المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ باب ما جاء في بقاء الخضر بعد النبي - ومن نقل عنه أنه رآه وكلمه - الزهر النضر في حال الخضر

[ابن حجر العسقلاني]

فهرس الكتاب

- ‌ذكر قصَّة الْخضر فِي الْقُرْآن والْحَدِيث

- ‌سُورَة الْكَهْف

- ‌ بَاب حَدِيث الْخضر مَعَ مُوسَى عليهما السلام:

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم بَين يَدي الْكتاب

- ‌تَرْجَمَة الْمُؤلف

- ‌أشغاله العلمية المتنوعة

- ‌خُلَاصَة الْأَخْبَار فِي الْخضر

- ‌الْخضر الْمَعْرُوف هُوَ صَاحب مُوسَى بن عمرَان عليهما السلام

- ‌الْخضر: ملك أَو ولي أَو نَبِي

- ‌سَبَب اسْتِمْرَار حَيَاته لَدَى من يرى ذَلِك

- ‌آراء الْقَائِلين باستمرار حَيَاته

- ‌آراء المنكرين لاستمرار حَيَاته

- ‌تَحْقِيق فَتْوَى من فَتَاوَى شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية

- ‌نقد الْجُزْء الْأَخير من هَذِه الْفَتْوَى

- ‌إِنْكَار ابْن الْجَوْزِيّ على اسْتِمْرَار حَيَاة الْخضر

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌ بَاب نسبه

- ‌بَاب مَا ورد فِي كَونه نَبيا

- ‌ بَاب مَا ورد فِي تعميره وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌ ذكر شَيْء من أَخْبَار الْخضر قبل بعثة النَّبِي

- ‌ وَمن أخباره مَعَ غير مُوسَى

- ‌ ذكر من ذهب إِلَى أَن الْخضر مَاتَ

- ‌ ذكر الْأَخْبَار الَّتِي وَردت أَن الْخضر كَانَ فِي زمن النَّبِي - ثمَّ بعده إِلَى الْآن

- ‌ بَاب مَا جَاءَ فِي بَقَاء الْخضر بعد النَّبِي - وَمن نقل عَنهُ أَنه رَآهُ وَكَلمه

الفصل: ‌ باب ما جاء في بقاء الخضر بعد النبي - ومن نقل عنه أنه رآه وكلمه

فَقَالَ لَهُ الرجل: أَي - يَرْحَمك الله - مَا بَقِي من أهل زَمَانك أعلم مِنْك، ثمَّ ولي. فَقَالَ لي أبي: أدْرك الرجل فَرده عَليّ. فَخرجت - وَأَنا أنظر إِلَيْهِ - فَلَمَّا بلغ بَاب الصَّفَا مثل، فَكَأَنَّهُ لم يكن شَيْئا. فَأخْبرت أبي. فَقَالَ: تَدْرِي من هَذَا؟ {قَالَ: قلت: لَا. قَالَ: هَذَا الْخضر.

-‌

‌ بَاب مَا جَاءَ فِي بَقَاء الْخضر بعد النَّبِي - وَمن نقل عَنهُ أَنه رَآهُ وَكَلمه

-

93 -

قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي التَّفْسِير: حَدثنَا أبي، حَدثنَا عبد الْعَزِيز الأويسي، حَدثنَا عَليّ بن أبي عَليّ الْهَاشِمِي عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن عَن أَبِيه أَن عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه قَالَ:" لما توفّي النَّبِي - وَجَاءَت التَّعْزِيَة، فَجَاءَهُمْ آتٍ يسمعُونَ حسه وَلَا يرَوْنَ شخصه، فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْكُم أهل الْبَيْت وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته: كل نفس ذائقة الْمَوْت، وَإِنَّمَا توفون أجوركم يَوْم الْقِيَامَة، أَن فِي الله عزاء من كل مُصِيبَة، وخلفا من كل هَالك، ودركا من كل مَا فَاتَ. فبالله فثقوا. وإياه فارجوا، فَإِن الْمُصَاب من حرم الثَّوَاب ".

قَالَ جَعْفَر: أَخْبرنِي أبي أَن عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه قَالَ: " تَدْرُونَ من هَذَا؟ هَذَا الْخضر} ".

ص: 115

94 -

وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن مَنْصُور الْجَوَاز، عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر وَعبد الله بن مَيْمُون القداح جَمِيعًا: عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن عَليّ بن الْحُسَيْن، سَمِعت أبي يَقُول: " لما قبض رَسُول الله - جَاءَت التَّعْزِيَة، يسمعُونَ حسه وَلَا يرَوْنَ شخصه، - السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله أهل الْبَيْت {إِن فِي الله عزاء من كل مُصِيبَة، وخلفا من كل هَالك، ودركا من كل مَا فَاتَ؛ فبالله فثقوا، وإياه فارجوا، فَإِن المحروم من حرم الثَّوَاب.

فَقَالَ عَليّ رضي الله عنه: " تَدْرُونَ من هَذَا؟ هَذَا الْخضر} ".

95 -

قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: تَابعه مُحَمَّد بن صَالح عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر، وَمُحَمّد بن صَالح ضَعِيف. [قلت] : وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيّ وَهُوَ: كَذَّاب.

ص: 116

96 -

قَالَ: وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن أبي عمر عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر، وَابْن أبي عمر مَجْهُول. قلت: هَذَا إِطْلَاق ضَعِيف، فَابْن أبي عمر أشهر من أَن يُقَال فِيهِ هَذَا؛ هُوَ شيخ مُسلم وَغَيره من الْأَئِمَّة وَهُوَ ثِقَة حَافظ صَاحب مُسْند مَشْهُور بِهِ مروى وَهَذَا الحَدِيث فِيهِ.

97 -

أخبرنَا بِهِ شَيخنَا حَافظ الْعَصْر أَبُو الْفضل بن الْحُسَيْن رحمه الله قَالَ: أَخْبرنِي أَبُو مُحَمَّد بن الْقيم، أَنا أَبُو الْحسن بن البُخَارِيّ، عَن مُحَمَّد بن معمر، أَنا سعيد بن أبي الرَّجَاء، أَنا أَحْمد بن مُحَمَّد بن النُّعْمَان، أَنا أَبُو بكر بن الْمقري، أَنا إِسْحَاق بن الْخُزَاعِيّ، حَدثنَا مُحَمَّد بن يحيى بن أبي عمر الْعَدنِي، حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر قَالَ: كَانَ أبي - وَهُوَ جَعْفَر بن مُحَمَّد الصَّادِق - يذكر عَن أَبِيه، عَن جده، عَن عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه:

ص: 117

" أَنه دخل عَلَيْهِ نفر من قُرَيْش فَقَالَ: " أَلا أحدثكُم عَن أبي الْقَاسِم، قَالُوا بلَى {} " فَذكر الحَدِيث بِطُولِهِ، فِي وَفَاة النَّبِي - وَفِي آخِره فَقَالَ " جِبْرِيل: يَا أَحْمد عَلَيْكُم السَّلَام {هَذَا آخر وطني فِي الأَرْض، إِنَّمَا كنت أَنْت حَاجَتي عَن الدُّنْيَا. فَلَمَّا قبض رَسُول الله - وَجَاءَت التَّعْزِيَة، جَاءَ آتٍ، يسمعُونَ حسه وَلَا يرَوْنَ شخصه، فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْكُم أهل الْبَيْت وَرَحْمَة الله} {إِن فِي الله عزاء من كل مُصِيبَة، وخلفا من كل هَالك، ودركا من كل فَائت، فبالله فثقوا، وإياه فارجوا، فان المحروم من حرم الثَّوَاب، وَإِن الْمُصَاب من حرم الثَّوَاب. وَالسَّلَام عَلَيْكُم ".

فَقَالَ عَليّ: " هَل تَدْرُونَ من هَذَا؟ هَذَا الْخضر} ". انْتهى.

98 -

وَمُحَمّد بن جَعْفَر هُوَ أَخُو مُوسَى الكاظم حدث عَن أَبِيه وَغَيره.

وروى عَنهُ إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر وَغَيره. وَكَانَ قد دعى لنَفسِهِ بِالْمَدِينَةِ وَمَكَّة وَحج بِالنَّاسِ سنة مِائَتَيْنِ ; وَبَايَعُوهُ بالخلافة، فحج المعتصم فظفر بِهِ، فَحَمله إِلَى أَخِيه الْمَأْمُون بخراسان، فَمَاتَ بجرجان سنة ثَلَاث وَمِائَتَيْنِ.

99 -

وَذكر الْخَطِيب فِي تَرْجَمته: أَنه لما ظفر بِهِ، صعد الْمِنْبَر فَقَالَ: أَيهَا النَّاس اني كنت قد حدثتكم

ص: 118

بِأَحَادِيث زورتها، فشق النَّاس الْكتب الَّتِي سمعوها مِنْهُ، وعاش سبعين سنة.

قَالَ البُخَارِيّ: أَخُوهُ إِسْحَاق أوثق مِنْهُ.

100 -

أخرج لَهُ الْحَاكِم حَدِيثا - قَالَ الذَّهَبِيّ: إِنَّه ظَاهر النكارة فِي ذكر سُلَيْمَان بن دَاوُد عليه السلام.

