الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسلم، وأبي بصير، وحمران بن أعين وغيرهم كبار الشيعة وأئمة رواتهم يبشرون بالجنة ويعدونهم من أخلص المخلصين، ويذمونهم مرة ويكفرونهم وينذرونهم بالنار.
لم قالوا بالتقية
ولقد بين الشيعة الأسباب التي لأجلها اختاروا التقية ويختارونها ولكن اختلفوا فيها كما اختلفوا في الأمور كلها.
فقد قال طائفة: التقية أمر واجب حفظاً للنفس والعرض والمال" (1).
وقال شيخ الطائفة الطوسي في تفسيره: التبيان: التقية واجبة عن الخوف على النفس، وقد روى رخصة في جواز الإفصاح بالحق. . . . . ثم قال: ويظهر من قصة مسيلمة أن التقية رخصةوالإفصاح بالحق فضيلة" (2).
وقال الشيخ الصدوق: والتقية واجبة لا يجوز رفعها إلى أن يخرج القائم فمن تركها قبل خروجه فقد خرج عن دين الإمامية وخالف الله ورسوله والأئمة، وسئل الصادق عليه السلام عن قول الله عز وجل {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} قال: أعملكم بالتقية" (3).
(1) كتب الشيعة
(2)
"التبيان" للطوسي تحت آية لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء
(3)
"الاعتقادات للصدوق"
ونقلوا عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أنه قال: التقية من أفضل أعمال المؤمن يصون بها نفسه وإخوانه من الفاجرين" (1).
وقال طائفة: أنها واجبة سواء كان صيانة للنفس أو لغيرها، فيروي الكليني عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: التقية في كل ضرورة وصاحبها أعلم بها حين تنزل به" (2).
وقد روى الصدوق عن جابر: قال قلت يا رسول الله إن الناس يقولون أن أبا طالب مات كافراً، قال: يا جابر ربك أعلم بالغيب أنه لما كانت الليلة التي أسري بي إلى السماء انتهيت إلى العرش فرأيت أربعة أنوار فقيل لي: هذا عبد المطلب، وهذا عمك أبو طالب، وهذا أبوك عبد الله، وهذا ابن عمك جعفر بن أبي طالب، فقلت: إلهي لم نالوا هذه الدرجة، قال بكتمانهم الإيمان ولإظهارهم الكفر حتى ماتوا على ذلك" (3).
وقال طائفة أنها جائزة دفاعاً عن النفس، فقال الطبرسي مفسر الشيعة: وفي هذه الآية دلالة على أن التقية جائزة في الدين عن الخوف على النفس" (4).
ويقول الطوسي بعد ذكر رواية الحسن في قصة مسيلمة:
(1) تفسير العسكري ص163
(2)
الكافي في الأصول باب التقية
(3)
"جامع الأخبار" نقلاً عن "تنقيح المسائل" ص140
(4)
مجمع البيان تفسير قوله إلا أن تتقوا منهم ثقة
فعلى هذا التقية رخصة والإفصاح بالحق فضيلة" (1).
ويقول لطف الله الصافي في كتابه "مع الخطيب: نعم رأى الشيعة جواز التقية وقد عملوا بها في الأجيال التي تغلب على البلاد الإسلامية أمراء الجور وحكام جبابرة مثل معاوية ويزيد والوليد والمنصور. . . ."(2).
وقال السيد على إمام العالم الشيعي الهندي: أن الإمامية يرون جواز التقية حفظاً على النفس والمال" (3).
ويروي الكليني عن زرارة عن أبي جعفر قال: ثلاثة لا أتقي فيهن أحداً (4) شرب المسكر ومسح الخفين ومتعة الحج" (5).
وذكر ابن بابويه القمي مثل هذه الرواية في كتابه: قال الإمام عليه السلام: ثلاثة لا أتقي فيها أحداً شرب المسكر والمسح على الخفين ومتعة الحج" (6).
