الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثالث
الشيعة الإثنا عشرية والسُّنة النبوية
إن الأصل الثاني من أصول الشريعة الإسلامية هو السنة. أي ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً أو فعلاً أو تقريراً. وقد أمرنا بالتمسك بها { .. وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب} (1).
وإن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الناطق بالوحي {وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى} (2).
وعلى ذلك جعلت طاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله {من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً} (3).
ولذلك قرنت إطاعة الرسول بإطاعة الله {أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون} (5).
والآيات في هذه المعنى كثيرة جداً، ومنكر السنة النبوية الثابتة عن كافر، كما أن منكر القرآن خارج عن الملة الإسلامية، لأن السنة بيان للقرآن وتوضح وشرح له وتفسير لمعانيه ومطالبه { .. وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} (6).
(1) سورة الحشر الآية7
(2)
سورة النجم الآية3
(3)
سورة النساء الآية80
(4)
سورة النساء الآية 115
(5)
سورة الأنفال الآية20
(6)
سورة النحل الآية44
وعلى ذلك قال الإمام ابن حزم الأندلسي:
لو أن امرأ قال: لا نأخذ إلا بما وجدنا في القرآن لكان كافراً بإجماع الأمة" (1).
وقال:
إنما احتججنا في تكفيرنا من استحل خلاف ما صح عنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول الله تعالى مخاطباً لنبيه صلى الله عليه وسلم:
{فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً} (2).
فكل ما يصدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويثبت عنه صدوره، منكره لا يكون مؤمناً بنص القرآن.
وهذا الموضوع له تفصيل في محله لا نريد الإطناب فيه ههنا.
ومحل الشاهد في هذا المبحث أن السنة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام لها منزلتها ومكانتها في التشريع الإسلامي، كما أنها من الأسس التي تحسم النزاعات الدينية والمذهبية حسب قول الله عز وجل:
ولكن الشيعة لا يقرون بهذا الأصل الثاني مثل عدم إقرارهم بالأصل الأول، وبنفس النقول والحيل، وبنفس المقولات والعلل.
فإنهم يقولون: إن السنة النبوية منقولة عن طريق أصحاب محمد صلوات الله وسلامه عليه، وإن أصحابه ارتدوا كلهم بما فيهم سادة بني هاشم وغيره من الأنصار والمهاجرين إلا ثلاثة: مقداد، وأبو ذر، وسلمان، وهؤلاء لم يرو عنهم إلا القليل بل وأقل من القليل، وأما البقية فلا يطمئن إليهم ولا إلى مروياتهم لانقلابهم على أعقابهم إلى الكفر - نعوذ بالله من ذلك ونستغفر
(1) الإحكام في أصول الأحكام
(2)
سورة النساء الآية65
(3)
سورة النساء الآية59
الله من الكذب المتعمد على الرسول - ولا يعتمد عليهم ولا يوثق بأخباره، فإنها ساقطة، مكذوبة، موضوعة.
فكل حديث أو خبر نقل عن أحد من هؤلاء، أو ورد في سنده أحد ينتهج منهجهم ويتبع خطاهم يسقط من الاعتبار، فهذه قاعدة محكمة متينة في مصطلح الحديث عندهم، حتى أقر بذلك محمد الحسين آل كاشف الغطاء في كتابه الدعائي المشهور، الذي لم يكتبه إلا لخداع المسلمين أهل السنة تغطية للحقائق، وتعمية عليهم الصدق، حيث قال:
إنهم (الشيعة) لا يعتبرون بشيء من السنة أعني الأحاديث النبوية إلا ما صح لهم عن طريق أهل البيت عن جدهم يعني ما رواه الصادق عن أبيه الباقر عن أبيه زين العابدين عن الحسين السبط عن رسول الله سلام الله عليهم جميعاً، أما ما يرويه مثل أبي هريرة وسمرة بن جندب ومروان بن الحكم وعمران بن حطان الخارجي وعمرو بن العاس ونظائرهم فليس له عند الإمامية من الاعتبار مقدار بعوضة، وأمرهم أشهر من أن يذكر" (1).
وقد فصل القول في ذلك حسين بن عبد الصمد العاملي المتوفى سنة 984هـفي كتابه الذي كتبه في مصطلح الحديث (2) يقول فيه العاملي رداً على أهل السنة في تعديل الصحابة رضوان الله عيهم أجمعين:
وقد جازف أهل السنة كل المجازفة بل وصلوا إلى حد المخارفة فحكموا بعدالة الصحابة من لابس منهم الفتن ومن لم يلابس، وقد كان فيهم المقهورون على الإسلام، والداخلون على غير البصيرة، والشكاك، كما وقع من فلتات ألسنتهم الكثير. بل كان فيهم المنافقون، كما أخبر به الباري جل ثناؤه، وكان فيهم شاربو الخمر، وقاتلو النفس، وفاعلو الفسق والمنكرات، كما نقله عنهم، وما نقلنا نحن بعضه فيما سبق من صحاحهم من الأحاديث المتكثرة المتواترة المعنى يدل على ارتدادهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فضلاً عن
(1) أصل الشيعة وأصولها ص79 - ط مؤسسة الأعلمي ببيروت
(2)
ويعد الشيعة كتابه هذا ثاني مؤلف في علوم الحديث لديهم، وقد سبقه في ذلك أستاذه الملقب بالشهيد الثاني. (انظر رياض العلماء)
فسقهم - ثم قال -: إن الصحابة على ثلاثة أقسام: معلوم العدالة (1)، ومعلوم الفسق، ومجهول الحال، أما معلوم العدالة فكسلمان والمقداد وممن لم يمل عن أهل البيت طرفة عين ..
