الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَلَوْ كَانَ خُرُوجُهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ الرَّابِعَ وَالْعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ، لَبَقِيَ فِي الشَّهْرِ سِتُّ لَيَالٍ قَطْعًا، لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ وَالسَّبْتِ وَالْأَحَدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالثُّلَاثَاءِ وَالْأَرْبِعَاءِ.
فَهَذِهِ سِتُّ لَيَالٍ.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ وَجَابِرٌ إِنَّهُ خَرَجَ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ، وَتَعَذَّرَ أَنَّهُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ لِحَدِيثِ أَنَسٍ، فَتَعَيَّنَ عَلَى هَذَا أَنَّهُ عليه السلام خَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ يَوْمَ السَّبْتِ، وَظَنَّ الرَّاوِي أَنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تَامًّا، فَاتَّفَقَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ نُقْصَانُهُ، فَانْسَلَخَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَاسْتَهَلَّ شَهْرُ ذِي الْحِجَّةِ لَيْلَةَ الْخَمِيسِ.
وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ جَابِرٍ: لِخَمْسٍ بَقِينَ أَوْ أَرْبَعٍ.
وَهَذَا التَّقْرِيرُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا مَحِيدَ عَنهُ وَلَا بُد مِنْهُ.
وَالله أعلم.
بَاب صفة خُرُوجه عليه السلام مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ لِلْحَجِّ
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، هُوَ ابْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَخْرُجُ مِنْ طَرِيقِ الشَّجَرَةِ وَيَدْخُلُ مِنْ طَرِيقِ الْمُعَرَّسِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ يُصَلِّي فِي مَسْجِدِ الشَّجَرَةِ وَإِذَا رَجَعَ صَلَّى بِذِي الْحُلَيْفَةِ بِبَطْنِ الْوَادِي وَبَاتَ حَتَّى يُصْبِحَ.
تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِي عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عَزْرَةَ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: حَجَّ عَلَى رَحْلٍ رَثٍّ وَتَحْتَهُ قَطِيفَةٌ وَقَالَ: " حَجَّةٌ لَا رِيَاءَ فِيهَا وَلَا سُمْعَةَ ".
وَقَدْ عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فَقَالَ: وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ
زُرَيْعٍ، عَنْ عَزْرَةَ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ ثُمَامَةَ قَالَ: حَجَّ أَنَسٌ عَلَى رَحْلٍ رَثٍّ وَلَمْ يَكُنْ شَحِيحًا.
وَحَدَّثَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَجَّ عَلَى رَحْلٍ وَكَانَتْ زَامِلَتَهُ (1) .
هَكَذَا ذَكَرَهُ الْبَزَّارُ وَالْبُخَارِيُّ مُعَلَّقًا مَقْطُوعَ الْإِسْنَادِ مِنْ أَوَّلِهِ.
وَقَدْ أَسْنَدَهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ فَقَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقْرِئ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوب القاضى، حَدثنَا مُحَمَّد بن أَبى بكر، حَدثنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ.
فَذَكَرَهُ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنْبَأَنَا الرَّبِيعُ بْنُ صَبِيحٍ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى رَحْلٍ رَثٍّ وَقَطِيفَةٍ تُسَاوِي - أَوْ لَا تُسَاوِي - أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ.
فَقَالَ: " اللَّهُمَّ حَجَّةً لَا رِيَاءَ فِيهَا ".
وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ (2) مِنْ حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَابْنُ مَاجَه من حَدِيث وَكِيع ابْن الْجَرَّاحِ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ صَبِيحٍ بِهِ.
وَهُوَ إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ مِنْ جِهَةِ يَزِيدَ بْنِ أَبَانَ الرَّقَاشِيِّ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مَقْبُولِ الرِّوَايَةِ عِنْدَ الائمة.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هَاشِمٌ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: صَدَرْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ فَمَرَّتْ بِنَا رُفْقَةٌ يَمَانِيَةٌ ورحالهم الادم وخطم إبلهم الخرز (3)، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى أَشْبَهِ رُفْقَةٍ وَرَدَتِ الْعَامَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ إِذْ قَدِمُوا فِي حجَّة الْوَدَاع فَينْظر إِلَى هَذِه الرّفْقَة.
(1) الزاملة: الْبَعِير الذى يحمل عَلَيْهِ الطَّعَام وَالْمَتَاع.
(2)
فِي بَاب مَا جَاءَ فِي تواضع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم.
الشَّمَائِل 2 / 120 (3) الخرز: نَبَات من النجيل منظوم من أَعْلَاهُ إِلَى أَسْفَله.
