المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر إفاضته عليه السلام إلى البيت العتيق - السيرة النبوية من البداية والنهاية - ت عبد الواحد - جـ ٤

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌سَنَةُ تِسْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ‌‌ذِكْرُ غَزْوَةِ تَبُوكَ فِي رَجَبٍ مِنْهَاقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا، وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ

- ‌ذِكْرُ غَزْوَةِ تَبُوكَ فِي رَجَبٍ مِنْهَا

- ‌ذكر مروره عليه السلام فِي ذَهَابِهِ إِلَى تَبُوكَ بِمَسَاكِنِ ثَمُودَ وَصَرْحَتِهِمْ بِالْحجرِ

- ‌ذِكْرُ خُطْبَتِهِ عليه السلام إِلَى تَبُوك إِلَى نَخْلَةٍ هُنَاكَ

- ‌ذكر الصَّلَاة على مُعَاوِيَة بن أَبى مُعَاوِيَة إِنْ صَحَّ الْخَبَرُ فِي ذَلِكَ

- ‌ذِكْرُ أَقْوَامٍ تَخَلَّفُوا مِنَ العصاة غَيْرِ هَؤُلَاءِ

- ‌ذِكْرُ مَا كَانَ مِنَ الْحَوَادِثِ بَعْدَ رُجُوعِهِ عليه السلام إِلَى الْمَدِينَةِ مُنْصَرَفَهُ مِنْ تَبُوكَ

- ‌ذِكْرُ مَوْتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ قَبَّحَهُ اللَّهُ

- ‌ذِكْرُ بَعْثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ أَمِيرًا عَلَى الْحَجِّ سَنَةَ تِسْعٍ وَنُزُولِ سُورَةِ بَرَاءَةَ

- ‌ذكر لى أَن أَبَا عُبَيْدَة ذكره فِي مقَاتل الفرسان

- ‌سنة عشر من الْهِجْرَة‌‌بَابُ بَعْثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخِرِ أَوْ جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ عَشْرٍ إِلَى بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ بِنَجْرَانَ

- ‌بَابُ بَعْثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ

- ‌بَابُ بَعْثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَخَالِدَ بْنَ الْوَلِيد إِلَى الْيمن قبل حجَّة الْوَدَاع

- ‌بَاب بَيَان أَنه عليه السلام لَمْ يَحُجَّ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَّا حَجَّةً وَاحِدَةً

- ‌بَاب تَارِيخ خُرُوجه عليه السلام مِنَ الْمَدِينَةِ لِحَجَّةِ الْوَدَاعِ

- ‌بَاب صفة خُرُوجه عليه السلام مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ لِلْحَجِّ

- ‌بَابُ بَيَانِ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَهَلَّ مِنْهُ عليه السلام وَاخْتِلَافِ النَّاقِلِينَ لِذَلِكَ

- ‌بَابُ بَسْطِ الْبَيَانِ لِمَا أَحْرَمَ بِهِ عليه السلام فِي حجَّته هَذِه من الْإِفْرَاد أَو التَّمَتُّع أَو الْقرَان

- ‌ذكر الاحاديث الْوَارِدَة بِأَنَّهُ عليه السلام كَانَ مُفْرِدًا

- ‌ذكر من قَالَ إِنَّه عليه السلام حَجَّ مُتَمَتِّعًا

- ‌ذِكْرُ حُجَّةِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ عليه السلام كَانَ قَارِنًا، وَسَرْدُ الْأَحَادِيثِ فِي ذَلِكَ

- ‌ذِكْرُ مُسْتَنَدِ مَنْ قَالَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَطْلَقَ الْإِحْرَامَ وَلَمْ يُعَيِّنْ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً أَوَّلًا، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ صَرْفَهُ إِلَى مُعَيَّنٍ

- ‌ذِكْرُ تَلْبِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌ذِكْرُ الْأَمَاكِنِ الَّتِي صَلَّى فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ ذَاهِبٌ

- ‌بَابُ دُخُولِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى مَكَّة شرفها الله عز وجل

- ‌ذِكْرُ رَمَلِهِ عليه الصلاة والسلام فِي طَوَافِهِ وَاضْطِبَاعِهِ

- ‌ذكر طَوَافه عليه السلام بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ

- ‌ذكر مَا نزل على رَسُول الله مِنَ الْوَحْيِ الْمُنِيفِ فِي هَذَا الْمَوْقِفِ الشَّرِيفِ

- ‌ذكر إفاضته عليه السلام مِنْ عَرَفَاتٍ إِلَى الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ

- ‌ذِكْرُ تلبيته عليه السلام بِالْمُزْدَلِفَةِ

- ‌ذكر رميه عليه السلام جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَحْدَهَا يَوْمَ النَّحْرِ

- ‌ذكر إفاضته عليه السلام إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ

- ‌ذِكْرُ إِيرَادِ حَدِيثٍ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَزُورُ الْبَيْتَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِي مِنًى

- ‌سنة إِحْدَى عشرَة من الْهِجْرَة اسْتَهَلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَقَدِ اسْتَقَرَّ الرِّكَابُ الشَّرِيفُ النَّبَوِيُّ بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ الْمُطَهَّرَةِ، مَرْجِعَهُ مِنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ

- ‌ذِكْرُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ

- ‌ذكر أمره عليه السلام أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه أَنْ يصلى بالصحابة أَجْمَعِينَ

- ‌ذِكْرُ اعْتِرَافِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ بِصِحَّةِ مَا قَالَهُ الصِّدِّيقُ يَوْمَ السَّقِيفَةِ

- ‌ذِكْرُ مَنْ كَانَ آخِرَ النَّاسِ بِهِ عَهْدًا عليه الصلاة والسلام

- ‌ذِكْرُ مَا أَصَابَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْمُصِيبَة الْعَظِيمَة بوفاته عليه الصلاة والسلام

- ‌ذِكْرُ مَا وَرَدَ مِنَ التَّعْزِيَةِ بِهِ عليه الصلاة والسلام

- ‌بَابُ بَيَانِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَتْرُكْ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا

- ‌بَاب بَيَان أَنه عليه السلام قَالَ: لَا نُورَثُ

- ‌بَابُ ذِكْرِ زَوْجَاتِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ ورضى عَنْهُن وَأَوْلَاده صلى الله عليه وسلم

- ‌بَاب ذكر عبيده عليه السلام وَإِمَائِهِ وَذِكْرِ خَدَمِهِ وَكُتَّابِهِ وَأُمَنَائِهِ

- ‌ذَكَرَ ابْنُ مَنْدَهْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ يَعْلَى اللَّيْثِيِّ، أَنَّ بُكَيْرَ بْنَ شَدَّاخٍ اللَّيْثِيَّ كَانَ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم

- ‌سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ

- ‌بَابُ مَا يُذْكَرُ مِنْ آثَارِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الَّتِي كَانَ يَخْتَصُّ بِهَا فِي حَيَاته

- ‌ذكر سَيْفه عليه السلام

- ‌ذِكْرُ نَعْلِهِ الَّتِي كَانَ يمشى فِيهَا عليه السلام

- ‌ذِكْرُ مَا وَرَدَ فِي المكحلة الَّتِى كَانَ عليه السلام يكتحل مِنْهَا

- ‌ذِكْرُ أفراسه ومراكبه عليه الصلاة والسلام

الفصل: ‌ذكر إفاضته عليه السلام إلى البيت العتيق

‌ذكر إفاضته عليه السلام إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ

قَالَ جَابِرٌ: ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم [فَأَفَاضَ (1) ] إِلَى الْبَيْتِ، فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ فَأَتَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُمْ يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ.