101 -

وَقَالَ سيف بن عَمْرو التَّمِيمِي فِي كتاب الرِّدَّة لَهُ: عَن سعيد بن عبد الله، عَن ابْن عمر رضي الله عنهما قَالَ: لما توفّي رَسُول الله - جَاءَ أَبُو بكر حَتَّى دخل عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَآهُ [مسجى] قَالَ:" إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون "، وَصلى عَلَيْهِ، فَرفع أهل الْبَيْت عجيجا سَمعه أهل الْمصلى، فَلَمَّا سكن مَا بهم، سمعُوا تَسْلِيم رجل على

ص: 119

الْبَاب صيت جلد يَقُول: السَّلَام عَلَيْكُم يَا أهل الْبَيْت! كل نفس ذائقة الْمَوْت، وَإِنَّمَا توفون أجوركم يَوْم الْقِيَامَة، إِلَّا وَأَن فِي الله خلفا من كل أحد، وَنَجَاة من كل مَخَافَة، وَالله فارجوا، وَبِه فثقوا؛ فَإِن الْمُصَاب من حرم الثَّوَاب.

فَاسْتَمعُوا لَهُ وَقَطعُوا الْبكاء، ثمَّ طلعوا فَلم يرَوا أحدا، فعادوا لبكائهم، فناداهم آخر: يَا أهل الْبَيْت اذْكروا الله تَعَالَى، واحمدوه على كل حَال، تَكُونُوا من المخلصين؛ إِن فِي الله عزاء من كل مُصِيبَة، وعوضا من كل هلكة، فبالله فثقوا، وإياه فأطيعوا، فَإِن الْمُصَاب من حرم الثَّوَاب. "

فَقَالَ أَبُو بكر رضي الله عنه: " هَذَا الْخضر وإلياس قد حضرا وَفَاة رَسُول الله - ".

وَسيف فِيهِ مقَال، وَشَيْخه لايعرف.

102 -

قَالَ ابْن أبي الدُّنْيَا: حَدثنَا كَامِل بن طَلْحَة، أخبرنَا عباد بن عبد الصَّمد، عَن أنس بن مَالك رضي الله عنه قَالَ: " لما قبض رَسُول الله - اجْتمع أَصْحَابه حوله يَبْكُونَ فَدخل عَلَيْهِم رجل طَوِيل أشعر الْمَنْكِبَيْنِ فِي إِزَار ورداء، يتخطى أَصْحَاب

ص: 120

رَسُول الله - حَتَّى أَخذ بِعضَادَتَيْ بَاب الْبَيْت فَبكى، ثمَّ أقبل على الصَّحَابَة، فَقَالَ: إِن فِي الله عزاء من كل مُصِيبَة، وعوضا من كل مَا فَاتَ، وخلفا من كل هَالك، فَإلَى الله فأنيبوا، وبنظره إِلَيْكُم فِي الْبلَاء فانظروا، فَإِنَّمَا الْمُصَاب من لم يجز الثَّوَاب. ثمَّ ذهب الرجل فَقَالَ أَبُو بكر: عَليّ بِالرجلِ، فنظروا يَمِينا وَشمَالًا فَلم يرَوا أحدا.

فَقَالَ أَبُو بكر رضي الله عنه: لَعَلَّ هَذَا الْخضر أَخُو نَبينَا جَاءَ يعزينا عَلَيْهِ -.

وَعباد ضعفه البُخَارِيّ والعقيلي.

103 -

وَقد أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط: عَن مُوسَى بن هَارُون، عَن كَامِل

. "

وَقَالَ: تفرد بِهِ عباد عَن أنس رضي الله عنه _.

104 -

قَالَ ابْن شاهين فِي كتاب الْجَنَائِز لَهُ: حَدثنَا ابْن أبي دَاوُد، ثَنَا أَحْمد بن عَمْرو بن السراج، حَدثنَا ابْن

ص: 121

وهب، عَمَّن حَدثهُ، عَن مُحَمَّد بن عجلَان، عَن مُحَمَّد بن المكندر قَالَ:" بَيْنَمَا عمر بن الْخطاب يُصَلِّي على جَنَازَة، إِذا هَاتِف يَهْتِف من خَلفه: أَلا لَا تسبقنا بِالصَّلَاةِ - يَرْحَمك الله - فاتنظره حَتَّى لحق بالصف. فَكبر فَقَالَ: " إِن تعذبه فقد عصاك، وَإِن تغْفر لَهُ فَإِنَّهُ فَقير إِلَى رحمتك ".

فَنظر عمر وَأَصْحَابه إِلَى الرجل. فَلَمَّا دفن الْمَيِّت سوى الرجل عَلَيْهِ من تُرَاب الْقَبْر، ثمَّ قَالَ: طُوبَى لَك يَا صَاحب الْقَبْر، إِن لم تكن عريفا أَو جابيا، أَو خَازِنًا أَو كَاتبا، أَو شرطيا ".

فَقَالَ عمر رضي الله عنه خُذُوا لي هَذَا الرجل، نَسْأَلهُ عَن صلَاته، وَعَن كَلَامه. فَتَوَلّى الرجل عَنْهُم، فَإِذا أثر قدمه ذِرَاع فَقَالَ عمر رضي الله عنه هَذَا - وَالله - الْخضر الَّذِي حَدثنَا عَنهُ النَّبِي -.

قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: فِيهِ مَجْهُول، وَانْقِطَاع بَين ابْن الْمُنْكَدر وَعمر.

105 -

وَقَالَ ابْن أبي الدُّنْيَا

ص: 122

حَدثنَا أبي حَدثنَا عَليّ بن شَقِيق، ثَنَا ابْن الْمُبَارك، أَنبأَنَا عمر بن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر قَالَ:" بَيْنَمَا رجل يمشي يَبِيع [شَيْئا] ، وَيحلف، قَامَ عَلَيْهِ شيخ، فَقَالَ: بِعْ، وَلَا تحلف {فَعَاد فَحلف} فَقَالَ: بِعْ، وَلَا تحلف. قَالَ: أقبل على مَا يَعْنِيك؛ قَالَ: هَذَا مَا يعنيني، ثمَّ قَالَ: آثر الصدْق على مَا يَضرك على الْكَذِب فِيمَا ينفعك، وَتكلم، فَإِذا انْقَطع علمك فاسكت؛ واتهم الْكَاذِب فِيمَا يحدثك بِهِ غَيْرك ".

قَالَ: اكْتُبْ لي هَذَا الْكَلَام، فَقَالَ: إِن يقدر شئ يكن. ثمَّ لم يره.

فَكَانُوا يرَوْنَ أَنه الْخضر ".

قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: كَانَ هَذَا أصل الحَدِيث.

106 -

وَقد رَوَاهُ أَبُو عمر بن السماك فِي فَوَائده: عَن يحيى بن أبي طَالب، عَن عَليّ بن عَاصِم، عَن عبد الله بن عبيد الله قَالَ: " كَانَ ابْن عمر قَاعِدا، وَرجل قد أَقَامَ سلْعَته، يُرِيد بيعهَا، فَجعل يُكَرر الْأَيْمَان إِذْ مر بِهِ رجل.

فَقَالَ: اتَّقِ الله، وَلَا تحلف بِهِ كَاذِبًا؛ عَلَيْك بِالصّدقِ فِيمَا يَضرك، وَإِيَّاك وَالْكذب فِيمَا ينفعك، وَلَا تزيدن فِي حَدِيث غَيْرك.

فَقَالَ ابْن عمر لرجل: اتبعهُ، فَقل لَهُ: اكْتُبْ هَذِه الْكَلِمَات فَتَبِعَهُ، فَقَالَ: مَا يقْضى من شئ يكن، ثمَّ فَقده، فَرجع فَأخْبر ابْن عمر. فَقَالَ

ص: 123

ابْن عمر رضي الله عنه: ذَاك الْخضر.

قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: " عَليّ بن عَاصِم ضَعِيف سيء الْحِفْظ؛ وَلَعَلَّه أَرَادَ أَن يَقُول: عمر بن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، فَقَالَ: ابْن عمر ".

107 -

[قَالَ] : وَقد رَوَاهُ أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُصعب - أحد الوضاعين - عَن جمَاعَة مَجَاهِيل، عَن عَطاء، عَن ابْن عمر رضي الله عنهما.

108 -

قلت: وجدت [لَهُ] طَرِيقا جَيِّدَة غير هَذَا، عَن ابْن عمر رضي الله عنه قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي دَلَائِل النُّبُوَّة: " أَنا أَبُو زَكَرِيَّا بن أبي إِسْحَاق، ثَنَا أَحْمد بن سُلَيْمَان الْفَقِيه، [حَدثنَا الْحسن بن مكرم، حَدثنَا عبد الله بن بكر - وَهُوَ السَّهْمِي -] حَدثنَا الْحجَّاج بن فرافصة:

ص: 124

" أَن رجلَيْنِ كَانَ يتبايعان عِنْد عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فَكَانَ أَحدهمَا يكثر الْحلف، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِك إِذْ مر بهما رجل فَقَامَ عَلَيْهِمَا، فَقَالَ للَّذي يكثر الْحلف: يَا عبد الله! اتَّقِ الله وَلَا تكْثر الْحلف، فَإِنَّهُ لايزيد فِي رزقك إِن حَلَفت، وَلَا ينقص من رزقك إِن لم تحلف.

قَالَ: امْضِ لما يَعْنِيك؛ قَالَ إِن هَذَا مِمَّا يعنيني، قَالَهَا ثَلَاث مَرَّات ورد عَلَيْهِ قَوْله. فَلَمَّا أَرَادَ أَن ينْصَرف عَنْهُمَا، قَالَ: اعْلَم أَن من الْإِيمَان أَن تُؤثر الصدْق حَيْثُ يَضرك على الْكَذِب حَيْثُ ينفعك، وَلَا يكن فِي قَوْلك فضل على فعلك. ثمَّ انْصَرف.

