المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الخطبة الثالثة فيما أحيطت به نعمة النكاح من مفاسد أحدثها الناس] - الضياء اللامع من الخطب الجوامع - جـ ٨

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌[الخطبة السابعة في تحريم مال الغير بغير رضاه]

- ‌[الخطبة الثامنة في إنفاق المال في طرق الخير بوقف أو غيره]

- ‌[الفرع الثامن في النكاح]

- ‌[الخطبة الأولى في الحث على النكاح وتذليل العقبات التي تحول دونه]

- ‌[الخطبة الثانية في انحلال بعض العقبات التي تحول دون النكاح]

- ‌[الخطبة الثالثة فيما أحيطت به نعمة النكاح من مفاسد أحدثها الناس]

- ‌[الخطبة الرابعة فيما يجب على الولي من اختيار الكفء وتزويج موليته به]

- ‌[الخطبة الخامسة في الحث على تخفيف المهور]

- ‌[الخطبة السادسة في التحذير من أخذ الصور في الأعراس]

- ‌[الفرع التاسع في الجنايات والحدود والحسبة]

- ‌[الخطبة الأولى في عقوبة القاتل عمدا]

- ‌[الخطبة الثانية في التحذير من أخطار السيارات]

- ‌[الخطبة الثالثة في الحدود ووجوب إقامتها]

- ‌[الخطبة الرابعة في أنواع الحدود]

- ‌[الخطبة الخامسة في التحذير من الخمر]

- ‌[الخطبة السادسة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

- ‌[الخطبة السابعة في الصبر على الأذى بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

- ‌[الفرع العاشر في الأمانة]

- ‌[الخطبة الأولى في المحافظة على الأمانة]

- ‌[الخطبة الثانية فيما تكون فيه الأمانة]

- ‌[الخطبة الثالثة في أمانة اختبار الطلاب]

- ‌[الخطبة الرابعة في وجوب رعاية الأولاد والأهل]

- ‌[الخطبة الخامسة في حفظ وقت الشباب وقت عطلة المدارس]

- ‌[الفرع الحادي عشر في القضاء والشهادة]

- ‌[الخطبة الأولى في التحذير من الرشوة]

- ‌[الخطبة الثانية في التحذير من التهاون بالشهادة]

- ‌[القسم الخامس في الفتن]

- ‌[الخطبة الأولى في شيء من الفتن قبل قيام الساعة]

- ‌[الخطبة الثانية في شيء من الفتن أيضا]

- ‌[الخطبة الثالثة في أمور أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم محذرا منها]

- ‌[الخطبة الرابعة في شيء من المغيبات يكون قبل قيام الساعة]

- ‌[الخطبة الخامسة في التحذير مما يكون في بعض الصحف والمجلات]

- ‌[القسم السادس في أحوال القيامة]

- ‌[الخطبة الأولى في بعض أهوال يوم القيامة]

- ‌[الخطبة الثانية في عذاب النار]

- ‌[الخطبة الثالثة في نعيم الجنة]

- ‌[القسم السابع في مواضيع مختلفة]

- ‌[الخطبة الأولى في التوبة وشروطها]

- ‌[الخطبة الثانية في التوبة وشروطها أيضا]

- ‌[الخطبة الثالثة في حقوق الرعية والرعاة]

الفصل: ‌[الخطبة الثالثة فيما أحيطت به نعمة النكاح من مفاسد أحدثها الناس]

[الخطبة الثالثة فيما أحيطت به نعمة النكاح من مفاسد أحدثها الناس]

الخطبة الثالثة

فيما أحيطت به نعمة النكاح من مفاسد أحدثها الناس إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك به وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليمًا. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا - يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70 - 71]

