المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ أفضل الذكر لا إله إلا الله - العبودية

[ابن تيمية]

الفصل: ‌ أفضل الذكر لا إله إلا الله

والاستعانة بِهِ وَالْخَوْف مِنْهُ والرجاء لَهُ والموالاة فِيهِ والمعاداة فِيهِ وَالطَّاعَة لأَمره وأمثال ذَلِك مِمَّا هُوَ من خَصَائِص إلهية الله سبحانه وتعالى.

وَإِقْرَاره بإلوهية الله تَعَالَى دون مَا سواهُ يتَضَمَّن إِقْرَاره بربوبيته وَهُوَ أَنه رب كل شَيْء ومليكه وخالقه ومدبره فَحِينَئِذٍ يكون موحدا لله.

وَيبين ذَلِك أَن‌

‌ أفضل الذّكر لَا إِلَه إِلَّا الله

كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن أبي الدُّنْيَا وَغَيرهمَا مَرْفُوعا إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ: " أفضل الذّكر لَا إِلَه إِلَّا الله وَأفضل الدُّعَاء الْحَمد الله ". وَفِي " الْمُوَطَّأ " وَغَيره عَن طَلْحَة بن عبيد الله بن كريز أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: " أفضل مَا قلت أَنا والنبيون من قبلي: لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ على كل شَيْء قدير ".

ص: 136

وَمن زعم أَن هَذَا ذكر الْعَامَّة وَأَن ذكر الْخَاصَّة هُوَ الِاسْم الْمُفْرد وَذكر خَاصَّة الْخَاصَّة هُوَ الِاسْم الْمُضمر فهم ضالون غالطون واحتجاج بَعضهم على ذَلِك بقوله [91 الْأَنْعَام] : {قل الله ثمَّ ذرهم فِي خوضهم يَلْعَبُونَ} من أبين غلط هَؤُلَاءِ فَإِن الِاسْم [الله] مَذْكُور فِي الْأَمر بِجَوَاب الِاسْتِفْهَام فِي الْآيَة قبله وَهُوَ قَوْله [91 الْأَنْعَام] : {قل من أنزل الْكتاب الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نورا وَهدى للنَّاس تجعلونه قَرَاطِيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلّمتم مَا لم تعلمُوا أَنْتُم وَلَا آباؤكم قل الله} أَي: الله هُوَ الَّذِي أنزل الْكتاب الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى فالاسم [الله] مُبْتَدأ وَخَبره قد دلّ عَلَيْهِ الِاسْتِفْهَام كَمَا فِي نَظَائِر ذَلِك؛ تَقول: من جَاره؟ فَيَقُول: زيد.

وَأما الِاسْم الْمُفْرد مظْهرا أَو مضمرا فَلَيْسَ بِكَلَام تَامّ وَلَا جملَة مفيدة وَلَا يتَعَلَّق بِهِ إِيمَان وَلَا كفر وَلَا أَمر وَلَا نهي.

وَلم يذكر ذَلِك أحد من سلف الْأمة وَلَا شرع ذَلِك رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَلَا يُعْطي القلبَ بِنَفسِهِ معرفَة مفيدة وَلَا حَالا نَافِعًا وَإِنَّمَا يُعْطِيهِ تصورا مُطلقًا وَلَا يُحكم عَلَيْهِ بِنَفْي وَلَا إِثْبَات فَإِن لم يقْتَرن بِهِ من معرفَة الْقلب وحاله مَا يُفِيد

ص: 137

بِنَفسِهِ وَإِلَّا لم يكن فِيهِ فَائِدَة والشريعة إِنَّمَا تشرع من الْأَذْكَار مَا يُفِيد بِنَفسِهِ لَا مَا تكون الْفَائِدَة حَاصِلَة بِغَيْرِهِ.

وَقد وَقع بعض من واظب على هَذَا الذّكر فِي فنون من الْإِلْحَاد وأنواع من الِاتِّحَاد كَمَا قد بسط فِي غير هَذَا الْمَوْضُوع.

وَمَا يذكر عَن بعض الشُّيُوخ من أَنه قَالَ: أَخَاف أَن أَمُوت بَين النَّفْي وَالْإِثْبَات، حَال لَا يقْتَدى فِيهَا بصاحبها فَإِن فِي ذَلِك من الْغَلَط مَا لَا خَفَاء بِهِ إِذْ لَو مَاتَ العَبْد فِي هَذِه الْحَال لم يمت إِلَّا على مَا قَصده ونواه إِذْ الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَقد ثَبت أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَمر يتلقين الْمَيِّت:" لَا إِلَه إِلَّا الله " وَقَالَ: " من كَانَ آخر كَلَامه: لَا إِلَه إِلَّا الله دخل الْجنَّة " وَلَو كَانَ مَا ذكره محذورا لم يلقن الْمَيِّت كلمة يخَاف أَن يَمُوت فِي أَثْنَائِهَا موتا غير مَحْمُود بل كَانَ يلقن مَا اخْتَارَهُ من ذكر الِاسْم الْمُفْرد.

وَالذكر بِالِاسْمِ الْمُضمر الْمُفْرد أبعد عَن السّنة وَأدْخل فِي الْبِدْعَة وَأقرب إِلَى ضلال الشَّيْطَان فَإِن من قَالَ: يَا هُوَ يَا

ص: 138

هُوَ أَو هُوَ هُوَ وَنَحْو ذَلِك لم يكن الضَّمِير عَائِدًا إِلَّا إِلَى مَا يصوره قلبه وَالْقلب قد يَهْتَدِي وَقد يضل.

وَقد صنف صَاحب " الفصوص " كتابا سَمَّاهُ كتاب " الهو " وَزعم بَعضهم أَن قَوْله [7 آل عمرَان] : {وَمَا يعلم تَأْوِيله إِلَّا الله} مَعْنَاهُ: وَمَا يعلم تَأْوِيل هَذَا الِاسْم الَّذِي هُوَ الهو، وَإِن كَانَ هَذَا مِمَّا اتّفق الْمُسلمُونَ بل الْعُقَلَاء على انه من أبين الْبَاطِل فقد يظنّ ذَلِك من يَظُنّهُ من هَؤُلَاءِ، حَتَّى قلت مرّة لبَعض من قَالَ شَيْئا من ذَلِك: لَو كَانَ هَذَا مَا قلتَه لكُتبت الْآيَة: وَمَا يعلم تَأْوِيل (هُوَ) مُنْفَصِلَة.

ثمَّ كثيرا مَا يذكر بعض الشُّيُوخ أَنه يحْتَج على قَول الْقَائِل: (الله) بقوله [91 الْأَنْعَام] : {قل الله ثمَّ ذرهم} ويظن أَن الله أَمر نبيه بِأَن يَقُول الِاسْم الْمُفْرد وَهَذَا غلط بِاتِّفَاق أهل الْعلم فَإِن قَوْله: {قل الله} مَعْنَاهُ: الله الَّذِي أنزل الْكتاب الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى وَهُوَ جَوَاب لقَوْله: {قل من أنزل الْكتاب الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نورا وَهدى للنَّاس تجعلونه قَرَاطِيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلمتم مَا لم تعلمُوا أَنْتُم وَلَا آباؤكم قل الله} أَي: الله الَّذِي أنزل الْكتاب الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى، رد بذلك قَول من قَالَ:{مَا أنزل الله على بشر من شَيْء} فَقَالَ: {من أنزل الْكتاب

ص: 139