المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مُقَدِّمَةٌ: بسم الله الرحمن الرحيم   الحمد لله رب العالمين يقول الله تعالى: {مَنْ - السنة ومكانتها من التشريع لعبد الحليم محمود

[عبد الحليم محمود]

الفصل: ‌ ‌مُقَدِّمَةٌ: بسم الله الرحمن الرحيم   الحمد لله رب العالمين يقول الله تعالى: {مَنْ

‌مُقَدِّمَةٌ:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين

يقول الله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (1). ويقول سبحانه: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (2).

ويقول: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (3).

وفي حديث صحيح يقول المقدام بن معدي كرب: «حَرَّمَ النبي صلى الله عليه وسلم أشياء يوم خيبر، منها الحمار الأهلي وغيره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يُوشِكُ أَنْ يَقْعُدَ الرَّجُلُ مِنْكُمْ عَلَى أَرِيكَتِهِ يُحَدِّثُ بِحَدِيثِى فَيَقُولُ بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ، فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ حَلَالاً اسْتَحْلَلْنَاهُ، وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ حَرَامًا حَرَّمْنَاهُ، وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ» .

وبعد:

فيحب القراء عادة أن يعرفوا شيئاً عن ظروف تأليف الكتب التي يقرءونها، لأنَّ ذلك يضعهم في جو يمهد لهم

(1)[سورة النساء، الآية: 80].

(2)

[سورة الحشر، الآية: 7].

(3)

[سورة النساء، الآية: 65].

ص: 5

تقدير الكتاب في صورة أعمق: حيث عرفوا الظروف والملابسات، ولأن ذلك يقرِّبُهُم من جو الكاتب النفسي، ويدخلهم، نوعاً ما، في محيطه الخاص، فتكون بينهم وبينه - على البعد - بعض أسباب الألفة. ومن أجل توضيح ذلك أكتب هذه المقدمة:

إنَّ السُنَّة: دعوة بالحسنى إلى الرقي الأخلاقي الذي تجري وراءه الإنسانية المهذبة، إنها دعوة إلى التاجر أنْ يكون صادقاً، فيحشر مع النَبِيِّينَ والصِدِّيقِينَ والشهداء، وإلى العامل أنْ يتقن عمله، لأنَّ الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه.

وإلى الصانع أن يؤدي العمل كما يجب، حيث أخذ الأجر، ومن أخذ الأجر حاسبه الله على العمل.

وهي دعوة إلى الأب، باعتباره أباً، وإلى الأم في وضعها كأم، وإلى الأخ في مهمته كأخ، وإلى غيرهم من أفراد المجتمع: أن يرعى كل منهم ما وكل إليه من أمر رعيته وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.

وهي دعوة للناس إلى الأمانة، حيث أنه لا إيمان لمن لا أمانة له.

وإلى الصديق، وإنَّ الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صدِّيقاً.

وإلى الرحمة: الرحمة العامة الشاملة، وصلوات الله وسلامه على من قال:

ص: 6

«إنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ» .

ومن قال: «ارْحَمُوا مَنْ فِى الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِى السَّمَاءِ» .

وخذ أي خلق كريم تتمنى أن يسير عليه المجتمع: فستجد في السُنَّة دعوة إليه، بوسيلة أو بأخرى، وبثالثة.

وهي في هذه الدعوة تنبه دائماً إلى دور الأمَّة الإسلامية في الأخلاق العالمية: أنَّ دورها: إنما هو الرائدة الراعية وعلى الرائد دائماً أن يكون المثل الأعلى، والأسوة الكريمة، والقدوة الصالحة.

ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصورة الحية الناطقة التي طبقت كمبادئ إنسانية ممكنة الخلق الذي رسمه الله وأحبه للإنسانية جمعاء، والذي عبرت عنه السُنَّة أجمل تعبير وأبلغه.

ومن أجل هذا التقدير الكريم للسنة الشريفة كان العلماء المستنيرون في كل عصر: يجاهدون من أجلها، ومن أجل مكارم الأخلاق التي تعبر عنها، وكان هؤلاء العلماء - علماء السُنَّة - يعرفون بسيماهم: فقد كانوا من الزهد في حطام الدنيا: بحيث لا ينازعون الناس في دنياهم: لقد كانوا مشغولين عن الجاه بغرس الخلق الصالح الكريم، وكانوا مشغولين عن السلطان بمن بيده السلطان يؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء: مالك الملك ذي الجلال والإكرام.

ص: 7

وكانوا صادقين، لقد كان الصدق دينهم وفطرتهم. وكانوا صابرين على الحياة، وصابرين على العمل: لقد أقاموا نهارهم، وأسهروا ليلهم عملاً على مرضاة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

والمثل الذي نحب أنْ نسُوقه - كصورة لهؤلاء القوم - هو: الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه، أنه المُحَدِّثُ الذي حاول أنْ يكون صورة صادقة لما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، في الزاوية الأخلاقية.

وسيرة الإمام - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ -: مَثَلٌ أعلى في التمسك بما يراه حقاً، وفي الصبر على ما يناله في سبيل التمسك بالحق.