وأما معلوم الفسق والكفر فكم مال عن أهل البيت وأظهر لهم البغض والعداوة والحرب، فهذا يدل على أنه لم يكن آمن، بل كان منافقاً أو أنه ارتد بعد النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الأخبار الصحيحة عندهم، لأن من يحب النبي صلى الله عليه وسلم لا يبغض ولا يحارب أهل بيته الذين أكد الله ورسوله كل التأكيد في مدحهم والوصية بهم والتمسك بحبهم .. وهؤلاء نتقرب إلى الله تعالى ورسوله ببغضهم وسبهم وبغض من أحبهم - ومن هم يا ترى؟ - والإجابة نقلاً عن علي -: هم الذين - بقوا بعده (رسول الله صلى الله عليه وسلم) فتقربوا إلى أئمة الضلالة والدعاة إلى الضلال بالزور والكذب والبهتان، فولوهم الأعمال وحملوهم على رقاب الناس وأكلوا بهم أموال الدنيا، وإنما الناس مع الملوك والدنيا إلا من عصمه الله" (2).
وتكفير عثمان: بأنه كان يحكم بغير ما أنزل الله" (3).
وتكفير معاوية: على أنه كان يحمل غلاً كامناً، وكفراً باطناً" (4).
وتكفير عائشة أم المؤمنين: حيث كذب على النبي أن رسول الله قام خطيباً فأشار نحو مسكن عائشة وقال:
(1) ومعروف أن الرواية لا تقبل إلا عن معلوم العدالة كما عرف المؤلف المذكور: الصحيح، هو ما اتصل سنده بالعدل الإمامي الضابط مثله حتى يصل إلى المعصوم من غير شذوذ ولا علة. انظر: كتاب وصول الأخيار إلى أصول الأخبار ص93 - ط مطبعة الخيام قم سنة 1401هـ
(2)
وصول الأخيار إلى أصول الأخبار تحسين العاملي ص162 وما بعد
(3)
انظر: صفحة 78
(4)
انظر: صفحة79
" الفتنه ههنا ثلاثاً ".
وأيضاً " خرج النبي صلى الله عليه وسلم من بيت عائشة وقال: رأس الكفر ههنا "(1).
وقال مقارناً بين علي وأولاده وبين أبي بكر وعمر وعثمان وأصحاب رسول الله عامة:
" قد أفادنا الكتاب العزيز، والسنة الثابتة عندهم، والأحاديث الصحيحة عندنا الكثيرة المستفيضة بل المتواترة معنى، والبراهين القاطعة المكررة في الكلام - أفادنا كل ذلك - علماً ضرورياً بعصمة الفرقة الأولى فضلا عن عدالتها، وبكفر الفرقة الثانية فضلا عن فسقها بحيث لا نشك فيه ولا نمترى.
ولو تنزلنا وسلمنا أنه - أعنى هذا الأمر - ليس كذلك لم نكن آثمين، حيث أن هذا هو الذي أدانا إليه اجتهادنا، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها ".
" والعجب أنهم جوزوا الاجتهاد في تخلف أبي بكر وعمر عن جيش أسامة وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم من تخلف عنه، وفي إحراقهما بالنار
بيت علي وفيه علي وفاطمة والحسنين وهو أهل البيت، الذين طهرهم الله، وحث النبي صلى الله عليه وسلم -على التمسك بهم وأكد في الوصية بهم، وفي سفك الصحابة بعضهم دم بعض، وسفك طلحة والزبير وعائشة دماء الأنصار والمهاجرين، وقتال أمير المؤمنين عليه السلام، وفي قتال معاوية وسفك دمه ودم من معه من الأنصار والمهاجرين، فكيف جوزوا الاجتهاد في كل هذا .. لأنفسهم .. ولم يجوزوا لأئمتنا وأكابر علمائنا الاجتهاد في سبهم والعدول عما نقلوه من أحكام الدين إلى ما نقلوه عن أهل البيت المطهرين بعدما نقلوه في شأن الفريقين من الأمر الواضح البين؟ ".
" وبالجملة لما رأينا الإله العظيم ورسوله الكريم قد مدحا أهل البيت وأمرا بالتمسك بهم كما ذكرناه وذما عامة أصحابه ونصا على ارتدادهم بعده بما نقلناه ازددنا تمسكاً بأهل البيت المطهرين الذين أخبر النبي - صلى الله عليه وآله - أن المتمسك بهم لن يضل أبداً، ونقلنا أحاديثهم وأخذنا معالم شرعنا عنهم
(1) ص 82 من الكتاب المذكور.
ورفضنا عامة أصحابه، وطرحنا ما تفردوا بنقله، إلا من علمنا من الصلاح كسلمان والمقداد وعمار بن ياسر وأبي ذر وأشباههم من أتقياء الصحابة وأجلائهم المقررين في كتب الرجال عندنا" (1).
ثم بيّن الحكم العام فقال:
"فصحح العامة كلها وجميع ما يروونه غير صحيح"(2).
وقد بالغوا في هذا إلى أن جاوزوا جميع الحدود حتى قالوا:
الأصل في التشريع عندهم هو مخالفة أهل السنة، وما روى عنهم وعن أعيانهم وعلى رأسهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يرونه من الرأي كما نقلنا ذلك سابقاً وكما سنذكره بعد قليل.
وبهذا يظهر أنهم لا يؤمنون بالأصل الثاني من أصول الشريعة الإسلامية وهو السنة، ولا تغتر بأنهم يدَّعون ذلك! فدعواهم في هذا لا تختلف عن دعواهم في الإيمان بالقرآن، لأن ما روي بطرقهم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزر يسير جداً أيضاً، وما روي عن جعفر عن باقر بن زين العابدين عن الحسين عن علي فهو أقل القليل، وصحاحهم الأربعة وكتبهم في الحديث الأخرى تشهد على ما قلناه.
وكذلك ما روي عن أصحاب النبي الصلاة الذين لم يرتدوا من بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمعين - حسب زعمهم - أي المقداد وأبي ذر وسلمان فلم يرووا عنهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتبهم أنفسهم إلا ما يعد على الأنامل.
أضف إلى ذلك أن جل المرويات بل كلها عن علي رضي الله عنه وعن هؤلاء الأصحاب الثلاثة ليست من قسم المتواتر بل هي أخبار آحاد.
