المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأول: في عصمة الأنبياء - السنة النبوية وحي - آيت سعيد

[الحسين بن محمد آيت سعيد]

الفصل: ‌المبحث الأول: في عصمة الأنبياء

السنة النبوية وحي من الله، محفوظة كالقرآن

الأستاذ الدكتور: الحسين آيت سعيد

بسم الله الرحمن الرحيم

‌المبحث الأول: في عصمة الأنبياء

أ - إن عصمة الأنبياء، من القضايا الخطيرة في الدين، والمسائلِ الأساسية فيه، التي لا يصح شيء منه إلا بصحتها وإثباتها بآياتها وبراهينها، ذلك أن التصديق بالوحي كلِّه أنه من عند الله، وأن الآتي به أرسله الله، يتوقف على ثبوت عصمته في كل ما يقول ويفعل ويبلغ عن الله تعالى.

وهذه القضية من قضايا العقيدة، فهي بذلك من أصول الدين لا من فروعه التي يجوز فيها الخلاف، ولذلك ينبغي أن تبحث في كتب العقائد. وقد أكثر من تشقيق الكلام عليها وتفصيله، المتكلمون المحكِّمون لعقولهم، حتى قالوا ما تقشعر منه الجلود، وتنفر منه الطباع السليمة، واستفاضوا في تفاصيل لا يترتب عليها أي عمل، ولا يتعلق بها أي مقصود، وأكثروا من تجويزات عقلية -لا وجود لها إلا في أذهانهم- في هذا الموضوع الواقعي، فجرَّهم ذلك الترفُ الفكري إلى أن جوزوا على الأنبياء ما لا يجوز، وصرحوا بما يتحاشى كل مسلم أن يصرح به، وجرَّؤُوا السفهاء ممن لا عقل لهم، أو لادين لهم -من العلمانيين والمستشرقين والمستعربين- على منصب النبوة بهذه الأقوال السمجة، كما فعل ابن الراوندي الملحد في كتاب الزمرد (1) .

ومن هذه الافتراضات، ما ذهب إليه الباقلاني وارتضاه الآمدي أن النبي صلى الله عليه وسلم لا تجب عصمته من الكذب غلطا ونسيانا (2) .

ومنها أنه ذهب بعض الكرامية إلى تجويز الكذب عليهم في التبليغ (3) .

(1) انظر الانتصار، والرد على ابن الراوندي الملحد للخياط - 32

(2)

حجية السنة 100.

(3)

الفصل في الأهواء والملل والنحل–4/2.

ص: 11

ومنها أن بعض الخوارج، جوزت الكفر على الأنبياء قبل البعثة، حكاه صاحب "المواقف" وزعم هو أنه لم يقم دليل سمعي على امتناع صدور الكبائر منهم قبل النبوة (1) .

ب - ما العصمة؟

العصمة لغة المنع والحفظ والوقاية، قال ابن فارس:" العين والصاد والميم، أصل واحد صحيح، يدل على إمساك ومنع وملازمة، والمعنى في ذلك كله معنى واحد، من ذلك العصمة، أن يعصم الله تعالى عبده من سوء يقع به، واعتصم العبد بالله إذا امتنع، واستعصم: التجأ"(2) . وفي اللسان:" عصمه يعصمه عصما منعه، يقال: عصمته فانعصم، واعتصمت بالله، إذا امتنعت بلطفه من المعصية، وعصمه الطعامُ منعه من الجوع، واعتصم به واستعصم، امتنع وأَبىَ

" (3) .

وهذه المادة تكررت في القرآن الكريم مرارا بصيغ مختلفة، تؤول لمعنى الحفظ والمنع.

قال تعالى حاكيا عن ابن نوح: {قَالَ سَآوي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ} [هود: 43] . وقال: {قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً} [الأحزاب:17] وقال: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67] .

(1) المواقف في علم الكلام 3/204.

(2)

المقاييس – 4/331.