على أنَّ كل من تشبع بالسُنَّة حقاً: إنما هو صورة، قريبة بقدر المستطاع، من الإمام أحمد.

لقد كان الإمام البخاري وغيره ممن أشربت نفوسهم حُبَّ السُنَّة: أمثلة كريمة للخلق الكريم.

والأمثلة الكريمة للخلق الكريم هدف دائماً لسهام النماذج الأثيمة التي استهواها الشيطان في قليل أو كثير: إنه النزاع الدائم بين الفضيلة واصحابها، وبين المُمَثِّلين لنزعات الهوى والضلال.

ولولا وجود هذه المثل العليا لمكارم الأخلاق في كل عصر لفقدت الإنسانية الثقة بنفسها، ولما اطمأن إنسان لإنسان، ولما وثق شخص آخر.

ص: 8

لقد ربت السُنَّة رجالاً، وخصائصها التي ربت بها الرجال موجودة فيها، لأنها من طبيعتها ومن ذاتها. ولقد شاهدت الإنسانية واعترفت بسمو هؤلاء الرجال، وأولتهم ثقتها وتقديرها.

إنَّ الإمام أحمد بن حنبل، وإنَّ الإمام البخاري، وإنَّ أمير المؤمنين في الحديث: الإمام سفيان الثوري، وأمثال هؤلاء رضي الله عنهم: منارات يَهتَدِي بهم عشاق المثل العليا.

لا بد إذن من العمل على نشر السُنَّة وإذاعتها، ومحاولة الإكثار من النفوس التي تتشربها وتحققها وتتمثلها وتحياها.

لا بد من نشرها وطنية.

ولا بد من نشرها إنسانية، لأنها تعبِّرُُ عن أرقى مستوى إنساني.

ولا بد من نشرها ديناً.

ولا بد من نشرها ذوقاً أدبياً.

ولا بد من نشرها للثروة اللغوية ..

وما من شك في أنَّ للسُنَّة جواً فكرياً: فالرسول صلى الله عليه وسلم: يتحدَّثُ عن عوامل الهدم، التي تعمل على تقويضه، وعن عوامل البناء التي تعمل على إقامته على قواعد سليمة، ويتحدَّثُ عن

ص: 9

النظم التي ينبغي أنْ تسود المجتمع الإنساني، وعن الأوضاع التي يجب أنْ تستقيم.

وللسُنَّة جو لغوي: فالرسول صلى الله عليه وسلم قد أوتي جوامع الكلم، وكلامه صلى الله عليه وسلم أبلغ الكلام البشري، ونشر السُنَّة عامل من أهل العوامل على ترقية اللغة التي يكتب بها الكتاب، وعلى وضع الناشئين والمُثقَّفين في وضع أدبي ممتاز، من حيث اللغة، ومن حيث الأسلوب.

وَلِلْسُنَّةِ جَوٌّ رُوحِيٌّ: إنها تهذيب للنفس، وتربية للروح وسمو بالأخلاق إلى درجة لا تجارى، - وصَلََّى اللهُ على من قال:«إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلَاقِ» .

ورحم الله شوقي إذ يقول:

إِنَّمَا الأُمَمُ الأَخْلَاقُ مَا بَقِيَتْ *

*

* فَإِنْ [هُمُ] ذَهَبَتْ أَخْلَاقُهُمْ ذَهَبُوا

ومن أجلِ ذلك كله كان نشر السُنَّةِ واجباً دينياً، وعملاً اجتماعياً كريماً، وواجباً وطنياً حتمياً، وإصلاحاً أخلاقياً سامياً.

وهو على كل حال ضرورة وطنية مُلِحَّةٌ في عصر تحاول الرذيلة فيه أنْ تعمِّم الانحلال الخلقي في كل أسرة وفي كل بيت، ويحاول الفساد أنْ يأتي على مقدسات الأُمَّة ومقوماتها من عرض وشرف وكرامة.

ص: 10

لقد أحب الله للإنسانية مثالاً أخلاقياً كريماً رسمه سبحانه في القرآن الكريم قولاً، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم الصورة التطبيقية الكاملة للرسم الإلهي، وكان بذلك الإنسان الكامل.

لقد كان المثل الأعلى في الرحمة، والمثل الأعلى في الكفاح والمثل الأعلى في الصبر المجاهد المتفائل، والمثل الأعلى في الصدق، في الإخلاص، في الوفاء، في البر، في الكرم.

لقد وصفه الله سبحانه بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (1).

ولا ريب في أنَّ الأُمَّة الإسلامية حينما تقتدي بالرسول صلى الله عليه وسلم: إنما تقتدي بأعظم البشر رجولة وإنسانية.

وتقتدي بمن أحب الله سبحانه أن تقتدي به.

{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (2).

وإنَّ العمل على نشر السُنَّة إنما هو توجيه للاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم.

واللهَ أرجو أنْ يجعله عام النفع.

وأنْ يهدي به.

وأنْ يجعله ذخيرة، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلَاّ من أتى الله بقلب سليم.

(1)[سورة القلم، الآية: 4].

(2)

[سورة الأحزاب، الآية: 21].

ص: 11