فَقَالَ: " انْزِعُوا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَلَوْلَا أَنْ يَغْلِبَكُمُ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ " فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ.

رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

فَفِي هَذَا السِّيَاقِ مَا يدل على أَنه عليه السلام رَكِبَ إِلَى مَكَّةَ قَبْلَ الزَّوَالِ فَطَافَ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ صَلَّى الظُّهْرَ هُنَاكَ.

وَقَالَ مُسْلِمٌ أَيْضًا: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنْبَأَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَفَاضَ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ رَجَعَ فَصَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى.

وَهَذَا خِلَافُ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَكِلَاهُمَا عِنْدَ مُسْلِمٍ.

فَإِنْ عللنا بهما أمكن أَن يُقَال: إِنَّه عليه السلام صَلَّى الظُّهْرَ بِمَكَّةَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِنًى فَوجدَ النَّاس ينتطرونه فصلى بهم.

وَالله أعلم.

ورجوعه عليه السلام إِلَى مِنًى فِي وَقْتِ الظُّهْرِ مُمْكِنٌ، لِأَنَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ كَانَ صَيْفًا وَالنَّهَارُ طَوِيلٌ، وَإِنْ كَانَ قد صدر مِنْهُ عليه السلام أَفْعَالٌ كَثِيرَةٌ فِي صَدْرِ هَذَا النَّهَارِ، فَإِنَّهُ دَفَعَ فِيهِ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ بَعْدَ مَا أَسْفَرَ الْفَجْرُ جِدًّا، وَلَكِنَّهُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، ثُمَّ قَدِمَ مِنًى فَبَدَأَ بِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، ثُمَّ جَاءَ فَنَحَرَ بِيَدِهِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَة وَنحر على بَقِيَّة الْمِائَة، ثمَّ أخذت مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بَضْعَةً وَوُضِعَتْ فِي قِدْرٍ وَطُبِخَتْ حَتَّى نَضِجَتْ فَأَكَلَ مِنْ ذَلِكَ اللَّحْمِ وَشَرِبَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَقِ.

وَفِي غُضُونِ ذَلِكَ حلق رَأسه عليه السلام وَتَطَيَّبَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ رَكِبَ إِلَى الْبَيْت.

(1) من صَحِيح مُسلم 4 / 42 (*)

ص: 381

وَقد خطب عليه السلام فِي هَذَا الْيَوْمِ خُطْبَةً عَظِيمَةً.

وَلَسْتُ أَدْرِي أَكَانَتْ قَبْلَ ذَهَابِهِ إِلَى الْبَيْتِ أَوْ بَعْدَ رُجُوعه مِنْهُ إِلَى منى.

فَالله أعلم.

* * * وَالْقَصْد أَنَّهُ رَكِبَ إِلَى الْبَيْتِ فَطَافَ بِهِ سَبْعَةَ أَطْوَافٍ رَاكِبًا، وَلَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ وَعَائِشَةَ رضي الله عنهما.

ثُمَّ شَرِبَ مِنْ مَاء زَمْزَم وَمن نَبِيذ تمر مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ.

فَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يُقَوِّي قَول من قَالَ: إِنَّه عليه السلام صَلَّى الظُّهْرَ بِمَكَّةَ، كَمَا رَوَاهُ جَابِرٌ.

وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ رَجَعَ إِلَى مِنًى فِي آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ بِمِنًى الظُّهْرَ أَيْضًا.

وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَشْكَلَ عَلَى ابْنِ حَزْمٍ فَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ فِيهِ، وَهُوَ مَعْذُورٌ لِتَعَارُضِ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ.

وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْمَعْنى، قَالَا: حَدثنَا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر، عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِنًى فَمَكَثَ بِهَا لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يَرْمِي الْجَمْرَةَ إِذَا زَالَت الشَّمْس، كل جَمْرَة بِسبع حَصَيَات يكبر مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ.

قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: فَهَذَا جَابِرٌ وَعَائِشَةُ قَدِ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ عليه السلام صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ.

وَهُمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَضْبَطُ لِذَلِكَ مِنَ ابْنِ عُمَرَ.

كَذَا قَالَ: وَلَيْسَ بشئ، فَإِنَّ رِوَايَةِ عَائِشَةَ هَذِهِ لَيْسَتْ نَاصَّةً أَنَّهُ عليه السلام صَلَّى الظُّهْرَ بِمَكَّةَ، بَلْ مُحْتَمِلَةٌ إِنْ كَانَ الْمَحْفُوظُ فِي الرِّوَايَةِ:" حَتَّى صَلَّى الظُّهْرَ ".

وَإِنْ كَانَتِ الرِّوَايَةُ " حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ " وَهُوَ الْأَشْبَهُ فَإِن ذَلِك دَلِيل على أَنه عليه السلام صَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى قَبْلَ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى الْبَيْتِ، وَهُوَ مُحْتَمِلٌ.

وَاللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

ص: 382

وَعَلَى هَذَا فَيَبْقَى مُخَالِفًا لِحَدِيثِ جَابِرٍ، فَإِنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى قَبْلَ أَنْ يَرْكَبَ إِلَى الْبَيْتِ، وَحَدِيثُ جَابِرٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ رَكِبَ إِلَى الْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ وَصَلَّاهَا بِمَكَّةَ.

وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، أَخَّرَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَعْنِي طَوَافَ الزِّيَارَةِ إِلَى اللَّيْلِ -.

وَهَذَا الَّذِي عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ قَدْ رَوَاهُ النَّاسُ مِنْ حَدِيثِ يحيى بن سعيد وَعبد الرَّحْمَن بن مهدى وَفرج بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخَّرَ الطَّوَافَ يَوْمَ النَّحْرِ إِلَى اللَّيْلِ.

وَرَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بِهِ.

وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ.

حَسَنٌ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ.

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدثنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَارَ لَيْلًا.

فَإِنْ حُمِلَ هَذَا عَلَى أَنَّهُ أَخَّرَ ذَلِكَ إِلَى مَا بَعْدَ الزَّوَالِ كَأَنَّهُ يَقُولُ إِلَى الْعَشِيِّ، صَحَّ ذَلِكَ وَأَمَّا إِنْ حُمِلَ عَلَى مَا بَعْدَ الْغُرُوبِ فَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا وَمُخَالِفٌ لِمَا ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَة الْمَشْهُورَة من أَنه عليه السلام طَافَ يَوْمَ النَّحْرِ نَهَارًا، وَشَرِبَ مِنْ سِقَايَةِ زَمْزَمَ.

وَأَمَّا الطَّوَافُ الَّذِي ذَهَبَ فِي اللَّيْلِ إِلَى الْبَيْتِ بِسَبَبِهِ فَهُوَ طَوَافُ الْوَدَاعِ.

وَمِنَ الرُّوَاةِ مَنْ يُعَبِّرُ عَنْهُ بِطَوَافِ الزِّيَارَةِ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

أَوْ طَوَافُ زِيَارَةٍ مَحْضَةٍ قَبْلَ طَوَافِ الْوَدَاعِ وَبَعْدَ طَوَافِ الصَّدْرِ الَّذِي هُوَ طَوَافُ الْفَرْضِ.

