الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال أحمد أيضا: حدثنا وكيع حدثنا مسعر عن أبي الحصين عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري قال: من سمع المنادي فلم يجب بغير عذر فلا صلاة له، وقال أحمد: حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي حيان التيمي عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال: لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد. قيل: ومن جار المسجد؟ قال: من سمع المنادي. وقال سعيد بن منصور: حدثنا هشيم أخبرنا منصور عن الحسن بن علي قال: من سمع النداء فلم يأته لم تجاوز صلاته رأسه إلا من عذر. وقال عبد الرزاق عن يروي عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي قال: من سمع النداء من جيران المسجد وهو صحيح من غير عذر فلا صلاة له.
وقال وكيع عن عبد الرحمن بن حصين عن أبي نجيح المكي عن أبي هريرة قال: لأن تمتليء أذنا ابن آدم رصاصا مذابا خير له من أن يسمع المنادي ثم لا يجيبه. وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع عن سفيان عن منصور عن عدي بن ثابت عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: من سمع المنادي فلم يجب من غير عذر فلم يرد خيرا أولم يرد به.
قال وكيع حدثنا شعبة عن عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عابس قال: من سمع النداء ثم لم يجب من غير عذر فلا صلاة له.
وقال عبد الرزاق عن ليث عن مجاهد قال: سأل رجل ابن عباس فقال: رجل يصوم النهار ويقوم الليل لا يشهد جمعة ولا جماعة. فقال ابن عباس: هو في النار، ثم جاء الغد فسأله عن ذلك فقال: هو في النار. قال: واختلف إليه قريبا من شهر يسأله عن ذلك، ويقول ابن عباس: هو في النار.
فهذه نصوص الصحابة كما تراها صحة وشهرة وانتشارا، ولم يجيء عن صحابي واحد خلاف ذلك وكل من هذه الآثار دليل مستقل في المسألة لو كان وحده، فكيف إذا تعاضدت وتضافرت؟ وبالله التوفيق.
فصل
وأما
المسالة السابعة وهي: هل الجماعة شرط في صحة الصلاة أم لا
؟
فاختلف الموجبون لها في ذلك على قولين:
أحدهما: أنها فرض يأثم تاركها وتبرأ ذمته بصلاته وحده، وهذا قول أكثر المتأخرين من أصحاب أحمد ونص عليه أحمد في رواية حنبل فقال إجابة الداعي إلى الصلاة فرض، ولو أن رجلا قال: هي عندي سنة أصليها في بيتي مثل الوتر وغيره لكان خلاف الحديث وصلاته جائزة، وعنه رواية ثانية ذكرها أبو الحسن الزعفراني في كتاب الإقناع أنها شرط للصحة فلا تصح صلاة من صلى وحده، وحكاه القاضي عن بعض الأصحاب واختاره أبو الوفاء ابن عقيل وأبو الحسن التميمي وهو قول داود وأصحابه. قال ابن حزم: وهو قول جميع أصحابنا ونحن نذكر حجج الفريقين:
قال المشترطون: كل دليل ذكرناه في الوجوب يدل على أنها شرط فإنها إذا كانت واجبة فتركها المكلف لم يفعل ما أمر به فبقي في عهدة الأمر. قالوا: ولو صحت الصلاة بدونها لما قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه لا صلاة له، ولو صحت لما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"من سمع المنادي ثم لم يجبه لم تقبل منه الصلاة التي صلى". فلما وقف القبول عليها دل على اشتراطها، كما أنه لما وقف القبول على الوضوء من الحدث دل على اشتراطه.
قالوا: ونفي القبول إما أن يكون لفوات ركن أو شرط ولا ينتقض هذا بنفي القبول عن صلاة العبد الآبق وشارب الخمر أربعين يوما؛ لأن امتناع القبول هناك لارتكاب أمر محرم قارن الصلاة فأبطل أجرها.
