الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوصية الرابعة: إذا كانت الرقية الشرعية بالقران الكريم، وبفاتحة الكتاب فليس من المناسب السماح بفتح عيادات باسم الرقية الشرعية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فقد سبق في المباحث الماضية إيراد الأحاديث الصحيحة الثابتة في الرقية المشروعة، وقد حرصنا على إيرادها من صحيح الإمام البخاري فقد أوردها في كتاب الطب من صحيحه، وفي كتاب المرضى.
فقد أورد في كتاب المرضى/ باب فضل من يصرع بالريح.
وأورد تحته حديث ابن عباس في المرأة التي تصرع، وإنها جاءت إلى رسول الله لصلى الله عليه وسلم- تطلب منه الدعاء- فخيرها بين الصبر ولها الجنة. وإن شاءت دعا الله أن يشفيها، وقد اختارت الصبر على البلاء، ولها الجنة. ثم طلبت منه صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله لها أن لا تتكشف فدعا لها1 (1) .
ففي هذا الحديث مشروعية الرقية للمصروع من مس الجن.
وقد رجح ابن حجر رحمه الله أن الصرع الذي كان يصيبها من الجن، وليس سببه الأخلاط. وقد تقدم ذلك في المبحث السابق
1 البخاري، فتح الباري 10/ 114- 113
أما في كتاب الطب فقد أورد البخاري عددا من الأبواب في الرقية، اخترنا منها في الحلقات الماضية الأبواب التالية، وأوردنا الأحاديث التي ذكرها تحتها وهي:
باب الرقى بالقرآن والمعوذات.
باب الرقى بفاتحة الكتاب.
باب رقية العين.
باب رقية الحية والعقرب.
باب رقية النبي صلى الله عليه وسلم، وهي في فتح الباري، المجلد العاشر من ص 195-210.
وقد تبين من تلك الروايات - أن الرقية تكون بالقرآن عموما فهو كلام الله وفيه شفاء.
أو باختيار سور منه، ورد بها النص، كالمعوذات، وهي سورة الإخلاص، والفلق، والناس.
أو بفاتحة الكتاب، وهي سورة عظيمة لم ينزل في القرآن ولا غيره مثلها، فقد اشتملت على جميع معاني القرآن الكريم، وقد نقلنا عن ابن حجر ما أورده عن ابن القيم في فضل سورة فاتحة الكتاب، وقد رقى بها أبو سعيد الخدري رضي الله عنه اللديغ على قطيع من الغنم، وأقره الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك.
وكذلك رقية النبي صلى الله عليه وسلم، وهي قوله:"اللهم رب الناس مذهب الباس اشف أنت الشافي، لا شافي إلا أنت شفاء لا يغادر سقما".
وغير ذلك من الدعاء الثابت عنه صلى الله عليه وسلم.
فهذه هي الرقية المشروعة بكتاب الله، وما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا، أو تقريرا، أو كيفية، من المسح، والنفث، ورقية صاحب العين، التي سبق ذكرها في قصة سهل بن حنيف، وعامر بن ربيعة، أو رقية المصروع.
وسبق ذكر شرط فائدة الرقية - وهو صدق قصد المريض في اللجوء إلى الله، وتقوى المعالج، وقوة توكله على الله.
وإذا علمنا أن الرقية المشرعة، بالقرآن الكريم، وبسنة الرسول الأمين، فنحن في زمن بحمد الله - انتشر فيه العلم والتعليم، وحفاظ كتاب الله والدارسين لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوجدون في القرى والهجر، فضلا عن المدن فقد حدثنا آباؤنا، أنهم قبل خمسين سنة، لا يجدون من يكتب لهم وثيقة، أو يقرأ لهم رسالة - إلا أن يذهبوا من قرية إلى قرية، وكما يقولون - اذهبوا إلى الفقيه فلان في القرية الفلانية.
وأما اليوم - فإنك تجد القارىء في القرية بل صاحب الماشية قي باديته، يقرأ له الرسالة ابنه أو بنته.