وَقَدْ وَرَدَ حَدِيثٌ سَنذكرُهُ فِي مَوْضِعه: أَن رَسُول الله كَانَ يَزُورُ الْبَيْتَ كُلَّ لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِي مِنًى، وَهَذَا بَعِيدٌ أَيْضًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ روى الْحَافِظ البيهقى من حَدِيث عَمْرو بن قيس، عَن عبد الرَّحْمَن، عَن الْقَاسِم

ص: 383

عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَذِنَ لِأَصْحَابِهِ فَزَارُوا الْبَيْتَ يَوْمَ النَّحْرِ ظَهِيرَةً، وَزَارَ

رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ نِسَائِهِ لَيْلًا.

وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا أَيْضًا.

وَهَذَا قَوْلُ طَاوُسٍ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَّرَ الطَّوَافَ يَوْمَ النَّحْرِ إِلَى اللَّيْلِ.

وَالصَّحِيحُ من الرِّوَايَات وَعَلِيهِ الْجُمْهُور: أَنه عليه السلام طَافَ يَوْمَ النَّحْرِ بِالنَّهَارِ، وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَهُ.

وَاللَّهُ أعلم.

* * * وَالْمَقْصُود أَنه عليه السلام لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ طَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَهُوَ رَاكِبٌ، ثُمَّ جَاءَ زَمْزَمَ وَبَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَسْتَقُونَ مِنْهَا وَيَسْقُونَ النَّاسَ، فَتَنَاوَلَ مِنْهَا دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ وَأَفْرَغَ عَلَيْهِ مِنْهُ.

كَمَا قَالَ مُسلم: أخبرنَا مُحَمَّد بن منهال الضَّرِير، حَدثنَا يزِيد بن زُرَيْع، حَدثنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ، سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ وَهُوَ جَالِسٌ مَعَهُ عِنْدَ الْكَعْبَةِ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى رَاحِلَتِهِ وَخَلْفَهُ أُسَامَةُ فَأَتَيْنَاهُ بِإِنَاءٍ فِيهِ نَبِيذٌ فَشَرِبَ وَسَقَى فَضْلَهُ أُسَامَةَ.

وَقَالَ: أَحْسَنْتُمْ وَأَجْمَلْتُمْ هَكَذَا فَاصْنَعُوا ".

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَنَحْنُ لَا نُرِيدُ أَنْ نُغَيِّرَ مَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ بَكْرٍ أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَالِي أَرَى بَنِي عَمِّكُمْ يَسْقُونَ اللَّبْنَ وَالْعَسَلَ وَأَنْتُمْ تَسْقُونَ النَّبِيذَ، أَمِنْ حَاجَةٍ بِكُمْ أَمْ مِنْ بُخْلٍ؟ فَذَكَرَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ هَذَا الْحَدِيثَ.

وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا روح، حَدثنَا حَمَّادٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ بَكْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا شَأْنُ آلِ مُعَاوِيَةَ يَسْقُونَ الْمَاءَ وَالْعَسَلَ، وَآلِ فلَان يسقون اللَّبن، وَأَنْتُم تسقون النببذ، أَمن بخل بكم أم حَاجَة؟

ص: 384

فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا بِنَا بُخْلٌ وَلَا حَاجَةٌ، وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَاءَنَا

وَرَدِيفُهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَاسْتَسْقَى فَسَقَيْنَاهُ مِنْ هَذَا - يَعْنِي نَبِيذَ السِّقَايَةِ - فَشَرِبَ مِنْهُ وَقَالَ: " أَحْسَنْتُمْ هَكَذَا فَاصْنَعُوا ".

وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنْ رَوْحٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَدَاوُدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَذَكَرَهُ.

وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ سُلَيْمَان [حَدثنَا خَالِدٍ] عَنْ خَالِدٍ [الْحَذَّاءِ] ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ جَاءَ إِلَى السِّقَايَةِ فَاسْتَسْقَى، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا فَضْلُ اذْهَبْ إِلَى أُمِّكَ فَأْتِ رَسُولَ اللَّهِ بِشَرَابٍ مِنْ عِنْدِهَا.

فَقَالَ: اسْقِنِي.

فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ أَيْدِيَهُمْ فِيهِ.

قَالَ: اسْقِنِي.

فَشَرِبَ مِنْهُ.

ثُمَّ أَتَى زَمْزَمَ وَهُمْ يَسْقُونَ وَيَعْمَلُونَ فِيهَا.

فَقَالَ: اعْمَلُوا فَإِنَّكُمْ عَلَى عَمَلٍ صَالِحٍ.

ثُمَّ قَالَ: لَوْلَا أَنْ تُغْلَبُوا لنزعت حَتَّى أَضَعَ الْحَبْلَ عَلَى هَذِهِ - يَعْنِي عَاتِقَهُ - وَأَشَارَ إِلَى عَاتِقِهِ.

وَعِنْدَهُ مِنْ حَدِيثِ عَاصِمٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: سَقَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مِنْ زَمْزَمَ فَشَرِبَ وَهُوَ قَائِمٌ.

قَالَ عَاصِمٌ: فَحَلَفَ عِكْرِمَةُ: مَا كَانَ يَوْمَئِذٍ إِلَّا عَلَى بَعِيرٍ وَفِي رِوَايَة: نَاقَته.

وَقَالَ الامام أَحْمد: حَدثنَا هشيم، حَدثنَا يزِيد بن أبي زِيَاد، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَافَ بِالْبَيْتِ وَهُوَ عَلَى بَعِيرٍ وَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ بِمِحْجَنٍ كَانَ مَعَهُ.

قَالَ: وَأَتَى السِّقَايَةَ فَقَالَ: اسْقُونِي.

فَقَالُوا: إِنَّ هَذَا يَخُوضُهُ النَّاسُ وَلَكِنَّا نَأْتِيكَ بِهِ مِنَ الْبَيْتِ.

فَقَالَ: لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ اسْقُونِي مِمَّا يَشْرَبُ النَّاسُ.

وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ مُسَدَّدٍ، عَنْ خَالِدٍ الطَّحَّانِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ مَكَّةَ وَنَحْنُ نَسْتَقِي فَطَافَ عَلَى رَاحِلَتِهِ.

الْحَدِيثَ.

ص: 385

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ وَعَفَّانُ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ قَيْسٍ، وَقَالَ عَفَّانُ

فِي حَدِيثِهِ: أَنْبَأَنَا قَيْسٌ عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى زَمْزَمَ فَنَزَعْنَا لَهُ دَلْوًا فَشَرِبَ، ثُمَّ مَجَّ فِيهَا ثُمَّ أَفْرَغْنَاهَا فِي زَمْزَمَ.

ثُمَّ قَالَ: لَوْلَا أَنْ تُغْلَبُوا عَلَيْهَا لَنَزَعْتُ بِيَدِي.

انْفَرَدَ بِهِ أَحْمَدُ وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ مُسلم.

فصل ثُمَّ إِنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُعِدِ الطَّوَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مَرَّةً ثَانِيَةً بَلِ اكْتَفَى بِطَوَافِهِ الْأَوَّلِ.