والحق أن الشيعة يرون التقية واجبة في جميع الأمور سواء كان للحفظ على النفس أو غير ذلك.
بل الصحيح أنهم تعودوا الكذب فسوغوه وسموه بغير اسمه ثم وضعوا الأحاديث في فضله.
(1)"التبيان" للطوسي
(2)
مع الخطيب في خطوطه العريضة ص39
(3)
مصباح الظلم ص71 ط الهند الأردية
(4)
ولكن ولده كان يتقي أيضاً في الخمر
(5)
"الكافي في الفروع باب مسح الخف و"الاستبصار" ص39 ج1 ط لكنهؤ الهند
(6)
"من لا يحضره الفقيه" ص16 ج1 ط الهند
واحتاجوا أيضاً إلى التقية والتجأوا إليها حينما عرفوا من أئمتهم أقوالاً متضاربة وآراء متناقضة. فلما اعترض عليهم أن أئمتهم الذين يزعمون أنهم معصومون عن الخطأ والنسيان كيف اختلفوا في شيء واحد، فجوزوه مرة وحرموه تارة أخرى، وقالوا بشيء في وقت ثم قالوا بنقيض ذلك في وقت آخر؟ لم يجدوا الجواب إلا أن قالوا: أنهم قالوا أي الأئمة هذا أو ذاك تقية، وقد اعترف بهذا المنصفون من الشيعة.
أمثلة لذلك
فيذكر أبو محمد الحسن النوبختي من أعلام الشيعة في القرن الثالث عن عمر بن رباح أنه سأل أبا جعفر عليه السلام عن مسألة، فأجابه فيها بجواب، ثم عاد إليه في عام آخر فسأله عن تلك المسألة بعينها فأجابه فيها بخلاف الجواب الأول، فقال لأبي جعفر: هذا خلاف ما أجبتني في هذا المسألة العام الماضي، فقال له: إن جوابنا ربما خرج على وجه التقية، فشكك في أمره وإمامته، فلقي رجلاً من أصحاب أبي جعفر يقال له محمد بن قيس، فقال له: إني سألت أبا جعفر عن مسألة فأجابني فيها بجواب، ثم سألته عنها في عام آخر، فأجابني فيها بخلاف جوابه الأول، فقلت له: لم فعلت ذلك؟ فقال: فعلته للتقية وقد علم الله أني ما سألته عنها إلا وأنا صحيح العزم على التدين بما يفتيني به، وقبوله في العمل به، فلا وجه لاتقائه إياي وهذه حالي، فقال له
محمد بن قيس: فلعله حضرك من اتقاه، فقال ما حضر مجلسه في واحدة من المسألتين غيري ولكن جوابيه جميعاً خرجا على وجه التخبت، ولم يحفظ ما أجابه في العام الماضي فيجيب بمثله، فرجع (عمر بن رباح) عن إمامته وقال: لا يكون إماماً من يفتي بالباطل على شيء بوجه من الوجوه ولا في حال من الأحوال، ولا يكون إماماً من يفتي تقية بغير ما يجب عند الله ولا من يرخي ستره، ويغلق بابه، ولا يسع الإمام إلا الخروج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" (1).
وروى الكليني عن زرارة بن أعين عن أبي جعفر (الباقر) قال: سألته عن مسألة فأجابني، ثم جاءه رجل، فسأله عنها فأجابه بخلاف ما أجابني، ثم جاءه رجل فسأله عنها فأجابه بخلاف ما أجابني وأجاب صاحبي فلما خرج رجلان قلت: يا ابن رسول الله رجلان من أهل العراق من شيعتكم قدما يسألان فأجبت كل واحد منهما بغير ما أجبت صاحبه، فقال: يا زرارة إن هذا خير لنا ولكم - قال: فقلت لأبي: شيعتكم لوحملتموهم على الأسنة أو النار لمضوا وهم يخرجون من عندك مختلفين" (2).