(*)
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ هَنَّادٍ، عَنْ وَكِيعٍ، عَن إِسْحَاق، عَن سَعِيدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، عَن أَبِيه عَن ابْن عمر.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ وَأَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ وَأَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَسَنِ وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو: قَالُوا حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاسِ هُوَ الْأَصَمُّ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عبد الله بن الْحَكَمِ، أَنْبَأَنَا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ الْقُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَكِيمٍ الْكِنَانِيُّ - رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ مَوَالِيهِمْ - عَنْ بِشْرِ بْنِ قدامَة الضبابى، قَالَ: أَبْصرت عيناى حَبِيبِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاقِفًا بِعَرَفَاتٍ مَعَ النَّاسِ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ حَمْرَاءَ قَصْوَاءَ تَحْتَهُ قَطِيفَةٌ بَوْلَانِيَّةٌ وَهُوَ يَقُولُ " اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا
حجَّة غير رِيَاء وَلَا مباهاة وَلَا سُمْعَةٍ ".
وَالنَّاسُ يَقُولُونَ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، حَدثنَا ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حُجَّاجًا حَتَّى أدركنا بِالْعَرْجِ (1) نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَلَسَتْ عَائِشَةُ إِلَى جَنْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَجَلَسْتُ إِلَى جَنْبِ أَبِي، وَكَانَتْ زِمَالَةُ (2) رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَزِمَالَةُ أَبِي بَكْرٍ وَاحِدَةً مَعَ غُلَامِ أَبِي بَكْرٍ فَجَلَسَ أَبُو بَكْرٍ يَنْتَظِرُ أَن يطلع عَلَيْهِ، فطلع عَلَيْهِ وَلَيْسَ مَعَهُ بَعِيرُهُ، فَقَالَ: أَيْنَ بَعِيرُكَ؟ فَقَالَ أَضْلَلْتُهُ الْبَارِحَةَ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَعِيرٌ وَاحِدٌ تُضِلُّهُ! فَطَفِقَ يَضْرِبُهُ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَبْتَسِمُ وَيَقُولُ:" انْظُرُوا إِلَى هَذَا الْمُحْرِمِ وَمَا يَصْنَعُ! ".
وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رِزْمَةَ.
وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، ثَلَاثَتُهُمْ عَن عبد الله بن إِدْرِيس بِهِ.
* * *
(1) العرج: منزل بطرِيق مَكَّة.
(2)
الزمالة: المركوب والاداة، وَمَا كَانَ مَعَهُمَا فِي السّفر.
النِّهَايَة 2 / 141.
(*)
فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ قَائِلًا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ حَفْصٍ، حَدثنَا يحيى بن الْيَمَان، حَدثنَا حَمْزَةُ الزَّيَّاتُ، عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: حَجَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ مُشَاةً مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ قَدْ رَبَطُوا أَوْسَاطَهُمْ وَمَشْيُهُمْ خِلْطُ الْهَرْوَلَةِ.
فَإِنَّهُ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ ضَعِيفُ الْإِسْنَادِ، وَحَمْزَةُ بْنُ حَبِيبٍ الزَّيَّاتُ ضَعِيفٌ وَشَيْخُهُ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ.
وَقَدْ قَالَ الْبَزَّارُ: لَا يُرْوَى إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَإِنْ كَانَ إِسْنَادُهُ
حَسَنًا عِنْدَنَا.
وَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي عُمْرَةٍ إِن ثَبت الحَدِيث، لانه عليه السلام إِنَّمَا حَجَّ حَجَّةً وَاحِدَةً وَكَانَ رَاكِبًا وَبَعْضُ أَصْحَابِهِ مُشَاةً.
قُلْتُ: وَلَمْ يَعْتَمِرِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي شئ مِنْ عُمَرِهِ مَاشِيًا، لَا فِي الْحُدَيْبِيَةِ وَلَا فِي الْقَضَاءِ وَلَا الْجِعْرَانَةِ وَلَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاع.
وأحواله عليه السلام أَشْهَرُ وَأَعْرَفُ مِنْ أَنْ تَخْفَى عَلَى النَّاسِ، بَلْ هَذَا الْحَدِيثُ مُنْكَرٌ شَاذٌّ لَا يَثْبُتُ مثله.
وَالله أعلم.
فصل تقدم أَنه عليه السلام صَلَّى الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا، ثُمَّ رَكِبَ مِنْهَا إِلَى الْحُلَيْفَةِ وَهِيَ وَادِي الْعَقِيقِ (1) فَصَلَّى بِهَا الْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ.
فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ جَاءَ الْحُلَيْفَةَ نَهَارًا فِي وَقْتِ الْعَصْرِ فَصَلَّى بِهَا الْعَصْرَ قَصْرًا، وَهِيَ مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ، ثُمَّ صَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَبَاتَ بِهَا حَتَّى أَصْبَحَ فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ جَاءَهُ الْوَحْيُ مِنَ اللَّيْلِ بِمَا يَعْتَمِدُهُ فِي الْإِحْرَامِ.
(1) وادى العقيق: قرب البقيع بَينه وَبَين الْمَدِينَة أَرْبَعَة أَمْيَال.
(*)
كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّهُ أُتِيَ فِي الْمُعَرَّسِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّكَ بِبَطْحَاءَ مُبَارَكَةٍ.
وَأَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عقبَة بِهِ.
وَقَالَ البُخَارِيّ: حَدثنَا الحميدى، حَدثنَا الْوَلِيد وَبشر بن بكر، قَالَا: حَدثنَا الاوزاعي، حَدثنَا يَحْيَى، حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ (2) يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ بِوَادِي الْعَقِيقِ يَقُولُ: " أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي فَقَالَ: صَلِّ فِي هَذَا
الْوَادِي الْمُبَارَكِ وَقُلْ: عُمْرَةً فِي حَجَّةٍ ".
تَفَرَّدَ بِهِ دُونَ مُسلم.
فَالظَّاهِر أَن أمره عليه السلام بِالصَّلَاةِ فِي وَادِي الْعَقِيقِ هُوَ أَمْرٌ بِالْإِقَامَةِ بِهِ إِلَى أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ الظُّهْرِ، لِأَنَّ الْأَمْرَ إِنَّمَا جَاءَهُ فِي اللَّيْلِ وَأَخْبَرَهُمْ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا صَلَاةُ الظُّهْرِ، فَأُمِرَ أَنْ يُصَلِّيَهَا هُنَالِكَ وَأَنْ يُوقِعَ الْإِحْرَامَ بَعْدَهَا.
وَلِهَذَا قَالَ: أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ ربى عزوجل فَقَالَ: صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ، وَقُلْ عُمْرَةً فِي حَجَّةٍ.
وَقَدِ احْتُجَّ بِهِ عَلَى الْأَمْرِ بِالْقِرَانِ فِي الْحَجِّ، وَهُوَ مِنْ أَقْوَى الْأَدِلَّةِ عَلَى ذَلِكَ.
كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ قَرِيبًا.
* * * وَالْمَقْصُود أَنه عليه السلام أُمِرَ بِالْإِقَامَةِ بِوَادِي الْعَقِيقِ إِلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَقَدِ امْتَثَلَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَأَقَامَ هُنَالِكَ وَطَافَ عَلَى نِسَائِهِ فِي تِلْكَ الصَّبِيحَةِ وَكُنَّ تِسْعَ نِسْوَةٍ، وَكُلُّهُنَّ خَرَجَ مَعَهُ، وَلَمْ يَزَلْ هُنَالِكَ حَتَّى صَلَّى الظُّهْرَ.
كَمَا سَيَأْتِي فِي حَدِيث
(2) الاصل: ابْن عمر.
وَمَا أثْبته عَن صَحِيح البُخَارِيّ.
(*)
أَبِي حَسَّانَ الْأَعْرَجِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صلى الظُّهْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، ثُمَّ أَشْعَرَ بَدَنَتَهُ، ثُمَّ رَكِبَ فَأَهَلَّ.
وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ.
وَهَكَذَا قَالَ الامام أَحْمد: حَدثنَا روح، حَدثنَا أَشْعَثُ - هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ - عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ، فَلَمَّا عَلَا شَرَفَ الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَالنَّسَائِيِّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ، عَنِ
النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ عَنْ أَشْعَثَ بِمَعْنَاهُ، وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْأَزْهَرِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَشْعَثَ أَتَمَّ مِنْهُ.
وَهَذَا فِيهِ رَدٌّ عَلَى ابْنِ حَزْمٍ، حَيْثُ زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ فِي صَدْرِ النَّهَارِ.
وَلَهُ أَنْ يَعْتَضِدَ بِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ، عَنْ رجل، عَن أنس أَن رَسُول الله بَاتَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ حَتَّى أَصْبَحَ، فَصَلَّى الصُّبْحَ ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ، حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ الْبَيْدَاءَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَحَجٍّ.
وَلَكِنْ فِي إِسْنَادِهِ رَجُلٌ مُبْهَمٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَبُو قِلَابَةَ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بن حبيب الحارثى، حَدثنَا خَالِد - يعْنى ابْن الْحَارِث - حَدثنَا شُعْبَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ، سَمِعت أَبى يحدث عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ، ثُمَّ يُصْبِحُ مُحْرِمًا يَنْضَحُ طِيبًا.
وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبُو عوَانَة.
وَمُسلم وَمِسْعَرٍ وَسُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ الثَّوْرِيِّ، أَرْبَعَتُهُمْ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ بِهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنِ الرَّجُلِ يَتَطَيَّبُ ثُمَّ يُصْبِحُ مُحْرِمًا.
قَالَ: مَا أُحِبُّ أَنِّي أُصْبِحُ محرما أنضح طيبا، لَان أطلى القطران (1) أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ.
فَقَالَتْ عَائِشَة: أَنا طيبت رَسُول الله عِنْدَ إِحْرَامِهِ، ثُمَّ طَافَ فِي نِسَائِهِ ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا.
وَهَذَا اللَّفْظُ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ يقتضى أَنه كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يتطيب قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ عَلَى نِسَائِهِ، لِيَكُونَ ذَلِكَ أَطْيَبَ لِنَفْسِهِ وَأَحَبَّ إِلَيْهِنَّ، ثُمَّ لَمَّا اغْتَسَلَ
مِنَ الْجَنَابَةِ وَلِلْإِحْرَامِ تَطَيَّبَ أَيْضًا لِلْإِحْرَامِ طِيبًا آخَرَ.
كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَجَرَّدَ لِإِهْلَالِهِ وَاغْتَسَلَ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ عَدِيٍّ أَنْبَأَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ غَسَلَ رَأْسَهُ بِخَطْمِيٍّ وَأُشْنَانٍ (2) وَدَهَنَهُ بشئ مِنْ زَيْتٍ غَيْرِ كَثِيرٍ.
الْحَدِيثُ تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُرْوَةَ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِحُرْمِهِ وَلِحِلِّهِ قُلْتُ لَهَا: بِأَيِّ طِيبٍ؟ قَالَتْ بِأَطْيَبِ الطِّيبِ.
وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَأخرجه البُخَارِيّ من حَدِيث وهب عَن
(1) صَحِيح مُسلم: بقطران حَدِيث 1192.
(2)
الخطمى والاشنان: نَوْعَانِ من النَّبَات.
(*)
هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَخِيهِ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِهِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَنْبَأَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِإِحْرَامِهِ حِينَ يُحْرِمُ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ.
وَقَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بن أَبى بَكْرٍ: أَنْبَأَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ وَالقَاسِم يخبران عَن عَائِشَة قَالَت: طيبت رَسُول الله بِيَدَيَّ بِذَرِيرَةٍ (1) فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ لِلْحِلِّ وَالْإِحْرَامِ.
وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: طَيَّبْتُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِي هَاتَيْنِ لِحُرْمِهِ حِينَ أَحْرَمَ وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ.
وَقَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بن منيع، وَيَعْقُوب الدورقى قَالَا: حَدثنَا هشيم، أخبرنَا مَنْصُورٌ، عَنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أُطَيِّبُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ [وَيحل](2) وَيَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ بِطِيبٍ فِيهِ مِسْكٌ.
وَقَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ (3)، قَالَا: حَدثنَا وَكِيع، حَدثنَا الْأَعْمَش، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الْمِسْكِ فِي مَفَارِقِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُلَبِّي.
ثُمَّ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ وَغَيْرِهِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ الله، عَن إِبْرَاهِيم،
(3) الذريرة: نوع من الطّيب: قَالَ النَّوَوِيّ: هِيَ فتات قصب طيب يجاء بِهِ من الْهِنْد.
(1)
لَيست فِي صَحِيح مُسلم.
كتاب الْحَج حَدِيث رقم 1191 - ط الْحلَبِي.
(2)
فِي صَحِيح مُسلم زِيَادَة: وَأَبُو سعيد الاشج قَالُوا.
الخ حَدِيث 1190.
(*)
عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الْمِسْكِ فِي مَفْرِقِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُحْرِمٌ.
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، كِلَاهُمَا عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْهَا.
وَأَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ بن إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ: أَنبأَنَا أَشْعَث، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ
عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي أُصُولِ شَعْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُحْرِمٌ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بن سَلمَة، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفْرِقِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ أَيَّامٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ الْحُمَيْدِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَة، حَدثنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: رَأَيْتُ الطِّيبَ فِي مفرق رَسُول الله بَعْدَ ثَالِثَةٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ.
* * * فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ دَالَّةٌ على أَنه عليه السلام تَطَيَّبَ بَعْدَ الْغُسْلِ، إِذْ لَوْ كَانَ الطِّيبُ قَبْلَ الْغُسْلِ لَذَهَبَ بِهِ الْغُسْلُ وَلَمَا بَقِيَ لَهُ أَثَرٌ، وَلَا سِيَّمَا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ يَوْمِ الْإِحْرَامِ.
وَقَدْ ذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ مِنْهُمُ ابْنُ عُمَرَ إِلَى كَرَاهَةِ التَّطَيُّبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ.
وَقَدْ رَوَيْنَا هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عَائِشَةَ، فَقَالَ الْحَافِظُ البيهقى: أَنبأَنَا
أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ - بِبَغْدَادَ - أَنْبَأَنَا أَبُو الْحسن على بن مُحَمَّد المصرى، حَدثنَا يحيى ابْن عُثْمَان بن صَالح، حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن أَبى الْعُمر، حَدثنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْغَالِيَةِ الْجَيِّدَةِ عِنْدَ إِحْرَامِهِ.
وَهَذَا إِسْنَادٌ غَرِيبٌ عَزِيزُ الْمَخْرَجِ.
ثُمَّ إِنَّهُ عليه السلام لَبَّدَ رَأْسَهُ لِيَكُونَ أَحْفَظَ لِمَا فِيهِ مِنَ الطِّيبِ وَأَصْوَنَ لَهُ مِنَ اسْتِقْرَارِ التُّرَابِ وَالْغُبَارِ.
قَالَ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا مِنَ الْعُمْرَةِ وَلَمْ تَحِلَّ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ؟ قَالَ: " إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي وَقَلَّدْتُ هَدْيِي، فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ ".
وَأَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، وَلَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ عَنْ نَافِعٍ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا الْحَاكِمُ، أَنْبَأَنَا لاصم، أَنبأَنَا يحيى بن مُحَمَّد بن يحيى، حَدثنَا عبيد الله بن عمر القواريرى، حَدثنَا عبد الاعلى، حَدثنَا مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لبد رَأسه بالعسل.
وَهَذَا إِسْنَاد جيد.
ثمَّ إِنَّه عليه السلام أَشْعَرَ الْهَدْيَ وَقَلَّدَهُ (1) وَكَانَ مَعَهُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ.
قَالَ اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ، تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، وَأَهْدَى فَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ.
وَسَيَأْتِي الْحَدِيثُ بِتَمَامِهِ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالْكَلَام عَلَيْهِ إِن شَاءَ الله.
(1) الاشعار: أَن يَجْعَل لَهَا شعيرَة، أَي عَلامَة تتَمَيَّز بهَا.
والتقليد: إلباسها مَا يعلم بِهِ أَنَّهَا هدى.
(*)
وَقَالَ مُسلم: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ - هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ - حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي حَسَّانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَتَى ذَا الْحُلَيْفَةِ دَعَا بِنَاقَتِهِ فَأَشْعَرَهَا فِي صَفْحَةِ سَنَامِهَا الْأَيْمَنِ وَسَلَتَ الدَّمَ وَقَلَّدَهَا نَعْلَيْنِ ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ.
وَقَدْ رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ، مِنْ طُرُقٍ عَنْ قَتَادَةَ.
وَهَذَا يدل على أَنه عليه السلام تَعَاطَى هَذَا الْإِشْعَارَ وَالتَّقْلِيدَ بِيَدِهِ الْكَرِيمَةِ فِي هَذِهِ الْبَدَنَةِ، وَتَوَلَّى إِشْعَارَ بَقِيَّةِ الْهَدْيِ وَتَقْلِيدَهُ غَيره، فَإِنَّهُ قد كَانَ مَعَه هَدْيٌ كَثِيرٌ (1) ، إِمَّا مِائَةُ بَدَنَةٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْهَا بِقَلِيلٍ.
وَقَدْ ذَبَحَ بِيَدِهِ الْكَرِيمَةِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً وَأَعْطَى عَلِيًّا
فَذَبَحَ مَا غَبَرَ (2) .
وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ عَلِيًّا قَدِمَ مِنَ الْيَمَنِ بِبُدْنٍ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وفى سِيَاق ابْن إِسْحَاق أَنه عليه السلام أَشْرَكَ عَلِيًّا فِي بُدْنِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّهُ ذَبَحَ هُوَ وَعَلِيٌّ يَوْمَ النَّحْرِ مِائَةَ بَدَنَةٍ.
فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَدْ سَاقَهَا مَعَهُ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَقَدْ يَكُونُ اشْتَرَى بَعْضهَا بعد ذَلِك وَهُوَ محرم.
(1) ج: كَانَ هَديا كثيرا.
(2)
غير: بقى.
(*)