فَقَالَ عبد الله بن عمر: الْحَقْهُ فاستكتبه هَؤُلَاءِ الْكَلِمَات، فَقَالَ: يَا عبد الله اكتبني هَذِه الْكَلِمَات - يَرْحَمك الله - فَقَالَ الرجل: مَا يقدر الله يكن، وأعادها عَلَيْهِ حَتَّى حفظهن، ثمَّ مَشى حَتَّى وضع إِحْدَى رجلَيْهِ فِي الْمَسْجِد، فَمَا أدرى أَرض تَحْتَهُ أم سَمَاء. قَالَ: فَكَانُوا يرَوْنَ أَنه الْخضر أَو إلْيَاس ".

109 -

وَقَالَ ابْن أبي الدُّنْيَا: ثَنَا يَعْقُوب بن يُوسُف، ثَنَا مَالك بن إِسْمَاعِيل ثَنَا صَالح بن أبي الْأسود عَن مَحْفُوظ بن عبد الله، عَن شيخ من حَضرمَوْت، عَن مُحَمَّد بن عبد يحيى قَالَ: قَالَ عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه بَيْنَمَا أَنا أَطُوف بِالْبَيْتِ إِذا أَنا بِرَجُل مُعَلّق بالأستار، وَهُوَ يَقُول: " يَا من لَا يشْغلهُ شَيْء عَن سمع، يَا من لَا يغلطه السائلون، يَا من لَا يتبرم بإلحاح

ص: 125

الملحين، أذقني برد عفوك وحلاوة رحمتك قَالَ: قلت: دعاؤك هَذَا - عافاك الله - أعده؛ وَقَالَ: قد سمعته، قلت: نعم. قَالَ: فَادع بِهِ فِي كل دبر صَلَاة؛ فوالذي نفس الْخضر بِيَدِهِ، لَو أَن عَلَيْك من الذُّنُوب عدد نُجُوم السَّمَاء وحصى الأَرْض، لغفر الله لَك أسْرع من طرفَة عين.

وَأخرجه الدينَوَرِي فِي المجالسة من هَذَا الْوَجْه.

110 -

وَقد روى أَحْمد بن حَرْب النَّيْسَابُورِي، عَن مُحَمَّد بن معَاذ الْهَرَوِيّ، عَن سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن عبد الله بن مُحَرر، عَن يزِيد بن الْأَصَم عَن عَليّ بن أبي طَالب؛ فَذكر نَحوه.

وَلَكِن قَالَ: فَقلت: يَا عبد الله {أعد الْكَلَام} ! قَالَ: وسمعته؛ قلت: نعم. قَالَ: وَالَّذِي نفس الْخضر بِيَدِهِ - وَكَانَ الْخضر يقولهن عِنْد دبر الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة - لَا يَقُولهَا أحد دبر الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة إِلَّا غفرت ذنُوبه، وَإِن كَانَت

ص: 126

مثل رمل عالج، وَعدد الْقطر، وورق الشّجر.

111 -

وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن معَاذ الْهَرَوِيّ، عَن أبي عبيد المَخْزُومِي، عَن عبد الله بن الْوَلِيد، عَن مُحَمَّد بن حميد، عَن سُفْيَان الثَّوْريّ نَحوه.

112 -

وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل: قَالَ: ثَنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ، ثَنَا أَبُو جَعْفَر الْبَغْدَادِيّ، ثَنَا عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الصَّنْعَانِيّ، ثَنَا أَبُو الْوَلِيد المَخْزُومِي، ثَنَا أنس بن عِيَاض، عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه، عَن جَابر بن عبد الله قَالَ:" لما توفّي رَسُول الله - عزتهم الْمَلَائِكَة، يسمعُونَ الْحس وَلَا يرَوْنَ الشَّخْص؛ فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْكُم أهل الْبَيْت، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته؛ إِن فِي الله عزاء من كل مُصِيبَة، وخلفا من كل فَائت، فبالله فثقوا، وإياه فارجوا، فَإِنَّمَا المحروم من حرم الثَّوَاب وَالسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته ".

ص: 127

113 -

وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا: أَنا أَبُو شُعْبَة أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَمْرو الأحمسي، حَدثنَا الْحسن بن حميد الرّبيع اللَّخْمِيّ، ثَنَا عبد الله بن أبي زِيَاد، ثَنَا شَيبَان بن حَاتِم، ثَنَا عبد الْوَاحِد بن سُلَيْمَان الْحَارِثِيّ، ثَنَا الْحسن بن عَليّ، عَن مُحَمَّد بن عَليّ - هُوَ ابْن الْحُسَيْن بن عَليّ - قَالَ:" لما كَانَ قبل وَفَاة رَسُول الله - هَبَط إِلَيْهِ جِبْرَائِيل " - فَذكر قصَّة الْوَفَاة مُطَوَّلَة - وَفِيه: فَأَتَاهُم آتٍ يسمعُونَ حسه، وَلَا يرَوْنَ شخصه، فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته ". فَذكر مثله فِي التَّعْزِيَة.

114 -

روى سيف فِي الْفتُوح: إِن جمَاعَة كَانُوا مَعَ سعد بن أبي وَقاص، فَرَأَوْا أَبَا محجن - وَهُوَ يُقَاتل - فَذكر قصَّة أبي مجحن بِطُولِهَا، وَإِنَّهُم قَالُوا، وهم لَا يعرفونه: مَا هُوَ إِلَّا الْخضر ".

وَهَذَا يَقْتَضِي أَنهم كَانُوا جازمين بِوُجُود الْخضر فِي ذَلِك الْوَقْت.

115 -

وَقَالَ أَبُو عبد الله بن بطة العكبري الْحَنْبَلِيّ:

ص: 128

ثَنَا شُعَيْب بن أَحْمد بن أبي الْعَوام، ثَنَا أبي، ثَنَا إِبْرَاهِيم بن عبد الحميد الوَاسِطِيّ، ثَنَا أبين بن سُفْيَان، عَن غَالب بن عبد الله الْعقيلِيّ عَن الْحسن الْبَصْرِيّ قَالَ: " اخْتلف رجل من أهل السّنة وغيلان الْقدر فِي شَيْء من القدري، فتراضيا بَينهمَا على أول رجل يطلع عَلَيْهِمَا من نَاحيَة ذكرَاهَا، فطلع عَلَيْهِمَا أَعْرَابِي قد طوى عباءة فَجَعلهَا على كتفه. فَقَالَا لَهُ: رضيناك حكما فِيمَا بَيْننَا، فطوى كساءه، ثمَّ جلس عَلَيْهِ؛ ثمَّ قَالَ: اجلسا! فَجَلَسْنَا بَين يَدَيْهِ.

فَحكم على غيلَان ".

قَالَ الْحسن ذَاك الْخضر.

وَفِي إِسْنَاده أبين بن سُفْيَان، وَهُوَ مَتْرُوك.

116 -

وروى حَمَّاد بن عمر النصيبي - أحد المتروكين -: ثَنَا السّري بن خَالِد، عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه، عَن جده: عَليّ بن الْحُسَيْن: أَن مولى لَهُم ركب [فِي] الْبَحْر، فَكسر بِهِ، فبمَا هُوَ يسير على ساحله إِذْ نظر إِلَى رجل إِلَى شاطئ الْبَحْر، وَنظر إِلَى مائدة نزلت من

ص: 129

من السَّمَاء، فَوضعت بَين يَدَيْهِ فَأكل مِنْهَا، ثمَّ رفعت فَقَالَ: لَهُ بِالَّذِي وفقك بِمَا أرى، أَي عباد الله أَنْت؟ {قَالَ: الْخضر الَّذِي تسمع بِهِ، قَالَ: بِمَاذَا جَاءَك هَذَا الطَّعَام وَالشرَاب؟ قَالَ: بأسماء الله الْعِظَام ".

117 -

وَأخرج أَحْمد فِي كتاب الزّهْد لَهُ: عَن حَمَّاد بن أُسَامَة، ثَنَا مسعر، عَن معن بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن مَسْعُود، عَن عون بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود قَالَ: " بَيْنَمَا رجل فِي بُسْتَان بِمصْر فِي فتْنَة ابْن الزبير مهموما [مكبا ينكت] فِي الأَرْض بِشَيْء، إِذْ رفع رَأسه فَإِذا بفتى صَاحب مسحاة، قد سنح لَهُ قَائِما بَين يَدَيْهِ، فَرفع رَأسه، فَكَأَنَّهُ ازدراه، فَقَالَ لَهُ: مَالِي أَرَاك مهموما؟ قَالَ: لَا شَيْء: قَالَ أما الدُّنْيَا فَإِن الدُّنْيَا عرض حَاضر، يَأْكُل مِنْهُ الْبر والفاجر، وَإِن الْآخِرَة أجل صَادِق يحكم فِيهِ ملك قَادر

حَتَّى ذكر أَن لَهَا مفصلا كمفاصل اللَّحْم، من أَخطَأ شَيْئا [مِنْهَا] أَخطَأ الْحق.

قَالَ: فَلَمَّا سمع ذَلِك مِنْهُ أعجبه، فَقَالَ: اهتمامي بِمَا فِيهِ الْمُسلمُونَ.

قَالَ: فَإِن الله سينجيك بشفقتك على الْمُسلمين. وسل} من ذَا الَّذِي سَأَلَ الله فَلم يُعْطه، أَو دَعَاهُ فَلم يجبهُ، أَو توكل عَلَيْهِ فَلم يكفه أَو وثق بِهِ فَلم ينجه؟ {}

قَالَ: فطفقت أَقُول: اللَّهُمَّ سلمني وَسلم مني؛ قَالَ: فتجلت، وَلم يصب فِيهَا بِشَيْء. "

قَالَ مسعر:

ص: 130

يرَوْنَ أَنه الْخضر.