والآحاد لا توجب العلم عند الشيعة قاطبة ولا العمل عند الجمهور، وهو الرأي الراجح عند الشيعة، لا كما ظنه السيد الدكتور وافي وصرح به في كتيبه (3) فيقول العاملي:
(1) وصول الأخيار إلى أصول الأخبار لحسين بن عبد الصمد العاملي ص84
(2)
وصول الأخيار إلى أصول الأخبار ص94
(3)
انظر: بين الشيعة وأهل السنة ص45
"ثم الأخبار، منها المتواتر: وهو ما رواه جماعة يحصل العلم بقولهم بعدم إمكان تواطئهم على الكذب عادة، ويشترط ذلك في كل طبقاتهم صحيحاً كان أو غير صحيح، وهو مقبول لوجوب العمل بالعلم، وهذا لا يكاد يعرفه المحدثون في الأحاديث لقلته .. وحديث الغدير متواتر عندنا"(1).
وأما الآحاد فقد قال شيخهم المفيد في ذلك في كتابه العقائدي المشهور تحت عنوان "القول في أخبار الآحاد":
"وأقول: إنه لا يجب العلم ولا العمل بشيء من أخبار الآحاد .. وهذا مذهب جمهور الشيعة وكثير من المعتزلة والمحكمة وطائفة من المرجئة وهو خلاف لما عليه متفقهة العامة (أي أهل السنة) وأصحاب الرأي"(2).
ومثل ذلك ذكر العاملي عن الشريف المرتضى الملقب بعلم الهدى عند الشيعة وجماعة من كبار العلماء حيث قال:
والسيد المرتضى رحمه الله تعالى وجماعة من كبار علمائنا منعوا من العمل به محتجين بعدم الدليل الدال على وجوب العمل به. وإذا لم يقم دليل على وجوب العمل لم يعمل به، كما أنه لم يقم دليل على وجوب صلاة سادسة. قالوا: وما نقلتموه من أن الصحابة ومن بعدهم كانوا يعملون بأخبار الآحاد، فهي أيضاً أخبار آحاد لا تفيد علماً، والعمل بخبر الواحد مسألة أصولية ولا يجوز أن يكون مستندها ظناً، فكيف تعلمون أن الله تعبّدكم بالعمل بخبر الواحد؟ وبعد التسليم بصدق هذه الأحاديث؟ إنما علم لكم أن الصحابة عملوا عندها لا بها. فجاز أن يكونوا تذاكروا بها نصاً أو تأيد بها عندهم دليل آخر، فالتساوي حاصل الشك، والتوقف فرض من فقد الدليل القاطع" (3).
وهذا مع أن رواة الشيعة الذين عليهم مدار نقل الأحاديث الشيعية رواة مختلفون في توثيقهم وتضعيفهم، فشخص واحد يوثق ويحكم بعدالته وهو نفسه يضعف ويحكم بفسقه بل كفره، لا من قبل المهرة والنقاد
(1) وصول الأخيار إلى أصول الأخبار ص92
(2)
أوائل لمقالات في العقائد والمختارات للمفيد ص139
(3)
رسول الأخيار إلى أصول الأخبار ص186
في الحديث والرجال بل من قبل المعصومين - حسب زعم الشيعة - أنفسهم، والذين عصمتهم:"كعصمة الأنبياء، وأنهم لا يجوز منهم صغيرة إلا ما قدم ذكر جوازه على الأنبياء، وأنه لا يجوز لهم سهو في شيء من الدين، ولا ينسون شيئاً من الأحكام، وعلى هذا مذهب سائر الإمامية"(1).
وخير مثال لذلك رواة الشيعة الأربعة الذين هم مدار الروايات الشيعية ومحورها.
وهم أقطاب الأحاديث وأوتادها لدى القوم، عليهم تدور رحى الروايات زرارة بن أعين، وأبو بصير الليث المرادي، ومحمد بن مسلم، وبريد بن معاوية العجلي، الذين قال فيهم إمام الشيعة السادس المعصوم - حسب زعمهم - جعفر بن الباقر:
"ما أجد أحداً أحيا زكرنا وأحاديث أبي إلا زرارة، وأبو بصير ليث المرادي، ومحمد بن مسلم، وبريد بن معاوية العجلي، ولولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا، هؤلاء حفاظ الدين وأمناء أبي على حلال الله وحرامه، وهم السابقون إلينا في الدنيا والسابقون إلينا في الآخرة"(2).
فانظر ماذا يقول فيهم القوم من توثيقهم وتضعيفهم، ومن المدح فيهم واللعن عيهم، فزرارة بن أعين قال فيه جميل بن دراج أحد رواة الشيعة المشهورين:
"ما كنا حول زرارة بن أعين إلا بمنزلة الصبيان في الكتاب حول المعلم"(3).
وقال فيه جعفر بن محمد الباقر:
"رحم الله زرارة بن أعين، لولا زرارة ونظراؤه لاندرست أحاديث أبي"(4).
(1) أوائل المقالات للمفيد ص74
(2)
رجال الكشي ص124، 125 - ط مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بالعراق تحت ذكر زرارة بن أعين
(3)
رجال الكشي ص123
(4)
رجال الكشي ص124
وقال فيه علي بن موسى الرضا - الإمام الثامن المعصوم لدى الشيعة: "أترى أحداً كان أصدع بحق من زرارة"(1).
وقال فيه النجاشي: "زرارة شيخ أصحابنا في زمانه ومتقدمهم، وكان قارئاً فقيهاً متكلماً شاعراً أديباً، قد اجتمعت فيه خلال الفضل والدين"(2).
وقال علي بن داود الحلي: "زرارة كان أصدق أهل زمانه وأفضلهم، قال فيه الصادق عليه السلام: "لولا زرارة لقلت إن أحاديث أبي لتذهب" (3).
ومثل ذلك قال ابن المطهر الحلي (4).
وقال الحائري: "أجمعت العصابة على تصديقه والانقياد له به"(5).
ومثل ذلك الزنجاني (6).
هذا - والكشي روى في كتابه عن علي بن أبي حمزة عن أبي عبد الله (جعفر) قال:
"قلت: الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم، قال (جعفر): أعاذنا الله وإياك من ذلك الظلم، قلت: ما هو؟
قال (جعفر): هو والله ما أحدث زرارة وأبو حنيفة وهذا الضرب.
