المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بيان علاج الحرص والطمعوالدواء الذي تكتسب به صفة القناعة - الرزق أبوابه ومفاتحه

[عبد الملك بن قاسم]

الفصل: ‌بيان علاج الحرص والطمعوالدواء الذي تكتسب به صفة القناعة

‌بيان علاج الحرص والطمع

والدواء الذي تكتسب به صفة القناعة

اعلم أن هذا الدواء مركب من ثلاثة أركان:

الصبر، والعلم، والعمل، ومجموع ذلك خمسة أمور:

الأول: الاقتصاد في المعيشة، والرفق في الإنفاق، فمن أراد القناعة، فينبغي أن يسد عن نفسه أبواب الخرج ما أمكنه، ويرد نفسه إلى ما لا بد له منه، فيقنع بأي طعام كان، وقليل من الإدام، وثوب واحد، ويوطن نفسه على ذلك، وإن كان له عيال، فيرد كل واحد إلى هذا القدر.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما عال من اقتصد» (1) وفي حديث آخر: «التدبير نصف العيش» ، وفي حديث آخر:«ثلاث منجيات: خشية الله -تعالى- في السر والعلانية، والقصد في الغنى والفقر، والعدل في الرضى والغضب» .

الثاني: إذا تيسر له في الحال ما يكفيه، فلا يكون شديد الاضطراب لأجل المستقبل، ويعينه على ذلك قصر الأمل، واليقين، بأن رزقه لا بد أن يأتيه، وليعلم أن الشيطان يعده الفقر.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن روح القدس نفث في روعي، أنه ليس من نفس تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا

(1) رواه أحمد.

ص: 57

يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله عز وجل، إنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته».

وإذا انسد عنه باب كان ينتظر الرزق منه، فلا ينبغي أن يضطرب قلبه، فإن في الحديث:«أبى الله أن يرزق عبده المؤمن إلا من حيث لا يحتسب» .

الثالث: أن يعرف ما في القناعة من عز الاستغناء، وما في الطمع والحرص من الذل.

وليس في القناعة إلا الصبر عن المشتهيات والفضول، مع ما يحصل له من ثواب الآخرة، ومن لم يؤثر عز نفسه عن شهوته، فهو ركيك العقل، ناقص الإيمان.

الرابع: أن يكثر تفكره في تنعم اليهود والنصارى وإرذال الناس، والحمقى منهم، ثم ينظر إلى أحوال الأنبياء والصالحين، ويسمع أحاديثهم ويطالع أحوالهم، ويخير عقله بين مشابهة أرذال العالمين، أو صفوة الخلق عند الله -تعالى- حتى يهون عليه الصبر على القليل، والقناعة باليسير، وأنه إن تنعم بالأكل فالبهيمة أكثر أكلاً منه، وإن تنعم بالوطء فالعصفور أكثر سفادًا منه.

الخامس: أن يفهم ما في المال من الخطر، كما ذكرنا في آفات المال، وينظر إلى ثواب الفقر، ويتم ذلك بأن ينظر أبدًا إلى من دونه في الدنيا، وإلى من فوقه في الدين، كما جاء في الحديث من رواية مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله

ص: 58

عليكم» (1).

وعماد الأمر: الصبر وقصر الأمل، وأن يعلم أن غاية صبره في الدنيا أيام قلائل لتمتع دائم، فيكون كالمريض الذي يصبر على مرارة الدواء لما يرجو من الشفاء.

كان الأوزاعي الفقيه كثيرًا ما يتمثل بهذه الأبيات:

المال ينفذ حله وحرامه

يومًا ويبقى بعده آثامه

ليس التقي بمتق لإلهه

حتى يطيب شرابه وطعامه

ويطيب ما يجني ويكسب آجله

ويطيب من لفظ الحديث كلامه

نطق النبي لنا به عن ربه

فعلى النبي صلاته وسلامه (2)

رزقنا الله جميعًا الرزق الحلال الطيب المبارك، وجعل ما في أيدينا عونًا على الطاعة، وغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

***

(1) رواه مسلم.

(2)

طبقات الحنابلة 1/ 405، أدب الدنيا ص 214.

ص: 59