(3)

لسان العرب - 21/403/404.

ص: 12

والعصمة شرعا: قد اختلف المتكلمون في تعريفها اختلافا كثيرا أدى إلى تناقضهم وافتراضهم أموراً لا وجود لها إلا في أذهانهم، وكل منهم ينطلق في النظر للعصمة من منحاه العقدي (1) . وأقربُ التعاريف للصواب، هو قول ابن النجار " إن العصمة صرف دواعي المعصية عن المعصية، بما يلهم الله المعصوم من ترغيب وترهيب"(2) .

ج - من أي شيء عُصِمَ الأنبياء عليهم السلام؟

اتفق أهل الإسلام على أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، قد عُصِموا من كل ما يخل بالتبليغ، كالشك، والجهل بالأحكام المنزلة عليهم، وكتمان الوحي، والكذب، والوسواس، وأن يقولوا ما ليس بحق، والتقصير في البلاغ، وتسليط الشيطان وتلبيسه عليهم، وتسليط الإنس أيضا عليهم بالإيذاء المُخِل بالرسالة. وبالجملة فهم معصومون من جميع الكبائر، والإجماعُ على هذا حكاه غير واحد.

قال ابن النجار: " فالإجماع منعقد على عصمتهم من تعمد الكذب في الأحكام وغيرها، لأن المعجزة قد دلت على صدقهم فيها، فلو جاز كذبهم فيها، لبطلت دلالة المعجزة، ولا يقع ما يخل بصدقهم لا غلطا ولا سهوا عند الأكثر "(3) . وقال ابن بَرْهان:" فإن الأمة أجمعت على أن الأنبياء معصومون عن الكبائر "(4) .

(1) انظر محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين للرازي ص 317والشفا لعياض ص606 والإرشاد للجويني 298.

(2)

شرح الكوكب المنير – 2/167.

(3)

شرح الكوكب المنير – / 2 /169.

(4)

الوصول إلى الأصول – 358.

ص: 13

وقال الزركشي:" والكلام في العصمة يرجع إلى أمور: أحدها في الاعتقاد، ولاخلاف بين الأمة في وجوب عصمتهم عما يناقض مدلول المعجزة، وهو الجهل بالله تعالى، والكفر به. وثانيها: أمر التبليغ، وقد اتفقوا على استحالة الكذب والخطأ فيه. وثالثها في الأحكام والفتوى، والإجماعُ على عصمتهم فيها، ولو في حال الغضب، بل يُستَدل بشدة غضبه صلى الله عليه وسلم على تحريم ذلك الشيء. ورابعها في أفعالهم وسيرهم، فأما الكبائر فحكَى القاضي إجماع المسلمين أيضا على عصمتهم فيها، ويلحق بها ما يُزْرِي بمناصبهم، كرذائل الأخلاق والدناءات، وإنما اختلفوا في الطريق، هل هو الشرع أو العقل "

(1) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:" فإن القول بأن الأنبياء معصومون عن الكبائر دون الصغائر، هو قول أكثر علماء الإسلام وجميع الطوائف، حتى إنه قول أكثر أهل الكلام، كما ذكر الآمدي أن هذا قولُ أكثر الأشعرية، وهو قول أكثر أهل التفسير والحديث والفقهاء، بل هو لم يُنقَل عن السلف والأئمة والصحابة والتابعين وتابعيهم، إلا ما يوافق هذا القول

" (2) .

د -هل هم معصومون من الصغائر؟

هذه المسألة فيها خلاف بين النظار في موضعين: أحدهما هل تتصور منهم الصغائر، والثاني هل وقعت منهم؟. فأما تصورها منهم، فقد منعه الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايني، وإمام الحرمين (3) .

(1) البحر المحيط 4/170.

(2)

الفتاوى ـ 4/ 319

(3)

البحر المحيط ـ 4/ 140 / والإرشاد ـ298.