قالوا: ولو صحت صلاة المنفرد لما قال ابن عباس إنه في النار، قالوا: لو صحت صلاته أيضا لما كانت واجبة، وأنه إنما يصح عبادة من أدى ما أمر به، وقد ذكرنا من أدلة الوجوب ما فيه كفاية. قال المصححون لها وهم ثلاثة أقسام قسم يجعلها سنة إذا شاء فعلها وإن شاء تركها، وقسم يجعلها فرض كفاية إذا قام بها طائفة سقطت عمن عداهم، وقسم يقول: هي فرض على الأعيان وتصح بدونها. وقد ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة". وفيهما عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته وسوقه خمسة وعشرين ضعفا، وذلك أنه إذا توضأ
فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة وحطت عنه بها خطيئة فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه ما لم يحدث تقول: اللهم صل عليه اللهم ارحمه، ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة". قالوا فلو كانت صلاة المنفرد باطلة لم يفاضل بينها وبين صلاة الجماعة إذ لا مفاضلة بين الصحيح والباطل.
قالوا: وفي صحيح مسلم من حديث عثمان بن عفان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله". قالوا: فشبه فعلها في جماعة بما ليس بواجب، والحكم في المشبه كهو في المشبه به أو دونه في التأكيد.
قالوا: وقد روى يزيد بن الأسود قال: شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم حجته فصليت معه صلاة الصبح في مسجد الخيف فلما قضى صلاته انحرف فإذا هو برجلين في آخر القوم لم يصليا قال: "علي بهما" -فجيء بهما ترعد فرائصهما- قال: "ما منعكما أن تصليا معنا"، فقالا: يا رسول الله قد صلينا في رحالنا. قال: "فلا تفعلا إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة". رواه أهل السنن. وعند أبي داود: "إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك مع الإمام فليصلها معه فإنها له نافلة". قالوا: ولولا صحة الأولى لم تكن الثانية نافلة.
وعن محجن بن الأذرع قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فحضرت الصلاة فصلى يعني ولم أصل فقال لي: "ألا صليت" قلت: يا رسول الله قد صليت في الرحل ثم أتيتك. قال: "فإذا جئت فصل معهم واجعلها نافلة". رواه الإمام أحمد
وفي الباب عن أبي هريرة وعن أبي ذر وعبادة وعبد الله بن عمر ولفظ حديث ابن عمر عن سليمان مولى ميمونة قال: أتيت على ابن عمر وهو بالبلاط والقوم يصلون في المسجد فقلت: ما يمنعك أن تصلي مع الناس قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تصلوا صلاة في يوم مرتين". رواه أبو داود والنسائي.
فصل
قال الموجبون: التفضيل لا يستلزم براءة الذمة من كل وجه سواء كان مطلقا أو مقيدا فإن التفضيل يحصل مع مناقضة المفضل للمفضل عليه من كل وجه
كقوله تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً} ، وقوله تعالى:{قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ} ، وهو كثير فكون صلاة الفذ جزءا واحدا من سبعة وعشرين جزءا من صلاة الجميع لا يستلزم إسقاط فرض الجماعة، ولزوم كونها ابنة بوجه من الوجوه، وغايتها أن يتأدى الواجب بها، وبينهما من الفضل ما بينهما فإن الرجلين يكون مقامهما في الصف واحدا وبين صلاتهما في الفضل كما بين السماء والأرض.
وفي السنن عنه صلى الله عليه وسلم: "إن العبد ليصلي الصلاة ولم يكتب له من الأجر إلا نصفها ثلثها ربعها خمسها" حتى بلغ عشرها فإذا عقل اثنان يصليان فرضهما صلاة أحدهما أفضل من صلاة الآخر بعشرة أجزاء وهما فرضان فهكذا يعقل مثله في صلاة الفذ وصلاة الجماعة.
