الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ اللهِ وَسُنَّتِي» .
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أَنْ يُعْبَدَ بِأَرْضِكُمْ، وَلَكِنْ رَضِيَ أَنْ يُطَاعَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا تَحْقِرُونَ مِنْ [أَمْرِكُمْ] فَاحْذَرُوا، إِنِّي تَرَكْتُ مَا إِنِْ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ فَلَنْ تَضِلُّوا أَبَدًا: كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي» .
وَيُبَيِّنُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما رواه البخاري عن أبي هريرة أَنَّ المسلمين سيدخلون الجنة إلَاّ من لا يرغب منهم في ذلك.
يقول صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَاّ مَنْ أَبَى» ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ:«مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى» .
مَكَانَةُ السُنَّةِ مِنَ القُرْآنِ:
وَسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لها مكانتها بالنسبة إلى القرآن ولها مكانتها بالنسبة إلى التشريع.
إنها المصدر الثاني للإسلام باعتباره عقيدة، والمصدر الثاني
للإسلام باعتباره تشريعًا، والمصدر الثاني للإسلام باعتباره أخلاقًا.
أما منزلتها بالنسبة إلى القرآن فإنها، حسبما يقول الإمام الشافعي: «وَسُنَنُ رَسُولِ اللََّهِ صلى الله عليه وسلم وَجْهَانِ:
- أَحَدُهُمَا: نَصُّ كِتَابٍ فَاتَّبَعَهُ رَسُولُ اللََّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا أَنْزَلَ اللََّهُ،
- وَالآخَرُ جُمْلَةً، بَيَّنَ رَسُولُ اللََّهِ فِيهِ عَنْ اللََّهِ مَعْنَى مَا أَرَادَ بِالجُمْلَةِ، وَأَوْضَحَ كَيْفَ فَرْضُهَا عَامًّا أَوْ خَاصًّا، وَكَيْفَ أَرَادَ أَنْ يَأْتِي بِهِ العِبَادُ وَكِلَاهُمَا اتَّبَعَ فِيهِ كِتَابَ اللِه».
وفي كلمة أخرى يُبَيِّنُ الإمام الشافعي الوجهين فيقول: «أَحَدُهُمَا: مَا أَنْزَلَ اللََّهُ فِيهِ نَصَّ كِتَابٍ، فَبَيَّنَ رَسُولُ اللََّهِ مِثْلَ مَا نَصَّ الكِتَابُ، وَالآخَرُ: مِمَّا أَنْزَلَ اللََّهُ فِيهِ جُمْلَةَ كِتَابٍ، فَبَيَّنَ عَنِ اللََّهِ مَعْنَى مَا أَرَادَ؛ وَهَذَانِ الوَجْهَانِ اللَّذَانِ لَمْ [يَخْتَلِفُوا] فِيهِمَا» .
والوجه الأول بَيَّنَهُ بنفسه.
إنه من الواضح أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُبَيِّنُ القرآن عقيدة وشريعة وأخلاقًا على وجوه شتى، وعلى أنحاء مختلفة، وعلى أساليب تختلف في الإيجاز والإسهاب، بحسب حالة المخاطب، يقول الله تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (1).
(1)[سورة النحل، الآية: 44].
والرسول صلى الله عليه وسلم كان يبين للناس ما نزل إليهم بسلوكه، وبقوله، وبإقراراته، يقول - صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ -:«مَا تَرَكْتُ شَيْئاً مِمَّا أَمَرَكُمُ اللَّهُ بِهِ إِلَاّ وَقَدْ أَمَرْتُكُمْ بِهِ، وَلَا تَرَكْتُ شَيْئًا - مِمَّا نَهَاكُمُ اللَّهُ عَنْهُ - إِلَاّ وَقَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ» .
ولكن بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشتمل على بيان ما أجمل في كتاب الله، وهذا الوجه كثير في السُنَّة.
يقول الإمام الشافعي رضي الله عنه: «قال تبارك وتعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} (1).
وقال: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} (2).
وقال: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (3).
ثم بَيَّنَ على لسان رسوله عدد ما فرض من الصلوات، ومواقيتها، وَسُنَنِهَا، وعدد ركعاتها، والزكاة ومواقيتها، وكيف عمل الحج والعمرة، وحيث يزول هذا ويثبت، وتختلف سُنَّتُهُ وتتفق، ولهذا أشباه كثيرة في القرآن والسُنَّةِ». اهـ.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يُبَيِّنُ كيفية الصلاة بقوله وعمله، كان يُبَيِّنُ أوقاتها، وأركانها، وعدد ركعاتها، وافتتاحها وترتيب حركتها بعد الافتتاح، ويقول صلى الله عليه وسلم:«صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي»
(1)[سورة النساء، الآية: 103].
(2)
[سورة البقرة، الآيات: 43، 83، 110]، [سورة النساء، الآية: 77]، [سورة النور، الآية: 56]، [سورة المزمل، الآية: 20].
(3)
[سورة البقرة، الآية: 196].
ويبين رسول الله صلى الله عليه وسلم مناسك الحج: أركانه، وواجباته، وَسُنَّتَهُ. يقول:«خُذُوا عَنِّى مَنَاسِكَكُمْ» .
وفرض الله سبحانه وتعالى الزكاة ولم يبين مقادير لها، لم يذكر بالتفصيل الزروع والثمار والأموال التي تجب فيها الزكاة فَبَيَّنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك كله وطبقه.
ولقد بَيَّنَتْ السُنَّةُ أن القاتل لا يرث، وأن الوصية لا تكون في أكثر من الثلث، وأن الدين يقدم على الوصية، هذا وكثير غيره مِمَّا بَيَّنَتْهُ السُنَّةُ.
عَنْ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ يريد أن يقتصر على القرآن دُونَ السُنَّةِ: «إِنَّكَ امْرُؤٌ أَحْمَقُ!! أَتَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ الظُّهْرَ أَرْبَعًا، لَا يُجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ؟» ثُمَّ عَدَّدَ عَلَيْهِ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَنَحْوِ هَذَا. ثُمَّ قَالَ: «أَتَجِدُ هَذَا فِي كِتَابِ اللهِ مُفَسَّرًا؟ إِنَّ كِتَابَ اللَّهِ أَبْهَمَ هَذَا وَإِنَّ السُنَّةَ تُفَسِّرُ ذَلِكَ» (1).
وَلَقَدْ قِيلَ لِمُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ: لَا تُحَدِّثُونَا إِلَاّ بِالْقُرْآنِ، فَقَالَ مُطَرِّفٌ:«وَاللَّهِ مَا [نُرِيدُ] بِالْقُرْآنِ بَدَلاً، وَلَكِنْ نُرِيدُ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ بِالْقُرْآنِ مِنَّا» (2).
ويقول الإمام الشافعي رضي الله عنه: «وَمَنْ قَبِلَ عَنْ رَسُولِ اللهِ فَعَنْ اللهِ قَبِلَ، لِمَا افْتَرَضَ اللهُ مِنْ طَاعَتِهِ» .
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(1)
أخرجه سعيد بن منصور في "سننه" -كما في "مفتاح الجنة""241" للسيوطي- وابن بطة في "الإبانة""رقم 65، 66، 67"، والآجري في "الشريعة""ص51"، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم""2/ 1192/ رقم 2348". "استدراك 4". [نقلا عن " الموافقات " للشاطبي، تحقيق أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان: 4/ 344، الطبعة الأولى: 1417هـ/ 1997م، نشر دار ابن عفان].
(2)
[" الموافقات ": 4/ 26، و" جامع بيان العلم ": 2/ 191. نقلا عن " السنة " للسباعي: ص 387].