمان الملقب بالمفيد قال:

اتفقت الإمامية على وجوب رجعة كثير من الأموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة" (2).

وقال في موضع آخر في مقالاته تحت عنوان (القول في الرجعة):

أقول: إن الله تعالى يرد قوماً من الأموات إلى الدنيا في صورهم التي كانوا عليها، فيعز منهم فريقاً ويذل فريقاً ويديل المحقين من المبطلين والمظلومين منهم من الظالمين، وذلك عند قيام مهدي آل محمد عليهم السلام وعليه السلام.

وأقول: إن الراجعين إلى الدنيا فريقان: أحدهما من علت درجته في الإيمان وكثرت أعماله الصالحات وخرج من الدنيا على اجتناب الكبائر والموبقات، فيريه الله عز وجل دولة الحق ويعزه بها ويعطيه من الدنيا ما كان يتمناه، والآخر من بلغ الغاية في الفساد وانتهى في خلاف المحقين إلى أقصى الغايات وكثر ظلمه لأولياء الله واقترافه السيئات، فينتصر الله تعالى لمن تعدى قبل الممات ويشفي غيظهم منه بما يحله من النقمات، ثم يصير الفريقان من بعد ذلك إلى الموت ومن بعده إلى النشور وما يستحقونه من دوام الثواب والعقاب، وقد جاء القرآن بصحة ذلك، تظاهرت به الأخبار، والإمامية بأجمعها عليه إلا شذاذ منهم تأولوا ما ورد فيه مما ذكرناه على وجه يخالف ما وصفناه" (3).

ونقف هنا برهة يسيرة لنلقي نظرة على مغالطة الدكتور وافي سواء وقع فيها أو أراد إيقاع الناس فيها حيث كتب تحت عنوان الرجعة:

(1) انظر أعيان الشيعة ج1 الجزء الأول ص132 الطبعة الأولى دمشق

(2)

انظر أوائل المقالات ص52

(3)

أوائل المقالات ص90

ص: 145

"للرجعة في عقيدة الشيعة الجعفرية مظهران:

النوع الأول: من الرجعة في عقائدهم وهو رجوع الإمام المهدي بمعنى ظهوره من مخبئه وهو موضع اتفاق عندهم، بل هو عماد مذهبهم.

وأما النوع الثاني: وهو رجعة الأبرار والأشرار رجعة مؤقتة فليس من العقائد المتفق عليها عندهم، بل إن كثيراً منهم لينكر هذا النوع من الرجعة" (1).

ثم كتب في الهامش: انظر أوائل المقالات وتصحيح الاعتقادات للشيخ المفيد، وهو من كبار شيوخهم" (2).

ويتلخص ردنا في النقاط التالية:

أولاً: إن السيد الدكتور لا يدري إطلاقاً مذهب الشيعة الجعفرية في الرجعة حيث قال: "إن رجعة الأبرار والأشرار رجعة مؤقتة فليس من العقائد المتفق عليها عندهم. بل إن كثيراً منهم لينكر هذا النوع من الرجعة" لأننا كما ذكرنا سابقاً وكما نحن بصدد ذكره أن الشيعة الجعفرية أو الإمامية أو الاثنى عشرية كلهم تقريباً متفقون على هذه العقيدة من أعيانهم وكبرائهم ومشائخهم من المحدثين والمفسرين والفقهاء والكلاميين.

وعلى ذلك قال الحر العاملي:

"فلا يظهر منهم مخالف يعتد به من العلماء السابقين واللاحقين، وقد علم دخول المعصوم في هذا الإجماع"(3).

وبذلك قال صدوق الشيعة ورئيس محدثيهم ابن بابويه القمي في كتابه الكلامي تحت عنوان (باب الاعتقاد في الرجعة):

"اعتقادنا يعني معشر الإمامية في الرجعة أنها حق"(4).

وقال الملا باقر المجلسي صاحب (بحار الأنوار) بعد سرد الأخبار الكثيرة عن الرجعة:

اعلم يا أخي أني لا أظن أنك قد ترتاب بعد ما مهدت وأوضحت لك بالقول في الرجعة التي أجمعت عليه الشيعة في جميع الأعصار واشتهرت

(1) بين الشيعة وأهل السنة ص57

(2)

الهامش رقم 47

(3)

انظر الإيقاظ من الهجعة ص34

(4)

نقلاً عن كتاب الهجعة ص39، 40

ص: 146

بينهم كالشمس في رابعات النهار .. وكيف يشك مؤمن بأحقية الأئمة الأطهار فيما تواترت عنهم من مائتي حديث رواها نيف وأربعون من الثقات العظام والعلماء الأعلام في أزيد من خمسين من مؤلفاتهم" (1).