وأبلغ من هذا قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها". فإذا لم يعقل في صلاته إلا في جزء واحد كان له من الأجر بقدر ذلك الجزء، وإن برأت ذمته من الصلاة، فهكذا المصلي وحده له جزء واحد من الأجر وإن برئت الذمة، ومثل هذه الصلاة لا يسميها الشارع صحيحة وإن اصطلح الفقهاء على تسميتها صلاة فإن الصحيح المطلق ما تربت عليه أثره وحصل به مقصودة وهذه قد فات معظم أثرها ولم يحصل منها جل مقصودها فهي أبعد شيء من الصحة، وأحسن أحوالها أن ترفع عنه العقاب وإن حصلت شيئا من الثواب فهو جزء وما هذا إلا على قول من لا يجعلها شرطا للصحة. وأما من جعلها شرطا لا تصح بدونه فجوابه إن التفضيل إنما هو بين صلاتين صحيحتين وصلاة الرجل وحده إنما تكون صحيحة للعذر، وأما بدون العذر فلا صلاة له كما قال الصحابة رضي الله عنهم، وهؤلاء لو أجابوا بهذا لرد عليهم منازعوهم إن المعذور يكمل له أجره، فأجابوا على ذلك بأنه لا يستحق بالفعل إلا جزءا واحدا، وأما التكميل فليس من جهة الفعل بل بالنية إذا كان من عادته أن يصلي جماعة فمرض أو حبس أو سافر وتعذرت عليه الجماعة والله يعلم أن من نيته أن لو قدر على الجماعة لما تركها فهذا يكمل له أجره مع أن صلاة الجماعة أفضل من صلاته من حيث العملين.
قالوا: ويتعين هذا ولا بد. فإن النصوص قد صرحت بأنه لا صلاة لمن سمع النداء ثم
صلى وحده، فدل على أن من له جزء من سبعة وعشرين جزءا هو المعذور الذي له صلاة، قالوا: والله تعالى يفضل القادر على العاجز وإن لم يؤاخذه فذلك فضله يؤتيه من يشاء.
وفي صحيح البخاري عن عمران بن حصين وكان مبسورا قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الرجل وهو قاعد فقال: "من صلى قائما فهو أفضل ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد". فهذا إنما هو في المعذور وإلا فغير المعذور ليس له من الأجر شيء إذا كانت الصلاة فرضا، وإن كانت نفلا لم يجز له التطوع على جنب فإنه لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما من الدهر ولا أحد من الصحابة البتة مع شدة حرصهم على أنواع العبادة وفعل كل خير، ولهذا جمهور الأمة يمنع منه ولا تجوز الصلاة على جنب إلا لمن لم يستطع القعود كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمران:"صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب". وعمران بن حصين هو راوي الحديثين وهو الذي سأل عنهما النبي صلى الله عليه وسلم.
فصل
وأما استدلالكم بحديث عثمان بن عفان: "من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل". فمن أفسد الاستدلال وأظهر ما في نقضه عليكم قوله صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان واتبعه ستا من شوال فكأنما صام الدهر". وصيام الدهر غير واجب وقد شبه به الواجب. بل الصحيح أن صيام الدهر كله مكروه فقد شبه به الصوم الواجب فغير ممتنع تشبيه الواجب بالمستحب في مضاعفة الأجر على الواجب القليل حتى يبلغ ثوابه ثواب المستحب الكثير.
فصل
وأما استدلالكم بحديث يزيد بن الأسود ومحجن بن الأدرع وأبي ذر وعبادة فليس في حديث واحد منهم أن الرجل كان قد صلى وحده منفردا مع قدرته على الجماعة البتة ولو أخبر النبي صلى الله عليه وسلم لما أقره على ذلك وأنكرعليه. وكذلك ابن عمر لم يقل صليت وحدي وأنا أقدر على الجماعة. ونحن نقول: إنه لم يصل من ترك الجماعة وهو يقدر عليها. ونقول كما قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه لا صلاة له، فحيث يثبت لهؤلاء صلاة فلا بد من أحد الأمرين: أن