المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الخطبة السابعة في معراج النبي صلى الله عليه وسلم] - الضياء اللامع من الخطب الجوامع - جـ ٩

[ابن عثيمين]

الفصل: ‌[الخطبة السابعة في معراج النبي صلى الله عليه وسلم]

[الخطبة السابعة في معراج النبي صلى الله عليه وسلم]

الخطبة السابعة

في معراج النبي صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذي أنعم علينا بنعم لا تحصى ودفع عنا من النقم ما لا يعد ولا يستقصى وسبحان الذي أسرى بعبده محمد صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وعرج به بصحبة جبريل الأمين إلى السماوات العلى وأراه من آياته العظيمة الكبرى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الأسماء الحسنى والصفات الكاملة العليا الذي خلق الأرض والسماوات العلى وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي فضله الله بالعلم والرشد فما ضل وما غوى وأدبه فأحسن تأديبه فما زاغ بصره وما طغى صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الكرماء وعلى التابعين لهم بإحسان ما دامت الأرض والسماء وسلم تسليما.

أما بعد: أيها الناس اتقوا الله تعالى واشكروه على ما أنعم به عليكم من النعم الكبرى والآلاء الجسيمة العظمى فإن نعم الله علينا سابغة وآلاءه متوالية متتابعة لقد جعلنا الله خير أمة أخرجت للعالمين وفضل نبينا على سائر الأنبياء والمرسلين واختصه بخصائص لما ينلها أحد من البشر ولن يصل إليها أحد ممن تقدم أو تأخر. فمن خصائصه العظيمة ذلك المعراج الذي فضله الله به قبل أن يهاجر من مكة فبينما هو نائم في الحجر في الكعبة أتاه آت فشق ما بين ثغرة نحره إلى أسفل بطنه ثم استخرج قلبه فملأه حكمة وإيمانا تهيئة لما سيقوم به ثم أتي بدابة بيضاء دون البغل وفوق الحمار يقال لها البراق يضع خطوه عند منتهى طرفه فركبه صلى الله عليه وسلم وبصحبته جبريل الأمين حتى وصل بيت المقدس فنزل هناك وصلى بالأنبياء إماما كل الأنبياء والمرسلين يصلون خلفه ليتبين بذلك فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرفه وأنه الإمام المتبوع ثم عرج به جبريل إلى السماء الدنيا فاستفتح فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به فنعم المجيء جاء ففتح له فوجد فيها آدم فقال جبريل هذا أبوك آدم فسلم عليه فسلم عليه فرد عليه السلام وقال مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح وإذا على يمين آدم أرواح السعداء وعلى يساره أرواح الأشقياء من ذريته فإذا نظر إلى اليمين سر وضحك وإذا نظر قبل شماله بكى ثم عرج به جبريل إلى السماء الثانية فاستفتح. . . إلخ. فوجد فيها يحيى وعيسى عليهما الصلاة والسلام وهما ابنا الخالة كل واحد منهما ابن خالة الآخر فقال جبريل هذان يحيى وعيسى فسلم عليهما فسلم عليهما فردا السلام وقالا مرحبا

ص: 688

بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم عرج به جبريل إلى السماء الثالثة فاستفتح. . الخ. فوجد فيها يوسف عليه الصلاة والسلام فقال جبريل هذا يوسف فسلم عليه فسلم عليه فرد السلام وقال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم عرج به جبريل إلى السماء الرابعة فاستفتح. . الخ. فوجد فيها إدريس صلى الله عليه وسلم فقال جبريل هذا إدريس فسلم عليه فسلم عليه فرد السلام وقال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم عرج به جبريل إلى السماء الخامسة فاستفتح. . الخ. فوجد فيها هارون بن عمران أخا موسى صلى الله عليه وسلم فقال جبريل هذا هارون فسلم عليه فسلم عليه فرد عليه السلام وقال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم عرج به جبريل إلى السماء السادسة فاستفتح. . إلخ. فوجد فيها موسى صلى الله عليه وسلم فقال جبريل هذا موسى فسلم عليه فسلم عليه فرد عليه السلام وقال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح فلما تجاوزه بكى موسى فقيل له ما يبكيك قل أبكي لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي فكان بكاء موسى حزنا على ما فات أمته من الفضائل لا حسدا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ثم عرج به جبريل إلى السماء السابعة فاستفتح. . . الخ. فوجد فيها إبراهيم خليل الرحمن صلى الله عليه وسلم فقال جبريل هذا أبوك إبراهيم فسلم عليه فسلم عليه فرد السلام وقال مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح. وإنما طاف جبريل برسول الله صلى الله عليه وسلم على هؤلاء الأنبياء تكريما له وإظهارا لشرفه وفضله صلى الله عليه وسلم وكان إبراهيم الخليل مسندا ظهره إلى البيت المعمور في السماء السابعة الذي يدخله كل يوم سبعون ألفا من الملائكة يتعبدون ويصلون ثم يخرجون ولا يعودون في اليوم الثاني يأتي غيرهم من الملائكة الذين لا يحصيهم إلا الله ثم رفع النبي صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهى فغشيها من أمر الله من البهاء والحسن ما غشيها حتى لا يستطيع أحد أن يصفها من حسنها ثم فرض الله عليه الصلاة خمسين صلاة كل يوم وليلة فرضي بذلك وسلم ثم نزل فلما مر بموسى قال ما فرض ربك على أمتك قال خمسين صلاة في كل يوم فقال إن أمتك لا تطيق ذلك وقد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك قال النبي صلى الله عليه وسلم فرجعت فوضع عني عشرا وما زال يراجع ربه حتى استقرت الفريضة على خمس فنادى مناد أمضيت فريضتي وخففت على عبادي.

وفي هذه الليلة أدخل النبي صلى الله عليه وسلم الجنة فإذا فيها قباب اللؤلؤ وإذا ترابها المسك ثم نزل

ص: 689

رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى مكة بغلس وصلى فيها الصبح فلما أصبح أخبر قريشا بما رأى فكان في ذلك امتحان لهم وزيادة في الطغيان والتكذيب وقالوا كيف تزعم يا محمد أنك أتيت بيت المقدس ورجعت في ليلة ونحن نضرب إليه أكباد الإبل شهرا في الذهاب وشهرا في الرجوع فهات صف لنا بيت المقدس فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصفه لهم حيث جلاه الله له فجعل ينظر إليه وينعته لهم فبهتوا وقالوا أما الوصف فقد أصاب وجاء الناس إلى أبي بكر فقالوا إن صاحبك يقول كذا وكذا فقال إن كان قاله فقد صدق. ثم جاءه وحوله المشركون يحدثهم فكلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قال أبو بكر صدقت فسمي الصديق من أجل ذلك رضي الله عنه وأرضاه.

فاعتبروا أيها المؤمنون بهذه الآيات العظيمة واشكروا الله على هذه النعم الجسيمة واسألوه أن يثبتكم على الإيمان إلى الممات وأن يحشركم في زمرة أوليائه وحزبه فإن حزب الله هم المفلحون أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (بسم الله الرحمن الرحيم){وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} [النجم: 1] إلى قوله {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم: 18]

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم. . الخ.

ص: 690