ومثل ذلك قال الحر العاملي:

"ومما يدل على ثبوت الإجماع اتفاقهم على أحاديث الرجعة حتى إنه لا يكاد يخلو منه كتاب من كتب الشيعة، ولا تراهم يضعفون حديثاً واحداً منها، ولا يتعرضون لتأويل شيء منها، فعلم أنهم يعتقدون مضمونها لأنهم يضعفون كل حديث يخالف اعتقادهم أو يصرحون بتأويله وصرفه عن ظاهره"(2).

وقال أيضاً:

"ومما يدل على ذلك أيضاً كثرة النصوص الصريحة الموجودة في الكتب الأربعة وغيرها من الكتب المعتمدة .. ما يزيد على سبعين كتاباً قد صنفها عظماء الإمامية"(3).

وهذا يدل على أن السيد الدكتور مع ادعائه معرفة مذهب الشيعة لا يعرف عنه شيئاً.

أو. . . وإن بعض الظن إثم!!!

ثانياً: إن الدكتور وافي كتب على هامش الكلام: أوائل المقالات للشيخ المفيد وهو من كبار شيوخهم: كأنه يريد أن يفهم القارئ بأن هذا الكلام منقول عن المفيد الذي له مرتبته وشأنه لدى الشيعة.

ولا أدري كيف أبرر له موقفه هذا، وأجد له المعاذير؟.

(1) بحار الأنوار للمجلسي ج13 ص225 الطبعة الأولى المنقول من كتابنا (الشيعة والتشيع) ص360

(2)

الإيقاظ من الهجعة للحر العاملي المتوفى عام 1104 (الباب الثاني في الاستدلال على صحة الرجعة) ص42، 43

(3)

ص43 وما بعدها

ص: 147

مع العبارة الصريحة التي نقلناها عن المفيد التي لا غموض فيها ولا إشكال، "هل السيد الدكتور عجز عن فهم كلام المفيد، الذي يفهمه الصغير والكبير" بلا صعوبة أو مشقة؟

أم أن السيد الدكتور لم يعرف عن كتاب المفيد إلا اسمه، وذكر كتابه دون أن يراجعه أو ينظر ما فيه؟

أم علم وقرأ ولكنه .. معاذ الله أن يذهب بي الخيال إلى ما يريد أن يذهب إليه!.

وكلام المفيد واضح جلي كما ذكرناه آنفاً والذي قال في آخره:

"وقد جاء القرآن بصحة ذلك وتظاهرت به الأخبار، والإمامية بأجمعها عليه، إلا شذاذ منهم تأولوا ما ورد فيه مما ذكرناه على وجه يخالف ما وصفناه"(1).

وبعد هذا لا أستيطع أن أعلل كلام الدكتور الذي قال فيه: "إن رجعة الأبرار والأشرار رجعة مؤقتة، فليس من العقائد المتفق عليها عندهم، بل إن كثيراً منهم لينكر هذا النوع من الرجعة: ثم ينسب الكلام إلى (أوائل المقالات) للمفيد.

وإن دلّ هذا على شيء فإنما يدلّ على أن السيد الدكتور ومن حذا حذوه ممن تأثروا بدعوة التقريب في مصر يجهلون مذهب الشيعة وعقائدهم، ولا يعلمون عنه وعنها شيئاً مع ادعائهم العلم والمعرفة، ولا يرددون إلا كلمات ألقيت في مسامعهم مزورة مموهة من قبل المخادعين الماكرين (2) من الشيعة

(1) أوائل المقالات للمفيد ص89، 90

(2)

ويؤيد ذلك أيضاً ما سمعته من شريط أرسل إلى قريباً لأحد كبار الكتاب في مصر والدعاة إلى الإسلام، الذي نحسن الظن فيه حيث أنه ردد فيه مثل تلك الكلمات وبرأ ساحة الشيعة من كثير من المعتقدات التي يعتقدونها هم، وخطأ ناساً يتهمونهم باعتقاد التحريف في القرآن وعدم الاعتماد على السنة، وتكفير صحابة النبي وإتيان الفواحش باسم المتعة، وقال: إنها تهم باطلة بتهمهم بها جاهل غير عالم: مع أن حضرته نفسه جاهل في هذا عالم في غيره.