وروى الكشي مثل هذا عن ابنه جعفر الإمام السادس، فيقول: حدثني أبو عبد الله. . . . . عن محمد بن عمر، قال:
(1)"فرق الشيعة" للنوبختي ص80، 81، 82 ط المطبعة الحيدرية بالنجف العراق سنة 1379هـ
(2)
"الكافي في الأصول" ص37 ط الهند
دخلت على أبي عبد الله "ع" فقال: كيف تركت زرارة؟ فقلت تركته لا يصلي العصر حتى تغيب الشمس، فقال: فأنت رسولي إليه، فقل له فليصل في مواقيت أصحابي فإني قد حرقت، قال: فأبلغته (يعني زرارة) ذلك، فقال: أنا والله أعلم أنك لم تكذب عليه ولكنه أمرني بشيء فأكره أن أدعه" (1).
ولأجل ذلك قال زرارة مرة حينما رأى من جعفر بن محمد الباقر التناقض والتضاد في مسألة واحدة ألا وهي تفسير الاستطاعة، فقال: أما إنه (أي أبي عبد الله الجعفر) قد أعطاني الاستطاعة من حيث لا يعلم، وصاحبكم هذا ليس له بصر بكلام الرجال" (2).
وبمثل هذا روي عن ابن جعفر، الإمام السابع عندهم موسى أبي الحسن فيروي الكشي بسنده عن شعيب بن يعقوب قال: سألت أبا الحسن "ع" عن رجل تزوج امرأة ولها زوج ولم يعلم؟ قال: ترجم المرأة وليس على الرجل شيء إذا لم يعلم، فذكرت ذلك لأبي بصير المرادي، قال (يعني أبا بصير): قال لي: والله جعفر ترجم المرأة ويجلد الحد، قال: فضرب بيده على صدره يحكها: أظن صاحبنا ما تكامل علمه" (3).
وهذا أبو بصير الذي قال فيه جعفر بن باقر: بشر المخبتين بالجنة، بريد بن معاوية، وأبا بصير، ومحمد بن مسلم، وزرارة،
(1)"رجال الكشي" ص128
(2)
"رجال الكشي" ص133
(3)
"رجال الكشي" ص154
أربعة نجباء أمناء الله على حلاله وحرامه لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوة واندرست" (1).
ولقد اشتكى الشيعة أنفسهم قبل ذلك بكثير على مثل هذا التناقض والتضاد من الحسن والحسين رضي الله عنهما.
فيذكر النوبختي ويقول: فلما قتل الحسين جاءت فرقة من أصحابه وقالت: قد اختلف علينا فعل الحسن وفعل الحسين لأنه إن كان الذي فعله الحسن حقاً واجباً صواباً من موادعته معاوية وتسليمه له عن عجزه عن القيام بمحاربته مع كثرة أنصار الحسن وقوتهم فما فعله لاحسين من محاربته يزيد بن معاوية مع قلة أنصار الحسين وضعفهم وكثرة أصحاب يزيد حتى قتل وقتل أصحابه جميعاً باطل غير واجب، لأن الحسين كان أعذر في القعود عن محاربة يزيد وطلب الصلح والموادعة من الحسن في القعود عن محاربة معاوية، وإن كان ما فعله الحسين حقاً واجباً صواباً من مجاهدته يزيد بن معاوية حتى قتل وقتل ولده وأصحابه، فقعود الحسن وتركه مجاهدة معاوية وقتاله ومعه العدد الكثير باطل، فشكوا لذلك في إمامتهما ورجعوا فدخلوا في مقالة العوام" (2). (3).
