الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوصية الثالثة: الرقية الشرعية من العين ووقوع أثرها أمام الصادق الأمين
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فلازال حديثنا موصولا عن إيراد الأحاديث الصحيحة في بيان مشروعية الرقية المشروعة، وسنتبعها كما وعدنا بذكر الأمور الممنوعة، لأن من وصايا الكتاب والسنة، وجوب المحافظة على عقيدة المسلم وذلك بإبعاده عن الشبه والأوهام التي تؤثر في إيمانه.
وقد تقدم في البحث الماضي، إيراد ما رواه البخاري في وقوع العين، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"العين حق، ونهى عن الوشم".
وذكرنا ما أورده الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرح الحديث عن المازري، وأن الجمهور أخذ بظاهر الحديث، ولم ينكر وقوع ذلك إلا طوائف من المبتدعة. ونبين لك أيها القارىء الكريم - ما يرد على هؤلاء المبتدعة، المنكرين لوقوع العين وتأثيرها، الرادين لهذا الحديث الصحيح وغيره بعقولهم، ما يثبت وقوعها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر صفة من صفات رقية العين، من رسول الله صلى الله عليه وسلم. يقول ابن حجر:"وقد أخرج الترمذي وصححه النسائي من طريق عبيد بن رفاعة، عن أسماء بنت عميس أنها قالت: يا رسول الله، إن ولد جعفر تسرع إليهم العين أفأسترقى لهم؟ قال: "نعم"، الحديث. وله شاهد من حديث جابر
أخرجه مسلم: "رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لآل حزم في الرقية"، وقال لأسماء:"ما لي أرى أجسام بني أخي ضارعة؟ أتصيبهم الحاجة؟ " قالت: "لا، ولكن العين تسرع إليهم". قال: "أرقيهم"، فعرضت عليه، فقال:"أرقيهم". وقوله "ضارعة" أي نحيفة.
وورد في مداوة العيون ما أخرجه أبوداود من رواية الأسود عن عائشة قالت: "كان النبي لصلى الله عليه وسلم، يأمر العائن أن يتوضأ، ثم يغتسل منه المعين "1.
وقد جاء كيفية اغتساله، فيما رواه الإمام أحمد والنسائي، وصححه ابن حبان من طريق الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف:"أن أباه حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج، وساروا معه نحو ماء، حتى إذا كانوا بشعب الخرار من الجحفة، اغتسل سهل بن حنيف - وكان أبيض حسن الجسم والجلد - فنظر إليه عامر بن ربيعة فقال: "ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة"، فلبط - أي صرع وزنى ومعنى - سهل، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "تتهمون به من أحد؟ " قالوا: "عامر بن ربيعة". فدعا عامرا، فتغيظ عليه، فقال: "علام يقتل أحدكم أخاه؟ هلا إذا رأيت ما يعجبك بركت"، أي- دعوت بالبركة، كما في رواية ابن ماجه. ثم قال له: "اغتسل له"، فغسل وجهه ويديه، ومرفقيه، وركبتيه وأطراف رجليه، وداخل إزاره في قدح، ثم يصب ذلك الماء عليه رجل من خلفه، على رأسه وظهره، ويكفأ القدح، ففعل به ذلك فراح سهل مع الناس ليس به بأس.
والحديث في الموطأ - وفيه عن مالك حدثني محمد بن أبي أمامة بن سهل إنه سمع أباه يقول: اغتسل سهل- فذكر نحوه وفيه - فنزع جبة كانت عليه وعامر بن ربيعة ينظر، فقال: "ما رأيت كاليوم ولا جلد عذراء، فوعك سهل مكانه واشتد
1 فتح الباري 15/251.
وعكه - وفيه - "ألا بركت؟ إن العين حق، توضأ له"، فتوضأ له عامر فراح سهل ليس به بأس. فهذه القصة تدل على وقوع العين وتأثيرها وهذا نوع من الرقية، إذا عرف العائن.
ونقل ابن حجر عن المازري قال: "هذا المعنى مما لا يمكن تعليله ومعرفة وجهه من جهة العقل، فلا يرد لكونه لا يعقل معناه".
وقال ابن العربي: "إن توقف فيه متشرع، قلنا له: قل الله ورسوله أعلم،
وقد عضدته التجربة وصدقته المعاينة. - كما في هذه القصة - أو متفلسف فالرد عليه أظهر، لأن عنده أن الأدوية تفعل بقواها، وقد تفعل بمعنى لا يدرك، ويسمون ما هذا سبيله الخواص".