وما أقبح أن يدافع عالم من علماء السنة وعلم من أعلامها، ويبيح الصلاة خلفهم، وهم الذين يكفرون أبا بكر وعمر وعثمان وأمهات المؤمنين ويغلظون فيهم القول - كما سيأتي بيانه - وكما بيناه مفصلاً في كتابنا (الشيعة وأهل السنة) ولا يؤمنون بالقرآن ولا بالسنة النبوية، وينكرون العقائد الإسلامية الصحيحة ويؤمنون بالأفكار التي أسستها ووضعتها لهم اليهودية الأثيمة. فإنا لله وإنا إليه راجعون. وإلى الله المشتكى.

ألا يدري هذا العالم ومن يحذو حذوه أنه لا يوجد في الشيعة رجل واحد، نعم رجل واحد يدافع عن السنة وأسلافهم هذا الدفاع المميت في بلادهم، بل لا يوجد أحد منهم يقول لهم: لا تسبوا أصحاب رسول الله فإن قوماً من المسلمين يتألمون من فعلكم هذا: بل يوجد فيهم من يقول وهو محدثهم الكبير:

"وهؤلاء (أي أصحاب رسول الله) نتقرب إلى الله تعالى ورسوله ببغضهم، وسبهم، وبغض من أحبهم"(وصول الأخيار إلى أصول الأخبار) لمحدث الشيعة حسين العاملي المتوفى سنة 984 ص164

ص: 148

الذين ترددوا على مصر وعلى البلاد السنية الأخرى التي لم تبتل بالتشيع، ولم يحتج علماؤها ومفكروها إلى معرفة هذه الديانة التي لم تؤسس إلا على أفكار وآراء تعارض الآراء الإسلامية وأفكارها الصحيحة المستقاة من كتاب الله وسنة رسول الله، والمبنية عليهما تماماً.

ومعلوم أن نصوص الكتاب والسنة تخالف هذه العقيدة السخيفة أيضاً حيث أن لا ثواب ولا عقاب ولا جزاء ولا عطاء، ولا حساب ولا كتاب إلا يوم القيامة، وهو يوم الفصل ويوم الدين، يوم البعث ويوم النشور، ويوم الحشر، والآيات القرآنية الناطقة بهذه الحقائق الناصعة أكثر من أن تعد أو تحصى، ومنها ما ذكر فيها حكاية عن المذنبين:

{حتى إذا جاء أحده الموت قال رب ارجعون * لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون * فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون * فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون} (1).

وهذه الآية صريحة في معناها لا تحتمل التأويل أنه ليس بعد الموت إلا البرزخ إلى يوم البعث، ويوم البعث هو اليوم الذي يفصل فيه بين الصالحين وغير الصالحين، ويدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار.

وقال الله عز وجل مبيناً خلقة الإنسان وما إليه يصير في كلامه المحكم:

(1) سورة المؤمنون الآية 99 وما بعدها

ص: 149

{ولقد خلقنا الإنسان من سلاسة من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين * ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين} (1).

وقال الله عز وجل حكاية عن الكفار وأهل النار:

{وكانوا يقولون أئذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أئنا لمبعوثون * أبو آباؤنا الأولون * قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم} (2).

وقال تعالى:

{زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتعبثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير * فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا والله بما تعملون خبير * يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ومن يؤمن بالله ويعمل صالحاً يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم * والذي كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير} (3).

أي لا يكون البعث إلا يوم الجمع للحساب والكتاب ويوم دخول الجنة والنار، لا قبله.

ومثل ذلك قول الله عز وجل:

{وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور} (4).

أي لا يكون بعث من في القبور إلا يوم القيامة.

والآيات في هذا المعنى كثيرة جداً، وكذلك الأحاديث الشريفة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وإنها أي مسألة البعث في الدنيا تنافي العقل أيضاً كما فصل القول فيها في الكتب الكلامية.

(1) سورة المؤمنون الآية 12 وما بعدها

(2)

سورة الواقعة الآية 47 وما بعدها

(3)

سورة التغابن الآية 7 وما بعدها

(4)

سورة الحج الآية 7

ص: 150

ولكن الشيعة يعتقدون عكس ذلك ويقولون:

إذا آن قيام القائم ومطر الناس في جمادى الآخرة وعشرة أيام من رجب مطراً لم ير الناس مثله، فينبت الله به لحوم المؤمنين في أبدانهم في قبورهم، فكأني أنظر إليهم مقبلين من قبل جهينة ينفضون رءوسهم من التراب (1).