قال: قلت: الزنا معه؟
قال: "الزنا ذنب"(7).
ومثل ذلك روي عن أبي بصير وعن هارون بن خارجة.
وروى الكشي أيضاً عن كليب الصيداوي أنهم كانوا جلوساً ومعهم عزافر الصيرفي وعدة من أصحابهم، معهم أبو عبد الله رضي الله عنه، قال:
(1) رجال الكشي ص130
(2)
رجال النجاشي ص125 - ط قم إيران
(3)
كتاب الرجال لابن داود الحلي ص156 - ط طهران
(4)
انظر: رجال العلامة الحلي ص76
(5)
جامع الرواة ج1 ص324
(6)
انظر الجامع في: الرجال ج1 ص789
(7)
رجال الشكي ص131، 132
فابتدع أبو عبد الله من غير ذكر لأبي زرارة فقال: "لعن الله زرارة، لعن الله زرارة، لعن الله زرارة ثلاث مرات"(1).
وروي أيضاً عن عمران الزعفراني (2)، سمعت أبا عبد الله رضي الله عنه يقول: ما أحدث أحد في الإسلام ما أحدث زرارة من البدع عليه لعنة الله" (3).
وعن ليث المرادي أنه قال: سمعت أبا عبد الله رضي الله عنه يقول:
"لا يموت زرارة إلا تائهاً"(4).
وروى عن القصير أنه قال:
"استأذن زرارة بن أعين وأبو الجارود، على أبي عبد الله رضي الله عنه قال: يا غلام! أدخلهما، فإنهما عجلا المحيا وعجلا الممات"(5).
وهذا هو زرارة الذي قالوا فيه:
"أفقه الأولين ستة، وأفقه الستة زرارة"(6).
وعدد من أصحاب محمد الباقر وأصحاب جعفر بن الباقر (7).
وأنه من أصحاب موسى بن جعفر الكاظم أيضاً (8).
فرجل كهذا الذي أدرك ثلاثة من الأئمة المعصومين حسب زعم الشيعة وروى عنهم، يختلفون فيه هذا الاختلاف، يوثقونه بأعلى ألفاظ التوثيق ويضعفونه بأدنى درجة التضعيف، مرة يقولون فيه: إن أبا عبد الله جعفر بن محمد الباقر - الإمام السادس المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى - قال له:
(1) رجال الكشي ص135
(2)
قد حاول بعض الشيعة التوفيق بين هذه الروايات بقوله: إن الروايات التي وردت في ذم زرارة والقدح فيه فإنها ضعيفة لوجود محمد بن عيسى في إسنادها. انظر: نقد الرجال للتفرشي ص137، مع أن أكثر الروايات التي ورد فيها الذم لزرارة والقدح فيه ليس في إسنادها محمد بن عيسى بل هي مروية بطرق متعددة كثيرة
(3)
رجال الكشي ص134
(4)
رجال الكشي ص134
(5)
رجال الكشي ص135
(6)
نقد الرجال للتفرشي ص137
(7)
انظر رجال البرقي ص14 و16، ورجال الطوسي ص123 و201
(8)
انظر: رجال الطوسي ص350، وكتاب الرجال للبرقي ص47
"يا زرارة! إن اسمك في أسامي أهل الجنة"(1).
وقال عن زرارة:
"أما ما رواه زرارة عن أبي جعفر فلا يجوز لي رده"(2).
ومرة قال فيه:
"زرارة شر من اليهود والنصارى ومن قال: إن الله ثالث ثلاثة، وقال: إن مرض فلا تعده، وإن مات فلا تشهد جنازته"(3).
وروى الكشي أيضاً عن ميسر أنه قال:
"كنا عند أبي عبد الله فمرت جارية في جانب الدار على عنقها قمقم قد نكسته، قال: فقال أبو عبد الله رضي الله عنه: فما ذنبي أن الله قد نكس زرارة كما نكست هذه الجارية هذا القمقم"(4).
وأما أبو جعفر أعني محمداً الباقر فكان يعتقد فيه بأنه من جواسيس الحكام وعيونهم عليه. وأنه يبلغ إليهم أخباره وأعماله كما روى الكشي أيضاً عن هشام بن سالم أنه قال:
"إن زرارة سأل أبا جعفر (محمداً الباقر) عليه السلام عن جوائز العمال؟ فقال: لا بأس به.
ثم قال (أبو جعفر محمد الباقر): إنما أراد زرارة أن يبلغ هشاماً - ابن عبد الملك - إني أحرم أعمال السلطان" (5).
وعلى ذلك كان يكره ابنه جعفر أن يدخل عليه زرارة كما روى الكشي عن الوليد بن صبيح قال:
"مررت بروضة من المدينة فإذا إنسان قد جذبني، فالتفت فإذا أنا بزرارة، فقال لي: استأذن لي على صاحبك، قال: فخرجت من المسجد ودخلت على أبي عبد الله عليه السلام فأخبرته الخبر، فضرب بيده على
(1) رجال الكشي ص122
(2)
رجال الكشي ص122
(3)
رجال الكشي ص142
(4)
رجال الكشي ص142
(5)
رجال الكشي ص139
صدره، ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: لا تأذن له، لا تأذن له، لا تأذن له، فإن زرارة يريدني على كبير السن، وليس من ديني ولا دين آبائي" (1).
وأما زرارة نفسه فكان يشك في علم جعفر بن الباقر وإمامته وإمامة ابنه موسى الكاظم كما روى الكشي صريحاً عن ابن مسكان أنه قال:
"سمعت زرارة يقول: رحم الله أبا جعفر، وأما جعفر فإن في قلب عليه لفتة"(2).
وكما روي عن زياد بن أبي الهلال في رواية طويلة أن زرارة قال له عن أبي عبد الله جعفر:
"صاحبكم هذا ليس له بصر بكلام الرجال"(3).