كَمَا رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: لَمْ يَطُفِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إِلَّا طَوَافًا وَاحِدًا.

قُلْتُ: وَالْمُرَادُ بِأَصْحَابِهِ هَاهُنَا الَّذِينَ سَاقُوا الْهَدْيَ وَكَانُوا قَارِنِينِ.

كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِعَائِشَةَ: - وَكَانَتْ أَدْخَلَتِ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ فَصَارَتْ قَارِنَةً -: " يَكْفِيكِ طَوَافُكِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ ".

وَعِنْدَ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّ قَوْلَ جَابِرٍ وَأَصْحَابِهِ عَامٌّ فِي الْقَارِنِينَ وَالْمُتَمَتِّعِينَ.

وَلِهَذَا نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ يَكْفِيهِ طَوَافٌ وَاحِدٌ عَنْ حَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ، وَإِنَّ تَحَلَّلَ بَيْنَهُمَا تَحَلَّلَ.

وَهُوَ قَوْلٌ غَرِيبٌ، مَأْخَذُهُ ظَاهِرُ عُمُومِ الْحَدِيثِ.

وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُتَمَتِّعِ كَمَا قَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ طَوَافَانِ وَسَعْيَانِ، حَتَّى طَرَدَتِ الْحَنَفِيَّةُ ذَلِكَ فِي الْقَارِنِ، وَهُوَ مِنْ أَفْرَادِ مَذْهَبِهِمْ أَنَّهُ يَطُوفُ

ص: 386

طَوَافَيْنِ وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ، وَنَقَلُوا ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا.

وَرُوِيَ عَنْهُ مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ عِنْدَ الطَّوَافِ، وَبَيَّنَّا أَنَّ أَسَانِيدَ ذَلِكَ ضَعِيفَةٌ مُخَالِفَةٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ.

وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فصل ثمَّ رَجَعَ عليه السلام إِلَى مِنًى بَعْدَ مَا صَلَّى الظُّهْرَ بِمَكَّةَ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ جَابِرٍ.

وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: رَجَعَ فَصَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى.

رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا.

وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِوُقُوعِ ذَلِكَ بِمَكَّةَ وَبِمِنًى وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَتَوَقَّفَ ابْنُ حَزْمٍ فِي هَذَا الْمَقَامِ فَلَمْ يَجْزِمْ فِيهِ بشئ، وَهُوَ مَعْذُورٌ لِتَعَارُضِ النَّقْلَيْنِ الصَّحِيحَيْنِ فِيهِ.

فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِنًى فَمَكَثَ بِهَا لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يَرْمِي الْجَمَرَاتِ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، كل جَمْرَة بِسبع حَصَيَات يكبر مَعَ كل حَصَاةٍ.

رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مُنْفَرِدًا بِهِ.

وَهَذَا يدل على أَن ذَهَابه عليه السلام إِلَى مَكَّةَ يَوْمَ النَّحْرِ كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ.

وَهَذَا يُنَافِي حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ قَطْعًا وَفِي منافاته لحَدِيث جَابر نظر.

وَالله أعلم.

فصل وَقَدْ خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْيَوْمِ الشَّرِيفِ خُطْبَةً عَظِيمَةً تَوَاتَرَتْ

ص: 387

بِهَا الْأَحَادِيثُ وَنَحْنُ نَذْكُرُ مِنْهَا مَا يَسَّرَهُ الله عزوجل.

قَالَ الْبُخَارِيُّ: بَابُ الْخُطْبَةِ أَيَّامَ مِنًى: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بن سعيد، حَدثنَا فُضَيْل بن غَزوَان، حَدثنَا عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ

فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا.

قَالُوا: يَوْمٌ حَرَامٌ قَالَ: فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ قَالُوا: بَلَدٌ حَرَامٌ.

قَالَ: فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا! قَالُوا: شَهْرٌ حَرَامٌ.

قَالَ: " فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا " قَالَ: فَأَعَادَهَا مِرَارًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: اللَّهُمَّ هَل بلغت! اللَّهُمَّ قد بَلَّغْتُ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لِوَصِيَّتُهُ إِلَى أُمَّتِهِ: فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ.

وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ الْفَلَّاسِ عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ بِهِ.

وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ أَيْضا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامر، حَدثنَا قُرَّةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَخْبَرَنِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ وَرَجُلٌ أَفْضَلُ فِي نَفْسِي مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ: أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.

فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ.

قَالَ: أَلَيْسَ هَذَا يَوْمَ النَّحْرِ؟ قُلْنَا بَلَى؟ قَالَ: أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.

فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ.

قَالَ: أَلَيْسَ ذَا الْحِجَّةِ؟ قُلْنَا بَلَى.

قَالَ: أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.

فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنه سيسميه بِغَيْر اسْمه.

قَالَ: أَلَيْسَ بِالْبَلَدِ الْحَرَامِ؟ قُلْنَا: بَلَى.

قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ.

أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ قَالُوا: نَعَمْ.

قَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ

ص: 388

الْغَائِبَ فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوَعَى مِنْ سَامِعٍ، فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ.

وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ بِهِ.

وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بن عون، عَن ابْن سِيرِينَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ فَذَكَرَهُ.

وَزَادَ

فِي آخِرِهِ: ثُمَّ انْكَفَأَ إِلَى كبشين أملحين فذبحهما وَإِلَى جذيعة مِنَ الْغَنَمِ فَقَسَمَهَا بَيْنَنَا.

* * * وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدثنَا إِسْمَاعِيلُ، أَنْبَأَنَا أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ فِي حَجَّتِهِ فَقَالَ: أَلَا إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ الله السَّمَوَات وَالْأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ.

ثُمَّ قَالَ: أَلَا أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ.

قَالَ: أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟ قُلْنَا: بَلَى.

ثُمَّ قَالَ: أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.

فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ.

قَالَ: أَلَيْسَ ذَا الْحِجَّةِ؟ قُلْنَا بَلَى.

ثُمَّ قَالَ: أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.

فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ.

قَالَ، أَلَيْسَتِ الْبَلدة [الْحَرَامِ] قُلْنَا: بَلَى قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ - لاحسبه قَالَ: وَأَعْرَاضَكُمْ - عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، أَلَا لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي ضُلَّالًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ أَلَا لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَلَعَلَّ مَنْ يُبَلَّغُهُ يَكُونُ أَوَعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ.

هَكَذَا وَقَعَ فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ.

وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ مُسَدَّدٍ.

وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ زُرَارَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ إِسْمَاعِيلَ - وَهُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ بِهِ.

ص: 389

وَهُوَ مُنْقَطع لَان صَاحِبَا الصَّحِيحِ أَخْرَجَاهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَيُّوب وَغَيره، عَن مُحَمَّد ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ بِهِ.

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ، قَالَ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمِنًى: أَتَدْرُونَ

أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.

قَالَ: فَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ حَرَامٌ، أَفَتَدْرُونَ أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.

قَالَ: بَلَدٌ حَرَامٌ.

قَالَ: أَفَتَدْرُونَ أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.

قَالَ: شَهْرٌ حَرَامٌ.

قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا.

وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي أَمَاكِنَ مُتَفَرِّقَةٍ مِنْ صَحِيحِهِ، وَبَقِيَّةُ الْجَمَاعَةِ إِلَّا التِّرْمِذِيَّ، مِنْ طُرُقٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَذَكَرَهُ.

قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ هِشَامُ بْنُ الْغَازِ (1) أَخْبَرَنِي نَافِع، عَنِ ابْنِ عُمَرَ [قَالَ] وَقَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ بَيْنَ الْجَمَرَاتِ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي حَجَّ بِهَذَا (2) وَقَالَ: هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ.

فَطَفِقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ.

وَوَدَّعَ النَّاسَ فَقَالُوا: هَذِهِ حَجَّةُ الْوَدَاعِ.

وَقَدْ أَسْنَدَ هَذَا الْحَدِيثَ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ مُؤَمَّلِ بْنِ الْفَضْلِ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ.

وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ صَدَقَةَ بْنِ خَالِدٍ، كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامِ بن الْغَاز ابْن ربيعَة الجرشى أَبى الْعَبَّاس الدِّمَشْقِي بِهِ.

* * *

(1) بِحَذْف الْيَاء وإثباتها، قاعل من الْغَزْو.

(2)

قَالَ ابْن حجر: بِهَذَا، أَي بِالْحَدِيثِ الذى تقدم من طَرِيق مُحَمَّد بن زيد عَن جده.

قَالَ: وَأَرَادَ المُصَنّف بذلك أصل الحَدِيث وأصل مَعْنَاهُ لَكِن السِّيَاق مُخْتَلف.

وَفسّر الْكرْمَانِي لَفْظَة " بِهَذَا " بقوله: وقف متلبسا بِهَذَا الْكَلَام الْمَذْكُور يُرِيد التَّفْوِيض بقَوْلهمْ: الله وَرَسُوله أعلم وَالْبَاء فِي بِهَذَا تتَعَلَّق بقوله: وقف النَّبِي.

انْظُر إرشاد السارى 3 / 244 (*)

ص: 390

وقيامه عليه السلام بِهَذِهِ الْخُطْبَةِ عِنْدَ الْجَمَرَاتِ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ بَعْدَ رَمْيِهِ الْجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ وَقَبْلَ طَوَافِهِ.

وَيَحْتَمِلُ أَنه بعد طَوَافه ورجوعه إِلَى منى ورميه بِالْجَمَرَاتِ.

لَكِنْ يُقَوِّي الْأَوَّلَ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ حَيْثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ هِشَامٍ الْحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحِيمِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ يَحْيَى بن حُصَيْن الْأَحْمَسِيِّ، عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ حُصَيْنٍ قَالَتْ: حَجَجْتُ فِي حَجَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَرَأَيْت بِلَالًا آخِذا بقود رَاحِلَتِهِ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رَافِعٌ عَلَيْهِ ثَوْبَهُ يُظِلُّهُ مِنَ الْحَرِّ وَهُوَ مُحْرِمٌ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ.

ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَذَكَرَ قَوْلًا كَثِيرًا وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ الْحصين قَالَت: حججْت مَعَ رَسُول الله حجَّة الْوَدَاع فَرَأَيْت أُسَامَة وبلال أَحدهمَا آخذ بِخِطَام نَاقَة رَسُول الله وَالْآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ يَسْتُرُهُ مِنَ الْحَرِّ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ.

قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ قَوْلًا كَثِيرًا.

ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: " إِنَّ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ مُجَدَّعٌ - حَسِبْتُهَا قَالَتْ أَسْوَدُ - يَقُودُكُمْ بِكِتَاب الله فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطيعُوا ".

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الله، حَدثنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ - وَهُوَ ذَكْوَانُ السَّمَّانُ - عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ: أَيُّ يَوْمٍ أَعْظَمُ حُرْمَةً؟ قَالُوا: يَوْمُنَا هَذَا.

قَالَ: أَيُّ شَهْرٍ أَعْظَمُ حُرْمَةً؟ قَالُوا: شَهْرُنَا هَذَا.

قَالَ: أَيُّ بَلَدٍ أَعْظَمُ حُرْمَةً؟ قَالُوا: بَلَدُنَا هَذَا.

قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، هَلْ بَلَّغْتُ؟ قَالُوا: نَعَمْ.

قَالَ اللَّهُمَّ اشْهَدْ.

انْفَرَدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَهُوَ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ.

وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ بِهِ.

ص: 391

وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ فِي خطبَته عليه السلام يَوْمَ عَرَفَةَ.

فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ، حَدثنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ الْأَعْمَشِ،

عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ.

فَذَكَرَ مَعْنَاهُ.

وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ بِهِ.

وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ.

فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا أَبُو هِشَام، حَدثنَا حَفْصٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ فَقَالَ: أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَالُوا: يَوْمٌ حَرَامٌ: قَالَ: " فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا ".

ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ: رَوَاهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ.

وَجَمَعَهُمَا لَنَا أَبُو هِشَامٍ.

عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ.

قُلْتُ: وَتَقَدَّمَ رِوَايَةُ أَحْمَدَ لَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيِّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فَلَعَلَّهُ عِنْدَ أَبِي صَالِحٍ عَنِ الثَّلَاثَةِ.

وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

* * * وَقَالَ هِلَالُ بْنُ يَسَافٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ قَيْسٍ الْأَشْجَعِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: " إِنَّمَا هُنَّ أَرْبَعٌ، لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَلَا تَزْنُوا وَلَا تَسْرِقُوا ".

قَالَ: فَمَا أَنَا بِأَشَحَّ عَلَيْهِنَّ مِنِّي حِينَ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

ص: 392

وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ مَنْصُورٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ يِسَافٍ.

وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَالثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ.

وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عمر بن أنس العذري، حَدثنَا

أَبُو ذَر عبد الله بن أَحْمد الْهَرَوِيّ الانصاري، حَدثنَا أَحْمد بن عَبْدَانِ الْحَافِظ بالاهواز، حَدثنَا سهل بن مُوسَى بن شيرزاد، حَدثنَا مُوسَى بن عَمْرو بن عَاصِم، حَدثنَا أَبُو الْعَوام، حَدثنَا مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ، قَالَ: شَهِدْتُ رَسُولَ الله فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهُوَ يَخْطُبُ وَهُوَ يَقُولُ: " أُمَّكَ وَأَبَاكَ وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ ثُمَّ أَدَنَاكَ أَدْنَاكَ " قَالَ: فَجَاءَ قَوْمٌ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قتلنَا بَنُو يَرْبُوعٍ.

فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " لَا تَجْنِي نَفْسٌ عَلَى أُخْرَى " ثُمَّ سَأَلَهُ رَجُلٌ نَسِيَ أَنْ يَرْمِيَ الْجِمَارَ، فَقَالَ:" ارْمِ وَلَا حَرَجَ " ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَسِيتُ الطَّوَافَ فَقَالَ: طُفْ وَلَا حَرَجَ.

ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ حَلَقَ قبل أَن يذبح قَالَ: اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ.

فَمَا سَأَلُوهُ يَوْمَئِذٍ عَنْ شئ إِلَّا قَالَ: " لَا حَرَجَ لَا حَرَجَ ".

ثُمَّ قَالَ: " قَدْ أَذْهَبَ اللَّهُ الْحَرَجَ إِلَّا رَجُلًا اقْترض امْرَءًا مُسْلِمًا فَذَلِكَ الَّذِي حَرِجَ وَهَلَكَ ".