ويقولون:

إن الحسين عليه السلام يرجع إلى الدنيا مع خمسة وسبعين ألفاً من الرجال (2).

وأيضاً ما رووه عن جعفر أنه قال:

إن أمير المؤمنين عليه السلام يرجع مع ابنه الحسين عليه السلام رجعة، وترجع معه بنو أمية، معاوية وآل معاوية، وكل من قاتله، فيعذبهم بالقتل وغيره، ويرجع الله من أهل الكوفة ثلاثين ألفاً، ومن سائر الناس سبعين ألفاً، ويتلاقون في الحرب مع معاوية في ذلك المكان، ثم يحييهم الله سبحانه مرة فيعذبهم مع فرعون وآل فرعون اشد العذاب، ثم يرجع أمير المؤمنين عليه السلام مرة أخرى مع النبي صلى الله عليه وسلم وجميع الأنبياء عليهم السلام" (3).

وأكثر من ذلك أنهم قالوا:

لا يبعث الله نبياً ولا رسولاً إلا رد إلى الدنيا من آدم فهلم جراً حتى يقاتل بين يدي علي بن أبي طالب عليه السلام" (4).

هذا ولقد سردنا روايات كثيرة في هذا المعنى في كتابنا (الشيعة والتشيع فرق وتاريخ)، ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى ذلك.

وهذا يدل على أن عقيدة الرجعة عند الشيعة من العقائد المتفق عليها عندهم، ويعدونها من ضروريات المذهب كما صرح بذلك الحر العاملي (5).

(1) الإرشاد للمفيد ص363، إعلام الورى للطبرسي ص462، بحار الأنوار للمجلسي ج13 ص223، الصراط المستقيم للنباتي ج2 ص251

(2)

الأنوار النعمانية للجزائري ج2 ص98، 99

(3)

الأنوار النعمانية للجزائري ص103

(4)

تفسير العياشي ج1 ص281، البرهان ج1 ص295، وبحار الأنوار وغيره

(5)

انظر: الإيقاظ من الهجعة ص67، وتاريخ الإمامية وأسلافهم من الشيعة لعبد الله فياض ص170 - ط بيروت

ص: 151

ونقلوا عن جعفر بن محمد الباقر أنه قال:

"ليس منا من لم يؤمن بكرتنا - رجعتنا - ويستحل متعتنا"(1).

وقد ألفوا لإثبات هذه العقيدة كتباً كثيرة، منها:

(إثبات الرجعة) للملا باقر المجلسي المتوفى عام 1111هـ، و (إثبات الرجعة) لجمال الخوانساري المتوفى سنة 1125هـ، و (إثبات الرجعة) للحسن الحلي من علماء الشيعة في القرن السابع، و (إثبات الرجعة) لابن المطهر الحلي المتوفى سنة 726هـ، و (إثبات الرجعة) لمير محمد عباس التستري الهندي المتوفى سنة 1306هـ، و (إثبات الرجعة) لملا سلطان محمود من تلامذة المجلسي، و (إثبات الرجعة) لسليمان القطيفي المتوفى سنة 1266هـ، و (إثبات الرجعة) للفضل بن شاذان النيسابوري المتوفى سنة 260هـ، و (إثبات الرجعة) ليحيى البحراني، و (إثبات الرجعة) للميرزا حسن القمي، و (إثبات الرجعة) لمحمد رضا الطبسي، و (الإمامية والرجعة) لعبد الله رزاق الهمداني، و (الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة) للحر العاملي، و (بشارة الفرج) للملا فرج بن عاشور، و (تفريج الكربة عن المنتقم لهم في الرجعة) لمحمود فتح الله الكاظمي المتوفى سنة 1058هـ، و (الجوهر المنضود في إثبات رجعة الموعود) لأحمد بيان الأصفهاني، و (حياة الأموات بعد الموت) لأحمد البحراني المتوفى سنة 1131هـ، و (دحض البدعة من إنكار الرجعة) لمحمد علي السنقري، و (دلائل الرجعة) لغلام علي العقيقي، و (الرجعة أحاديثها المنقولة عن آل العصمة) لأحمد بن المحسن، و (الرجعة وظهور الحجة) للميرزا محمد مؤمن الاسترا آبادي المتوفى سنة 1088هـ، و (كتاب الرجعة) لمحمد بن مسعود العياشي صاحب تفسير العياشي المشهور، و (كتاب الرجعة) لابن بابويه القمي المتوفى سنة 381هـ، و (الرجعة) للملا حبيب الله الكاشاني المتوفى سنة 1340هـ، و (النجعة في إثبات الرجعة) لعلي النقي الهندي.