عباد الله لقد سر الناس كثرة الزواج في هذا العام والذي قبله سرهم ذلك لأنه تنفيذ لأمر الله تعالى واتباع لرسله الكرام عليهم الصلاة والسلام وتمتع بما أباح الله تعالى لعباده من نيل الشهوة وإمضاء لما تقتضيه الغريزة والفطرة وتحصيل للمصالح العظيمة التي تترتب عليه في الفرد والمجتمع وحجاب دون المفاسد التي تحصل بفقده فالنكاح نعمة يسر بها كل مؤمن ولكن هذه النعمة الكبيرة أحيطت بأمور ربما تحولها إلى نقمة وكارثة، أحيطت بالمغالاة الزائدة في المهور، وأحيطت بالإسراف البالغ في الولائم، وأحيطت بالأعمال المنحرفة في الزفاف، أحيطت بالمغالاة الزائدة في المهور حتى بلغ حدًّا لا يطيقه إلا القليل من الناس وكثير منهم لا يحصل عليه إلا بديون تثقل كاهله وتشغل ذمته وتأسر عزته لدائنه وإن المغالاة في المهور من أكبر العوائق عن النكاح والحوائل دونه وهي خلاف السنة فإن السنة تخفيف المهر وتقليله وتخفيفه من أسباب بركة النكاح والوئام بين الزوجين فأعظم النكاح بركةً أيسره مؤونةً وقد «تزوج رجل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم امرأةً على نعلين فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم نكاحه» «وقال لرجل يريد أن يتزوج امرأةً التمس ولو خاتمًا من حديد فلم يجد شيئًا فزوجه النبي صلى الله عليه وسلم بما معه من القرآن» ، فيا من مَنَّ الله عليه بالمال انظر إلى من دونك إذا كان يسيرًا عليك أن تبذل الكثير ففي الميدان من لا يتيسر عليه ذلك إن النكاح ليس عقدًا خاصًّا لك حتى تبيح لنفسك الحرية فيما

ص: 564

تبذل فيه إن النكاح حاجة الناس كلهم فإذا أردت أن تتصرف فيه بشيء فانظر ماذا يترتب على هذا التصرف بالنسبة لغيرك لتكون مؤمنًا حقًّا تهتم بأمور إخوانك المؤمنين وتحب لهم ما تحب لنفسك.

إن المغالاة في المهور لو كان مكرمة في الدنيا أو تقوى في الآخرة لكان أولى الناس بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأةً من نسائه أكثر من اثنتي عشرة أوقيةً ونصف وهي تساوي مئةً وأربعين ريالًا فقط، يا من مَنَّ الله عليه بالغنى قلل ما تبذله من المهر وإذا دخلت على زوجتك وأعجبتك فابذل لها ما شئت ربما تبذل كثيرًا فإذا دخلت عليها ولم تعجبك ندمت على ما بذلت فاتق الله تعالى في نفسك وفي مالك وفي إخوانك. ويا أيها الأولياء لا تجعلوا همكم المال فتنظروا من يبذل أكثر أو من يشترط لكم من المال أكثر إن الأمانة أن تنظروا إلى مصلحة المرأة أن تزوجوها من تعيش معه عيشةً سعيدةً في ظل الإيمان والعمل الصالح والأخلاق الحميدة فذلك رأس المال أما عرض الدنيا فمهما كثر فهو قليل وزائل.

عباد الله ولقد أحيطت نعمة الزواج بالإسراف البالغ في الولائم من أهل الزوجة والزوج مشتركين أو منفردين يدعون جمعًا كبيرًا يحضر منهم من يحضر ويتخلف من يتخلف وأكثر من يحضر لا يحضر إلا على إغماض إما مجاملةً أو قيامًا بما أوجب الله تعالى من إجابة وليمة الزوج إن هذا الإسراف وقوع فيما نهى الله تعالى عنه وتعرض لكراهة الله تعالى للعبد فإن الله تعالى يقول {وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام: 141] وإن هذا الإسراف عدول عن الطريق الوسط الذي هو طريق عباد الرحمن {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67] وإن هذا الإسراف خروج عن آداب القرآن حيث يقول الله تعالى {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} [الإسراء: 29] فهل ترضى أيها المؤمن أن تقع فيما نهاك الله عنه من الإسراف هل ترضى أن تُعَرِّض نفسك لكراهة الله لك هل ترضى أن تعدل بنفسك عن طريق عباد الرحمن هل ترضى أن تخرج عن آداب القرآن التي هي أعلى الآداب وأكملها إن هذا الإسراف كما أنه محذور شرعًا فهو ممقوت عادةً فإن الناس يلومون من يسرف هذا الإسراف وينظرون إليه نظرة الساخر الناقص لمن يحاول