وَقَالَ " مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ دَوَاءً إِلَّا الْهَرَمَ ".

وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَهْلُ السُّنَنِ بَعْضَ هَذَا السِّيَاقِ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ.

وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنِي شُعْبَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُدْرِكٍ، سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ يُحَدِّثُ عَنْ جَرِيرٍ - وَهُوَ جَدُّهُ -، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: يَا جَرِيرُ اسْتَنْصِتِ النَّاسَ.

ثُمَّ قَالَ: فِي خُطْبَتِهِ: " لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ ".

ثُمَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنْ غُنْدَرٍ وَعَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ شُعْبَةَ بِهِ.

وَأَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ بِهِ.

ص: 393

وَقَالَ أَحْمد: حَدثنَا ابْن نمير، حَدثنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ قَيْسٍ، قَالَ بَلَغَنَا أَنَّ جَرِيرًا قَالَ: قَالَ رَسُول الله: اسْتَنْصِتِ النَّاسَ.

ثُمَّ قَالَ عِنْدَ ذَلِكَ: " لَا أَعرفن بعد مَا أرى

ترجعون كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ ": وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ بِهِ.

وَقَالَ النَّسَائِيّ: حَدثنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنِ ابْنِ غَرْقَدَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِيه، قَالَ: شهِدت رَسُول الله فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ.

ثَلَاثَ مَرَّات.

أَي يَوْم هَذَا؟ قَالُوا: يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ.

قَالَ: " فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بلدكم هَذَا، وَلَا يجنى جَان على وَلَده، أَلَا إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أَنْ يُعْبَدَ فِي بلدكم هَذَا، وَلَكِنْ سَيَكُونُ لَهُ طَاعَةٌ فِي بَعْضِ مَا تَحْتَقِرُونَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ فَيَرْضَى، أَلَا وَإِنَّ كُلَّ رِبًا مِنْ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ يُوضَعُ، لَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ " وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ.

* * * وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: بَابُ مَنْ قَالَ يخْطب (1) يَوْمَ النَّحْرِ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدثنَا هِشَام بن عبد الْملك، حَدثنَا عِكْرِمَة - هُوَ ابْن عمار - حَدثنَا الْهِرْمَاسُ بْنُ زِيَادٍ الْبَاهِلِيُّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ النَّاسَ عَلَى نَاقَتِهِ الْعَضْبَاءِ يَوْمَ الْأَضْحَى بِمِنًى.

وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنِ الْهِرْمَاسِ.

قَالَ: كَانَ أَبِي مُرْدِفِي فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ النَّاسَ بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ عَلَى نَاقَته العضباء.

(1) أَبُو دَاوُد 1 / 307: خطب.

(*)

ص: 394

لَفْظُ أَحْمَدَ، وَهُوَ مِنْ ثُلَاثِيَّاتِ الْمُسْنَدِ.

وَلِلَّهِ الْحَمد.

ثمَّ قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا مُؤَمل بن الْفضل الحرانى، حَدثنَا الْوَلِيد (1) ، حَدثنَا

ابْن جَابر، حَدثنَا سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ [الْكَلَاعِيِّ (2) ] سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ خُطْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ الْكَلَاعِيِّ، سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَوْمَئِذٌ عَلَى الْجَدْعَاءِ وَاضِعٌ رِجْلَيْهِ فِي الغرز يَتَطَاوَل ليسمع النَّاسَ.

فَقَالَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: أَلَا تَسْمَعُونَ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ طَوَائِفِ النَّاسِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟ فَقَالَ: " اعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَصَلُّوا خمسكم وصوموا شهركم وَأَطيعُوا إِذا أمرْتُم، تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ ".

فَقُلْتُ: يَا أَبَا أُمَامَةَ مِثْلُ مَنْ أَنْتَ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: أَنَا يَوْمَئِذٍ ابْن ثَلَاثِينَ سنة أزاحم الْبَعِير أزحزحه قدما لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكُوفِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بن عَبَّاس، حَدثنَا شُرَحْبِيل ابْن مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيُّ، سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ الْبَاهِلِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ: " إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ، وَالْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ، وَمَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوِ انْتَمَى إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ التَّابِعَةُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَا تنْفق امْرَأَة من بَيتهَا إِلَّا بِإِذن زَوجهَا ".

(1) أَبُو دَاوُد: حَدثنَا الْوَلِيد بن جَابر، حَدثنَا سليم.

(2)

من سنَن أَبى دَاوُد 1 / 307 (*)

ص: 395

فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الطَّعَامَ؟ قَالَ: ذَاك أفضل أَمْوَالنَا.

ثمَّ قَالَ رَسُول الله: " الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ وَالْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ، وَالدَّيْنُ مَقْضِيٌّ، وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ ".

وَرَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ.

ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُد رحمه الله: بَاب مَتى يَخْطُبُ (1) يَوْمَ النَّحْرِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عبد الرَّحِيم الدِّمَشْقِي، حَدثنَا مَرْوَانُ، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَامِرٍ الْمُزَنِيِّ، حَدَّثَنِي رَافِعُ بْنُ عَمْرٍو الْمُزَنِيُّ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ النَّاسَ بِمِنًى حِينَ ارْتَفَعَ الضُّحَى عَلَى بَغْلَةٍ شَهْبَاءَ وَعَلِيٌّ يُعَبِّرُ عَنْهُ وَالنَّاسُ بَيْنَ قَائِمٍ وَقَاعِدٍ.

وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ دُحَيْمٍ، عَنْ مَرْوَانَ الْفَزَارِيِّ بِهِ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا هِلَال بن عَامر الْمُزنِيّ، عَن أَبِيه، قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله يَخْطُبُ النَّاسَ بِمِنًى عَلَى بَغْلَةٍ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ أَحْمَرُ.

قَالَ: وَرَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ بَيْنَ يَدَيْهِ يُعَبِّرُ عَنْهُ.

قَالَ: فَجِئْتُ حَتَّى أَدْخَلْتُ يَدِي بَيْنَ قَدَمِهِ وَشِرَاكِهِ.

قَالَ: فَجَعَلْتُ أَعْجَبُ من بردهَا.

حَدثنَا مُحَمَّد بن عبيد، حَدثنَا شَيْخٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَامر الْمُزنِيّ، عَن أَبِيه، قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله عَلَى بَغْلَةٍ شَهْبَاءَ وَعَلِيٌّ يُعَبِّرُ عَنْهُ.

وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَامِرٍ.

ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: بَابُ مَا يَذْكُرُ الْإِمَامُ فِي خُطْبَتِهِ بِمِنًى: حَدثنَا مُسَدّد، حَدثنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُعَاذٍ التَّيْمِيِّ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ بِمِنًى فَفُتِحَتْ أَسْمَاعُنَا حَتَّى كُنَّا نَسْمَعُ مَا يَقُولُ وَنَحْنُ فِي مَنَازِلِنَا، فَطَفِقَ يُعَلِّمُهُمْ مَنَاسِكَهُمْ حَتَّى بَلَغَ الْجِمَارَ فَوضع السبابتين

(1) أَبُو دَاوُد: أَي وَقت يخْطب.

(*)

ص: 396

ثُمَّ قَالَ بِحَصَى الْخَذْفِ، ثُمَّ أَمَرَ الْمُهَاجِرِينَ فَنَزَلُوا فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ، وَأَمَرَ الْأَنْصَارَ فَنَزَلُوا مِنْ وَرَاءِ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ نَزَلَ النَّاسُ بَعْدَ ذَلِكَ.

وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ أَبِيهِ.

وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ كَذَلِكَ.

وَتَقَدَّمَ رِوَايَةُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ لَهُ عَنْ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ.

فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَا هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: كُنْتُ أَحْسَبُ أَنَّ كَذَا وَكَذَا قَبْلَ كَذَا وَكَذَا.

ثُمَّ قَامَ آخَرُ فَقَالَ: كُنْتُ أَحْسَبُ أَنَّ كَذَا وَكَذَا قَبْلَ كَذَا.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " افْعَلْ وَلَا حَرَجَ ".

وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ.

زَادَ مُسْلِمٌ: وَيُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهِ.

وَلَهُ أَلْفَاظٌ كَثِيرَةٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ اسْتِقْصَائِهَا.

وَمَحَلُّهُ كِتَابُ الْأَحْكَامِ وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ.

وَفِي لَفْظٍ الصَّحِيحَيْنِ قَالَ: فَمَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ عَنْ شئ قُدِّمَ وَلَا أُخِرَّ إِلَّا قَالَ: افْعَلْ وَلَا حرج.

فصل ثمَّ نزل عليه السلام بِمِنًى حَيْثُ الْمَسْجِدُ الْيَوْمَ، فِيمَا يُقَالُ، وَأَنْزَلَ الْمُهَاجِرِينَ يَمْنَتَهُ وَالْأَنْصَارَ يَسْرَتَهُ وَالنَّاسُ حَوْلَهُمْ مِنْ بعدهمْ.

وَقَالَ الْحَافِظ البيهقى: أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّد بن عقبَة الشَّيْبَانِيّ بِالْكُوفَةِ، حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن إِسْحَاق الزُّهْرِيّ، حَدثنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أَنْبَأَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ

ص: 397

إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهِكٍ، عَنْ أُمِّ مُسَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَلَا نَبْنِيَ لَكَ بِمِنًى بِنَاءً يُظِلُّكَ؟ قَالَ: لَا، مِنًى مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ.

وَهَذَا إِسْنَادٌ لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَيْسَ هُوَ فِي الْمُسْنَدِ وَلَا فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.

وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بن خَلاد الباهلى، حَدثنَا يحيى، عَن ابْن جريج [حَدَّثَنى حَرِيزٌ (1) ] أَوْ أَبُو حَرِيزٍ الشَّكُّ مِنْ يَحْيَى، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ فَرُّوخٍ يَسْأَلُ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: إِنَّا نَتَبَايَعُ بِأَمْوَالِ النَّاسِ فَيَأْتِي أَحَدُنَا مَكَّةَ فَيَبِيتُ عَلَى الْمَالِ، فَقَالَ: أَمَّا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَبَاتَ بِمِنًى وَظَلَّ.

انْفَرَدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ (2) .

ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدثنَا ابْنُ نُمَيْرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ اسْتَأْذَنَ الْعَبَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ فَأَذِنَ لَهُ.

وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ.

زَادَ الْبُخَارِيُّ: وَأَبِي ضَمْرَةَ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ.

زَادَ مُسْلِمٌ: وَأَبِي أُسَامَةَ حَمَّادِ بْنِ أُسَامَةَ.

وَقَدْ عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ وَعُقْبَةَ بْنِ خَالِد، كلهم عَن عبيد الله ابْن عُمَرَ بِهِ.

* * * وَقَدْ كَانَ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَحَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ رضي الله عنهما.

وَلِهَذَا ذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ سَبَبَ هَذَا الْقَصْرِ النُّسُكُ، كَمَا هُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ.

قَالُوا: وَمَنْ قَالَ: إِنَّه عليه السلام كَانَ يَقُول بمنى لاهل مَكَّة: أَتموا

(1) سقط من المطبوعة.

(2)

سنَن أَبى دَاوُد 1 / 308.

(*)

ص: 398

فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ: فَقَدْ غَلِطَ إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ نَازِلٌ بِالْأَبْطَحِ، كَمَا تَقَدَّمَ.

وَالله أعلم.

وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ سلم يَرْمِي الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ مِنًى بَعْدَ الزَّوَالِ

كَمَا قَالَ جَابِرٌ فِيمَا تَقَدَّمَ، مَاشِيًا كَمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ فِيمَا سَلَفَ، كُلُّ جَمْرَةٍ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ.

وَيَقِفُ عِنْدَ الْأُولَى وَعِنْدَ الثَّانِيَة يَدْعُو الله عزوجل وَلَا يَقِفُ عِنْدَ الثَّالِثَةِ.

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدثنَا عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْمَعْنى، قَالَا حَدثنَا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر، عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِنًى فَمَكَثَ بِهَا [لَيَالِيَ (1) ] أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، يَرْمِي الْجَمْرَةَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، كُلُّ جَمْرَةٍ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ وَيُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ وَيَقِفُ عِنْدَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ فيطيل الْمقَام ويتضرع، ويرمى الثَّالِثَة لَا يَقِفُ عِنْدَهَا.

انْفَرَدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ.

وَرَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الدُّنْيَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ عَلَى إِثْرِ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ يتَقَدَّم ثمَّ يُسْهِلَ، فَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ طَوِيلًا وَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ ثُمَّ يَرْمِي الْوُسْطَى ثُمَّ يَأْخُذُ ذَاتَ الشمَال فيسهل فَيقوم مُسْتَقْبل الْقبْلَة، وَيَدْعُو، وَيرجع يَدَيْهِ، وَيَقُومُ طَوِيلًا.

ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ ذَاتِ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا، ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيَقُولُ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُهُ.

وَقَالَ وَبَرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: قَامَ ابْنُ عُمَرَ عِنْدَ الْعَقَبَةِ بِقَدْرِ قِرَاءَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ.

وَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ: حَزَرْتُ قِيَامَهُ بِقَدْرِ قِرَاءَةِ سُورَةِ يُوسُفَ.

ذكرهمَا البيهقى.

(1) من سنَن أَبى دَاوُد 1 / 309.

(*)

ص: 399

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنِ أَبِيه، عَن أَبى القداح، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ لِلرِّعَاءِ أَنْ يَرْمُوا

يَوْمًا ويرعوا يَوْمًا.

وَقَالَ أَحْمد: حَدثنَا مُحَمَّد بن أَبى بكر وأنبأنا روح، حَدثنَا ابْن جريج، أَخْبرنِي مُحَمَّد ابْن أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِيه، عَن أَبى القداح بْنِ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْخَصَ لِلرِّعَاءِ أَنْ يَتَعَاقَبُوا فَيَرْمُوا يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ يَدْعُوا يَوْمًا وَلَيْلَةً ثُمَّ يَرْمُوا الْغَدَ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا مَالك، عَن عبد الله بن بكر، عَن أَبِيه، عَن أَبى القداح بْنِ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْخَصَ لرعاء الابل فِي البيتوتة بمنى حَتَّى يرموا يَوْم النَّحْر ثمَّ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ يَرْمُونَ الْغَدَ أَوْ من بعد الْغَد ليومين ثُمَّ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّفْرِ.

وَكَذَا رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَالِكٍ بِنَحْوِهِ.

