الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القسم الثاني
ما كان الاكتفاء به بجميع الكلمة مزملاً بشعار التورية وهو نوع اخترعه المتأخرون وتلطفوا فيه إلى الغابة فمن ذلك قول الشيخ زين الدين بن الوردي وقد أضافه بعض الطلبة وصعد به إلى سطح عالٍ ولم يطعمه شيئاً وصار يتعهده بالماء من أول الليل إلى آخره:
أحل الضيوفَ على سطحِه
…
وفرَّجهم في نجومِ السما
وقطع بالجوعِ أمعاءهم
…
وإن يستغيثوا يُغاثوا بما
وقول الشيخ صدر الدين بن عبد الحق يهجو حماماً:
جهنم حمامُكم نارُها
…
يقطع أكبادنا بالظمَا
وفيها عصاة لهم ضجةُ
…
وإن يستغيثوا يغاثوا بما
ومثله قول القاضي مجد الدين بن مكانس:
فرَّط في جنب الإله من أتى
…
حمامَكم وكابدَ الحِمامَا
ولم يجد مآبه ذو حاجةٍ
…
حتى تلا: يا حسرتي على ما
الشيخ زين الدين بن الوردي من تضمينه لأبيات:
يا قابلاً كان ملتجأً وانفصلْ
…
كان وما انفك الفتى ولم يزلْ
بدت لهم وجنتيه ضراما
…
حتى تلوا يا حسرتي على ما
أبو بكر بن حجة قال:
وقد فرَّطَت في نفيري
…
وما شفي بقربهِ سِقاما
أصبر عسى يشفى بما ريقه
…
قلت لهم يا حسرتي على ما
وقال المعز المرحوم الأميني الحمصي صاحب الإنشاء الشريف بدمشق المحروسة عند هوده من الغربة فكان صحبته المقراليفي نجا كافل المملكة الشامية وقد ضل غالب العسكر في بعض الليالي عن الماء واهتدى هو الطريق وصلته إليه:
ضَلوا عن الماءِ إن سروا سحراً
…
قومي فظلوا حيارى يلهثون ظما
والله أكرمني بالوردِ دونهم
…
فقلت يا ليت قومي يعلمون بما
الصاحب فخر الدين بن مكانس:
من شرطنا إن أسكرتنا الطلاصرفا تداوينا بشرب اللمَا
لعاف مزج الماء في كأسِها
…
لا وأخذ الله السكارى بما
وقلت متضمناً مكتفياً:
شكوت لمثلي السقاء ما بي من الجوى
…
وقلت عسى يشفي فؤادي من الظما
فحتى لا أحظى بها وإلى متى
…
أقضي زماني في عسى ولعل ما
وقال القاضي عماد الدين أخو قاضي القضاة القاضي الحنفي من قصيدة يمدح بها المقر المرحومي الأوحدي صاحب دواوين الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية:
أرختْ ذوائبها لنا في الأربعِ
…
لتظل فاستغنتْ بها عن بُرْقُعِ
وعدوت أسهرُ في الليالي شعرِها
…
وهو لفجر الفرق حتى مَطلعِ
وقال:
حكم الزمان بينهم وتشتتي
…
وشماتةُ الأعداء أكبر محنتي
وبسيد الرؤساءِ رُمتُ تخلصا
…
من محنتي فشددت رحل مطيتي
قعدتْ تمدُ خُطاها
…
وأقولُ عند عيَاها
الأوحدي الأوحدي لتغنما
…
يا ناقتي فزمامكي بيدي دما
الشيخ برهان الدين أمين القيراطي:
خُط للحبِّ عِذَاراً
…
زادني فيه هُيَامَا
قال مثله سريعاً
…
أو فدعُه قلتُ لاما
وأنشدني سيدي أحمد بن مكتم رحمه الله من لفظه في مليح اسمه إبراهيم:
إن إبراهيم أورى
