الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكَانَ الْإِمَامُ أَحْمَد رحمه الله يَسْتَدِلّ بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى أَنَّ كَلَام اللهِ غَيْر مَخْلُوق، وَيَحْتَجّ بِأَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وآله وسلم لَا يَسْتَعِيذ بِمَخْلُوقٍ.
(مِنْ كُلّ شَيْطَان) يَدْخُل تَحْته شَيَاطِين الْإِنْس وَالْجِنّ.
(وَهَامَّة) وَاحِدَة الْهَوَامّ ذَوَات السَّمُوم، وَقِيلَ: كُلّ مَا لَهُ سُمٌّ يَقْتُل، وَقِيلَ: الْمُرَاد كُلّ نَسَمَة تَهُمُّ بِسُوءٍ.
قَوْلُهُ: (وَمِنْ كُلّ عَيْن لَامَّة) قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْمُرَاد بِهِ كُلّ دَاء وَآفَة تُلِمّ بِالْإِنْسَانِ مِنْ جُنُون وَخَبَل.
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قال: {حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عليه السلام حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وآله وسلم حِينَ قَالُوا: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (رواه البخاري).
مسألة: النبي صلى الله عليه وآله وسلم أفضل من إبراهيم، فكيف طلب له من الصلاة ما لإبراهيم، مع أن المشبَّه به أصله أن يكون فوق المشبَّه؟ فكيف الجمع بين هذه الأمرين
؟
أجاب العلماء عن ذلك بأجوبة كثيرة، وقد بلغت نحو عشرة أقوال، منها:1 - أن التشبيه المذكور إنما هو في أصل الصلاة، لا في قدرها، ولا في كيفيتها، فالمسئول إنما هو راجع إلى الهيئة، لا إلى
قدر الموهوب، وهذا كما تقول للرجل: أحسن إلى ابنك كما أحسنت إلى فلان، وأنت لا تريد بذلك قدر الإحسان، وإنما تريد به أصل الإحسان.
وقد يُحْتَجّ لذلك بقوله تعالى: {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ} (القصص:77)، ولا ريب أنه لا يقدر أحد أن يحسن بقدر ما أحسن الله إليه، وإنما أريد به أصل الإحسان لا قدره، فالتشبيه في الآية لا يتعلق بمقدار الإحسان؛ بل بأصله؛ فكأن معنى الآية: كما وقع الإحسان من الله إليك أيها العبد الفقير إلى الله سبحانه وتعالى، فأحسن بالصدقة وبالعبادة وغيرها من الطاعات.
ومنها قوله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} (النساء:163)، وهذا التشبيه في أصل الوحي لا في قدره وفضل الموحَى به.
2 -
قول قوَّاه واستحسنه شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم: وهو قول من قال عن آل إبراهيم عليه السلام: «فيهم الأنبياء الذين ليس في آل محمد مثلهم، فإذا طُلب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولآله مثل ما لإبراهيم وآله ـ وفيهم الأنبياء ـ حصل لآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم من ذلك ما يليق بهم، فإنهم لا يبلغون مراتب الأنبياء، وتبقى الزيادة التي
للأنبياء ـ وفيهم إبراهيم ـ لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم فيحصل له من المزية ما لا يحصل لغيره»
3 -
قال الإمام ابن القيم في (جلاء الأفهام): «
…
وأحسن منه (أي من القول السابق) أن يقال: «محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو من آل إبراهيم، بل هو خير آل إبراهيم، كما روى علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} (آل عمران: 33)، قال ابن عباس رضي الله عنهما: «محمد من آل إبراهيم» . وهذا نص، فإنه إذا دخل غيره من الأنبياء الذين هم من ذرية إبراهيم في آله، فدخول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوْلَى.
فيكون قولنا: «كما صليت على آل إبراهيم» متناولاً للصلاة عليه، وعلى سائر النبيين من ذرية إبراهيم.
ثم قد أمرنا الله عز وجل أن نصلي عليه وعلى آله خصوصاً بقدر ما صلينا عليه مع سائر آل إبراهيم عموماً، وهو فيهم، ويحصل لآله من ذلك ما يليق بهم، ويبقى الباقي كله له صلى الله عليه وآله وسلم.
وتقرير هذا أنه يكون قد صُلِى عليه خصوصاً، وطُلِب له من الصلاة ما لآل إبراهيم وهو داخل معهم، ولا ريب أن الصلاة الحاصلة لآل إبراهيم ـ ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معهم ـ أكمل من الصلاة