وهذه نعمة يجب علينا تقييدها بشكرها، وأعظم منها نعمة الأمن والاستقرار المفقود في أكثر البلاد، لأنه بسبب الأمن والاستقرار انتشر العلم والتعليم، وقام العمران.
فيجب على الآباء أن يذكروا الأبناء بالماضي، ليشكروا الله على الحاضر.
وإذا كان القراء لكتاب الله في كل مدينة وقرية وهجرة.
فهل من المناسب أن يسمح بفتح عيادات - باسم الرقية الشرعية، هنا وهناك، وقد تجد في المدينة الواحدة أكثر من عيادة.
فقد يبدأ واحد، فيشاهد الآخرون تهافت الناس عليه، وتقديم الأموال له، فيغار الآخرون فيفتحون مثل تلك العيادات، ثم ينسجون لها دعايات لجلب الناس إليها، وأكثرها لعلاج المس من الجن.
- فإذا زرت بعض هذه العيادات وجدت أعداد هائلة من الناس يعدون بالمئات لاسيما في الفترات السابقة، قد حضروا من أماكن بعيدة، فالموسر يسافر
عن طريق الجو، والآخرون بالسيارات، وكلهم يشكون إلى هؤلاء المتخصصين في هذه المهنة ما فعلته بهم الجن. كما يسرد هؤلاء المتخصصون حكايات إما بأنفسهم، وقد سمعناها منهم مباشرة عن أحوال الجن، وإنه حدث عنده كذا وكذا حكايات كثيرة جدا.
أو عن طريق العمال الذين جلبوا من رجال ونساء، لكثرة الزبائن المصابين بالمس من الفريقين، فيبدأ المتخصص برقية الرجال، ثم ينتقل لرقية النساء.
كما تجد أمام تلك العيادات الباحثين عن الرزق، أهل البيع والشراء، وقد أحل الله البيع، وحرم أخذ أموال الناس بالباطل، تجدهم صافين سياراتهم وهي - دكاكين متنقلة - وأمامها مواعين الزيوت للرقية فيها. وقد تطور الأمر إلى إحضار وايتات من ماء زمزم - لتكون الرقية فيه بدلا من الزيت ومعلوم أن ماء زمزم، لما شرب له، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعندما أخبر رسول الله بذلك، لم يقل إنه شفاء إذا رقي فيه، فهذه دعاية لجلب الناس، وهي دعوى يردها النص. الذي لا شرط فيه.
وقد يتساءل المرء: هل وجد في العصور الماضية، أن أحدا من علماء السلف الصالح تفرغ لعمل اسمه الرقية الشرعية، سواء كانت الرقية مجانا، أو يأخذ عليها أجرة، لأنها جائزة، ولا أظن أن أحدا يستطيع أن يثبت ذلك.
وإنما كان العلماء، وأهل الصلاح والتقوى، إذا عرض لإنسان عارض، سواء كانت من مس الجن، وهو أمر لا ينكره إلا أصحاب البدع، أو أصيب بعين، أو حمة وهي اللدغة من ذوات السموم، أن ذلك المصاب يتقدم للموجود في قريته، من إمام مسجد أو عالم، أو قارىء للقرآن، فيطلب منه الرقية، وينتهي الأمر.
- وأظنك أيها القارىء الكريم، تتفق معي - إنه قبل عشر سنوات تقريبا، لم نسمع عن حوادث المس من الجن إلا نادرا.
فالجن مكلفون مثل الإنس، ولم يجعل الله لهم سبيلا على الإنس إلا من تولاهم فيزيدونهم رهقا. وإنما الذي يحدث لبعض الناس من الخبثاء منهم، إما لاستحسان صورة، أو لقصد الأذى للمسلم، وهو نادر؟ مثل ما يحدث من شرار الإنس من أذية لإخوانهم.