…
في الحشا منه ضراما
ليت قلبي بلقاه
…
نال برداً وسلاما
الضيف التلمساني من قصيد:
وإني الذي أضنيته وهجرته
…
فهل صلةُ أو عائد منك للذي
آخر:
لا تهجروا من لا تعودَ هَجَركم
…
وهو الذي للنأي وصلكم عدي
ورفعتم مقدارَه بالابتدا
…
حاشاكم أن تقطعوا صلة الذي
ومن ألطف ما يحكي عن الملك المعظم عيس بن الملك العادل أن أبن أبي عمير كتب إليه وهو ضعيف:
أنظر إلي بعين مولى لم يزلْ
…
يولي الندى وتلاف قبل تلافي
أنا كالذي احتاج ما تحتاجه
…
فأغنم دعائي والثناء الوافي
فنزل إليه الملك المعظم بنفسه ومده بثلاثمائة دينار وقال:
أنت الذي وهذه الصلة وأنا العائد
القيراطي في مليح مؤذن:
لي مليحُ مؤذن
…
لم يمل ساعةً إلى
أنت ميت إذا غدا
…
في آذان يقوله
وجمع الشيخ جمال الدين بن نباتة بين الاكتفاء والتضمين واللف والنشر والمطابقة والتورية في موضعين فقال يرثي ولداً توفي قبل الحول:
يا راحلاً عني وكانتْ له
…
فضائل للخير مرجوة
لم تكتمل حولاً وأورثتني
…
ضعفاً فلا حَولَ ولا قوة
شيخ الشيوخ الأنصاري مقتبساً:
إن دمعت عيني فمن أجلِها
…
بكى على حالي من لا بَكَى
أوقعني إنسانها في الهَوى
…
يا أيها الإنسان ما غرْك
القيراطي من قصيد مقتبساً:
حسنَات الجدِ منه قد أطالت حسراتي
…
كلما شاء فعالا قلت إن الحسنات
ابن نباتة مضمناً:
رشأ رشفت رضابه أم ثعلب
…
ما للمحب إلى وقاه بلوغ
عذب اللما متلون يعطيك من
…
طرف اللسان حلاوةُ ويروغُ
الصلاح الصفدي مضمناً:
رشفتُ ريقَك حلواً
…
ولم يكن بي صبرُ
وسوف أخص بوصلٍ
…
وأول الغثِ قطرُ
ابن تميم مضمناً أيضاً:
لما رأيتُ البدرَ في ساعدي
…
ونرجسَ الأنجم قَد صوحَا
شقا ريقَ بدرِ الدجى
…
من قبل أن يَرشف شمسَ الضُحى
أبو بكر بن حجة مضمناً:
جاد النسيمُ على الوَبا
…
يبسي يديه وقالَ لي
أنا ما أقصر عن ندىً
…
وكما علمتِ شمائلي
ابن حجة مضمناً في وصف مجموع:
يا سيدا أطالعُه
…
إن راقَ معناه فَعُدْ
وافتح له بابَ الرضى
…
وإن تجدُ عيباً فَسُد
وقال:
وبدرُ ثم جميلُ
…
محجبُ بالدلالِ
إذا هممت بأني
…
أسلو هواه بدا لي
وقال مضمناً:
وشاعرُ فاسقُ أتى امرأة
…
من ذا شامة المليحِ فلا
وقال إذا عاينوه معتذراً
…
تلجئ الضرورات في الأمور إلى
ابن نباتة في مليح ساقٍ وأجاد:
سقى وأعدني وصلاً أندُ به
…
عند المنام ولا والله ما وَصَلا
فيا له من ساقٍ مواعدُه
…
كانت مواعيد عرقوب لها مثلا
القيراطي مضمناً في وصف بادهنج:
بروحي أفدي بادهنجاً موكلاً
…
بإطفاء ما يلقاه من ألمِ الجوى
إذا مدحت أوصافه قال مُنْشدا
…
على أنني راض بأن أحملَ الهَوى
وقال مضمناً أيضاً:
في خد من همتْ به شامةُ
…
ما الند في نفحته نَدُها
والعنبر الورد غدا مائلاً
…
لا تدعني الابيا عبدها