118 -

وَأخرجه أَبُو نعيم فِي الْحِلْية فِي تَرْجَمَة عون بن عبد الله: من طَرِيق أبي أُسَامَة، وَهُوَ حَمَّاد بن أُسَامَة.

وَقَالَ بعده: وَرَوَاهُ ابْن عُيَيْنَة عَن مسعر.

119 -

وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن سُفْيَان الرَّاوِي عَن مُسلم عقب رِوَايَته عَن مُسلم لحَدِيث أبي سعيد فِي قصَّته الَّذِي يقْتله الدَّجَّال: " يُقَال إِن هَذَا الرجل [هُوَ] الْخضر [عليه السلام] .

120 -

وَقَالَ عبد الرَّزَّاق: أَنا معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة عَن أبي سعيد، فِي قصَّة الَّذِي يقْتله الدَّجَّال، وَفِي آخِره: قَالَ معمر: بَلغنِي أَنه يَجْعَل على حلقه صفيحة من نُحَاس، وَبَلغنِي أَنه الْخضر " وَهَذَا عزاهُ النَّوَوِيّ لمُسْند معمر، فأوهم أَن لَهُ فِيهِ سندا، وَإِنَّمَا هُوَ قَول معمر.

ص: 131

121 -

وَقَالَ أَبُو نعيم فِي الْحِلْية: ثَنَا [عبد] الله بن مُحَمَّد - هُوَ أَبُو الشَّيْخ - ثَنَا مُحَمَّد بن يحيى - هُوَ ابْن مَنْدَه - ثَنَا أَحْمد بن مَنْصُور الْمروزِي، حَدثنَا أَحْمد بن جميل قَالَ: قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة: بَيْنَمَا أَنا أَطُوف بِالْبَيْتِ إِذْ أَنا بِرَجُل مشرف على النَّاس، حسن الشّبَه فَقُلْنَا بَعْضنَا لبَعض: مَا أشبه هَذَا الرجل أَن يكون من أهل الْعلم.

قَالَ: فاتبعناه حَتَّى قضى طَوَافه، فَسَار إِلَى الْمقَام فصلى رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا سلم أقبل على الْقبْلَة، فَدَعَا بدعوات، ثمَّ الْتفت إِلَيْنَا، فَقَالَ: هَل تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ ربكُم؟ قُلْنَا: وماذا قَالَ رَبنَا؟ قَالَ: قَالَ ربكُم: أَنا الْملك أدعوكم إِلَى أَن تَكُونُوا ملوكا.

ثمَّ أقبل على الْقبْلَة، فَدَعَا بدعوات، ثمَّ الْتفت إِلَيْنَا، فَقَالَ: هَل تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ ربكُم؟ قُلْنَا لَهُ: وماذا [قَالَ رَبنَا، - حَدثنَا - يَرْحَمك الله -؟

قَالَ: قَالَ ربكُم: أَنا الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت، أدعوكم إِلَى أَن تَكُونُوا أَحيَاء

ص: 132

لَا تموتون

ثمَّ أقبل على الْقبْلَة، فَدَعَا بدعوات، ثمَّ الْتفت إِلَيْنَا، فَقَالَ:[هَل] تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ ربكُم؟ قُلْنَا: مَاذَا قَالَ رَبنَا، حَدثنَا - يَرْحَمك [الله -] ؟

قَالَ: قَالَ ربكُم: أَنا الَّذِي إِذا أردْت شَيْئا كَانَ أدعوكم إِلَى أَن تَكُونُوا بِحَال، إِذا أردتم شَيْئا كَانَ لكم.

قَالَ ابْن عُيَيْنَة: ثمَّ ذهب فَلم نره. قَالَ: فَلَقِيت سُفْيَان الثَّوْريّ [فَأَخْبَرته بذلك]، فَقَالَ: مَا أشبه أَن يكون هَذَا الْخضر، أَو بعض هَؤُلَاءِ [يَعْنِي] الأبدال.

122 -

تَابعه مُحرز بن أبي جدعة عَن سُفْيَان.

123 -

وَرَوَاهَا زِيَاد بن أبي الْأصْبع عَن سُفْيَان أَيْضا.

124 -

وروى مُحَمَّد بن الْحسن بن الْأَزْهَر. عَن الْعَبَّاس بن يزِيد عَن

ص: 133

سُفْيَان نَحْوهَا.

125 -

وَأخرج أَبُو سعيد فِي " شرف الْمُصْطَفى " من طَرِيق أَحْمد بن أبي بزه، ثَنَا مُحَمَّد بن الْفُرَات، عَن ميسرَة بن سعيد بن أبي عرُوبَة، عَن أَبِيه: بَيْنَمَا الْحسن فِي مَجْلِسه - وَالنَّاس حوله - إِذْ أقبل رجل مخضرة عَيناهُ، فَقَالَ لَهُ الْحسن: أهكذا وَلدتك أمك أم هِيَ بلية؟ قَالَ: أَو مَا تعرفنِي يَا أَبَا سعيد؟ {قَالَ: من أَنْت؟ [قَالَ: فرات] فانتسب لَهُ، فَلم يبْق فِي الْمجْلس أحد إِلَّا عرفه. فَقَالَ: يَا هَذَا مَا قصتك؟ فَقَالَ: يَا أَبَا سعيد} عَمَدت إِلَى جَمِيع مَالِي، وألقيته فِي مركب، فَخرجت أُرِيد الصين، فعصفت علينا

ص: 134

ريح، فغرقت، فَخرجت إِلَى بعض السواحل على لوح، فأقمت أتردد نَحوا من أَرْبَعَة أشهر، آكل مَا أُصِيب من الشّجر والعشب، وأشرب من مَاء الْعُيُون، ثمَّ قلت: لأمضين على وَجْهي.

فإمَّا أَن أهلك، وَإِمَّا ان أنجو، فسرت فَرفع لي قصر، كَأَن سناءه فضَّة، فَرفعت مصراعه فَإِذا دَاخله أروقة، فِي كل طاق مِنْهَا صندوق من لُؤْلُؤ وَعَلَيْهَا أقفال مفاتيحها رَأْي الْعين، ففتحت بَعْضهَا فَخرجت من جَوْفه رَائِحَة طيبَة، وَإِذا فِيهِ رجال مدرجون فِي ألوان الْحَرِير، فحركت بَعضهم فَإِذا هُوَ ميت فِي صفة حَيّ، فأطبقت الصندوق وَخرجت، وأغلقت بَاب الْقصر ومضيت، فَإِذا أَنا بفارسين لم أر مثلهمَا جمالا، على فرسين أغرين محجلين، فسألاني عَن قصتي فأخبرتهما. فَقَالَا: تقدم أمامك فَإنَّك تصل إِلَى شَجَرَة تحتهَا رَوْضَة، هُنَاكَ شيخ حسن الْهَيْئَة على دكان يصلى فَأخْبرهُ خبرك، فَإِنَّهُ يرشدك إِلَى الطَّرِيق فمضيت فَإِذا أَنا بالشيخ، فَسلمت فَرد عَليّ، وسألني عَن قصتي [فَأَخْبَرته بخبري كُله، فَفَزعَ لما أخْبرته بِخَبَر الْقصر] ثمَّ قَالَ: مَا صنعت؟ قلت أطبقت الصناديق، وأغلقت الْأَبْوَاب فسكن، وَقَالَ: اجْلِسْ {فمرت بِهِ سَحَابَة فَقَالَت: السَّلَام عَلَيْك يَا ولي الله} فَقَالَ: أَيْن تريدين؟ قَالَت: أُرِيد بلد كَذَا وَكَذَا، فَلم تزل تمر بِهِ سَحَابَة بعد سَحَابَة حَتَّى أَقبلت سَحَابَة فَقَالَ: أَيْن تريدين؟

قَالَت: الْبَصْرَة، قَالَ: انزلي، فَنزلت فَصَارَت بَين يَدَيْهِ فَقَالَ: احملي هَذَا حَتَّى تُؤَدِّيه إِلَى منزله سالما، فَلَمَّا صرت على متن السحابة قلت: أَسأَلك بِالَّذِي أكرمك أَلا أَخْبَرتنِي عَن الْقصر عَن الفارسيين وعنك.

قَالَ: أما الْقصر فقد أكْرم الله بِهِ شُهَدَاء الْبَحْر، ووكل بهم مَلَائِكَة يلقطونهم من الْبَحْر، فيصيرونهم فِي تِلْكَ الصناديق مدرجين فِي أكفان

ص: 135

الْحَرِير. والفارسان ملكان يغدوان ويروحان عَلَيْهِم بِالسَّلَامِ من أَمر الله.

وَأما أَنا فالخضر، وَقد سَأَلت رَبِّي أَن يحشرني مَعَ أمة نَبِيكُم.

قَالَ الرجل: فَلَمَّا صرت على السحابة، أصابني من الْفَزع هول عَظِيم، حَتَّى صرت إِلَى مَا ترى.

فَقَالَ الْحسن: لقد عَايَنت عَظِيما.