وأما موسى بن جعفر الملقب بالكاظم فمع أن الشيعة ورجالهم يعدون زرارة من أصحابه، لكن الكشي يصرح في عديد من الروايات أنه لم يعتقد بإمامته، ونورد هنا رواية عن نضر بن شعيب عن عمة زرارة قالت:
"لما وقع زرارة واشتد به قال:
ناوليني المصحف، فناولته وفتحته ووضعته على صدره وأخذه مني، ثم قال:
يا عمة! اشهدي أن ليس لي إمام غير هذا الكتاب" (4).
فهذا هو أحد أساطين الرواية في الحديث عند الشيعة وهذه هي أحواله من حيث التوثيق والتضعيف والتعديل والتجريح عند القوم أنفسهم وفي أم كتاب الرجال عندهم .. تلك التي تناول تراجم الرواة والمحدثين والعلماء لدى هذه الطائفة، والتي قالوا فيها: "أهم الكتب في هذا الموضوع من مؤلفات المتقدمين هي أربعة كتب، عليها المعول وهي الأصول الأربعة في هذا الباب، وهي:
(1) رجال الكشي ص142
(2)
رجال الكشي ص131
(3)
رجال الكشي ص133
(4)
رجال الكشي ص139
1ـ رجال الكشي.
2ـ رجال النجاشي.
3ـ رجال الطوسي.
4ـ الفهرست للطوسي.
وأقدم هذه الكتب الأربعة هو رجال الكشي" (1).
وأما الثاني فهو أبو بصير ليث المرادي، فقد قالوا فيه: إن جعفر بن محمد قال فيه وفي أصحابه:
"بشر المخبتين بالجنة: بريد بن معاوية العجلي، وأبا بصير البختري المرادي، ومحمد بن مسلم، وزرارة، أربعة نجباء، أمناء الله في حلاله وحرامه لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوة واندرست"(2).
"وكان هذا من أصحاب الباقر وأصحاب جعفر أيضاً كم ذكر ذلك البرقي في رجاله"(3).
"وعده من أصحاب موسى الكاظم أيضاً"(4).
ومثل ما روي عن جعفر فيه بأنه من المبشرين بالجنة، روى عن أبيه محمد الباقر أيضاً نفس ذلك.
وأنه لولاه لانقطعت آثار النبوةاندرست" (5).
وعده في القسم الأول من الرجال يعني من الثقات.
وذكره النجاشي أيضاً بأنه من أصحاب الباقر وجعفر بن الباقر، وله كتاب يرويه جماعة (6).
كما عده ابن المطهر الحلي من الثقات الذين يعتمد على روايتهم (7).
(1) مقدمة رجال الكشي للسيد أحمد الحسيني ص4
(2)
رجال الكشي ص152 تحت ذكر أبي بصير ليث المرادي
(3)
ص13 وص18، أيضاً رجال الطوسي ص134 وص278
(4)
ص358
(5)
كتاب الرجال لابن داود الحلي ص392، 393
(6)
رجال النجاشي ص225
(7)
رجال العلامة الحلي ص137
وكذلك التفرشي في كتابه، وقال: إنه من أصحابنا الإمامية (1).
ورووا عن ميل بن دراج أنه قال:
أوتاد الأرض وأعلام الدين أربعة: أحدهم ليث بن البختري المرادي (2).
كما ذكر القمي عن شعي العقرقوفي أنه قال:
"قلت لأبي عبد الله (ع): ربما احتجنا أن نسأل عن شيء؟ فمن نسأل؟ قال:
عليك بالأسدي يعني أبا بصير، والخبر في أعلى درجة الصحة (3).
وروى الكشي فيه عن داود بن سرحان أنه قال:
"إني لأحدث الرجال الحديث وأنهاه عن الجدال والمراء في دين الله، فأنهاه عن القياس فيخرج من عندي فيتأول حديثي على غير تأويله، إني أمرت قوماً أن يتكلموا، ونهيت قوماً، فكل يؤول لنفسه، يريد المعصية لله ولرسوله، فلو سمعوا وأطاعوا لأودعتهم ما أودع أبي أصحابه، إن أصحاب أبي كانوا زيناً، أحياء وأمواتاً، وأعني زرارة ومحمد بن مسلم ومنهم ليث المرادي وبريد العجلي، هؤلاء القوامون بالقسط، هؤلاء القوامون بالقسط، وهؤلاء السابقون أولئك المقربون"(4).
وأيضاً ما رواه عن شعيب العقرقوفي عن أبي بصير أنه قال:
"دخلت على أبي عبد الله (ع) فقال لي: حضرت علياً عند موته؟
قال: قلت: نعم! وأخبرني أنك ضمنت له الجنة وسألني أن أذكرك ذلك. قال: صدق. قال:
فبكيت، ثم قلت: جعلت فداك، فما لي ألست كبير السن الضعيف الضرير البصير المنقطع إليكم فاضمنها لي. قال:
قد فعلت. قال: قلت: اضمنها لي على آبائك وسميتهم واحداً واحداً. قال: فعلت. قلت:
(1) نقد الرجال للتفرشي ص287
(2)
جامع الرواة للحائري ج2 ص34
(3)
انظر: الكنى والألقاب ج1 ص18 - ط قم إيران
(4)
رجال الكشي ص152
فاضمنها لي على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: قد فعلت.
قال: قلت: اضمنها لي على الله تعالى. قال: فأطرق ثم قال: قد فعلت" (1).
هذا من جانب، وهذه المبالغة من ناحية، ومن ناحية أخرى روى فيه الكشي عن حماد الناب أنه قال:
"جلس أبو بصير على باب أبي عبد الله ليطلب الإذن، فلم يؤذن له، فقال أبو بصير:
لو كان معنا طبق لأذن. قال: فجاء كلب فشغر (2) في وجه أبي بصير، قال: أف أف، ما هذا؟
قال جليسه: هذا كلب شغر في وجهك" (3).
وروى الكشي: أنه كان يدخل بيوت الأئمة وهو جنب (4).
وكان أبو بصير هذا دائماً يتهم جعفر بن الباقر بجمعه للمال وحبه للدنيا، كما روى الكشي عديداً من الروايات في هذا المعنى، منها ما رواه عن ابن أبي يعفور أنه قال:
"خرجت إلى السواد أطلب دراهم للحج ونحن جماعة وفينا أبو بصير المرادي قال: قلت له:
يا أبا بصير! اتق الله وحج بمالك فإنك ذو مال كثير، فقال: اسكت فلو أن الدنيا وقعت لصاحبك لاشتمل عليها بكسائه" (5).