قال ابن القيم: "هذه الكيفية لا ينتفع بها من أنكرها، ولا من سخر منها ولا من شك فيها، أو فعلها مجربا غير معتقد".
قال: "وإذا كان في الطبيعة خواص لا يعرف الأطباء عللها بل هي عندهم خارجة عن القياس، وإنما تفعل بالخاصية، فما الذي تنكر جهلتهم من الخواص الشرعية؟ مع أن في المعالجة بالاغتسال مناسبة لا تأباها العقول الصحيحة، فهذا ترياق سم الحية يؤخذ من لحمها، وهذا علاج النفس الغضبية، توضع اليد على بدن الغضبان فيسكن، فكأن أثر تلك العين كشعلة نار وقعت على جسد، ففي الاغتسال إطفاء لتلك الشعلة 1 (1) 000 الخ.
وفي هذا الحديث فوائد نذكر بعضها للإفادة منها: وهي: إن العائن إذا عرف يقضى عليه بالاغتسال- وينبغي له أن لا يمتنع عن ذلك، وأن الاغتسال من النشرة النافعة. وإن العين تكون مع الإعجاب ولو بغير حسد، ولو كان من
1 فتح الباري.20311.
الرجل المحب، والرجل الصالح، وإن الذي يعجبه الشيء ينبغي أن يبادر إلى الدعاء الذي يعجبه بالبركة، ويكون ذلك رقية منه1.
ونواصل ما بدأناه من نقل ما أورده الإمام البخاري في صحيحه عن الرقية، لنعرف بعد ذلك، هل يلزم المؤمن المصاب بمس أو عين أو حمة، أن يسافر من بلد إلى بلد إلى فلان أو علان ليرقيه، أو يجد أن الشروط متوفرة عند بعض سكان قريته.
يقول الإمام البخاري "باب رقية الحية والعقرب" ثم أورد تحته حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "رخص النبي لم في الرقية من كل ذي خمة" والمراد بالحمة ذوات السموم، وفي رواية "رخص في الرقية من الحية والعقرب"2.
وقد تقدم في حديث أبي سعيد الخدري - إنه رقى سيد الحي الذي لدغ، بفاتحة الكتاب، على جعل، وهو قطيع من الغنم.
ونختم هذا النقل عن الإمام البخاري بقوله: "باب رقية النبي صلى الله عليه وسلم".
وقد أورد البخاري تحت هذا الباب ثلاثة أحاديث، نورد لفظها لأنها هي الرقية بدعائه الذي أخذ به أصحابه، فرقوا به، كما كان هو يرقى به.
الحديث الأول:
…
حدثنا عبد الوارث عن عبد العزيز قال: دخلت أنا وثابث على أنس بن مالك، فقال ثابت:"يا أبا حمزة اشتكيت"، فقال أنس:"ألا أرقيك برقية رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ " قال: "بلى". قال: "اللهم رب الناس، مذهب الباس، أشف أنت الشافي لا شافي إلا أنت، شفاء لا يغادر سقما".
1 فتح الباري 10/ 205.
2 فتح الباري 205/15.
الحديث الثاني: عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعوذ بعض أهله يمسح بيده اليمنى، ويقول:"اللهم رب الناس، اذهب الباس، واشفه أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما". أي - لا يترك.
الحديث الثالث: عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول للمريض:"بسم الله تربة أرضنا بريقة بعضنا يشفى سقيمنا بإذن ربنا". وفي رواية "كان يقول في الرقية".
وقوله كان يقول للمريض: "بسم الله" وفي رواية صدقة، كان يقول في الرقية.
وفي رواية مسلم عن ابن أبي عمر عن سفيان زيادة في أوله: كان إذا اشتكى الإنسان، أو كانت به قرحة أو جرح، قال النبي صلى الله عليه وسلم بإصبعه هكذا- ووضع سفيان سبابته بالأرض ثم رفعها - ثم قال - "بسم الله تربة أرضنا
…
" الخ. الدعاء المذكور.
وبهذا يتبين لك أيها القارىء الكريم - بما أوردناه في هذا المبحث والمباحث السابقة أن الرقية المشروعة، هي ما كانت بكتاب الله عموما، وباختيار تلك السور التي ورد ذكرها كالمعوذات، وفاتحة الكتاب، والدعاء الذي ورد ذكره في رقية النبي لصلى الله عليه وسلم، وإذا كان الأمر كذلك، فهل يلزم أن تفتح عيادات، ويدعى أن فيها مختصين بالرقية الشرعية، لا يفيد الناس غيرهم، هذا ما سنتناول الحديث عنه في المبحث التالي إن شاء الله.