والجدير بالذكر أن هذه العقيدة أعني الرجعة مأخوذة من اليهودية أيضاً كما صرح بذلك جولدزيهر:

(1) من لا يحضره الفقيه لابن بابويه القمي ج3 ص458، وتفسير الصافي للكاشاني 1 ص347

ص: 152

"إن فكرة الرجعة ذاتها ليست من وضع الشيعة أو من عقائدهم التي اختصوا بها، ويحتمل أن تكون قد تسربت إلى الإسلام عن طريق المؤثرات اليهودية والمسيحية"(1).

وبمثل ذلك قال أحمد أمين:

"اليهودية ظهرت في التشيع بالقول بالرجعة"(2).

وهذا ظاهر لا يحتاج في إثباته إلى دليل حيث أن المؤرخين والكتّاب في الفرق والأديان صرحوا أن مؤسس الديانة الشيعية عبد الله بن سبأ هو الذي روج فيهم فكرة الرجعة، وهو أول من قال بها كما نقل الطبري:

"كان عبد الله بن سبأ يهودياً من أهل صنعاء، أمه سوداء فأسلم زمان عثمان، ثم تنقل في بلدان المسلمين يحاول ضلالتهم، فبدأ بالحجاز ثم البصرة ثم الكوفة ثم الشام، فلم يقدر على ما يريد عند أحد من أهل الشام فأخرجوه حتى أتى مصر فاعتمر فيهم فقال لهم فيما يقول:

العجب ممن يزعم أن عيسى يرجع ويكذب بأن محمداً يرجع؟ وقد قال الله عز وجل: إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد.

فمحمد أحق بالرجوع من عيسى، قال: فقبل ذلك عنه، ووضع لهم الرجعة فتكلموا فيها" (3).

ويوافق الطبري في هذا غيره من المؤرخين.

وبعد هذا لا يبقى مجال للشك على يهودية الفكرة.

وقبل أن ننتقل إلى موضع آخر نقرر هنا أن القوم لا يعتقدون بالرجعة فحسب، بل يتجاوزونها إلى التناسخ حيث أوردوا روايات كثيرة عن أئمتهم المعصومين حسب زعمهم في ذلك المعنى، منها ما رووا أن أبا جعفر الملقب بمؤمن الطاق عند الشيعة، وشيطان الطاق عند الآخرين

(1) العقيدة والشريعة ص215

(2)

فجر الإسلام ص276

(3)

تاريخ الطبري ج5 ص98، ومثل ذلك في (مقالات الإسلاميين) للأشعري - ج1 ص50 الهامش - ط مصر

ص: 153

لقي يوماً من الأيام أبا حنيفة نعمان بن ثابت الإمام رحمه الله، فسأله أبو حنيفة: إنكم تقولون بالرجعة؟

قال: نعم.

قال أبو حنيفة: فأعطني الآن ألف درهم حتى أعطيك ألف دينار إذا رجعنا.

قال الطاقي لأبي حنيفة: فأعطني كفيلاً بأنك ترجع إنساناً ولا ترجع خنزيراً" (1).

وقد روى النجاشي أنه قال له:

أريد ضميناً يضمن لي أنك تعود إنساناً، فإني أخاف أن تعود قرداً فلا أتمكن من استرجاع ما أخذت مني" (2).

ومثل هذا كثير.

أما محاولة الدكتور علي عبد الواحد واقي وضع هذه العقيدة السخيفة، يهودية الأصل بجانب عقيدة أهل السنة بالمهدي المنتظر فليس إلا عبثاً محضاً.

وكذلك حكمه على الأحاديث الكثيرة عن ذلك المهدي بأن كثيراً منها موضوع، وما بقي منها ضعيف كل الضعف فليس إلا حكماً جائراً غير صحيح لدى المحققين والنقاد المهرة من أهل السنة.

(1) الاحتجاج للطبرسي المتوفى سنة 620هـج2 ص148، أيضاً الإيقاظ من الهجعة للحر العاملي ص66

(2)

رجال النجاشي ص288، الإيقاظ ص67

ص: 154