وأيضاً عن حماد بن عثمان أنه قال:
"خرجت أنا وابن أبي يعفور وآخر إلى الحيرة أو إلى بعض المواضع فتذكرنا الدنيا، فقال أبو بصير المرادي:
أما إن صاحبكم لو ظفر بها لاستأثر بها؟ قال: فأغفى، فجاء كلب
(1) رجال الكشي ص152
(2)
شغر الكلب: رفع رجله ليبول
(3)
رجال الكشي ص155
(4)
انظر: رجال الكشي ص152
(5)
رجال الكشي ص152
يريد أن يشغر عليه فذهبت لأطرده، فقال ابن أبي يعفور: دعه، فجاءه حتى شغر في أذنه" (1).
وكان لا يؤمن بإمامة موسى بن جعفر، كما كان يتهمه بعدم العلم ومعرفة الأحكام، كما روى الكشي أيضاً عن شعيب العقرقوفي عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة تزوجت ولها زوج، فظهر عليها قال: ترجم المرأة ويضرب الرجل مائة سوط لأنه لم يسأل. قال شعيب:
فدخلت على أبي الحسن - موسى بن جعفر - فقلت له: امرأة تزوجت ولها زوج؟
قال: ترجم المرأة ولا شيء على الرجل. قال: فلقيت أبا بصير فقتل: سألت موسى بن جعفر عليه السلام عن المرأة التي تزوجت ولها زوج. قال: ترجم المرأة ولا شيء على الرجل. قال (شعيب): فمسح صدره وقال (أبو بصر): ما أظن صاحبنا تناهى حكمه بعد" (2).
وفي رواية أخرى: فضرب بيده على صدره يحكها وقال: "أظن صاحبنا ما تكامل علمه"(3).
وروى الكشي عن علي بن الحسن بن فضال أنه قال:
"إن أبا بصير كان مختلطاً"(4).
وأخيراً ما قاله ابن الغضايري: "كان أبو عبد الله عليه السلام يتضجر به ويتبرم، وأصحابه يختلفون في شأنه"(5).
فهذا هو الرجل الثاني من رواة الشيعة الكبار ونقله أحاديثهم، تضاربت فيه الآراء وتعارضت فيه الأقوال، حتى لا يدرى على أيها يعتمد: على توثيق الرجل وصحة مروياته، أم على تضعيف الرجل وعدم وثاقته وخطأ الاعتماد على مروياته وأخباره؟.
(1) رجال الكشي ص154
(2)
رجال الكشي ص153، 154
(3)
رجال الكشي ص154
(4)
رجال الكشي ص155
(5)
جامع الرواة للأردبيلي الحائري ج2 ص34
وأما الثالث فمحمد بن مسلم ليس شأنه وحاله بأحسن من أحوالهم، كما أن الآراء المتعارضة ليست بأقل مما ذكرت وسردت فيهما، فهذه هي مقولات القوم فيه، فيقول النجاشي:
"محمد بن مسلم بن رباح أبو جعفر الأوقسي الطحان مولى ثقيف الأعور، وجه أصحابنا بالكوفة، فقه ورع، صحب أبا جعفر وأبا عبد الله عليهما السلام وروى عنهما، وكان من أوثق الناس لهما"(1).
وذكره الطوسي أيضاً أنه من أصحاب الباقر (2).
ومن أصحاب جعفر بن الباقر أيضاً (3).
كما ذكره البرقي أيضاً من أصحابهما (4).
وذكره ابن داود في القسم الأول من الموثوقين (5).
وذكر ابن المطهر الحلي نقلاً عن الكشي: أن محمد بن مسلم من حواري أبي جعفر محمد بن علي وابنه جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام" (6).
وهو الذي روى فيه الكشي كما سبق أن جعفر بن محمد قال: إنه من النجباء الأربعة الذين حفظوا آثار النبوة وأخبارها، كما روى الكشي أيضاً أنه روى عن أبي جعفر محمد الباقر ثلاثين ألف حديث، وروى عن ابنه جعفر ستة عشر ألف حديث (7).
وأيضاً ما رواه عن هشام بن سالم أنه قال:
أقام محمد بن مسلم بالمدينة أربع سنين يدخل على أبي جعفر عليه السلام يسأله، ثم كان يدخل على جعفر بن محمد يسأله. قال أبو أحمد:
(1) رجال النجاشي ص226
(2)
رجال الطوسي ص135
(3)
رجال الطوسي ص300
(4)
انظر: كتاب الرجال للبرقي ص9، 17
(5)
كتاب الرجال للمحلي ص336
(6)
رجال العلامة الحلي ص150
(7)
انظر: رجال الكشي ص146
"فسمعت عبد الرحمن بن الحجاج وحماد بن عثمان يقولان: ما كان أحد من الشيعة أفقه من محمد بن مسلم"(1).
وروى التفرشي عن الكشي أيضاً عن عبد الله بن أبي يعفور قال: "قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إنه ليس كل ساعة ألقاك، ويمكن القدوم ويجيء الرجل من أصحابنا وليس عندي كل ما يسألني عنه. قال:
فما يمنعك من محمد بن مسلم الثقفي، فإنه سمع من أبي وكان عنده وجيهاً" (2) فهذا هو محمد بن مسلم، وهذه هي مكانته وهذا هو شأنه.
ولكن هناك ما يعارض هذا الرأي ويخالفه كما رواه الكشي أيضاً عن مفضل بن عمر أنه قال:
سمعت أبا عبد الله يقول:
"لعن الله محمد بن مسلم، كان يقول: إن الله لا يعلم الشي حتى يكون"(3).
وأيضاً ما رواه عن أبي الصباح أنه قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:
"يا أبا الصباح! هلك المتريثون (4) في أديانهم، منهم: محمد بن مسلم"(5).
وكذلك قال جعفر بن محمد في زرارة ومحمد بن مسلم:
"إنهما ليسا بشيء في ولايتي"(6).