وَقَدْ رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ وَمِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ بِهِ.

قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَرِوَايَةُ مَالِكٍ أَصَحُّ، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

فَصْلٌ فِيمَا وَرَدَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُ عليه السلام خَطَبَ النَّاسَ بِمِنًى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَهُوَ أَوْسَطُهَا قَالَ أَبُو دَاوُدَ: بَابٌ أَيَّ يَوْمٍ يَخْطُبُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، أَنْبَأَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي بَكْرٍ، قَالَا: رَأَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ بَيْنَ أَوْسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَنَحْنُ عِنْدَ رَاحِلَتِهِ،

ص: 400

وَهِيَ خُطْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّتِي خَطَبَ بِمِنًى.

انْفَرَدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ.

ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بشار، حَدثنَا أَبُو عَاصِم، حَدثنَا ربيعَة بن عبد الرَّحْمَن

ابْن حُصَيْن (1)، حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي سَرَّاءُ بِنْتُ نَبْهَانَ - وَكَانَتْ رَبَّةَ بَيْتٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ - قَالَتْ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْم الرؤوس فَقَالَ: أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.

قَالَ: أَلَيْسَ أَوْسَطَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ؟ انْفَرَدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ.

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَذَلِكَ قَالَ عَمُّ أَبِي حُرَّةَ (2) الرَّقَاشِيُّ أَنَّهُ خَطَبَ أَوْسَطَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.

وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ رَوَاهُ الامام أَحْمد مُتَّصِلا مطولا فَقَالَ: حَدثنَا عُثْمَان، حَدثنَا حَمَّاد ابْن سَلَمَةَ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي حُرَّةَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: كُنْتُ آخِذًا بِزِمَامِ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَوْسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَذُودُ عَنْهُ النَّاسَ.

فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَتَدْرُونَ فِي أَيِّ شَهْرٍ أَنْتُمْ وَفِي أَيِّ يَوْمٍ أَنْتُمْ وَفِي أَيِّ بَلَدٍ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: فِي يَوْمٍ حَرَامٍ وَشَهْرٍ حَرَامٍ وَبَلَدٍ حَرَامٍ.

قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا إِلَى أَن تلقوهُ.

ثُمَّ قَالَ: " اسْمَعُوا مِنِّي تَعِيشُوا، أَلَا لَا تَظْلِمُوا أَلَا لَا تَظْلِمُوا، أَلَا لَا تَظْلِمُوا، إِنَّهُ لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ.

أَلَا إِنَّ كُلَّ دَمٍ وَمَالٍ وَمَأْثُرَةٍ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمِي هَذِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ يوضع دم [ابْن] رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ كَانَ مسترضعا فِي بنى سعد فَقتلته هُذَيْل، أَلا إِن كل رَبًّا فِي الْجَاهِلِيَّة مَوْضُوع وَإِن الله قضى

(1) سنَن أَبى دَاوُد 1 / 307: ابْن حصن.

(2)

الاصل أَبُو حَمْزَة.

وَمَا أثْبته عَن سنَن أَبى دَاوُد 1 / 307.

وميزان الِاعْتِدَال 1 / 621.

ص: 401

أَنَّ أَوَّلَ رِبًا يُوضَعُ رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عبد المطب، لَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ.

أَلَا وَإِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَات وَالْأَرْضَ.

ثُمَّ قَرَأَ: " إِنَّ عِدَّةَ

الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْم خلق السَّمَوَات وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تظلموا فِيهِنَّ أَنفسكُم "، أَلَا لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، أَلَا إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ وَلَكِنَّهُ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَكُمْ.

وَاتَّقوا الله فِي النِّسَاءِ فَإِنَّهُنَّ عِنْدَكُمْ عِوَانٌ (1) لَا يَمْلِكْنَ لِأَنْفُسِهِنَّ شَيْئًا، وَإِنَّ لَهُنَّ عَلَيْكُمْ حَقًّا وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ حق، أَلا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا غَيْرَكُمْ، وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِأَحَدٍ تَكْرَهُونَهُ.

فَإِنْ خِفْتُمْ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، ولهن رزقهن وكسوتهن بِالْمَعْرُوفِ، وَإِنَّمَا أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ الله، أَلَا وَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ فَلْيُؤَدِّهَا إِلَى من ائتمنه عَلَيْهَا ".

وَبسط يَده وَقَالَ: أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ ثُمَّ قَالَ: لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ فَإِنَّهُ رُبَّ مُبَلَّغٍ أَسْعَدُ مِنْ سَامِعٍ.

قَالَ حُمَيْدٌ: قَالَ الْحَسَنُ حِينَ بَلَّغَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ: قَدْ وَاللَّهِ بَلَّغُوا أَقْوَامًا كَانُوا أَسْعَدَ بِهِ.

وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ مِنْ سُنَنِهِ عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ حَمَّادِ ابْن سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنْ أَبِي حُرَّةَ الرَّقَاشِيِّ - وَاسْمُهُ حَنِيفَةُ - عَنْ عَمه بِبَعْضِه (2) فِي النُّشُوز.

(1) العوانى: الاسرى، جمع عان.

(2)

سنَن أَبى دَاوُد 1 / 334.

(*)

ص: 402

قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: جَاءَ أَنَّهُ خَطَبَ يَوْمَ الرؤوس وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّانِي مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ بِلَا خلاف عِنْد أَهْلِ مَكَّةَ، وَجَاءَ أَنَّهُ أَوْسَطُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَتُحْمَلُ عَلَى أَنَّ أَوْسَطَ بِمَعْنَى أَشْرَفَ كَمَا قَالَ تَعَالَى:" وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطا " وَهَذَا المسلك الذى أَخذه ابْنُ حَزْمٍ بَعِيدٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ عَمْرِو بن مِسْكين، حَدَّثَنَا أَبُو هَمَّامٍ مُحَمَّدُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ وَصَدَقَةَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بمنى وَهُوَ فِي أَوْسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاع: " إِذْ جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ " فَعَرَفَ أَنَّهُ الْوَدَاعُ فَأَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ الْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ ثُمَّ رَكِبَ فَوقف للنَّاس بِالْعَقَبَةِ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّ كُلَّ دَمٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ هدر، وَإِن أول دمائكم أهْدر دَمُ [ابْنِ] رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ، كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِي بَنِي لَيْثٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ.

وَكُلُّ رِبًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ مَوْضُوعٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ رِبَاكُمْ أَضَعُ رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.

أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ الله السَّمَوَات وَالْأَرْضَ، وَإِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عشر مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ رَجَبُ - مُضَرَ - الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ، وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ " ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ " الْآيَة " إِنَّمَا النسئ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حرم الله " كَانُوا يحلونَ صفر عَاما ويحرمون الْمحرم عَاما، ويحرمون صفر عَاما وَيحلونَ الْمحرم عَاما، فَذَلِك النسئ.

يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ فَلْيُؤَدِّهَا إِلَى مَنِ ائْتَمَنَهُ عَلَيْهَا، أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أَنْ يُعْبَدَ بِبِلَادِكُمْ آخِرَ الزَّمَانِ، وَقَدْ يَرْضَى عَنْكُمْ، بِمُحَقَّرَاتِ الْأَعْمَالِ، فَاحْذَرُوهُ

ص: 403