126 -

روى الطَّبَرَانِيّ فِي كتاب الدُّعَاء [لَهُ] قَالَ: ثَنَا يحيى بن مُحَمَّد الحنائي، ثَنَا الْمُعَلَّى بن حرمى، عَن مُحَمَّد بن المُهَاجر الْبَصْرِيّ حَدثنِي أَبُو عبد الله بن التوأم الرقاشِي:

ص: 136

" إِن سُلَيْمَان بن عبد الْملك أَخَاف رجلا، وَطَلَبه ليَقْتُلهُ فهرب الرجل، فَجعلت رسله تخْتَلف إِلَى منزل ذَلِك الرجل يطلبونه، فَلم يظفر بِهِ، فَجعل الرجل لَا يَأْتِي بَلْدَة إِلَّا قيل لَهُ: قد كنت تطلب هَهُنَا. فَلَمَّا طَال عَلَيْهِ الْأَمر عزم على أَن يَأْتِي بَلْدَة لَا حكم لِسُلَيْمَان عَلَيْهَا، فَذكر قصَّة [طَوِيلَة] فِيهَا: " بَيْنَمَا هُوَ فِي الصَّحرَاء لَيْسَ فِيهَا شجر وَلَا مَاء، إِذا هُوَ بِرَجُل يُصَلِّي، قَالَ فخفته، ثمَّ رجعت إِلَى نَفسِي فَقلت: وَالله مَا معي رَاحِلَة وَلَا دَابَّة، قَالَ: فقصدت نَحوه فَرَكَعَ وَسجد، ثمَّ الْتفت إِلَيّ فَقَالَ: لَعَلَّ هَذَا الطاغي، أخافك قلت: أجل. قَالَ: فَمَا يمنعك من السَّبع، قلت: يَرْحَمك الله - وَمَا السَّبع؟ قَالَ: قل: سُبْحَانَ الْوَاحِد الَّذِي لَيْسَ غَيره إِلَه، سُبْحَانَ الْقَدِيم الَّذِي لَا باريء لَهُ، سُبْحَانَ الدَّائِم الَّذِي لَا نَفاذ لَهُ، سُبْحَانَ الَّذِي هُوَ كل يَوْم فِي شَأْن، سُبْحَانَ الَّذِي يحيي وَيُمِيت، سُبْحَانَ الَّذِي خلق مَا يرى وَمَا لَا يرى، سُبْحَانَ الَّذِي علم كل شَيْء بِغَيْر تَعْلِيم.

ثمَّ قَالَ: قلها، فقلتها وحفظتها، والتفت فَلم أر الرجل. قَالَ: وَألقى الله فِي قلبِي الْأَمْن، وَرجعت رَاجعا من طريقي أُرِيد أَهلِي، فَقلت: لَآتِيَن بَاب سُلَيْمَان بن عبد الْملك، فَأتيت بَابه فَإِذا هُوَ يَوْم إِذْنه - وَهُوَ يإذن للنَّاس - فَدخلت وَإنَّهُ لعَلي فرَاشه، فَمَا غَدا أَن رَآنِي فَاسْتَوَى على فرَاشه، ثمَّ

ص: 137

أَوْمَأ إِلَيّ، فَمَا زَالَ يدنيني حَتَّى قعدت مَعَه على الْفراش [ثمَّ] قَالَ: سحرتني، أَو سَاحر أَنْت مَعَ مَا بَلغنِي عَنْك؟ فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا أَنا بساحر، وَلَا أعرف السحر، وَلَا سحرتك. قَالَ: فَكيف؟ فَمَا ظَنَنْت أَنه يتم ملكي إِلَّا بقتلك، فَلَمَّا رَأَيْتُك لم أستقر حَتَّى دعوتك؛ فأقعدتك معي على فِرَاشِي، ثمَّ قَالَ: أصدقني أَمرك فَأَخْبَرته.

قَالَ: يَقُول سُلَيْمَان: الْخضر - وَالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ - علمكها. اكتبوا لَهُ أَمَانًا، وأحسنوا جائزته، واحملوه إِلَى أَهله.

127 -

أخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية: فِي تَرْجَمَة رَجَاء بن حَيْوَة من تأريخ السراج ثمَّ من رِوَايَة مُحَمَّد بن ذكْوَان عَن رَجَاء بن حَيْوَة قَالَ: " إِنِّي لواقف مَعَ سُلَيْمَان بن عبد الْملك، وَكَانَت لي مِنْهُ منزله، إِذْ جَاءَ رجل - ذكر رَجَاء - من حسن هَيئته، قَالَ: فَسلم، فَقَالَ: يَا رَجَاء! إِنَّك قد ابْتليت بِهَذَا الرجل، وَفِي قربه

ص: 138

الزيغ {} يَا رَجَاء، عَلَيْك بِالْمَعْرُوفِ، وَعون الضَّعِيف {وَاعْلَم يَا رَجَاء، أَنه من كَانَت لَهُ منزلَة من السُّلْطَان، فَرفع حَاجَة إِنْسَان ضَعِيف لَا يَسْتَطِيع رَفعهَا، لقى الله يَوْم الْقِيَامَة، وَقد ثَبت قَدَمَيْهِ لِلْحسابِ}

وَاعْلَم يَا رَجَاء، من كَانَ فِي حَاجَة أَخِيه الْمُسلم كَانَ الله فِي حَاجته {

وَاعْلَم يَا رَجَاء، أَن من أحب الْأَعْمَال إِلَى الله فرجا أدخلته على مُسلم} ثمَّ فَقده، وَكَانَ يرى أَنه الْخضر عليه السلام ".

128 -

ذكر الزبير بن بكار فِي الموفقيات قَالَ: أَخْبرنِي السّري بن الْحَارِث الْأنْصَارِيّ - من ولد الْحَارِث بن الصمَّة - عَن مُصعب بن ثَابت بن عبد الله بن الزبير - وَكَانَ يُصَلِّي فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة ألف رَكْعَة ويصوم الدَّهْر - قَالَ:

ص: 139

" بت لَيْلَة فِي الْمَسْجِد، فَلَمَّا خرج النَّاس، إِذا رجل قد جَاءَ إِلَى بَيت النَّبِي - فَسلم، ثمَّ أسْند ظَهره إِلَى الْجِدَار، ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّك تعلم أَنِّي كنت أمس صَائِما، ثمَّ أمسيت فَلم أفطر على شَيْء، اشتهي الثَّرِيد، فأطعمنيها من عنْدك.

قَالَ: فَنَظَرت إِلَى وصيف دَاخل من خوخة المنارة لَيْسَ فِي خلقَة النَّاس، مَعَه قَصْعَة، فَأَهوى بهَا إِلَى الرجل، فوضعها بَين يَدَيْهِ، وَجلسَ الرجل يَأْكُل، وحصبني، فَقَالَ: هَلُمَّ فَجئْت، وظننت أَنَّهَا من الْجنَّة، فَأَحْبَبْت أَن آكل مِنْهَا، فَأكلت مِنْهَا لقْمَة، فَإِذا طَعَام لَا يشبه طَعَام الدُّنْيَا، ثمَّ احتشمت فَقُمْت فَرَجَعت [إِلَى] مَكَاني، فَلَمَّا فرغ من أكله، أَخذ الوصيف الْقَصعَة، ثمَّ أَهْوى رَاجعا من حَيْثُ جَاءَ ثمَّ قَامَ الرجل منصرفا، فاتبعته لأعرفه، فَمثل، فَلَا أَدْرِي أَيْن سلك، فظننته الْخضر ".

129 -

وَأخرج ابْن عَسَاكِر: من طَرِيق إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن الْمُغيرَة، عَن عبد الله حَدثنِي أبي: أَن قوام الْمَسْجِد قَالُوا للوليد بن عبد الْملك: إِن الْخضر يُصَلِّي كل

ص: 140

لَيْلَة فِي الْمَسْجِد ".

130 -

قَالَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْخُتلِي فِي كتاب الرماح لَهُ: ثَنَا عُثْمَان بن سعيد الأنماط، ثَنَا عَليّ بن العشم المصِّيصِي، عَن عبد الحميد بن بَحر عَن سَلام الطَّوِيل، عَن دَاوُد بن يحيى مولى عون

ص: 141

الطفَاوِي عَن رجل كَانَ مرابطا فِي بَيت الْمُقَدّس وبعسقلان قَالَ: " بَيْنَمَا أَنا أَسِير فِي وَادي الْأُرْدُن، إِذا أَنا بِرَجُل فِي نَاحيَة الْوَادي، قَائِم يُصَلِّي فَإِذا بسحابة تظله من الشَّمْس، فَوَقع فِي قلبِي أَنه إلْيَاس النَّبِي، فَأَتَيْته فَسلمت عَلَيْهِ، فأنفلت من صلَاته، فَرد السَّلَام، فَقلت لَهُ من أَنْت - يَرْحَمك الله -؟ فَلم يرد عَليّ شَيْئا، فَأَعَدْت عَلَيْهِ القَوْل مرَّتَيْنِ، فَقَالَ: أَنا إلْيَاس النَّبِي، فَأَخَذَتْنِي رعدة شَدِيدَة خشيت على عَقْلِي أَن يذهب، فَقلت لَهُ: إِن رَأَيْت - رَحِمك الله - أَن تَدْعُو لي، أَن يذهب الله عني مَا أجد حَتَّى أفهم حَدِيثك، قَالَ: فَدَعَا لي ثَمَانِي دعوات فَقَالَ: يَا بر {يَا رَحِيم} يَا حَيّ {يَا قيوم} يَا حنان {منان} يَا هيا! شراهيا (؟) فَذهب عني مَا كنت أجد. فَقلت: إِلَى من بعثت، قَالَ: إِلَى أهل بعلبك. فَقلت: هَل يُوحى إِلَيْك الْيَوْم، فَقَالَ: أما من بعث مُحَمَّد خَاتم النَّبِيين فَلَا.

