الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجمعة دعوةً إِلى أصول الخير وفروعه، ونهياً وتحذيراً من الشر أصوله وفروعه، ودعوة إِلى الإسلام في عقيدته وشريعته وأخلاقه.
* من الفقه عن الله عز وجل وعن رسوله صلى الله عليه وسلم أيضا أن يبتعد الخطيب عن إِيراد الروايات المكذوبة على رسول الله والواهية، مكتفيا بالثابت بمختلف درجاته. سواء فيما يتعلق به هو، أو فيما يتعلق بالمستمعين إِليه والمصلين معه.
ليس كل موضوع يَصْلح أن تكون فيه خطبة، والخطيب الفقيه هو الذي يقدّر ذلك.
ولعل من المناسب في إِطار هذه الفقرة من الموضوع، أن أنقل عددا من التوجيهات حول صفات الخطيب، وأسلوب الخطبة وصفاتها المطلوبة، عن بعض من بحث هذا الموضوع، فإِليك - أيها القارئ الكريم - تلك التوجيهات المختارة:
[قول الشيخ محمد الغزالي في صفات الخطبة وأساليبها]
يقول الشيخ محمد الغزالي: 1 - يحسن أن يكون لخطبة الجمعة موضوع واحد، واضح غير متشعب الأطراف ولا متعدد القضايا، فإن الخطيب الذي يخوض في أحاديث كثيرة يشتت الأذهان ويتنقل بالسامعين في أودية تتخللها فجوات نفسية وفكرية بعيدة، ومهما كانت عبارته بليغة، ومهما كان مسترسلا متدفقا، فإنه لن ينجح في تكوين صورة واضحة الملامح لتعاليم الإسلام.
والوضوح أساس لا بد منه في التربية. والتعميم والغموض لا ينتهيان
بشيء طائل، وخطبة الجمعة ليست درسا نظريا بقدر ما هي حقيقة تشرح وتغرس.
2 -
عناصر الخطبة يجب أن يسلم أحدها إلى الآخر في تسلسل منطقي مقبول، كما تسلم درجة السلم إِلى ما بعدها دون عناء بحيث إِذا انتهى الخطيب من إِلقاء كلمته كان السامعون قد وصلوا معه إلى النتيجة التي يريد بلوغها. وعليه أن ينتقي من النصوص والآثار ما يمهد طريقه إِلى هذه الغاية.
3 -
ولما كانت الخطبة الدينية تنسج من المعاني الإسلامية المستمدة من [الكتاب والسنة] وآثار السلف الصالح فإن لحمتها وسداها يجب أن يكون من الحقائق المقبولة، وفي آيات القرآن الكريم، ومعالم السنة المطهرة متسع يغني في الوعظ والإِرشاد. ولذلك لا يليق أن تتضمن الخطبة الأخبار الواهية. . .
وفي الأحاديث الصحيحة والحسنة مجال رحب للخطيب الفاقه. في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين والأئمة المتبوعين ما يغني عن الأساطير والأوهام.
4 -
لا يجوز أن تتعرض الخطبة للأمور الخلافية، ولا أن تكون تعصبا لوجهة نظر إِسلامية محدودة. . فإِن المسجد يجمع ولا يفرق، ويلم شمل الأمة بشعب الإِيمان التي يلتقي عندها الكل دون خوض في المسائل التي يتفاوت تقديرها، وما أكثر العزائم والفضائل التي تصلح موضوعاً لنصائح جيدة وخطب موفقة. وقد شقي المسلمون بالفرقة
أياماً طويلة، وجدير بهم أن يجدوا في المساجد ما يوحد الصفوف ويطفئ الخصومات.
5 -
بين الخطبة والأحداث العابرة، والملابسات المحيطة، والجماهير السامعة، علاقة لا يمكن تجاهلها، ومما يزري بالخطيب ويضيع موعظته أن يكون في واد، والناس والزمان والمكان في واد آخر.
ولأمر ما نزل القرآن منجماً على ثلاث وعشرين سنة. فقد تجاوب مع الأحداث وأصاب مواقع التوجيه إِصابة رائعة.
ولما كان القرآن شفاء للعلل الاجتماعية الشائعة، فإن الخطيب يجب عليه أن يشخّص الداء الذي يواجهه، وأن يتعرف على حقيقته بدقة. فإذا عرفه واستبان أعراضه وأخطاره رجع إلى آي الكتاب والسنة فنقل الدواء إِلى موضع المرض. وذلك يحتاج إِلى بصيرة وحذق فإن الواعظ القاصر قد يجيء بدواء غير مناسب فلا يوفق في علاج. وربما أخطأ ابتداء في تحديد العلة فجاءت خطبته لغواً وإِن كانت تتضمن مختلف النصوص الصحيحة.