ص: 14

وأما وقوعها منهم، فقد قال به ابن السمعاني، ونقل ابن القشيري وإمام الحرمين عن الأكثرين عدم الوقوع، ورجحه الزركشي في البحر المحيط، وهو مذهب أبي بكر بن مجاهد، وابن فورك، ونقل عياض وقوعها منهم عن أبي جعفر الطبري وغيره من الفقهاء (1) . هكذا نقل الزركشي وعياض عن هؤلاء، ونقل عنهم ابن حزم خلاف هذا الإطلاق بقوله:"وذهبت طائفة إلى أن الرسل عليهم الصلاة والسلام لا يجوز عليهم كبيرة من الكبائر أصلا، ويجوز عليهم الصغائر بالعمد، وهو قول ابن فورك الأشعري، وذهب جميع أهل الإسلام من أهل السنة، والمعتزلة، والنجارية، والخوارج، والشيعة، إلى أنه لا يجوز البتة أن يقع من نبي أصلا معصية بعمد، لا صغيرة ولا كبيرة، وهو قول ابن مجاهد الأشعري شيخ ابن فورك، والباقلاني المذكورين، وهذا القول الذي ندين الله تعالى به، ولا يحل لأحد أن يدين بسواه "(2) .

فهذا النص يفيد أنهم قيدوا عدم الوقوع بالعمد، وما نقله الزركشي عنهم مطلق، يحتمل التقييد وعدمه، وأقوالُ أصحاب المقالات، يقع فيها مثل هذا الاضطراب، فقد يُنقَل عن شخص واحد كالأشعري مثلا شيءٌ وضده، وذلك راجع إما لأقوال له في المسألة، أو خطأ في النقل، ولاسيما أن هذه المقالات، تنقل بلا أَزمَّة الأسانيد، التي يمكن تقويمها من خلالها.

وكيفما كان، فما قاله ابن حزم ومن معه، فهو الصواب الذي يجب اعتقاده من أن الصغائر لا تصدر منهم عمدا، فإذا وقعت منهم، فتكون سهوا، أو خطأ.

(1) المصدر نفسه 4 / 140/ والشفا للقاضي عياض ص 628.

(2)

الفصل في الملل والأهواء والنحل /4 / 2 /.

ص: 15

وسبب الخلاف في وقوعها منهم أو عدم وقوعها، اختلافهم في تقسيم الذنوب إلى صغائر وكبائر، فذهب أبو إسحاق الاسفراييني إلى أن الذنوب كلها شيء واحد، لأنها مخالفة أمرالآمر، وتبعه الجويني بقوله:" المرضي عندنا أن كل ذنب كبيرة، إذ لاتراعى أقدار الذنوب حتى تضاف إلى المعصي بها"(1) ثم في فصلِ عصمة الأنبياء، ذكَر ما يدل على أنه يقر بالتقسيم (2) .

والجويني كثير الاضطراب في تقرير أصول المعتقد، فهو أحيانا يجمع بين الشيء ونقيضه. وقال ابن تيمية: " لم يذكر الله عن نبي من الأنبياء ذنباً إلا ذكر توبته منه، ولهذا كان الناس في عصمة الأنبياء على قولين: إما أن يقولوا بالعصمة من فعلها، وإما أن يقولوا بالعصمة من الإقرار عليها، لا سيما فيما يتعلق بتبليغ الرسالة، فإن الأمة متفقة على أن ذلك معصوم أن يقر فيه على خطأ، لأن ذلك يناقض مقصود الرسالة، ومدلول المعجزة.

والمقصود هنا أن الله لم يذكر في كتابه عن نبي من الأنبياء ذنبا إلا ذكر توبته منه

واعلم أن المنحرفين في مسألة العصمة، على طرفي نقيض، كلاهما مخالف لكتاب الله من بعض الوجوه، قومٌ أفرطوا في دعوى امتناع الذنوب، حتى صرفوا نصوص القرآن المخبرة بما وقع منهم من التوبة من الذنوب، ومغفرةِ الله لهم، ورفْعِ درجاتهم بذلك، وقوم أفرطوا في أن ذكروا عنهم ما دل القرآن على براءتهم منه، وأضافوا إليهم ذنوباً وعيوبا نزههم الله عنها، وهؤلاء مخالفون للقرآن،

(1) الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد -328.