ص: 142

قلت: فكم من الْأَنْبِيَاء فِي الْحَيَاة، قَالَ: اربعة: " أَنا وَالْخضر فِي الأَرْض، وَإِدْرِيس وَعِيسَى فِي السَّمَاء " قلت: فَهَل تلتقي أَنْت وَالْخضر، قَالَ: نعم، فِي كل عَام بِعَرَفَات {} قلت: فَمَا حديثكما؟ قَالَ: يَأْخُذ من شعري وآخذ من شعره. قلت: فكم الأبدال؟ قَالَ: هم سِتُّونَ رجلا، خَمْسُونَ مَا بَين عَرِيش مصر إِلَى شاطيء الْفُرَات، ورجلان بِالْمصِّيصَةِ، وَرجل بأنطاكية، وَسَبْعَة فِي سَائِر الْأَمْصَار {} بهم يسقون الْغَيْث، وبهم ينْصرُونَ على الْعَدو، وبهم يُقيم الله أَمر الدُّنْيَا، حَتَّى إِذا أَرَادَ أَن يهْلك الدُّنْيَا أماتهم جَمِيعًا.

فِي إِسْنَاده جَهَالَة ومتركون.

131 -

قَالَ أَبُو الْحُسَيْن بن الْمُنَادِي فِي الْجُزْء الْمَذْكُور:

ص: 143

ثنى أَحْمد بن ملاعب، ثَنَا يحيى بن سعيد السعيدي، أَخْبرنِي أَبُو جَعْفَر الْكُوفِي ثنى أَبُو عمر النصيبي، قَالَ: " خرجت أطلب مسلمة بن مصقلة بِالشَّام، وَكَانَ يُقَال: إِنَّه من الأبدال، فَلَقِيته بوادي الْأُرْدُن، فَقَالَ لي:[أَلا] أخْبرك بِشَيْء رَأَيْته الْيَوْم فِي هَذَا الْوَادي. قَالَ: قلت: بلَى {

قَالَ: دخلت الْيَوْم هَذَا الْوَادي فَإِذا أَنا بشيخ يُصَلِّي إِلَى شَجَرَة، فَألْقى فِي روعي أَنه إلْيَاس النَّبِي، فدنوت مِنْهُ فَسلمت عَلَيْهِ، فَرَكَعَ، فَلَمَّا جلس سلم عَن يَمِينه وَعَن شِمَاله، ثمَّ أقبل عَليّ فَقَالَ: وَعَلَيْك السَّلَام} فَقلت: من أَنْت - يَرْحَمك الله - {

قَالَ: أَنا إلْيَاس النَّبِي، قَالَ: فَأَخَذَتْنِي رعدة شَدِيدَة حَتَّى خرزت على قفاي، قَالَ: فَدَنَا مني فَوضع يَده بَين ثديي، فَوجدت بردهَا بَين كَتِفي، فَقلت: يَا نَبِي الله} ادْع الله أَن يذهب عني مَا أجد حَتَّى أفهم كلامك عَنْك، فَدَعَا [لي] بِثمَانِيَة أَسمَاء؛ خَمْسَة مِنْهَا بِالْعَرَبِيَّةِ، وَثَلَاثَة بالسُّرْيَانيَّة فَقَالَ:

ص: 144

يَا وَاحِد {يَا أحد} يَا صَمد {يَا فَرد} يَا وتر {ودعا بِالثَّلَاثَةِ الْأَسْمَاء الْأُخَر فَلم أعرفهَا.

ثمَّ أَخذ بيَدي فأجلسني، فَذهب عني مَا كنت أجد، فَقلت: يَا نَبِي الله} ألم تَرَ هَذَا الرجل مَا يصنع {- أَعنِي مَرْوَان بن مُحَمَّد - وَهُوَ يَوْمئِذٍ يحاصر أهل حمص، فَقَالَ لي: مَالك وَمَاله جَبَّار عَاتٍ على الله. فَقلت: يَا نَبِي الله أما أَنِّي قد مَرَرْت بِهِ فَأَعْرض عني، فَقلت: يَا نَبِي الله} أما أَنِّي، وَإِن كنت قد مَرَرْت بهم فَإِنِّي لم أهوَ أحدا من الْفَرِيقَيْنِ، وَأَنا أسْتَغْفر الله وَأَتُوب إِلَيْهِ. قَالَ: فَأقبل عَليّ بِوَجْهِهِ، ثمَّ قَالَ لي: قد أَحْسَنت هَكَذَا فَقل، ثمَّ لَا تعد.

قلت: يَا نَبِي الله {هَل فِي الأَرْض الْيَوْم من الأبدال أحد؟ قَالَ: نعم، هم سِتُّونَ رجلا، مِنْهُم: خَمْسُونَ فِيمَا بَين الْعَريش إِلَى الْفُرَات. وَمِنْهُم ثَلَاثَة بِالْمصِّيصَةِ، وَوَاحِد بأنطاكية، وَسَائِر الْعشْرَة فِي سَائِر أَمْصَار الْعَرَب.

قلت: يَا نَبِي الله} هَل تلتقي أَنْت وَالْخضر؟ قَالَ: نعم نَلْتَقِي فِي كل موسم بمنى {

قلت: فَمَا يكون من حديثكما، قَالَ: يَأْخُذ من شعري وآخذ من شعره. قلت: يَا نَبِي الله} إِنِّي رجل خلو لَيست لي زَوْجَة وَلَا ولد، فَإِن رَأَيْت أَن تَأذن لي فأصحبك، وأكون مَعَك.

قَالَ إِنَّك لن تَسْتَطِيع ذَلِك [أَو] إِنَّك لَا تقدر على ذَلِك.

ص: 145

قَالَ: فَبَيْنَمَا هُوَ يحدثني إِذْ رَأَيْت مائدة قد خرجت من أصل الشَّجَرَة، فَوضعت بَين يَدَيْهِ، وَلم أر من وَضعهَا، وَعَلَيْهَا ثَلَاثَة أرغفة، فَمد يَده ليَأْكُل، وَقَالَ [لي] : كل وسم، وكل مِمَّا يليك، فمددت يَدي، فَأكلت أَنا وَهُوَ رغيفا وَنصفا، ثمَّ إِن الْمَائِدَة رفعت وَلم أر أحدا رَفعهَا، وَأتي بأناء فِيهِ شراب، فَوضع فِي يَده، فَلم أر أحدا وَضعه، فَشرب ثمَّ ناولني، فَقَالَ: اشرب فَشَرِبت أحلى من الْعَسَل، وَأَشد بَيَاضًا من اللَّبن، ثمَّ وضعت الْإِنَاء، فَرفع الْإِنَاء، فَلم أر أحدا رَفعه.

ثمَّ نظر إِلَى أَسْفَل الْوَادي، فَإِذا دَابَّة قد أَقبلت فَوق الْحمار وَدون الْبَغْل، وَعَلِيهِ رحالة، فَلَمَّا انْتهى إِلَيْهِ نزل، فَقَامَ ليركب، وَدرت بِهِ لآخذ بغرز الدَّابَّة، فَركب، ثمَّ سَار، ومشيت على جنبه، وَأَنا أَقُول: يَا نَبِي الله! إِن رَأَيْت أَن تَأذن [لي] فأصحبك، وأكون مَعَك، فَقَالَ: ألم أقل: إِنَّك لن تَسْتَطِيع ذَلِك.

فَقلت: فَكيف لي بلقائك؟ قَالَ: إِنَّك إِذا رَأَيْتُك رَأَيْتنِي. قلت: على ذَلِك. قَالَ: لَعَلَّك تَلقانِي فِي رَمَضَان معتكفا بِبَيْت الْمُقَدّس، واستقبلته شَجَرَة، فَأخذ من نَاحيَة، وَدرت من الْجَانِب الآخر أستقبله، فَلم أر شَيْئا ".

قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: مسلمة، والراوي عَنهُ، وَأَبُو جَعْفَر الْكُوفِي لَا يعْرفُونَ.

ص: 146

132 -

روى دَاوُد بن مهْرَان، ثنى شيخ عَن حبيب أبي مُحَمَّد: أَنه رأى رجلا، فَقَالَ لَهُ: من أَنْت؟ قَالَ: أَنا الْخضر ".

133 -

وَعَن مُحَمَّد بن عمرَان، عَن جَعْفَر الصَّادِق: أَنه كَانَ مَعَ أَبِيه فَجَاءَهُ رجل، فَسَأَلَهُ عَن مسَائِل، قَالَ: فَأمرنِي أَن أرد الرجل، فَلم أَجِدهُ، فَقَالَ: ذَاك الْخضر.

134 -

وَعَن أبي جَعْفَر الْمَنْصُور: أَنه سمع رجلا يَقُول فِي الطّواف: أَشْكُو إِلَيْك ظُهُور الْبَغي وَالْفساد، فَدَعَاهُ فوعظه، وَبَالغ، ثمَّ خرج. فَقَالَ: اطلبوه! فَلم يجدوه. فَقَالَ: ذَاك الْخضر.

135 -

وَأخرج ابْن عَسَاكِر:

ص: 147

من طَرِيق عمر بن فروخ، عَن عبد الرَّحْمَن بن حبيب، عَن سعيد بن سعيد، عَن أبي طيبَة، عَن كرز بن وبرة قَالَ: " أَتَانِي أَخ لي من الشَّام، فأهدى إِلَيّ هَدِيَّة، فَقلت: من أهداها إِلَيْك، قَالَ: إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ.

قلت: من أهداها إِلَى إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ، قَالَ: قَالَ: كنت جَالِسا فِي فنَاء الْكَعْبَة، فَأَتَانِي رجل، فَقَالَ: أَنا الْخضر. وَذكر لي تسبيحات ودعوات.