(1)"رجال الكشي" ترجمة أبي بصير المرادي ص152
(2)
" فرق الشيعة للنوبختي ص46، 47 ط النجف
(3)
الشيعة يسمون أنفسهم الخواص وأهل السنة ومن خالف بدعهم وزيغهم العوام مثل ما يسمي اليهود أنفسهم أبناء الله وأحباؤه وغيرهم الأميين، فيلاحظ التقارب حتى وفي المصطلحات
وذكر عالم شيعي هندي ناقلاً عن أئمته في كتابه "أساس الأصول": الأحاديث المأثورة عن الأئمة مختلفة جداً، لا يكاد يوجد حديث إلا وفي مقابلته ما ينافيه، ولا يتفق خبر إلا وبإزائه ما يضاده حتى صار ذلك سبباً لرجوع بعض الناقصين عن اعتقاد الحق كما صرح به شيخ الطائفة (الطوسي) في أوائل "التهذيب" و"الاستبصار"(1).
وسبب آخر للتقية هو أن أئمة الشيعة كانوا يعللون شيعتهم بالأماني الكاذبة لتثبيتهم على التشيع، فيروي الكليني عن علي بن يقطين، قال لي: أبو الحسن عليه السلام، الشيعة تربى بالأماني منذ مائتي سنة، قال يقطين لابنه: فكان وقيل لكم فلم يكن فقال له على أن الذي قيل لكمن كان من مخرج واحد غير أن أمركم جعفر فكان كما قيل، وإن أمرنا لم يحضر تعللنا بالأماني فلو قيل لنا أن هذا الأمر لا يكون إلا إلى مائتي سنة أو ثلثمائة لعنت القلوب ولرجع عامة الناس عن الإسلام ولكن قالوا ما أشرعوا وما أقربه تأليفاً لقلوب الناس وتقريباً للفرج" (2).
وأصرح من ذلك كله ما ذكره النوبختي أيضاً في كتابه ناقلاً عن سليمان بن جرير: أنه قال لأصحابه: أن أئمة الرافضة وضعوا لشيعتهم مقالتين لا يظهرون معهما من أئمتهم على كذب أبداً وهما، القول "بالبداء" وإجازة التقية، فأما البداء فإن
(1)"أساس الأصول" ص15 ط الهند
(2)
"الكافي في الأصول" ص233 باب كراهية التوقيت
أئمتهم لما أحلوا أنفسهم من شيعتهم محل الأنبياء من رعيتها في العلم فيما كان ويكون والأخبار بما يكون في غد وقالوا: لشيعتهم أنه سيكون في غد وفي غابر الأيام كذا وكذا، فإن جاء ذلك الشيء على ما قالوه، قالوا لهم: ألم نعلمكم أن هذا يكون ونحن نعلم من قبل الله عز وجل ما علمته الأنبياء، وبيننا وبين الله عز وجل مثل تلك الأسباب التي علمت به الأنبياء عن الله ما علمت، وإن لم يكن ذلك الشيء الذي قالوا أنه يكون على ما قالوا قالوا: لشيعتهم بدا الله في ذلك، وأما التقية فإنه لما كثرت على أئمتهم مسائل شيعتهم في الحلال والحرام وغير ذلك من صنوف أبواب الدين فأجابوا فيها وحفظ عنهم شيعتهم جواب ما سألوهم وكتبوه ودونوه ولم يحفظ أئمتهم تلك الأجوبة بتقادم العهد وتفاوت الأوقات. لأن مسائلهم لم ترو في يوم واحد ولا في شهر واحد بل في سنين متباعدة وأشهر متباينة وأوقات متفرقة، فوقع في أيديهم في المسألة الواحدة مرة أجوبة مختلفة متضادة وفي مسائل مختلفة أجوبة متفقة، فلما وقفوا على ذلك منهم ردوا إليهم هذا الاختلاف والتخليط في جواباتهم وسألوهم عنه وأنكروه عليهم، فقالوا من أين هذا الاختلاف؟
وكيف جاز ذلك قالت لهم أئمتهم: إنما أجبنا بهذا للتقية ولنا أن نجيب بما أجبنا وكيف شئنا لأن ذلك إلينا ونحن نعلم بما يصلحكم وما فيه بقاءكم وكف عدوكم عنا وعنكم، فمتى يظهر من هؤلاء على كذب ومتى يعرف لهم حق من باطل؟ فمال إلى