(2)

انظر ص 228.

ص: 16

وهؤلاء مخالفون للقرآن، ومن اتبع القرآن على ما هو عليه من غير تحريف، كان من الأمة الوسَط، مهتديا إلى الصراط المستقيم (1) .

وقال:" والكلام في هذا المقام مبني على أصل، وهو أن الأنبياء ـ صلوات الله عليهم ـ معصومون فيما يخبرون به عن الله سبحانه وفي تبليغ رسالته باتفاق الأمة، ولهذا وجب الإيمان بكل ماأُوتُوه

وهذه العصمةُ الثابتة للأنبياء، هي التي يحصل بها مقصود النبوة والرسالة

والعصمةُ فيما يبلغون عن الله ثابتة، فلا يستقر في ذلك خطأ باتفاق المسلمين، ولكن هل يَصْدر ما يستدركه الله، فيَنسخ ما يُلقِي الشيطانُ، ويُحكِم الله آياته، فهذا فيه قولان، والمأثور عن السلف يوافق القرآن بذلك .... وأما العصمة في غير ما يتعلق بتبليغ الرسالة، فللناس فيه نزاع، هل هو ثابت بالعقل أو بالسمع، ومتنازعون في العصمة من الكبائر والصغائر أو من بعضها، أم هل العصمة إنما هي في الإقرار عليها لا في فعلها؟ أم لا يجب القول إلا في التبليغ فقط

والقولُ الذي عليه جماهير الناس ـ وهو الموافق للآثار المنقولة عن السلف ـ إثبات العصمة من الإقرار على الذنوب مطلقا

وحججُ القائلين بالعصمة إذا حُرِّرت إنما تدل على هذا القول، وحجج النفاة لا تدل على وقوع ذنب أُقر عليه الأنبياء، فإن القائلين بالعصمة، احتجوا بأن التأسي بهم مشروع فيما أُقروا عليه دون مانهوا عنه، ورجعوا عنه

وكذلك ما احتجوا به من أن الذنوب تنافي الكمال، أو أنها ممن عظُمت عليه النعمة أقبح، أو أنها توجب التنفير

فهذا إنما يكون مع البقاء على ذلك وعدم الرجوع، وإلا فالتوبة

(1) الفتاوى -15/147/148/150/ وانظر أيضا -51/52/ 53.

ص: 17

النصوح التي يقبلها الله، يرفع بها صاحبها إلى أعظمَ مما كان عليه، كما قال بعض السلف: كان داودُ عليه السلام بعد التوبة خيراً منه قبل الخطيئة.

وقال آخر: لو لم تكن التوبة أحب الأشياء إلى الله، لما ابتلى بالذنب أكرم الخلق عليه

وفي الكتاب والسنة الصحيحة، والكتب التي قبل القرآن مما يوافق هذا القول، ما يتعذر إحصاؤه.

والرادّون لذلك، تأولوا ذلك بمثل تأويلات الجهمية، والقدرية، والدهرية، لنصوص الأسماء والصفات ونصوص القدر ونصوص المعاد، وهي من جنس تأويلات القرامطة الباطنية التي يُعلَم بالاضطرار أنها باطلة، وأنها من باب تحريف الكلم عن مواضعه، وهؤلاء يقصد أحدهم تعظيمَ الأنبياء فيقع في تكذيبهم، ويريد الإيمان بهم، فيقع في الكفر بهم" (1) .

