الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الخطبة السادسة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]
الخطبة السادسة
في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الحمد لله القوي العظيم الرقيب الشهيد يدبر خلقه كما يشاء بحكمته فهو الفعال لما يريد أحكم ما شرع وأتقن ما صنع فهو الولي الحميد حد لعباده حدودا ونظم لهم تنظيما وقال لهم {هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153] فصار الناس على أقسام فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله وإن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك القهار فلا ضد له ولا نديد وأشهد أن محمدا عبده ورسوله القائم بأمر الله الناصح لعباد الله على الرشد والتسديد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ - يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج: 1 - 2]{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان: 33]{وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [البقرة: 281]{وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 25]
عباد الله لا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور لا تغرنكم الأموال وكثرتها لا يغرنكم رغد العيش ونضارة الدنيا وزهرتها لا يغرنكم ما أنعم الله به عليكم من العافية والأمان ولا يغرنكم إمهاله لكم مع تقصيركم في الواجب والعصيان. إن اغتراركم بهذا من الأماني الباطلة والآمال الكاذبة: {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: 99]
عباد الله لقد انتشرت المعاصي في مجتمع الأمة الإسلامية وأصبح ما كان منكرا بالأمس معروفا اليوم، أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات تعاملوا بالربا ومنعوا الزكاة ابتعدوا عن الحياء
وانتهكوا الحرمات صاروا كالبهائم يطلبون متع الدنيا وإن أضاعوا الدين صدوا عن سبيل الله واتبعوا سبل الكافرين زين لهم سوء أعمالهم فظنوا ذلك تحررا وتقدما وتطورا وما علموا أن ذلك هو الرق تحت قيود الهوى والتأخر عن الفضائل إلى الورى والتدهور إلى الهاوية والردى.
أيها المسلمون المؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم إن أسباب هذا التدهور ترجع إلى أمرين: أحدهما ضعف الدين في النفوس وقوة الداعي إلى الباطل والثانية ضعف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمداهنة في دين الله عز وجل وأن حماية الدين لا تكون إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الأمر بما أمر الله به رسوله والنهي عما نهى الله عنه ورسوله بقصد النصيحة لله ولعباد الله.
أيها المسلمون إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة على هذه الأمة التي هي أفضل الأمم وأكرمها على الله إن استقامت على دينه: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ - وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 104 - 105]
أيها المسلمون إنكم إن قمتم بهذا الذي أمركم الله به كنتم خير أمة أخرجت للناس وإن تركتم ذلك كنتم من شرار الأمم إنه لا نسب بين الله وبين عباده ولكن من اتقاه فهو الكريم عنده وأكرم الناس عند الله اتقاهم له. إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقتصر على فئة معينة من الناس إنه واجب على الناس جميعا قال النبي صلى الله عليه وسلم «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» .
أيها المسلمون إن، منا من يظن أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خاص بفئة معينة وهذا ظن فاسد فالنبي صلى الله عليه وسلم قال «من رأى منكم منكرا» وهذا عام لكل من رأى المنكر يجب أن يغيره بيده بالضرب أو غيره فإن لم يستطع فبلسانه بالكلام والنصح والإرشاد أو الكلام مع ولاة الأمور إن لم ينفع الكلام معه وكل واحد منا يستطيع أن يتكلم مع المسئولين في منع المنكر، ويجب على المسئولين إذ بلغهم أن يقوموا بما أوجب الله عليهم من الإصلاح، ولأن يجتمعوا على ذلك لينالوا الفوز والفلاح إن عليهم أن يتركوا الدعة والسكون وأن يقوموا
لله مخلصين له الدين وسوف تكون العاقبة لهم إن العاقبة للمتقين.
أيها المسلمون، إن الأمة لا يمكن أن تكون أمة قوية مرموقة حتى تتحد في أهدافها وأعمالها ولن يمكنها ذلك حتى تقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فتكون على دين واحد في العقيدة والقول والعمل صراطا مستقيما صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض. أما إذا لم تقم بذلك فإنها تتفكك وتنفصم عراها يكون لكل واحد هدف ولكل واحد طريق وعمل يتفرقون أحزابا كل حزب بما لديهم فرحون {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [الأنعام: 159]
أيها المسلمون، إذا لم نقم بأمر الله ونسعى في إصلاح مجتمعنا بالالتزام بدين الله فمن الذي يقوم ويسعى بذلك وإذا لم نتكاتف على منع الشر والفساد فكلنا هالك. فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الرجل من بني إسرائيل كان إذا رأى أخاه على الذنب نهاه عنه تعذيرا فإذا كان من الغد لم يمنعه ما رأى منه أن يكون جليسه أو يأكل معه فلما رأى الله ذلك منهم ضرب قلوبهم بعضهم على بعض ولعنهم على لسان نبيهم داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكان يعتدون» ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «والذي نفس محمد بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد السفيه ولتأطرنه على الحق أطرا أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض، ثم يلعنكم كما لعنهم» ولما فتح المسلمون جزيرة قبرص فرق أهلها فبكى بعضهم إلى بعض فرئى أبو الدرداء رضي الله عنه يبكي فقيل له ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله، فقال ويحك ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا هم أضاعوا أمره بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى.
أيها المسلمون، إن من المؤسف المروع أن نرى مجتمعنا الإسلامي أمة محمد هكذا شعبا متفككا، لا يغارون لدين ولا يخافون من وبال، لا يتفقد الرجل أهله وولده ولا ينظر في جيرانه، بل تراه يرى المعاصي فيهم لا ينهاهم عنها ويرى التقصير في الواجب فلا يتداركه وهذا أيها المسلمون ينذر بالحظر لا سيما مع كثرة النعم والانغماس في الترف يقول الله سبحانه وتعالى:{وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الإسراء: 16]
اللهم ألهمنا رشدنا وهيئ لنا الخير واجمع كلمتنا على الحق وأبرم لأمتنا أمرا يؤمر فيه بالمعروف وينهى عن المنكر، يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك يا رب العالمين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. . إلخ.