وأما الرابع وهو يريد بن معاوية فهو أيضاً من أصحاب الباقر وجعفر بن الباقر (7).
ذكر فيه الكشي عن جعفر بن محمد أنه كان يقول:
(1) رجال الكشي ص149، 150
(2)
نقد الرجال للتفرشي ص333، 334
(3)
رجال الكشي ص155
(4)
الظاهر أن الصحيح المستريبون أي الذين يشكون في أديانهم
(5)
رجال الكشي ص156
(6)
رجال الكشي ص151
(7)
انظر: رجال الطوسي ص108، 158، أيضاً كتاب الرجال للبرقي ص14، 17
"أوتاد الأرض وأعلام الدين أربعة، أحدهم بريد بن معاوية"(1)، وروى أيضاً عنه أنه قال:
"ما أجد أحداً أحيا ذكرنا وأحاديث أبي إلا زرارة وأبو بصير ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية العجلين ولولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا، هؤلاء حفاظ الدين وأمناء أبي على حلال الله وحرامه، وهم السابقون إلينا في الدنيا والسابقون إلينا في الآخرة"(2).
وأيضاً "هؤلاء القوامون بالقسط، هؤلاء قوامون بالصدق، هؤلاء السابقون أولئك المقربون"(3).
ثم الكشي هذا يروي عن أبي سيار قال: سمعت أبا عبد الله عيه السلام يقول: "لعن الله بريداً ولعن الله زرارة"(4).
وروى أيضاً عن عبد الرحيم القصير أنه قال:
"قال أبو عبد الله عليه السلام: ائت زرارة وبريداً وقل لهما: ما هذه البدعة؟ أما علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كل بدعة ضلالة"، فقلت له: إني أخاف منهما، فأرسل معي ليثاً المرادي، فأتينا زرارة فقلنا له ما قال أبو عبد الله عليه السلام، فقال: والله لقد أعطاني الاستطاعة وما شعر، وأما بريد فقال: والله لا أرجع عنها أبداً"(5).
فهؤلاء هم رواة الأحاديث الشيعية الأربعة، عليهم تدور رحى أخبارهم وأحاديثهم، يختلفون فيهم هذا الاختلاف الشديد ويسردون فيهم الآراء المتعارضة المتناقضة، وكلها من المعصومين، روايات تثبت عدالتهم وتوثيقهم وتنص على صحة عقيدتهم وكونهم من أهل الجنة، وروايات تنقى عنها كل هذا وتنص على فسقهم وكونهم ملعونين على لسان المعصومين، بل وكفرهم وكونهم من أهل النار!!.
(1) رجال الكشي
(2)
رجال الكشي ص125
(3)
رجال الكشي ص207
(4)
رجال الكشي ص208
(5)
رجال الكشي ص208
فمن يك هذا شأنهم، وهذه أحواله، فبأي شيء يحكم على مروياتهم وأخبارهم التي رووها؟!
إنما هم نماذج اخترناها من بين الكثيرين، الكثيرين ممن لا يقل وصفهم بالتعديل والتجريح وبالتوثيق والتضعيف وبالتبشير والتكفير عن هؤلاء الأربعة الذين هم أبرز الرواة قاطبة من بين رواة الشيعة، وقد أدركوا زمن الأئمة الثلاثة من بين الأئمة الاثنى عشر لدى الشيعة، ويعدون من كبار أصحابهم ونقلة آثارهم، فبأي شيء يحكم على الأحاديث الشيعية من جهة القبول والرد، ومن جهة الصحة والضعف؟
وعلى أية قاعدة مطردة تبنى الأحكام، وعلى أي أسس توضع المصطلحات؟
فهل من مفكر يتفكر؟ ومدبر يتدبر؟.
إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار.
وببيان هذه الأشياء كلها وتفصيل القول فيها يظهر بأن معتقد الشيعة في الأصل الثاني للشريعة الإسلامية لا يختلف عن معتقدهم في الأصل الأول، بل ويزيد الأمر خطورة أنهم لا يعتقدون بهذا الأصل الثاني إطلاقاً فعلاً، ولو أنهم يدعون الاعتقاد به قولاً، لأنهم زيادة على ما ذكرناه يجعلون لدليل العقل تأثيراً في قبول الحديث ورده.
ولشيخ طائفة الشيعة الطوسي بحث مشهور في هذا الموضوع وقد يروون في ذلك روايات كثيرة، وبهذه الروايات بدأ الكليني كتابه (الكافي) مع أن المعروف أن العقل قاصر عن إدراك كنه كثير من الأحكام الإلهية الربانية.
ولأن العقول متفاوتة متفاضلة، يقص بعضها عن إدراك ما تدركه الأخرى، فأي عقل يكون حكماً في الموضوع؟ ولمن تكون الحجة حينذاك؟.
ويظهر من هذا كله أن الذين وضعوا (الديانة) الشيعية لم يضعوها إلى لمخالفة المسلمين كلهم ومخالفة ما يؤمنون به من القرآن والسنة، وما يعتقدون به من الآراء والأفكار كي لا يتحدوا ويتفوقا معهم يوماً من الأيام ولا تجمع كلمتهم ويتألف شملهم، وعلى ذلك اختلقوا روايات كثيرة على لسان أئمتهم - كذباً عليهم - أن على الشيعة أن يخالفوا المسلمين في جميع الأمور حتى جعلوا هذه
المخالفة أصلاً من أصول المذهب وأساساً من أسسه كما رواه ابن بابويه القمي عن علي بن أسباط أنه قال:
"قلت للرضا عليه السلام: يحدث الأمر لا أجد بداً من معرفته، وليس في البلد الذي أنا فيه من أستفتيه من مواليك؟
قال: فقال: إيت فقيه البلد فاستفته في أمرك، فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه فإن الحق فيه" (1).
ورووا أيضاً عن الحسين بن خالد عن الرضا أنه قال:
"شيعتنا، المسلمون لأمرنا، الآخذون بقولنا، المخالفون لأعدائنا، فمن لم يكن كذلك فليس منا"(2).