فهذا الشاذ من الإنس يعالج من قبل الحاكم الشرعي، ومن المسؤول عن الأمن. وذاك الخبيث من الجن يعالج بالقرآن ممن يقرأ كتاب الله، وتنتهي القضية في الجهة التي وقعت فيها، فلا يشد الرحل من بلد إلى بلد، إلى فلان أو علان لأنه هو الذي يرقي. لأن الرقية بالقرآن والسنة. وفي كل مكان يوجد من يقرأ القرآن، ومن هو صاحب صلاح وتقوى.
- ولكن بعد فتح هذه العيادات، وتنافس المتنافسون فيها لطلب الرزق وجمع الأموال. أطلقت الجن من سجونها على الناس، بهذه الدعايات، ولكن الواقع أيها القارىء الكريم - يثبت أن الجن لم تسلط على الإنس بهذه الكثرة وإنما الذي يحدث منهم هو الشيء النادر كما كان قبل فتح هذه العيادات، وهذا بشهادة أحد أصحاب هذه العيادات، فقد تبين له بعد تجربته الطويلة، وقد كان هو نفسه يذكر حكايات كثيرة جدا عن الجن وما يفعلونه. ولكن اتضح له بعد ذلك أن أكثر من يعالجهم من الرجال والنساء، لا يوجد بهم مس، وإنما عندهم أمراض نفسانية وهستريا، قد تخدع الإنسان نفسه، أو من يعالجه، فيظن أنه مصاب بمس، والواقع خلافه، وإن المصاب بالمس قليل جدا، بل إن المذكور تجاوز إلى أن أدعى أن الجني لا يتلبس الإنسي، إلا في حالة واحدة وهي المسمى- بالزّار. ونحن نوافقه في الشطر الأول، وهو أن الكثرة الكاثرة من هؤلاء عندهم
ضعف في الإيمان، ونقص في التوكل، وأوهام، زادها ونماها عندهم، فتح هذا الباب، بفتح هذه العيادات، التي تعلقت عقود هؤلاء العوام وأشباههم بها لأن دعواهم فيما يصيبهم من أمراض، على الجن.
والأطباء إلا من عصم الله - لا يعترفون بهذا النوع من المرض، فلا يجد المريض سواء كان مرضه وهما أو مسا، علاجا له، ولا ينصفه من الجن، إلا صاحب تلك العيادة.
أما الشطر الثاني- وهو دعواه أن التلبس لا يحصل إلا في حالة واحدة، وهو المسمى بالزار، فلا نوافقه عليه - لأن الآية الكريمة التي سبق ذكرها والأحاديث الصحيحة بينت أن الجني يتلبس الإنسي مطلقا، وفي أفي وقت، وقد كان ذلك يحدث قبل أن توجد التسمية بالزّار، أو غيره.
- ولكني أقول - إن هذه الشهادة من خبير، توجب على المسؤول عن المحافظة على العامة ومن يشبههم، الأخذ بها للمحافظة على عقائد هؤلاء من هذه الأوهام التي قد تصل بهم إلى اعتقاد ما لا يجوز، مما يؤثر في إيمانهم لتعلقهم بهؤلاء وإنه لا يوجد الشفاء لهذا المرض إلا عندهم، ولفتح الباب للدجالين، فيدعون إن عندهم رقية شرعية.
فمن المناسب قفل هذه العيادات بعد إعطاء البديل لهؤلاء العوام ومن في حكمهم وذلك - عن طريق وزارة الشؤون الإسلامية - بتوجيه أئمة المساجد بأن يتناولوا في خطبهم ودروسهم بيان الرقية الشرعية، وأنها بالقرآن الكريم والسنة النبوية، وإنه يوجد في كل مدينة وقرية من يقوم بهذه الرقية، فأهل التقوى والصلاح هم الذين يقومون بذلك، وهم بحمد الله يوجدون في كل أنحاء البلاد، كما يحث المسلم على تقوية إيمانه، وقوة توكله واعتماده على الله في جميع أموره. هذا ونسأل الله للجميع حسن القصد والتوفيق.