وهذا المذهب الذي يرى الذنوب كلها في مرتبة واحدة باطل، لأن النصوص متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم في تقسيم الذنوب إلى صغائر وكبائر، والقرآن الكريم قد صرح بذلك بلا لبس، قال تعالى:{إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء:31] ومعنى الآية أن اجتناب الكبائر والبعدَ عنها، يكون سببا في تكفير ما اقترف من السيئات، وهي الصغائر، فلو كانت الكبائر هي السيئات، لكان معنى الآية: إن تجتنبوا الكبائر نكفر عنكم الكبائر، وهذا معنى باطل، لأن مالم يفعل لا يتصور فيه التكفير، وإنما التكفير ينصب على ما فعل من الصغائر التي لا يخلو منها بشر.

(1) الفتاوى - 10/289 -290/ إلى ـ 295.

ص: 18

وأحاديثُ النبي صلى الله عليه وسلم في انقسام الذنوب إلى صغائر وكبائر، أكثر من أن تحصى، منهاقوله من حديث أبي بكرة:" ألا أنبئكم بأكبر الكبائر" فكررها ثلاثا (1) ويقابل هذا الغلو في نفي التقسيم غلو آخر، يرى أصحابه أنه صلى الله عليه وسلم لاتقع منه صغائر لا عمدا ولاسهوا، وقد نقل هذا المذهبَ إمامُ الحرمين وابن القشيري عن الأكثرين (2) وردوا عشرات النصوص المتواترة الدالة على ذلك في الكتاب والسنة، من مثل قوله تعالى:

{لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ} [الفتح:2] وقوله: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [غافر:55] .

وقوله صلى الله عليه وسلم من حديث " إنه ليغان على قلبي، وإني أستغفر الله سبعين مرة "(3) وحملوا ذلك كله على ما قبل النبوة، أو ترك الأَوْلى، أو فعلوا ذلك بتأويل. وهذا التمحل يؤدي إليه اعتقاد هؤلاء أن القول بأنه صلى الله عليه وسلم تصدر عنه بعض الصغائر سهوا، يَغُضُّ من مقامه، وليس الأمر كذلك، بل الصواب أنها قد تصدر عنه صغائر سهوا أو خطأ، فينبَّه عليها ويتوب منها، فتكون منزلته عند الله عز وجل بعد التوبة أرقى منها قبل التوبة، وهو بذلك ينزقى من كمال إلى أكمل.

هـ - هل السهو يجوز عليهم؟

قال ابن حزم: " إنه يقع من الأنبياء السهو من غير قصد، ويقع منهم أيضا قصد الشيء يريدون به وجه الله تعالى والتقرب به منه، فيوافق خلاف

(1) أخرجه البخاري في الأدب ـ 10 /419 ومسلم في الإيمان / 1 / 91.

(2)

البرهان ـ 4 / 170.

(3)

أخرجه مسلم في الذكر والدعاء ـ 4 /2075 ـ من حديث الأغر المزني.

ص: 19

مراد الله تعالى، إلا أنه تعالى لا يقرهم على شيء من هذين الوجهين أصلا، بل ينبههم على ذلك ولا يداثر (1) وقوعه منهم، ويظهر عزوجل ذلك لعباده ويبين لهم، كمافعل نبيُّه في سلامه من اثنتين، وقيامه من اثنتين، وربما عاتبهم على ذلك بالكلام كما فعل مع نبيه عليه السلام في أمر زينب أم المؤمنين، وطلاق زيد لها رضي الله عنهما وفي قصة ابن أم مكتوم رضي الله عنه " (2) .

وينبغي تقييد السهو منهم - كما ذهب إليه أكثر الفقهاء والمتكلمين - بالأفعال دون الأقوال، لأن الأدلة إنما جاءت في سهوهم في الأفعال، دون الأقوال، وقد حكى العلامة القاضي عياض الإجماع على امتناع السهو فيها (3) . وهذا هو الصواب الذي لا محيد عنه.

(1) أي: لا يغفل.

(2)

الفصل 4/2.

(3)

الشفا ص 675.

ص: 20