ص: 565

أن يكمل نقصه بمثل هذه الولائم المسرفة إن هذا الإسراف كما أنه محذور شرعًا وممقوت عادةً فهو سفه عقلًا لما فيه من إتلاف المال وإضاعة الوقت وشغل البال واتعاب الأبدان وامتهان النعمة إننا نرى الكثير من هذه الأطعمة واللحوم تبقى لا يأكلها أحد وقد سمعنا من بعض الناس أنها تلقى على الزبالات وجوانب الطرق والمتورع من الناس من يحملها إلى البر ويرمي بها هناك فهل هذا من الرشد هل هذا من شكر النعمة أفلا يذكر هؤلاء أن الناس كانوا منذ عهد قريب يتمنى الواحد لقمةً أو تمرةً يسد بها جوعته.

عباد الله: ولقد أحيطت نعمة الزواج بأعمال منحرفة في الزفاف فلقد سمعنا أن بعض الناس أضاعوا ليلة العرس الحياء من الله والحياء من عباد الله أضاعوا دينهم بإضاعة الحياء فإن الحياء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم شعبة من الإيمان، سمعنا أنه يحصل في بعض الزواجات دخول بعض السفهاء مع النساء لالتقاط صورة اللقاء بين الزوجين وسمعنا أن بعض النساء أيضًا يحملن آلات التصوير لتصوير الحفل واللقاء بين الزوج وزوجته فيا سبحان الله ما أدري كيف بلغ الأمر بهؤلاء إلى هذا التدهور وكيف انحدروا إلى الهاوية بهذه السرعة كيف خرجوا عن الحدود الشرعية والمروءات المرعية إلى عادات أخذوها من الكفار أو من مقلدي الكفار كيف يدع هؤلاء ما يأمرهم به دينهم وما عليه مجتمعهم من الحياء والحشمة والبُعْد عن أسباب الفتنة إلى ما كانت عليه المجتمعات الفاسدة التي عثا بها الشر والفساد فيقلدونهم ذلك التقليد الأعمى فمثلهم كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاءً ونداءً صم بكم عمي فهم لا يعقلون.

عباد الله تصوروا عظم الفتنة وفداحتها في هذا التصوير في غمرة الفرح بالعرس وتحت سيطرة نشوة النكاح وفي وسط التبرج ونكهة الطيب وتصوروا عظم الفتنة وفداحتها حينما تلتقط هذه الصور في تلك الحال لتكون بأيدي الناس يعرضونها على من شاؤوا ويتمتعون بالنظر إلى الجميل منها متى شاؤوا ويشمتون بالقبيح منها متى شاؤوا هل يرضى أحد منكم أن تكون صورة ابنته أو أخته أو زوجته بأيدي الناس ينظرون إليها كيف شاؤوا هل يرضى عاقل أن تكون صورته في أول لقاء بينه وبين زوجته معروضةً يتداولها الناس بينهم إن هذا مما تنكره الفطر وتسفهه العقول فارجعوا عباد الله إلى فطركم وعقولكم وتَفَكَّروا هل لهذا العمل المنكر ما يبرره

ص: 566

إن هذا العمل لا يزيد الزوجين ألفةً في القلوب ولا صحةً في الأجسام ولا سعةً في الرزق ولا حمدًا بين الناس بل هو شر وفتنة لا خير فيه.

ولقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من التصوير وقال: «أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون» وقال «كل مصور في النار يَجْعل له بكل صورة صورها نفسًا فتعذبه في جهنم» ولعن المصورين والتصوير الفوتغرافي بالكمرة داخل في هذا الوعيد عند بعض أهل العلم فليحذرِ المصور أن يُعَرِّض نفسه لعذاب الله ولعنته.

فاتقوا الله عباد الله ولا تحيطوا نعمة الله بالزواج بأسباب نِقَمه وعذابه وتعاونوا على البر والتقوى وخذوا على أيدي السفهاء واطروهم على الحق أطرًا {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 25]

وفقنا الله تعالى لما فيه الخير والسداد وجنبنا أسباب الشر والفساد إنه جواد كريم رؤوف رحيم.

ص: 567