6 -
من الخير أن تضمن خطبة الجمعة أحيانا شيئاً من أمجاد المسلمين الأولين الثقافية والسياسية وتنويهاً بالحضارة اليانعة التي أقامها الإسلام في العالم مع الإِشارة إِلى أن ينابيع هذه الحضارة تفجرت من الحركة العقلية التي أحدثها القرآن الكريم واليقظة الإنسانية التي صنعها الرسول صلى الله عليه وسلم، ويكون الغرض من هذه الخطب - على اختلاف موضوعاتها - أن ترجع إلى المسلمين ثقتهم بأنفسهم ورسالتهم العالمية.
7 -
معروف أن هناك فلسفات أجنبية ونزعات إِلحادية تسربت إِلى الأمة الإِسلامية في كبوتها التاريخية الماضية، وطبيعي أن تتعرض الخطبة إِلى درء هذه المفاسد النفسية عن أبناء الأمة، ووظيفة الخطبة في الإِسلام عندئذ أن تتجنب الأخذ والرد والجدال السيئ. . . ولكن تعرض الحقائق الإِيجابية في الإِسلام بقوة، وترد على الشبهات دون عناية بذكر مصدرها لأن المهم هو حماية الشريعة الإسلامية. . وليس المهم تجريح الآخرين وإِلحاق الهزائم بهم.
8 -
قبل أن يواجه الخطيب الجمهور ينبغي أن تكون في ذهنه صورة بينة لما يريد أن يقوله. بل يجب أن يراجع نفسه قبل الكلام ليطمئن اطمئناناً إِلى صحة القضايا التي سوف يعرضها، وإِلى سلامة آثارها النفسية والاجتماعية.
وعليه أن يتثبت من الأدلة والشواهد التي يسوقها في معرض الحديث فإِن كان قرآنا حفظه جيداً وِإن كان سنة رواها بدقة، وإِن كان أثراً أدبياً أو خبراً تاريخياً فإِن توفيقه يكون بحسب مطابقته أو اقترابه من الأصل المنقول عنه.
إِن التحضير المتقن دلالة احترام المرء لنفسه ولسامعيه، وقد تَفْجأ الإِنسان مواقع يرتجل فيها ما يلقى به الناس ويصور ما بنفسه.
والواقع أن القدرة على الارتجال تجيء بعد أوقات طويلة من الدربة على التحضير الجيد وعلى تكوين حصيلة علمية مواتية لكل موقف. ومع ذلك فإن المهارة في الارتجال لا تغني عن حسن التحضير للعالم الذي
يريد أداء واجبه بأمانة وصدق والذي يقدر إنصاف الناس له واحتفاءهم بما يقول.
9 -
الإيجاز أعون على تثبيت الحقائق، وجمع المشاعر والأفكار حول ما يراد به من تعاليم.
فإِن الكلام الكثير ينسي بعضه بعضا، وقد تضيع أهم أهدافه في زحام الإفاضة، ألا ترى أن الأرض تحتاج إِلى قدر محدد من البذور كيما تنبت، فإذا كثر النبات بها تخللها الفلاح باجتثاث الزائد حتى يعطي البقية فرصة النماء والإِثمار.
كذلك النفس البشرية لا تزكو فيها المعاني إِلا إذا أمكن تحديدها وتقويمها، أما مع كثرة الكلام وبعثرة الحقائق فإِن السامع يتحول إِلى إِناء مغلق تسيل من حوله الكلمات مهما بلغت نفاستها.
وللإِطناب الممل أسباب معروفة منها سوء التحضير، فإن الخطيب الذي يلقى الناس بالجزاف من الأحكام والتوجيهات لا يدري بالضبط أين بلغ بقوله، وهل وصل إِلى حد الإِقناع أم لا فيحمله ذلك على التكرار والإِطالة. . وما يزداد من الجمهور إِلا بعدا.
وقد تنشأ الإِطالة عن سوء التقدير للوقت والموقف فيظن الخطيب أن بحسبه أن يقول ما عنده وعلى الناس أن ينصتوا طوعاً وكرهاً - وهذا خطأ - ومما يحكى في قيمة الإيجاز أن أحد الرؤساء طُلب منه إلقاء خطبة في بضع دقائق فقال: (أمهلوني أسبوعاً) فقيل له: نريدها في ربع ساعة فقال: (أستطيع بعد