ص: 148

136 -

وَذكر أَبُو الْحُسَيْن بن الْمُنَادِي: من طَرِيق مسلمة بن عبد الْملك، عَن عمر بن عبد الْعَزِيز:" أَنه لَقِي الْخضر ".

137 -

وَفِي المجالسة لأبي بكر الدينَوَرِي: من طَرِيق إِبْرَاهِيم بن خَالِد، عَن عمر بن عبد الْعَزِيز قَالَ:" رَأَيْت الْخضر، وَهُوَ يمشي مشيا سَرِيعا، وَهُوَ يَقُول: " صبرا يَا نفس صبرا لأيام تفقد لتِلْك أَيَّام الْأَبَد، وصبرا لأيام قصار لتك الْأَيَّام الطوَال ".

138 -

وَقَالَ يَعْقُوب بن سُفْيَان فِي تأريخه: ثَنَا مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز الرَّمْلِيّ، قَالَ: ثَنَا ضَمرَة - هُوَ

ص: 149

ابْن ربيعَة -، عَن السّري بن يحيى، عَن ريَاح بن عُبَيْدَة، قَالَ: " رَأَيْت رجلا يماشي عمر بن عبد الْعَزِيز مُعْتَمدًا على يَده، فَقلت فِي نَفسِي: إِن هَذَا الرجل جَاف، [قَالَ] : فَلَمَّا صلى [انْصَرف من الصَّلَاة] قلت: يَا أَبَا حَفْص {من الرجل الَّذِي كَانَ مَعَك مُعْتَمدًا على يدك آنِفا؟ قَالَ: وَقد رَأَيْته يَا ريَاح؟} قلت نعم {قَالَ: إِنِّي لأرَاك رجلا صَالحا} ذَاك أخي الْخضر، بشرني أَنِّي سألي [أَمر هَذِه الْأمة] ، وَأَعْدل [فِيهَا] .

ص: 150

قلت: هَذَا أصلح إِسْنَاد وقفت عَلَيْهِ فِي هَذَا الْبَاب.

139 -

وَقد أخرجه أَبُو عرُوبَة الْحَرَّانِي فِي تأريخه: عَن أَيُّوب بن مُحَمَّد الْوزان، عَن ضَمرَة أَيْضا.

140 -

وَأخرجه أَبُو نعيم فِي الْحِلْية: عَن أبي المقريء، عَن أبي عرُوبَة فِي تَرْجَمَة عمر بن عبد الْعَزِيز.

141 -

وروينا فِي الْجُزْء الأول من فَوَائِد الْحَافِظ أبي عبد الله مُحَمَّد بن مُسلم بن

ص: 151

وارة الرَّازِيّ:

ثنى اللَّيْث بن خَالِد أَبُو بكر وَعمر - وَكَانَا ثِقَة - قَالَ: ثَنَا الْمسيب أَبُو يحيى - وَكَانَ من أَصْحَاب مقَاتل بن حَيَّان - قَالَ: " وفدت على عمر بن عبد الْعَزِيز، فَإِذا أَنا بِرَجُل أَو شيخ يحدثه، أَو قَالَ: يتكيء عَلَيْهِ. قَالَ: ثمَّ لم أره. فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ رَأَيْت رجلا يحدثك {قَالَ: ورأيته؟ قلت: نعم} قَالَ: ذَاك أخي الْخضر، يأتيني فيوفقني، ويسددني.

142 -

وَقَالَ أَبُو عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ فِي تصنيفه:

ص: 152

سَمِعت مُحَمَّد بن عبد الله الرَّازِيّ يَقُول: سَمِعت بِلَال الْخَواص يَقُول: " كنت فِي تيه بني اسرائيل، فَإِذا رجل يماشيني، فتعجبت، ثمَّ ألهمت أَنه الْخضر. فَقلت: بِحَق الْحق من أَنْت؟ قَالَ: أَنا أَخُوك الْخضر! فَقلت: مَا تَقول فِي الشَّافِعِي؟ قَالَ: من الْأَوْتَاد (الأبدال) قلت: فَأَحْمَد بن حَنْبَل؟ قَالَ: صديق.

قلت: فبشر بن الْحَارِث؟ قَالَ: لم يخلف بعده مثله.

قلت: بِأَيّ وَسِيلَة رَأَيْتُك؟

قَالَ: ببرك لأمك ".

143 -

وَقَالَ أَبُو نعيم فِي الْحِلْية

ص: 153

حَدثنَا ظفر بن أَحْمد، حَدثنَا عبد الله بن إِبْرَاهِيم الحريري قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن صَالح بن ذريح، قَالَ بِلَال الْخَواص: " رَأَيْت الْخضر فِي النّوم، فَقلت لَهُ: مَا تَقول فِي بشر؟ قَالَ: لم يخلف بعده مثله. قلت: مَا تَقول فِي أَحْمد؟ قَالَ: صديق، [قلت: وَمَا تَقول فِي أبي ثَوْر؟ قَالَ: رجل طَالب حق. قلت: أَنا بِأَيّ وَسِيلَة رَأَيْتُك؟ قَالَ: ببرك بأمك] .

144 -

وَقَالَ أَبُو الْحسن بن جَهْضَم: حَدثنَا مُحَمَّد بن دَاوُد، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن الصَّلْت، عَن بشر بن الْحَارِث الحافي، قَالَ: "

ص: 154

كَانَت لي حجرَة، وَكنت أغلقها إِذا خرجت، معي الْمِفْتَاح، فَجئْت ذَات يَوْم وَفتحت الْبَاب وَدخلت، فَإِذا شخص قَائِم يُصَلِّي، فراعني، فَقَالَ: يَا بشر لَا ترع ; أَنا أَخُوك أَبُو الْعَبَّاس الْخضر.

قَالَ بشر: فَقلت لَهُ: عَلمنِي شَيْئا، فَقَالَ: قل: " أسْتَغْفر الله من كل ذَنْب تبت مِنْهُ، ثمَّ عدت إِلَيْهِ، وأسأله التَّوْبَة ; وَأَسْتَغْفِر الله من كل عقد عقدته على نَفسِي، ففسخته، وَلم أُفٍّ بِهِ ".

145 -

وَذكر عبد المغيث: من حَدِيث ابْن عمر رضي الله عنهما أَن رَسُول الله - قَالَ: " مَا يمنعكم أَن تكفرُوا ذنوبكم بِكَلِمَات أخي الْخضر " فَذكر نَحْو الْكَلِمَات الْمَذْكُورَة فِي حِكَايَة بشر. ".

146 -

روى أَبُو نعيم: عَن أبي الْحسن بن مقسم، عَن أبي مُحَمَّد الحريري، سَمِعت أَبَا إِسْحَاق المرستاني يَقُول: رَأَيْت الْخضر، فعلمني عشر كَلِمَات، وأحصاها بِيَدِهِ: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك الإقبال عَلَيْك، والإصغاء إِلَيْك، والفهم عَنْك، والبصيرة فِي أَمرك، والنفاذ فِي طَاعَتك، والمواظبة على إرادتك، والمبادرة إِلَى

ص: 155

خدمتك، وَحسن الْأَدَب فِي معاملتك، وَالتَّسْلِيم، والتفويض إِلَيْك ".

147 -

قَالَ أَبُو الْحسن بن جَهْضَم: حَدثنَا الْخُلْدِيِّ، حَدثنَا ابْن مَسْرُوق، حَدثنَا أَبُو عمرَان الْخياط قَالَ: قَالَ لي الْخضر: " مَا كنت أَظن أَن لله وليا إِلَّا وَقد عَرفته، فَكنت بِصَنْعَاء الْيمن فِي الْمَسْجِد، وَالنَّاس حول عبد الرَّزَّاق يسمعُونَ مِنْهُ الحَدِيث، وشاب جَالس نَاحيَة الْمَسْجِد، فَقَالَ لي: مَا شَأْن هَؤُلَاءِ؟ قلت: يسمعُونَ من عبد الرَّزَّاق، قَالَ: عَمَّن؟ قلت: عَن فلَان، عَن فلَان عَن النَّبِي -. فَقَالَ: هلا سمعُوا عَن الله عز وجل؟ قلت: فَأَنت تسمع عَن الله عز وجل؟ قَالَ: نعم! قلت: من أَنْت؟ قَالَ: الْخضر. قَالَ: فَعلمت أَن لله أَوْلِيَاء مَا عرفتهم.

وَابْن جَهْضَم مَعْرُوف بِالْكَذِبِ.

148 -

وَعَن الْحسن بن غَالب قَالَ: حججْت، فسبقت النَّاس، وَانْقطع بِي، فَلَقِيت شَابًّا، فَأخذ بيَدي، فألحقني بهم، فَلَمَّا قدمت، قَالَ لي أَهلِي: إِنَّا سمعنَا أَنَّك هَلَكت، فرحنا إِلَى

ص: 156

أبي الْحسن الْقزْوِينِي، فَذَكرنَا لَهُ ذَلِك، وَقُلْنَا: ادْع الله لَهُ، فَقَالَ: مَا هلك، وَقد رأى الْخضر.

قَالَ: فَلَمَّا قدمت، جِئْت إِلَيْهِ، فَقَالَ لي: مَا فعل صَاحبك؟ قَالَ الْحسن بن غَالب: كنت فِي مَسْجِدي، فَدخل عَليّ رجل، فَقَالَ: غَدا تَأْتِيك هَدِيَّة فَلَا تقبلهَا، وَبعدهَا بأيام تَأْتِيك هَدِيَّة فاقبلها {فبلغني أَن أَبَا الْحسن الْقزْوِينِي قَالَ عني، قد رأى الْخضر مرَّتَيْنِ ".

قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: الْحسن بن غَالب كذبوه.