شمس الدين محمد المزين الدمشقي مضمناً في خادم معه وأجاد:
خادم لألأه يحكيه حسناً
…
فهو كالبدر في الدجى يتلألأُ
قلت قصدي من الأيام مليحُ
…
هكذا هكذا وإلا فلا لا
وقلت وهي القافية الموعود بذكرها في القسم الأول الذي قبله:
لئن تاه قومُ بالعلا وترفَعوا
…
علي وما للقطيعة والقَلا
فو الله لا أرضى بِملكهم ولا
…
أرى لهم حكم علي ولَا ولَا
وقلت مضمناً في مليح اسمه فرج:
لقد تزايد همي مُذْ فرجُ
…
عني وصدري أضحى ضيقاً حرجا
ورحت أشكو الأسى والحالُ يُلذعني
…
يا مشتكي الهم دعه وانتظر فَرَجَا
وقلت مضمناً في مليح لاعب شطرنج:
أراه لاعبَ شطرنج بما يغني عني
…
نفسه وبشامات الخدود فُتِن
إذا دنا لقاطعي صحت من أسفٍ
…
ما عودوني أحبائي مقاطعة
برهان الدين القيراطي مضمناً للمثل السائر:
مالتْ معاطفُها سكراً على دنفِ
…
كأنها من رحيق الثغر قد سَكِرتْ
جئت ما جئت قتيل البين حين أنت
…
وغابت فقال الصُّبُ قد حضرت
وقلت أيضاً مضمناً للمثل السائر:
رامتْ وفَا وعَدي فمذ عانيت
…
معنفي ولتْ ولم تعطفِ
وزاد تهديدي فنادتُه
…
مهما تشأ فأفعل ودعها تَفي
وكتبت مضمناً لبعض المخاديم أطلب منه كسوةً:
بِكُمْ قد صرت مُكتفيا
…
وأنتم سادتي رُكْني
وقد جاء الشتا حقاً
…
وفي التلويح ما يغني
الصلاح الصفدي:
صدق حلى نسماتِ الصبَا
…
في ما روت عَنكم ومَا شَكَا
وقال لا أخبر منها بما
…
جاءت به قلنا ولا أزكى
القاضي مجد الدين بن مكانس وأجاد:
ويلاه من لعس يمر شَفَاً
…
طيب الكسرى عن ناظري حبِسَا
يا قلب لا تقطع رَجاكَ ولا
…
تشكو لأرباب الهَوى لعَسَا
وأحسن منه قوله:
وحقك قد أصبحت بالهجر في شَفَاً
…
ويا طالما بالوصل كنت منَعَّما
بكيت كثيراً إذا تنأى معذبي
…
وقطع أشجار الوصالِ وَكلَّما
وقوله:
يقول لي كلْ لي ذهباً بَعدَما
…
أسهر في هجرانِه لَيلا
أو أنثني للغيظِ بعد الرِضى
…
فَكِلتُ في الحالِ له كيلا
السراج الوراق يهجو:
وقطب عند دخولي إليه
…
وتم له القبح معنى وصورة
ولولا الضرورة ما زرتُه
…
على الرغم مني وعند الضرورة
تتمته قول ابن هشام الهامي وعند الضرورة يؤتى الكنيف.
ومن الحكايات الظريفة أن الشيخ شرف الدين التنوخي اجتمع مع الشيخ شهاب الدين التلعفري في ليلة أنس عند الملك الصالح فاتفق أن قام الشيخ الدين لضرورة وعاد فأشار إليه الناصر أن يصفع التلعفري فلما صفعه نهض التلعفري على الفور وأمسك بلحية شرف
الدين وتعليق بها وأنشد ارتجالاً ويده فيها لا تفارقها:
قد صفعنا في ذا المحل الشريف
…
وهو إن كنتَ ترتضي تشريفي
فارث للعبد من مضيف صِفاعٍ
…
بأوسع الندا وإلا خريفِ
فأنظر إلى بديع هذا لاكتفاء وحسن هذا التقسيم ولطف شمائل هذه التورية وسرعة هذا الارتجال والله أعلم.