وروى أيضاً عن المفضل بن عمر أنه قال عن جعفر بن محمد الباقر:
كذب من زعم أنه من شيعتنا وهو متوثق بعروة غيرنا" (3).
وهناك روايات أخرى كثرة في هذا المعنى بلغت التواتر كما صرح بذلك محدث الشيعة وصاحب موسوعة حديثية شيعية كبرى (وسائل الشيعة) الحر العاملي بعد ذكر هذه الروايات وغيرها تحت باب مستقل بعنوان (باب عدم جواز العمل بما يوافق العامة وطريقتهم):
أقول: والأحاديث في ذلك متواترة .. فمن ذلك قول الصادق عليه السلام في الحديثين المختلفين:
اعرضوهما على أخبار العامة، فما وافق أخبارهم فذروه، وما خالف أخبارهم فخذوه.
وقوله عليه السلام (يعني جعفر بن الباقر):
إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فخذوا بما خالف القوم.
وقوله عليه السلام:
(1) عيون أخبار الرضا لابن بابويه القمي ج1 ص275 - ط طهران، ومثله في (التهذيب) للطوسي
(2)
الفصول المهمة في أصول الأئمة للحر العاملي ص225 - ط مكتبة بصيرتي قم إيران
(3)
الفصول المهمة في أصول الأئمة للحر العاملي ص225 - ط مكتبة بصيرتي قم إيران
ما خالف العامة ففيه الرشاد.
قوله عليه السلام:
خذ بما فيه خلاف العامة.
وقوله عليه السلام:
ما أنتم والله على شيء مما هم فيه، ولا هم على شيء مما أنتم فيه، فخالفوهم، فما هم من الحنيفية على شيء.
وقوله عليه السلام:
والله ما جعل الله لأحد خيرة في اتباع غيرنا، وإن من وافقنا خالف عدونا، ومن وافق عدونا في قول أو عمل فليس منا ولا نحن منه.
وقول العبد الصالح عليه السلام في الحديثن المختلفين:
خذ بما خالف القوم، وما وافق القوم فاجتنبه.
وقول الرضا عليه السلام:
إذا ورد عليكم خبران متعارضان فانظروا إلى ما يخالف منهما العامة فخذوه، وانظروا بما يوافق أخبارهم فدعوه.
وقول الصادق عليه السلام:
"والله ما بقي في أيديهم شيء من الحق إلا استقبال الكعبة فقط"(1).
وبعد ذكر هذه الروايات رد على بعض المتأخرين فمن يظن بأن الأخبار في هذا المعنى لا تخرج عن كونها آحاداً، وقال:
"والأحاديث .. قد تجاوزت حد التواتر، فالعجب من بعض المتأخرين حيث ظن ان الدليل هنا خبر واحد .. واعلم أنه يظهر من هذه الأحاديث المتواترة بطلان أكثر القواعد الأصولية المذكورة في كتب العامة"(2).
وأما علة مخالفة المسلمين في معتقداتهم ومروياتهم فيذكرها ابن بابويه القمي الملقب بالصدوق عند الشيعة في كتابه (علل الشرائع) تحت باب (العلة التي من أجلها يجب الأخذ بخلاف ما تقوله العامة):
(1) الفصول المهمة في أصول الأئمة للحر العاملي ص325، 326
(2)
الفصول المهمة في أصول الأئمة للحر العاملي ص325، 326
عن أبي إسحاق الأرجاني رفعه قال:
قال أبو عبد الله عليه السلام: أتدري لم أمرتم بالأخذ بخلاف ما تقوله العامة؟ فقلت: لا ندري، فقال:
"إن علياً عليه السلام لم يكن يدين الله بدين إلا خالف عليه الأمة إلى غيره إرادة لإبطال أمره، وكانوا يسألون أمير المؤمنين عليه السلام عن الشيء الذي لا يعلمونه، فإذا أفتاهم جعلوا له ضداً من عندهم ليلبسوا على الناس"(1).
فتلك هي المؤامرة، وهذه هي حصيلتها، أي إنكار كل ما يؤمن به المسلمون، قرآناً كان أم سنة. وأكثر من ذلك أن الشيعة بتصريحهم أنفسهم لا يجتمعون مع المسلمين على الإله، ولا على نبي، ولا على إمام كما صرح بذلك كبيرهم نعمت الله الجزائري بقوله:
"إنا لا نجتمع معهم على الإله، ولا على نبي، ولا على إمام، وذلك أنهم يقولون: إن ربهم هو الذي كان محمد صلى الله عليه وسلم نبيه، خليفته بعده أبو بكر، ونحن لا نقول بهذا الرب، ولا بذلك النبي، بل نقول: إن الرب الذي خليفة نبيه أبو بكر ليس ربنا، ولا ذلك النبي نبينا"(2).
فالعبارة واضحة جلية في معناها لا تحتاج إلى بيان وتفسير وتفهيم من يظن من مخدوعي أهل السنة بأباطيل الشيعة وأكاذيبهم بأن الخلاف بينهم وبين المسلمين أهل السنة اختلاف يسير لا يخرج عن حيز الاجتهاد المسموح به (3)
وليس كما يقوله السيد الدكتور في مبحثه (الشيعة والسنة النبوية):
"ولجميع هذه الآراء أشباه ونظائر كثيرة في آراء أهل السنة أنفسهم وليس منها ما يمكن أن يوصف صاحبه بزيغ أو انحراف"(4).
إن الأمر ليس كما وصفت أيها السيد! الدكتور منحنا الله وإياك قلباً نفقه به، وأعيناً نبصر بها، وآذاناً نسمع بها .. وما ذلك على الله بعزيز .. لأن الحكمة ضالة المؤمن فهو أحق بها حيث وجدها.
فمن يرد الله أن يهديه يشح صدره للإسلام.
(1) علل الشرائع لابن بابويه القمي ص531 ط - إيران
(2)
الأنوار النعمانية باب نور في حقيقة دين الإمامية وأنه يجب اتباعه دون غيره ج2 ص278 - ط جديد تبريز إيران
(3)
بين الشيعة وأهل السنة مقدمة ص4
(4)
بين الشيعة وأهل السنة ص47