149 -

وَأخرج ابْن عَسَاكِر، فِي تَرْجَمَة أبي زرْعَة الرَّازِيّ، بِسَنَد صَحِيح إِلَى أبي زرْعَة: ط أَنه لما كَانَ شَابًّا، لَقِي رجلا مخضوبا بِالْحِنَّاءِ، فَقَالَ لَهُ: لَا تغش أَبْوَاب الْأُمَرَاء. قَالَ: ثمَّ لَقيته بعد مَا كَبرت وَهُوَ على حَالَته - فَقَالَ لي: ألم أَنْهَك عَن غشيان أَبْوَاب الْأُمَرَاء، قَالَ: ثمَّ الْتفت، فَلم أره، فَكَأَن الأَرْض انشقت، فَدخل فِيهَا، فخيل [لي] أَنه الْخضر.

فَرَجَعت، فَلم أزر أَمِيرا، وَلَا غشيت بَابه، وَلَا سَأَلته حَاجَة ".

150 -

ذكر ابْن أبي حَاتِم فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل: " عبد الله بن عمر روى كلَاما فِي الزّهْد، عَن رجل ترَاءى لَهُ، ثمَّ غَابَ عَنهُ، فَلَا يدْرِي كَيفَ ذهب؟

فَكَانَ يرى أَنه الْخضر. "

روى نعيم بن ميسرَة عَن رجل من يحصب، عَنهُ ".

151 -

وروينا فِي أَخْبَار إِبْرَاهِيم بن أدهم: قَالَ إِبْرَاهِيم بن بشار - خَادِم إِبْرَاهِيم بن أدهم - صحبته بِالشَّام، فَقلت: يَا أَبَا إِسْحَاق، أَخْبِرِي عَن بَدْء أَمرك}

قَالَ: كنت شَابًّا، قد حبب إِلَيّ الصَّيْد، فَخرجت يَوْمًا، فأثرت أرنبا أَو ثعلبا، فَبينا أَنا أطرده، إِذْ هتف بِي هَاتِف، لَا أرَاهُ: يَا إِبْرَاهِيم، أَلِهَذَا خلقت؟ {أَبِهَذَا أمرت؟}

فَفَزِعت، ووقفت، ثمَّ تعوذت، وركضت الدَّابَّة، ففل ذَلِك مرَارًا.

ثمَّ هتف بِي هَاتِف من قربوس السرج: وَالله مَا لهَذَا خلقت؟ وَلَا بِهَذَا أمرت؟ ! قَالَ: فَنزلت، فصادفت رَاعيا لأبي يرْعَى الْغنم، فَأخذت جُبَّة الصُّوف، فلبستها، وَدفعت إِلَيْهِ الْفرس، وَمَا كَانَ معي، وتوجهت إِلَى مَكَّة، فَبينا أَنا فِي الْبَادِيَة، إِذْ أَنا بِرَجُل يسير، لَيْسَ مَعَه إِنَاء وَلَا زَاد، فَلَمَّا أَمْسَى،

ص: 157

وَصلى الْمغرب، حرك شَفَتَيْه، بِكَلَام لم أفهمهُ، فَإِذا بِإِنَاء فِيهِ طَعَام وإناء فِيهِ شراب، فَأكلت مَعَه وشربت، وَكنت على هَذَا أَيَّامًا، وَعَلمنِي اسْم الله الْأَعْظَم، ثمَّ غَابَ عني، وَبقيت وحدي، فَبينا أَنا ذَات يَوْم مستوحش من الْوحدَة، دَعَوْت الله، فَإِذا شخص أَخذ بحجزتي، فَقَالَ لي: سل، تعطه. فراعني قَوْله. فَقَالَ [لي] : لاروع عَلَيْك، أَنا أَخُوك الْخضر ".

152 -

وَذكر عبد المغيث بن زُهَيْر الْحَرْبِيّ [الْحَنْبَلِيّ]، فِي جُزْء جمعه فِي أَخْبَار الْخضر:" عَن أَحْمد بن حَنْبَل قَالَ: كنت بِبَيْت الْمُقَدّس، فَرَأَيْت الْخضر وإلياس ".

153 -

وَعَن أَحْمد قَالَ: " كنت نَائِما، فَجَاءَنِي الْخضر، فَقَالَ: قل لِأَحْمَد: إِن سَاكن السَّمَاء وَالْمَلَائِكَة راضون عَنْك ".

ص: 159

154 -

وَعَن أَحْمد بن حَنْبَل: " أَنه خرج اإلى مَكَّة، فصحب رجل، اقال: فَوَقع فِي نَفسِي أَنه الْخضر ".

قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي مَا نقضه: مَا جمعه عبد المغيث، لَا يثبت هَذَا عَن أَحْمد.

155 -

قَالَ: وَذكر فِيهِ عَن مَعْرُوف الْكَرْخِي، أَنه قَالَ:: حَدثنِي الْخضر ". وَمن أَيْن يَصح هَذَا عَن مَعْرُوف! ؟

156 -

وَقَالَ أَبُو حَيَّان فِي تَفْسِيره: " أولع كثير مِمَّن ينتمي إِلَى الصّلاح، إِن بَعضهم يرى الْخضر.

وَكَانَ الإِمَام أَبُو الْفَتْح الْقشيرِي يذكر عَن شيخ لَهُ أَنه رأى الْخضر، فحدثه. فَقيل لَهُ: من أعلمهُ أَنه الْخضر، أم كَيفَ عرف ذَلِك، فَسكت.

قَالَ: وَيَزْعُم بَعضهم: أَن الخضرية يتولاها بعض الصَّالِحين، على قدم الْخضر. وَمِنْه قَول بَعضهم:" لكل زمَان الْخضر ".

ص: 160

قلت: وَهُوَ حَيْثُ مُسلم. يدل أَن الْخضر الْمَشْهُور مَاتَ.

157 -

قَالَ أَبُو حَيَّان: " وَكَانَ بعض شُيُوخنَا فِي الحَدِيث - وَهُوَ عبد الْوَاحِد العباسي الْحَنْبَلِيّ - يعْتَقد أَصْحَابه فِيهِ أَنه يجْتَمع بالخضر ".

158 -

قلت: وَذكر لي الْحَافِظ أَبُو الْفضل الْعِرَاقِيّ شَيخنَا: أَن الشَّيْخ عبد الله بن أسعد اليافعي كَانَ يعْتَقد أَن الْخضر حَيّ.

قَالَ: فَذكرت لَهُ مَا نقل عَن البُخَارِيّ وَالْحَرْبِيّ وَغَيرهمَا، من إِنْكَار ذَلِك، فَغَضب. وَقَالَ: من قَالَ: إِنَّه مَاتَ غضِبت عَلَيْهِ.

قَالَ: فَقُلْنَا لَهُ: رَجعْنَا عَن اعْتِقَاد مَوته.

159 -

وأدركنا من كَانَ يَدعِي أَنه يجْتَمع بالخضر، مِنْهُم: القَاضِي علم الدّين الْبِسَاطِيّ الَّذِي ولى قَضَاء الْمَالِكِيَّة، زمن الظَّاهِر برقوق. وَكَانَ

ص: 161

كثير من أهل الْعلم يُنكرُونَ عَلَيْهِ ذَلِك.

160 -

وَالَّذِي تميل إِلَيْهِ النَّفس، من حَيْثُ الْأَدِلَّة القوية. خلاف مَا يَعْتَقِدهُ الْعَوام، من اسْتِمْرَار حَيَاته، وَلَكِن رُبمَا عرضت شُبْهَة من جِهَة كَثْرَة الناقلين للْأَخْبَار الدَّالَّة على استمراره، فَيُقَال: هَب أَن أسانيدها واهية، إِذْ كل طَرِيق مِنْهَا لَا يسلم من سَبَب يَقْتَضِي تضعيفها، فَمَاذَا يصنع فِي الْمَجْمُوع؟ فَإِنَّهُ على هَذِه الصُّورَة قد يلْتَحق بالتواتر الْمَعْنَوِيّ الَّذِي مثلُوا لَهُ بجود حَاتِم.

161 -

فَمن هُنَا مَعَ احْتِمَال التَّأْوِيل فِي أَدِلَّة الْقَائِلين بِعَدَمِ بَقَائِهِ، كآية:(وَمَا جعلنَا لبشر من قبلك الْخلد) .

وكحديث: " رَأس مائَة سنة ". وَغير ذَلِك مِمَّا تقدم بَيَانه.

162 -

وَأقوى الْأَدِلَّة على عدم بَقَائِهِ، عدم مَجِيئه إِلَى رَسُول الله -، وانفراده بالتعمير، من بَين أهل الْأَعْصَار الْمُتَقَدّمَة بِغَيْر دَلِيل شَرْعِي.

وَالَّذِي لَا يتَوَقَّف فِيهِ الْجَزْم بنبوته، وَلَو ثَبت أَنه ملك من الْمَلَائِكَة لارتفع الأشكال. كَمَا تقدم وَالله أعلم. اهـ.

ص: 162

(تمّ كتاب " الزهر النَّضر فِي نبأ الْخضر " لِلْحَافِظِ شهَاب الدّين أبي الْفضل أَحْمد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن حجر الْكِنَانِي الْعَسْقَلَانِي. "

فرغ مِنْهُ يَوْم الْجُمُعَة، عشْرين شَوَّال سنة (867 هـ) سبع وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة هجرية ". اهـ.)

صَلَاح الدّين مَقْبُول أَحْمد.

عَفا الله عَنهُ وَعَن وَالِديهِ وأساتذته جَمِيعًا.

وَالْحَمْد لله أَولا وآخرا، وَصلى الله على مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه وَسلم.

ص: 163